عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 25-11-2020, 08:43 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,925
الدولة : Egypt
افتراضي الشبهات المثارة في وجه الداعية إلى الله

الشبهات المثارة في وجه الداعية إلى الله
(دوافعها وأسباب ترويجها)
الشَّيخ الدُّكتور محمَّد عليّ فركوس


الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على مَن أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالعلم المتلقَّى من الوحيَين هو مادَّة الدَّعوة وأساسها، فالدَّاعي إلى الله تعالى الذي أمدَّه الله بالعلم النافع والعمل الصالح، المتبصِّر بحال المدعوِّين وفيما يدعو إليه يسعى -جاهدًا- إلى إيصال شرع الله تعالى إلى عباد الله بما تستوجبه أساليب الدَّعوة وطرق التَّبليغ، وفي المعترك الدَّعويِّ ينبغي على الدَّاعي إلى الله أن يفكِّر -مليًّا- في عواقب دعوته، ومحيط المدعوِّين، ومآل مواقفه، وانعكاسات آثارها على السَّاحة الدَّعويَّة مِن جرَّاء شبهات المبطلين وأكاذيب المفترين المثارة في وجه الدَّعوة وضدَّه أو ضدَّ غيره من الدُّعاة إلى الله، إذ المعلوم أنَّ للحقِّ أعداءً كما أخبر الله عزَّ وجلَّ بقوله: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا﴾ [الفرقان: 31].
والدَّاعي إلى الله بالمعايير الشَّرعيَّة الصَّحيحة كلَّما اتَّسعت دائرة تأثيره كثرت بلاياه، وعظمت مِحَنُه ومصائبه، بسبب ألوان الأذى: مِن كدر الاختلاقاتِ وضبابيَّة الشُّبهات التي تحجب رؤية الحقِّ في حقِّ ضعاف البصر والبصيرة، والتي مِن ورائها قومٌ يتولَّوْن كِبْر المقاومة الأثيمة للدَّعوة إلى الله تعالى، ويعلنون معاداتهم للدُّعاة، وهم -في الغالب- يتمتَّعون بقيادة المجتمع وسيادته، ويريدون العلوَّ على الناس والفسادَ في الأرض، وكذا جملة تَبَعِهم ممَّن آثروا الأسفل الأدنى على الأشرف الأعلى، وأخلدوا إلى الأرض واتَّبعوا أهواءهم، سواءً ممَّن لهم رئاسةٌ وجاهٌ وأموالٌ يريدون بها التسلُّط على الناس، أو لهم دينٌ يريدون به العلوَّ على الناس.
وأصحاب هذه المواصفات ينعتهم القرآن الكريم بها، ويطلق عليهم تسمية: «الملأ» بيانًا لواقعهم لا لأنهم يستحقُّون السِّيادة والشَّرف والرئاسة، وقد كان أصحاب النُّعوت السَّابقة يقودون -من قبلُ- حملةَ الكذب والافتراء والتَّضليل على أنبياء الله الكرام، وقد جاء التَّعبير القرآنيُّ يبيِّن -بوضوحٍ- ما مضت عليه سنَّة الله في عباده، فقال تعالى عنهم: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ. وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاَدًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ﴾ [سبأ: 34-35]، وقال تعالى: ﴿وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ. أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ. وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى ءَالِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ. مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَذَا إِلاَّ اخْتِلاَقٌ﴾ [ص: 4-7]، وغيرها من الآيات -وهي كثيرةٌ- تجلِّي توارُثَ هذه الشِّنشنة بين أهل الباطل منذ القديم.
هذا، ودوافع عداوة أهل الباطل للدعاة إلى الله تكمن معظمها في:
- آفة الكبر الذي يُعمي صاحبَه عن رؤية الحقِّ بَلْهَ الانتفاع بالهدى، وإن أبصر الحقَّ فإنه يمنعه الكبر من الاعتراف به والانقياد له، إذ المتكبِّر يعتبر نفسه فوق أقدار الناس، الأمر الذي يجعل كبره يحجب عنه الرُّؤية لقدر نفسه، لذلك يتعالى عن الانضمام إلى النَّاس أو أن يكون معهم أو تابعًا لأحدٍ منهم، ناهيك إذا ما اقترن الحسد بالكبر، فإنه يزيده ظلمًا وطغيانًا عن الحقِّ وصدودًا عن الهدى، وتقوى عداوتُه للدَّعوة إلى الله ومحاربتُه لأهلها، وقد جاء التَّمثيل بفرعون وقومه يعكس هذا المعنى في قوله تعالى: ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْ هَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ﴾ [النمل: 14]، وقال تعالى عن ملإ قوم نوح: ﴿فَقَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾ [هود: 27].
