عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-12-2019, 03:17 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,316
الدولة : Egypt
افتراضي أخطاء يرتكبها بعض الحجيج

أخطاء يرتكبها بعض الحجيج
سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين



الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وأصحابه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين،
أما بعد
فقد قال الله – تعالى -{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}، [الأحزاب: 21].
وقال – تعالى - {فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}، [الأعراف: 158].
وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، [آل عمران: 31].
وقال تعالى: {فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ}، [النمل: 79]، وقال تعالى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}، [يونس:32].
فكل ما خالف هدي النبي - صلى الله عليه وسلم – وطريقته، فهو باطل وضلال مردود على فاعله، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم – ((مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوُ رَدٌّ))؛ رواه مسلم؛ أي: مردود على صاحبه غير مقبول منه.


وإن بعض المسلمين - هداهم الله ووفقهم - يفعلون أشياء في كثير من العبادات غير مبنية على كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ولا سيما في الحج الذي كثر فيه المقدمون على الفتيا بدون علم، وسارعوا فيها حتى صار مقام الفتيا متجرًا عند بعض الناس للسمعة والظهور، فحصل بذلك من الضلال والإضلال ما حصل، والواجب على المسلم ألا يُقدم على الفتيا إلا بعلم يواجه به الله - عز وجل - لأنه في مقام المبلِّغ عن الله – تعالى - القائل عنه، فليتذكر عند الفتيا قوله -تعالى - في نبيه - صلى الله عليه وسلم – {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ}، [الحاقة: 44-47]، وقوله – تعالى - {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}، [الأعراف: 33].


وأكثر الأخطاء من الحجاج ناتجة عن هذا - أعني عن الفتيا بغير علم - وعن تقليد العامة بعضهم بعضًا دون برهان. ونحن نبيِّن بعون الله - تعالى - السنة في بعض الأعمال التي يكثر فيها الخطأ مع التنبيه على الأخطاء، سائلين من الله أن يوفقنا، وأن ينفع بذلك إخواننا المسلمين إنه جواد كريم.
الإحرام والأخطاء فيه:
ثبت في "الصحيحين" وغيرهما عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقّت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، وقال: ((فهن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة)).
وعن عائشة - رضي الله عنها – "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقّت لأهل العراق ذات عرق"؛ رواه أبو داود و النسائي.
وثبت في "الصحيحين" أيضًا في حديث عبد الله ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يُهِلُّ أهل المدينة من ذي الحليفة، ويهل أهل الشام من الجحفة، ويهل أهل نجد من قرن))؛ الحديث.


فهذه المواقيت التي وقتها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حدود شرعية توقيفية موروثة عن الشارع، لا يحل لأحد تغييرها أو التعدي فيها، أو تجاوزها بدون إحرام لمن أراد الحج والعمرة، فإن هذا من تعدي حدود الله، وقد قال الله – تعالى - {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، [البقرة: الآية229]؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - ((يهل أهل المدينة، ويهل أهل الشام، ويهل أهل نجد)) وهذا خبر بمعنى الأمر.
والإهلال: رفع الصوت بالتلبية، ولا يكون إلا بعد عقد الإحرام، فالإحرام من هذه المواقيت واجب على من أراد الحج أو العمرة إذا مر بها أو حاذاها، سواءٌ أتى من طريق البر أم البحر أم الجو.
فإن كان من طريق البر نزل فيها إن مر بها، أو فيما حاذاها إن لم يمر بها، وأتى بما ينبغي أن يأتي به عند الإحرام من الاغتسال، وتطييب بدنه، ولبس ثياب إحرامه، ثم يحرم قبل مغادرته.


وإن كان من طريق البحر، فإن كانت الباخرة تقف عند محاذات الميقات، اغتسل، وتطيب، ولبس ثياب إحرامه حال وقوفها، ثم أحرم قبل سيرها، وإن كانت لا تقف عند محاذات الميقات، اغتسل، وتطيب، ولبس ثياب إحرامه قبل أن تحاذيه ثم يحرم إذا حاذته.
وإن كان من طريق الجو، اغتسل عند ركوب الطائرة، وتطيب، ولبس ثوب إحرامه قبل محاذات الميقات، ثم أحرم قبيل محاذاته، ولا ينتظر حتى يحاذيه؛ لأن الطائرة تمر به سريعة فلا تعطي فرصة، وإن أحرم قبله احتياطًا فلا بأس؛ لأنه لا يضره.
والخطأ الذي يرتكبه بعض الناس أنهم يمرون من فوق الميقات في الطائرة أو من فوق محاذاته ثم يؤخرون الإحرام حتى ينزلوا في مطار جدة، وهذا مخالف لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وتعدٍّ لحدود الله – تعالى -


وفي "صحيح البخاري " عن عبد الله ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: لما فُتح هذان المصران - يعني البصرة والكوفة - أتَوا عمر - رضي الله عنه - فقالوا: "يا أمير المؤمنين، إن النبي - صلى الله عليه وسلم - حدد لأهل نجد قرنًا، وإنه جورٌ عن طريقنا، وإن أردنا أن نأتي قرنًا شق علينا قال: فانظروا إلى حذوها من طريقكم" فجعل أمير المؤمنين أحد الخلفاء الراشدين ميقات من لم يمر بالميقات إذا حاذاه، ومن حاذاه جوًا فهو كمن حاذاه برًا ولا فرق.
فإذا وقع الإنسان في هذا الخطأ، فنزل جدة قبل أن يحرم، فعليه أن يرجع إلى الميقات الذي حاذاه في الطائرة فيحرم منه، فإن لم يفعل وأحرم من جدة، فعليه عند أكثر العلماء فدية، يذبحها في مكة، ويفرقها كلها على الفقراء فيها، ولا يأكل منها، ولا يهدي منها لغني؛ لأنها بمنزلة الكفارة.


الطواف والأخطاء الفعلية فيه:

ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ابتدأ الطواف من الحجر الأسود في الركن اليماني الشرقي من البيت، وأنه طاف بجميع البيت من وراء الحجر، وأنه رَمَل في الأشواط الثلاثة الأولى فقط في الطواف أول ما قدم مكة.
وأنه كان في طوافه يستلم الحجر الأسود، ويقبله، واستلمه بيده وقبلها، واستلمه بمحجن كان معه، وقبّل المحجن وهو راكب على بعيره، وطاف على بعيره فجعل يشير إلى الركن - يعني الحجر - كلما مر به، وثبت عنه أنه كان يستلم الركن اليماني.
واختلاف الصفات في استلام الحجر إنما كان - والله أعلم - حسب السهولة، فما سهل عليه منها فعله، وكل ما فعله من الاستلام، والتقبيل، والإشارة إنما هو تعبد لله - تعالى - وتعظيم له، لا اعتقادًا أن الحجر ينفع أو يضر، وفي "الصحيحين" عن عمر - رضي الله عنه - أنه كان يقبِّل الحجر، ويقول: "إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك".


والأخطاء التي تقع من بعض الحجاج:

1_ ابتداء الطواف من قِبَلِ الحجر، أي من بينه وبين الركن اليماني، وهذا من الغلو في الدين الذي نهى عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يشبه من بعض الوجوه تقدم رمضان بيوم أو يومين، وقد ثبت النهي عنه. وادعاء بعض الحجاج أنه يفعل ذلك احتياطًا غير مقبول منه؛ فالاحتياط الحقيقي النافع هو اتباع الشريعة، وعدم التقدم بين يدي الله ورسوله.

2_ طوافهم عند الزحام بالجزء المسقوف من الكعبة فقط، بحيث يدخل من باب الحجر إلى الباب المقابل ويدع بقية الحجر عن يمينه، وهذا خطأ عظيم لا يصح الطواف بفعله؛ لأن الحقيقة أنه لم يطف بالبيت، وإنما طاف ببعضه.
3_ الرمل في جميع الأشواط السبعة.
4_ المزاحمة الشديدة للوصول إلى الحجر لتقبيله، حتى إنه يؤدي في بعض الأحيان إلى المقاتلة والمشاتمة، فيحصل من التضارب، والأقوال المنكرة ما لا يليق بهذا العمل، ولا بهذا المكان في مسجد الله الحرام وتحت ظل بيته، فينقص بذلك الطواف بل النسك كله؛ لقوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ}، [البقرة: 197]، وهذه المزاحمة تُذهب الخشوع، وتُنسي ذكر الله – تعالى - وهما من أعظم المقصود في الطواف.