- آفة الجهل، والجاهل يحقد على الداعي إلى الله، ويعتقد أنه مفسدٌ في الأرض، ويظنُّ مِن نفسه أنه موكولٌ إليه الدِّفاع عن دين النَّاس وحقوقهم، ويعمل على إبعادهم ومحاربتهم خشيةَ تحويلهم النَّاس -في زعمه واعتقاده- عن ملَّة آبائهم إلى دينٍ جديدٍ لم يسبق لهم أن سمعوا به.
- آفة حبِّ الرِّئاسة والزَّعامة وطلبهما على الناس للتسلُّط عليهم، بغضِّ النَّظر عن كون أهل محبَّة الرِّئاسة ممَّن لهم سلطةٌ ومَنَعَةٌ أو ممَّن لهم علمٌ ودينٌ، الذين لم تتمَّ لهم أغراضهم إلاَّ بمخالفة الحقِّ ودفْعِه، خاصَّةً إذا قامت شبهاتٌ تتَّفق مع شهواتهم، ويثور الهوى فيعارضون كلَّ دعوةٍ إلى الله مهما اتَّسمت بالإخلاص والصِّدق، خشيةَ أن تسلبهم سلطانَهم ومكانتهم ومناصبهم، فيجمعون الأباطيل والأكاذيب لتسويغ عداوتهم، تلك هي آفتهم: آثروا الدُّنيا وابتغَوُا الرِّئاساتِ والشَّهوات، فيخفى الصَّواب وينطمس وجه الحقِّ بما كسبت أيديهم.
تلك هي أهمُّ الدوافع وهي أسباب بعدهم عن الحقِّ وعدم انتفاعهم بالهدى، فالدَّعوة الإصلاحيَّة تهدِّد مكانتهم ومركزهم فيحاربون الدُّعاة إلى الله بالخصومة وأنواع الصُّدود التي تأخذ في مجملها التَّشكيكَ والارتياب في ذات الدَّاعية وفي صدق دعوته وفي مصداقيَّة أتباعه من المدعوِّين، وإحداث شبهاتٍ في مسار الدَّعوة، وغالبًا ما تكون مرتبطةً بعاداتٍ موروثةٍ أو مصالحَ دنيويَّةٍ أو حميَّةٍ جاهليَّةٍ، والقصد من إثارة الشُّبهات هو تنفير النَّاس عن حقيقة الدَّعوة في موضوعها وجوهرها وصدُّ الناس عن سبيلها.
ففيما يتعلَّق بشخصيَّة الدَّاعي إلى الله يرمي المبطلون سهامَ الطَّعن في سيرته وسلوكه وأمانته أو أخلاقه أو في علمه بل حتَّى في سلامة عقله، فقد يوصف بالسَّفه والضَّلالة والجهل.
ومِن أساليب المبطلين -أيضًا- إثارة الشُّبهات على شخصيَّة الدَّاعية بأنَّه غير معروف المكانة في المجتمع ولا مِن ذوي المناصب الأدبيَّة ولا مِن ذوي الشَّهادات العالية والمعارف القويَّة، أو ينتمي إلى التيَّار الموالي للأعداء، أو له شذوذٌ في الفتاوى والأقوال، أو هو رجلٌ عاديٌّ لا يتميَّز بسمعةٍ مرموقةٍ بل هو مغمورٌ ضعيفٌ لا هو في العير ولا في النَّفير.
وأمَّا أتباعه فهم فقراءُ جهَّالٌ، قِصَارُ نظرٍ ورأيٍ، ويتَّبعون مَن لا يفقه واقعَ الناس، ودعوتُه خارجة عن مألوفهم وعاداتهم الموروثة ونحو ذلك، تقصُّدًا لتنفير النَّاس مِنه وسلبِ تأثير دعوته فيهم وإضعاف ثقة النَّاس به وتزيين الباطل لهم، وإظهار الحرص لهم على مصالحهم وعاداتهم ودين آبائهم، فيدفعونهم إلى مخاصمة الحقِّ وأهله من أجل الشُّبهات المزيَّنة لهم، وهذه شِنشنةٌ قديمةٌ لا تتغيَّر في موضوعها ولا تتبدَّل في جوهرها، وإنَّما الذي يتغيَّر فيها الأسلوب والكيفيَّة، وقد جاء الخطاب الإلهيُّ لنبيِّه محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم مؤكِّدًا لهذا المعنى في قوله تعالى: ﴿مَا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ﴾ [فُصِّلت: 43].
وقد تعرَّض القرآن الكريم لأساليب المبطِلين في الطُّعون وإثارة الشُّبهات في حقِّ أنبياء الله الكرام، فيرمونهم في أشخاصهم وعقولهم وأمانتهم كما يطعنون فيهم بالإفساد في الأرض وطلب العلوِّ والرِّئاسة، فمِن نماذج ذلك قوله تعالى: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ. أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ [الذَّاريات: 52-53]، وقوله تعالى: ﴿وَقَالَ الْمَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَءَالِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ. قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الأعراف: 127-128]، وقوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلاَّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ ءَاخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا. وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً. قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [الفرقان: 4-6].
هذا، ولترويج الباطل أسبابٌ متعدِّدةٌ تضمَّنت أساليبَ ماكرةً وطرقًا ملتويةً يستعملها المُبطِلون، وقد أفصح عنها ابن القيِّم رحمه الله، ونظرًا لمناسبتها لهذا الموضوع وأهمِّيتها في كشف الوجوه المروِّجة للباطل وبيان أحوال أهلها، فقد رأيتُ -من المفيد- نقْلَ نصِّ ابن القيِّم -رحمه الله- بكامله حيث قال:
«السَّبب الأوَّل: أن يأتيَ به صاحبه مموَّهًا مزخرف الألفاظ ملفَّق المعاني مكسوًّا حلَّةَ الفصاحة والعبارة الرَّشيقة، فتُسرع العقول الضَّعيفة إلى قبوله واستحسانه وتُبادر إلى اعتقاده وتقليده، ويكون حاله في ذلك حالَ مَن يَعرض سلعةً مموَّهةً مغشوشةً على مَن لا بصيرةَ له بباطنها وحقيقتها فيحسِّنها في عينه ويحبِّبها إلى نفسه، وهذا الذي يعتمده كلُّ من أراد ترويجَ باطلٍ، فإنَّه لا يتمُّ له ذلك إلاَّ بتمويهه وزخرفته وإلقائه إلى جاهلٍ بحقيقته.
قال الله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام: 112].
فذكَر سبحانه أنهم يستعينون على مخالفة أمر الأنبياء بما يزخرفه بعضهم لبعضٍ مِن القول فيغترُّ به الأغمار(١) وضعفاء العقول، فذكَر السَّبب الفاعل والقابل ثمَّ ذكَر سبحانه انفعال هذه النُّفوس الجاهلة به بصغوها وميلها إليه ورضاها به لِما كُسي مِن الزُّخرف الذي يغرُّ السامعَ، فلمَّا أصغت إليه ورضِيَتْه اقترفت ما تدعو إليه من الباطل قولاً وعملاً، فتأمَّلْ هذه الآياتِ وما تحتها مِن هذا المعنى العظيم القدرِ الذي فيه بيانُ أصول الباطل والتنبيهُ على مواقع الحذر مِنها وعدم الاغترار بها، وإذا تأمَّلْتَ مقالاتِ أهل الباطل رأيتَهم قد كَسَوْها من العباراتِ وتخيَّروا لها مِن الألفاظ الرَّائقة ما يُسرع إلى قبوله كلُّ مَن ليس له بصيرةٌ نافذةٌ، وأكثر الخلق كذلك، حتى إنَّ الفجَّار ليُسَمُّون أعظم أنواع الفجور بأسماءٍ لا ينبو عنها السَّمع، ويميل إليها الطَّبع، فيُسمُّون أمَّ الخبائث أمَّ الأفراح، ويسمُّون اللُّقمة الملعونة لقيمة الذِّكر والفكر التي تثير العزمَ الساكن إلى أشرف الأماكن، ويسمُّون مجالسَ الفجور والفسوق مجالسَ الطيبة، حتى إنَّ بعضهم لمَّا عُذل عن شيءٍ مِن ذلك قال لعاذله: تركُ المعاصي والتخوُّف منها إساءة ظنٍّ برحمة الله وجرأةٌ على سعة عفوه ومغفرته، فانظر ماذا تفعل هذه الكلمة في قلبٍ ممتلئٍ بالشَّهوات ضعيف العلم والبصيرة.