5_ اعتقادهم أن الحجر نافع بذاته؛ ولذلك تجدهم إذا استلموه مسحوا بأيديهم على بقية أجسامهم، أو مسحوا بها على أطفالهم الذين معهم، وكل هذا جهل وضلال؛ فالنفع والضرر من الله وحده، وقد سبق قول أمير المؤمنين عمر: "إني لأعلم أنك حجر، لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبلتك).
6_ استلامهم - أعني بعض الحجاج - لجميع أركان الكعبة، وربما استلموا جميع جدران الكعبة وتمسحوا بها، وهذا جهل وضلال؛ فإن الاستلام عبادة، وتعظيم لله - عز وجل - فيجب الوقوف فيها على ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يستلم النبي - صلى الله عليه وسلم - من البيت سوى الركنين اليمانيين- الحجر الأسود، وهو في الركن اليماني الشرقي من الكعبة، والركن اليماني الغربي - وفي مسند الإمام أحمد عن مجاهد عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه طاف مع معاوية - رضي الله عنه - فجعل معاوية يستلم الأركان كلها، فقال ابن عباس: لِمَ تستلم هذين الركنين ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستلمهما ؟ فقال معاوية: ليس شيء من البيت مهجورًا. فقال ابن عباس: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة. فقال معاوية: صدقت.


الطواف والأخطاء القولية فيه:

ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يكبر الله - تعالى - كلما أتى على الحجر الأسود، وكان يقول بين الركن اليماني والحجر الأسود: {رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}، [البقرة:201]، وقال: ((إنما جُعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله))؛ رواه أبو داود و الترمذي.
والخطأ الذي يرتكبه بعض الطائفين في هذا، تخصيص كل شوط بدعاء معين لا يدعو فيه بغيره، حتى إنه إذا أتم الشوط قبل تمام الدعاء قطعه ولو لم يبق عليه إلا كلمة واحدة؛ ليأتي بالدعاء الجديد للشوط الذي يليه، وإذا أتم الدعاء قبل تمام الشوط، سكت.
ولم يرِد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطواف دعاء مخصص لكل شوط. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - وليس فيه - يعني الطواف - ذكر محدود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا بأمره، ولا بقوله، ولا بتعليمه، بل يدعو فيه بسائر الأدعية الشرعية، وما يذكره كثير من الناس من دعاء معين تحت الميزاب، ونحو ذلك فلا أصل له.
وعلى هذا، فيدعو الطائف بما أحب من خيري الدنيا والآخرة، ويذكر الله - تعالى - بأي ذكر مشروع من تسبيح، أو تحميد، أو تهليل، أو تكبير، أو قراءة قرآن.


ومن الخطأ الذي يرتكبه بعض الطائفين، أن يأخذ من هذه الأدعية المكتوبة فيدعو بها وهو لا يعرف معناها، وربما يكون فيها أخطاء من الطابع أو الناسخ تقلب المعنى رأسًا على عقب، وتجعل الدعاء للطائف دعاءً عليه، فيدعو على نفسه من حيث لا يشعر. وقد سمعنا من هذا العجب العجاب. ولو دعا الطائف ربه بما يريده ويعرفه فيقصد معناه لكان خيرًا له وأنفع، ولرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر تأسيًا وأتبع.
ومن الخطأ الذي يرتكبه بعض الطائفين، أن يجتمع جماعة على قائد يطوف بهم، ويلقنهم الدعاء بصوت مرتفع، فيتبعه الجماعة بصوت واحد، فتعلوا الأصوات وتحصل الفوضى، ويتشوش بقية الطائفين فلا يدرون ما يقولون، وفي هذا إذهاب للخشوع، وإيذاء لعباد الله - تعالى - في هذا المكان الآمن، وقد خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - على الناس وهم يصلون ويجهرون بالقراءة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((كلكم يناجي ربه، فلا يجهر بعضكم على بعض في القرآن))؛ رواه مالك في "الموطأ" وقال ابن عبدالبر: "وهو حديث صحيح".
ويا حبذا لو أن هذا القائد إذا أقبل بهم على الكعبة، وقف بهم، وقال افعلوا كذا، قولوا كذا، ادعوا بما تحبون، وصار يمشي معهم في المطاف حتى لا يخطئ منهم أحد، فطافوا بخشوع وطمأنينة يدعون ربهم خوفًا وطمعًا بما يحبونه وما يعرفون معناه ويقصدونه، وسلم الناس من أذاهم.


يتبع





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.22 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.60 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.37%)]