السَّبب الثَّاني: أن يُخرج المعنى الذي يريد إبطالَه بالتَّأويل في صورةٍ مستهجنةٍ تنفر عنها القلوب وتنبو عنها الأسماع، فيتخيَّر له مِن الألفاظ أكرهَها وأبعدها وصولاً إلى القلوب وأشدَّها نفرةً عنها فيتوهَّم السَّامع أنَّ معناها هو الذي دلَّت عليه تلك الألفاظ: فيسمِّي التديُّن ثقالةً، وعدمَ الانبساط إلى السُّفهاء والفسَّاق والبطَّالين سوءَ خُلُقٍ، والأمرَ بالمعروف والنَّهيَ عن المنكر والغضبَ لله والحميَّةَ لدينه فتنةً وشرًّا وفضولاً، فكذلك أهل البدع والضَّلال مِن جميع الطوائف هذا معظم ما ينفِّرون به عن الحقِّ ويدْعُون به إلى الباطل، فيسمُّون إثباتَ صفات الكمال لله تجسيمًا وتشبيهًا وتمثيلاً ويسمُّون إثباتَ الوجه واليدين له تركيبًا، ويسمُّون إثباتَ استوائه على عرشه وعلوَّه على خلقه فوق سماواته تحيُّزًا وتجسيمًا، ويسمُّون العرش حيِّزًا وجِهَةً، ويسمُّون الصِّفاتِ أعراضًا والأفعالَ حوادثَ والوجهَ واليدين أبعاضًا والحِكَمَ والغاياتِ التي يفعل لأجلها أغراضًا، فلمَّا وضعوا لهذه المعاني الصَّحيحة الثَّابتة تلك الألفاظَ المستنكرة الشَّنيعة تمَّ لهم مِن نفيها وتعطيلها ما أرادوه فقالوا للأغمار والأغفال: اعلموا أنَّ ربَّكم منزَّهٌ عن الأعراض والأغراض والأبعاض والجهات والتَّركيب والتَّجسيم والتَّشبيه، فلم يشكَّ أحدٌ لله في قلبه وقارٌ وعظمةٌ في تنزيه الرَّبِّ تعالى عن ذلك، وقد اصطلحوا على تسمية سمعه وبصره وعلمه وقدرته وإرادته وحياته أعراضًا، وعلى تسمية وجهه الكريم ويديه المبسوطتين أبعاضًا، وعلى تسمية استوائه على عرشه وعلوِّه على خلقه وأنَّه فوق عباده تحيُّزًا، وعلى تسمية نزوله إلى سماء الدُّنيا وتكلُّمه بقدرته ومشيئته إذا شاء وغضبِه بعد رضاه ورضاه بعد غضبه حوادثَ، وعلى تسمية الغاية التي يفعل ويتكلَّم لأجلها غرضًا، واستقرَّ ذلك في قلوب المتلقِّين عنهم، فلمَّا صرَّحوا لهم بنفي ذلك بقي السَّامع متحيِّرًا أعظمَ حيرةٍ بَيْن نفي هذه الحقائق التي أثبتها الله لنفسه وأثبتها له جميع رسله وسلفُ الأمَّة بعدهم وبَيْن إثباتها وقد قام معه شاهدُ نفيِها بما تلقَّاه عنهم، فمِن النَّاس مَن فرَّ إلى التَّخييل، ومنهم مَن فرَّ إلى التَّعطيل، ومِنهم مَن فرَّ إلى التَّجهيل، ومِنهم مَن فرَّ إلى التَّمثيل، ومِنهم مَن فرَّ إلى الله ورسوله وكشفَ زيفَ هذه الألفاظ وبيَّن زخرفها وزَغَلَها وأنَّها ألفاظٌ مموَّهةٌ بمنزلة طعامٍ طيِّب الرَّائحة في إناءٍ حسن اللَّون والشَّكل، ولكنَّ الطَّعام مسمومٌ، فقالوا ما قاله إمام أهل السنَّة باتِّفاق أهل السُّنَّة أحمدُ بنُ حنبلٍ: لا نُزيل عن الله صفةً مِن صفاته لأجل شناعة المشنِّعين.
ولمَّا أراد المتأوِّلون المعطِّلون تمام هذا الغرض اخترعوا لأهل السنَّة الألقابَ القبيحة فسمَّوْهم حشويةً ونوابتَ ونواصبَ ومجبرةً ومجسِّمةً ومشبِّهةً ونحو ذلك، فتولَّد مِن تسميتهم لصفات الربِّ تعالى وأفعاله ووجهه ويديه وحكمته بتلك الأسماء، وتلقيبِ مَن أثبتها له بهذه الألقاب لعنةُ أهل الإثبات والسنَّة وتبديعُهم وتضليلهم وتكفيرهم وعقوبتهم ولَقُوا منهم ما لقي الأنبياء وأتباعهم مِن أعدائهم، وهذا الأمر لا يزال في الأرض إلى أنْ يَرِثَها الله ومَن عليها.
السَّبب الثَّالث: أن يَعْزُوَ المتأوِّل تأويلَه وبدعتَه إلى جليل القدر نبيه الذِّكر مِن العقلاء أو مِن آل البيت النَّبويِّ أو مَن حلَّ له في الأمَّة ثناءٌ جميلٌ ولسانُ صدقٍ ليُحلِّيَه بذلك في قلوب الأغمار والجُهَّال، فإنَّ مِن شأن النَّاس تعظيمَ كلامِ مَن يعظم قدرُه في نفوسهم وأن يتلقَّوْه بالقبول والميل إليه، وكلَّما كان ذلك القائل أعظمَ في نفوسهم كان قبولهم لكلامه أتمَّ حتى إنَّهم ليقدِّمونه على كلام الله ورسوله ويقولون: هو أعلم بالله ورسوله منَّا، وبهذه الطريق توصَّل الرَّافضة والباطنيَّة والإسماعيليَّة والنُّصَيريَّة إلى تنفيق باطلهم وتأويلاتهم حتَّى أضافوها إلى أهل بيت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لمَّا علموا أنَّ المسلمين متَّفقون على محبَّتهم وتعظيمهم وموالاتهم وإجلالهم فانتمَوْا إليهم وأظهروا مِن محبَّتهم وموالاتهم واللَّهج بذكرهم وذكر مناقبهم ما خيَّل إلى السَّامع أنهم أولياؤهم وأَوْلى النَّاس بهم ثمَّ نفَّقوا باطلهم وإفكهم بنسبته إليهم، فلا إله إلاَّ الله كم مِن زندقةٍ وإلحادٍ وبدعةٍ وضلالةٍ قد نفقت في الوجود بنسبتها إليهم وهُمْ براءٌ منها براءةَ الأنبياء من التجهُّم والتَّعطيل، وبراءةَ المسيح مِن عبادة الصليب والتَّثليث، وبراءةَ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مِن البدع والضَّلالات.
وإذا تأمَّلتَ هذا السَّبب رأيتَه هو الغالبَ على أكثر النُّفوس، وليس معهم سوى إحسانِ الظنِّ بالقائل بلا برهانٍ من الله ولا حجَّةٍ قادتهم إلى ذلك، وهذا ميراثٌ بالتَّعصيب مِن الذين عارضوا دينَ الرُّسل بما كان عليه الآباء والأسلاف، فإنهم لحسن ظنِّهم بهم وتعظيمهم لهم آثروا ما كانوا عليه على ما جاءتهم به الرُّسل، وكانوا أعظمَ في صدورهم مِن أن يخالفوهم ويشهدوا عليهم بالكفر والضَّلال وأنَّهم كانوا على الباطل، وهذا شأن كلِّ مقلِّدٍ لمن يعظِّمه فيما خالف فيه الحقَّ إلى يوم القيامة.
السَّبب الرَّابع: أنْ يكون ذلك التَّأويل قد قبله ورضِيَه مبرِّزٌ في صناعةٍ من الصِّناعات أو عِلْمٍ مِن العلوم الدَّقيقة أو الجليلة، فيعلو له بما برَّز به ذكرٌ في النَّاس ويشتهر له به صِيتٌ، فإذا سمع الغَمر الجاهل بقبوله لذلك التَّأويل وتلك البدعة واختياره له أحسنَ الظن به وارتضاه مذهبًا لنفسه ورضِيَ مِن قِبَلِه إمامًا له، وقال: إنَّه لم يكن ليختارَ مع جودة قريحته وذكائه وصحَّة ذهنه ومهارته بصناعته وتبريزه فيها على بنِي جنسه إلاَّ الأصوبَ والأفضل من الاعتقادات والأرشدَ والأمثل من التَّأويلات، وأين يقع اختياري مِن اختياره فرضيتُ لنفسي ما رضيه لنفسه فإنَّ عقله وذهنه وقريحته إنَّما تدلُّه على الصَّواب كما دلَّته على ما خفيَ عن غيره مِن صناعته وعِلْمه. وهذه الآفة قد هلك بها أممٌ لا يحصيهم إلاَّ الله، رأوا الفلاسفةَ قد برَّزوا في العلوم الرياضيَّة والطِّبِّيَّة واستنبطوا بعقولهم وجودة قرائحهم وصحَّة أفكارهم ما عجز أكثر النَّاس عن تعلُّمه فضلاً عن استنباطه، فقالوا للعلوم الإلهية والمعارف الربَّانيَّة أسوةً بذلك: فحالهم فيها مع النَّاس كحالهم في هذه العلوم سواءً، فلا إله إلاَّ الله، كم أهلكت هذه البليَّة مِن أمَّةٍ، وكم ضربت مِن دارٍ وكم أزالت مِن نعمةٍ وجلبَت مِن نقمةٍ، وجرَّأت كثيرًا مِن النُّفوس على تكذيب الرُّسل واستجهالهم، وما عرف أصحاب هذه الشُّبهة أنَّ الله سبحانه قد يعطي أجهلَ الناَّس به وبأسمائه وصفاته وشرعه مِن الحذق في العلوم الرياضيَّة والصنايع العجيبة ما تعجز عنه عقول أعلم النَّاس به ومعارفهم، وقد قال النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِدُنْيَاكُمْ»، وصدق صلوات الله وسلامه عليه، فإنَّ العلوم الرياضيَّة والهندسيَّة وعلم الأرتماطيقي والموسيقى والجغرافيا وإيرن -وهو علم جرِّ الأثقال ووزن المياه وحفر الأنهار وعمارة الحصون-، وعلم الفلاحة وعلم الحميَّات وأجناسها ومعرفة الأبوال وألوانها وصفائها وكدرها وما يدلُّ عليه، وعلم الشِّعر وبحوره وعِلله وزحافه وعلم الفنيطة ونحو ذلك مِن العلوم هم أعلم بها وأحذق فيها.
وأمَّا العلم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتفاصيل ذلك فإلى الرُّسل قال الله تعالى: ﴿وَعْدَ اللهِ لاَ يُخْلِفُ اللهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ. يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾ [الرُّوم: 6-7]، قال بعض السَّلف: يبلغ مِن علم أحدهم بالدُّنيا أنَّه ينقر الدِّرهم بظفره فيعلم وزنه ولا علم له بشيءٍ مِن دينه، وقال تعالى في علوم هؤلاء واغترارهم بها: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴾ [غافر: 83]، وقد فاوت الله سبحانه بين عباده فيما تناله عقولهم وأذهانهم أعظمَ تفاوتٍ، والعقل يعطي صاحبَه فائدته في النَّوع الذي يلزمه به ويشغله به ويقصره عليه ما لا يعطيه في غيره وإنْ كان غيره أسهلَ مِنه بكثيرٍ، كما يعطيه همَّته وقريحته في الصِّناعة التي هو معنيٌّ بها ومقصور العناية عليها ما لا يعطيه في صناعةٍ غيرها، وكثيرًا ما تجد الرَّجلَ قد برَّز في اللَّطيف مِن أبواب العلم والنَّظر وتخلَّف في الجليل مِنهما، وأصاب الأغمض الأدقَّ منها وأخطأ الأجلَّ الأوضح، هذا أمرٌ واقعٌ تحت العيان، فكيف وعلوم الأنبياء ومعارفهم مِن وراء طور العقل، والعقل -وإن لم يستقلَّ بإدراكها- فإنَّه لا يحيلها، بل إذا أُوردتْ عليه أقرَّ بصحَّتها وبادر إلى قبولها وأذعن بالانقياد إليها وعَلِم أنَّ نسبة العلوم التي نالها النَّاس بأفكارهم إليها دون نسبة علوم الصِّبيان ومعارفهم إلى علوم هؤلاء بما لا يُدْرَك.
السَّبب الخامس: الإغراب على النُّفوس بما لم تكن عارفةً به من المعاني الغريبة التي إذا ظفر الذِّهن بإدراكها ناله لذَّةٌ مِن جنس لذَّة الظفر بالصَّيد الوحشيِّ الذي لم يكن يطمع فيه، وهذا شأن النُّفوس فإنَّها مُوكلةٌ بكلِّ غريبٍ تستحسنه وتؤثره وتنافس فيه حتى إذا كثر ورخُصَ وناله المُثري والمقلُّ زَهِدَتْ فيه مع كونه أنفعَ لها وخيرًا لها ولكن لرخصه وكثرة الشركاء فيه وتطلب ما تتميَّز به عن غيرها للذَّة التفرُّد والاختصاص، ثمَّ اختاروا لتلك المعاني الغريبة ألفاظًا أغرب منها وألقَوْها في مسامع النَّاس وقالوا: إنَّ المعارف العقليَّة والعلوم اليقينيَّة تحتها، فتحرَّكت النُّفوس لطلب فهم تلك الألفاظ الغريبة وإدراك تلك المعاني، واتَّفق أنْ صادفت قلوبًا خاليةً مِن حقائق الإيمان وما بعث الله به رسوله، فتمكَّنت منها فعزَّ على أطبَّاء الأديان استنقاذُها مِنها وقد تحكَّمت فيها كما قيل:

تَاللهِ مَا أَسَرَ الهَوَى مِنْ وَامِقٍ ... إِلاَّ وَعَزَّ عَلَى الوَرَى اسْتِنْقَاذُهُ
ولمكان الاستغراب وقبول النَّفس لكلِّ غريبٍ لهج الناس بالأخبار الغريبة وعجائب المخلوقات والألغاز والأحاجي والصُّور الغريبة، وإن كانت المألوفة أعجبَ مِنها وأحسن وأتمَّ خلقةً.
السَّبب السَّادس: تقديم مقدِّماتٍ قبل التَّأويل تكون كالأطناب والأوتاد لفسطاطه، فمنها ذمُّ أصحاب الظواهر وعيبهم والإزراء بهم وأنهم قومٌ جُهَّالٌ لا عقول لهم، وإنَّما هم أصحاب ظواهرَ سمعيَّةٍ، وينقلون مِن مثالبهم وبَلَهِهم ما بعضه صدقٌ وأكثره كذبٌ كما يحكى أنَّ بعضهم سئل عن قوله: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ [طه: 5] هل هو حقيقةٌ أو مجازٌ؟ قال: لا حقيقةٌ ولا مجازٌ، فقال له: جزاك الله عن ظاهريَّتك خيرًا، وأمثال هذا، ويحكون عنهم إنكارَ أدلَّة العقول والبحث والنَّظر وجدال أهل الباطل، والنُّفوسُ طالبةٌ للنظر والبحث والتعقُّل. ومنها قولهم: إنَّ الخطاب بالمجاز والاستعارة أعذبُ وأوفق وألطف وقد قال بعض أئمَّة النُّحاة: أكثر اللُّغة مجازٌ، فإذا كان أكثر اللُّغة مجازًا سَهُلَ على النُّفوس أنواعُ التَّأويلات فقُلْ ما شئت وأوِّلْ ما شئتَ وأنْزِلْ عن الحقيقة ولا يضرُّك أيُّ مجازٍ ركَّبْتَه.
ومنها قولهم: إنَّ أدلَّة القرآن والسنَّة أدلَّةٌ لفظيةٌ وهي لا تفيد علمًا ولا يقينًا والعلْم إنَّما يستفاد مِن أدلَّة المعقول وقواعد المنطق.
ومنها قولهم: إذا تعارض العقل والنَّقل قُدِّم العقل على النَّقل، فهذه المقدِّمات ونحوها هي أساس التَّأويل، فإذا انضمَّت هذه الأسباب بعضُها إلى بعضٍ وتقاربتْ فيا محنةَ القرآن والسنَّة وقد سلكا في قلوبٍ قد تمكَّنَتْ مِنها هذه الأسباب، فهنالك التأويل والتَّحريف والتَّبديل والإضمار والإجمال»(٢).
وأخيرًا، فالواجب على الدَّاعي إلى الله الابتعاد عن أماكن الشُّبهات ومواضع التُّهَمِ ومحالِّ الافتراءات، فيعمل على ترك بعض المباحات أو ما فيه فائدةٌ لدفع ضررِ شبهةٍ باطلةٍ، ففي دفعها نفعٌ أكثر مِن جلبها، فلا يسأل ما يخصُّ نفسه وحظوظه المباحة ولا تقديسَ نفسه والانتصارَ لها، كما يترك المداهنة والتملُّق والتزلُّف ونحو ذلك ممَّا يتشبَّث به أهل الباطل في إثارة الشبهات ليصدُّوا الناسَ عن الدعوة والدعاة، وعلى الدَّاعي إلى الله أن يفنِّد الأباطيلَ ويُظهر زيفَ الأكاذيب، ويُبطل بالحجَّة والبرهان شُبَهَ المبطلين في قالبٍ مِن الحِكْمة والتأنِّي والتَّبصُّر والرِّفق دون استفزازٍ أو ركونٍ، خشيةَ أنْ يحمله تصرُّفه على الانتصار لنفسه والغضب لها.
علمًا أن الشُّبهة إذا عَشْعَشَتْ في الأذهان وشاعت بين النَّاس تَركتْ أثرًا ظاهرًا في النُّفوس لا سيَّما الضَّعيفة والمتربِّصة والجاهلة، يصعب القضاء عليها وإزالتها بعد تمكُّنها، لذلك كان «الدَّفْعُ أَسْهَلَ مِنَ الرَّفْعِ».
وعلى الدَّاعي إلى الله أن يتسلَّى بقصص الأنبياء إذا ما اغتمَّ ويتَّعظ بمواقفهم في إزالة طعونات المبطلين وشبهات المفسدين مع تجريدهم الكامل لله تعالى واحتساب ما يلقَوْنه مِن الأذى عند الله تعالى.
هذا، وليس معنى دفعِ ضررِ الافتراءات وإبعاد الشُّبهات أن يتركَ الدَّاعي إلى الله الدعوةَ إلى الله بسببها أو يُهمل منهجَها وأسلوبها، بل هو مطالَبٌ بأن لا يقطعَ ما يخصُّ صميمَ الدَّعوة وما يتَّصل بها لأنَّه مِن الدَّعوة الواجب القيامُ به أحسنَ قيامٍ بدعوةٍ شاملةٍ لجميع النَّاس إلى عبادة الله وحده لا شريكَ له وبيانِ لوازمها الإيمانيَّة، لا فرْقَ في دعوته بين شريف ووضيعٍ، ولا بين قويٍّ وضعيفٍ، أو غنيٍّ وفقيرٍ، وإنَّما على الدَّاعي إلى الله أن يَدَعَ ما يتعلَّق بخصوص نفسه وحظوظه الدُّنيويَّة المباحة ونحوها؛ لئلاَّ يترك فرصةً للمبطلين للتعلُّق بها فيتَّخذوها تكأةً لإثارة الشُّبهات على وجهِ صدِّ دعوة الحقِّ وإضعاف الدَّاعي إلى الله ومَن معه في الميدان الدَّعويِّ.
واللهَ تعالى نسأل -وهو خير مسؤولٍ- أن يُرِيَنا الحقَّ حقًّا ويرزقنا اتِّباعه، والباطلَ باطلاً ويرزقَنا اجتنابَه، وأنْ يوفِّقنا للحقِّ والهدى اعتقادًا وعملاً ودعوةً، ويجعلَنا مِن الَّذين قال الله فيهم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَءَاخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [يونس: 9-10].
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين وسلَّم تسليمًا.






١- الأغمار: جمع غُمْر، بالضمِّ، وهو الجاهل الغِرُّ الذي لم يجرِّب الأمور. انظر: «لسان العرب» لابن منظور (5/ 32).

٢- «الصواعق المرسلة» (2/ 436-451).





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 36.53 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 35.90 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.72%)]