عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 07-12-2019, 03:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,025
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تمام المنة - الحج

تمام المنة - الحج (8)

الشيخ عادل يوسف العزازي





أعمال يوم النحر



فإذا رمى الجمرة، فقد حَلَّ الإحلال الأول:
والمقصود: أن المُحْرِم محظورٌ عليه أمور كما تقدَّم في محظورات الإحرام، لكنه بعد رَمْي الجَمْرة يوم النحر، يتحلَّل من هذه المحظورات كلها إلا النساء، يعني: يباح له كل شيء كان مُحَرَّمًا عليه إلا النساء؛ أعني: الجِمَاع، ويسمى هذا "التحلُّل الأول"، وأمَّا "التحلل الثاني" الكامل - حتى من النساء - فذلك بعد طواف الإفاضة في هذا اليوم؛ وذلك لحديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا رَمَيتم الجمرة، فقد حل لكم كل شيء إلا النساء...))[1].

هذا، وقد ذهب بعض أهل العلم: أنه لا يحِلُّ إلا بعد الرمي والحلق، وفي المسألة أقوال، وما ذكرناه أولاً هو الأرجح، والله أعلم.

وعلى ذلك، فله بعد الرمي أن يَلْبَس ثيابه ويتطيَّب، وأُبِيح له كل شيء كان مُحرَّمًا عليه إلا النساء.

ثم يَنْحَر الهَدْي:
ففي حديث جابر - رضي الله عنه - قال: "ثم انصرف إلى المَنْحَر، فنَحَر ثلاثًا وستين بَدَنة بيده، ثم أعطى عليًّا، فنَحَر ما غبر، وأشركه في هَدْيه"[2].

ومعنى "ما غبر": ما تبقَّى، وكان مجموع هَدْيه مائة بَدَنة.

ويجوز له أن يَنْحَر في أي مكان آخر من مِنى غير المَنْحَر، وكذلك يجوز له أن يَنْحَر بمكة؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((نَحَرتُ ههنا، ومِنى كلها مَنْحَر))، وفي بعض الروايات: ((وكل فِجَاج مكة طريقٌ ومَنْحَر))[3].

واعلم أنه يجوز أن يَنْحَر أو يَذْبَح بنفسه، ويجوز له أن يُنِيب غيره عنه.

ويُسْتَحب له أن يأكل من هَدْيه؛ لما ثَبَت عن جابر - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدما نحر الهدي: "... ثم أمر من كل بَدَنة ببَضْعَة فجُعِلت في قِدْر، فطُبِخت، فأكلا من لحمها، وشَرِبا من مَرَقِها"[4].

وذهب بعض العلماء إلى وجوب الأكل منها.

وسيأتي مزيد لبيان أحكام الهَدْي.

ثم يَحْلِق أو يقصِّر:
والأفضل الحلق؛ لما ثَبَت عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهم اغفر للمُحَلِّقين))، قالوا: يا رسول الله، وللمقصِّرين، قال: ((اللهم اغفر للمُحَلِّقين))، قالوا: يا رسول الله، وللمقصِّرين، قال: ((اللهم اغفر للمُحَلِّقين))، قالوا: يا رسول الله، وللمقصِّرين، قال: ((وللمقصِّرين))[5].

ويجوز أن يَحْلِق لنفسه أو يَحْلِق له غيره، والسنة أن يبدأ الحَلْق بيمين المحلوق؛ لما ثَبَت في حديث أنس - رضي الله عنه -: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى منى، فأتى الجمرة فرماها، ثم أتى منزله بمِنى ونَحَر، ثم قال للحلاق: ((خُذْ))، وأشار إلى جانبه الأيمن، ثم الأيسر، ثم جعل يعطيه الناس"[6].

والصحيح: أن يَحْلِق جميع رأسه، أو يقصِّر جميع رأسه، ولا يكتفى بحَلْق أو تقصير بعضه.

وهذا الحَلْق خاصٌّ بالرجال، وأما النساء، فليس عليهن إلا التقصير؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ليس على النساء حلق؛ إنما على النساء التقصير)).[7]

فتقصِّر المرأة قدر أُنْمُلة من كل ضَفِيرة.

تنبيه:
هذا الحَلْق في المناسك عبادة ونسك يؤجر عليها العبد، وأمَّا فيما عدا ذلك، فيختلف باختلاف النية على النحو الآتي:
(أ) فإن كان يَحْلِق شعره تعبدًا، نقول: هذه بدعة؛ إذ لم يُشْرَع الحلق إلا في المناسك، وكان من علامات الخوارج الحَلْق، كما قال - صلى الله عليه وسلم - في وصفهم: ((سيماهم التحليق))[8].

(ب) وإن كان للترفُّه والتنزُّه، فلا بأس به، ويكون من فعل المباح. [9]

ثم يُفِيض إلى مكة، ويطوف طواف الإفاضة، وذلك في نفس يوم النحر؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف في يوم العيد، كما ورد في حديث جابر - رضي الله عنه - عند مسلم: فيطوف سبعًا حول البيت، كما تقدَّم، غير أنه لا يَضْطَبِع، ولا يَرْمُل.

وهذا الطواف يقال له: طواف "الإفاضة"، وطواف "الزيارة"، وطواف "الركن".

ثم يصلِّي ركعتين عند مقام إبراهيم، كما تقدَّم وصف ذلك[10].

واعلم أنه يجوز أن يؤخِّر طواف الإفاضة إلى آخر شهر ذي الحجة، ولا يجوز تأخيره عن ذلك إلا إذا كان هناك عذر.

ملاحظات:
(1) قلنا: إنه يجوز تأخير طواف الإفاضة عن يوم العيد، لكنه في هذه الحالة: هل يعود إلى إحرامه، أم أنه على حله الأول؟
الجواب:
الذي عليه جمهور أهل العلم أنه على حِلِّه الأول حتى لو أخَّر طوافه إلى ما بعد الغروب، وهو ما رجحه الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله.

وذهب بعض التابعين، منهم عُرْوة بن الزبير، إلى أنه إذا لم يَطُف قبل غروب الشمس يوم النحر، عاد مُحْرِمًا كما كان قبل رمي الجمرة، فعليه أن يَنْزِع ثيابه، ويَلْبَس ملابس الإحرام كما كان؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن هذا يوم رخِّص لكم إذا أنتم رميتم الجمرة، أن تحِلُّوا من كل ما حُرِمتم منه إلا النساء، فإذا أمسيتم قبل أن تَطُوفوا هذا البيت، صرتم حُرمًا لهيئتكم قبل أن ترموا الجمرة، قبل أن تطوفوا به))[11].

وهذا الرأي اعتمده الشيخ الألباني بعدما صحَّح الحديث.

(2) راجع أحكام الطواف، وقد تقدَّم.

(3) يجوز للمرأة استخدام ما يرفع عنها دمَ الحيض؛ حتى تتمكن من طواف الإفاضة، خاصة إذا خَشِيت تخلُّفها عن رُفْقَتها، وأرى: أنه إذا لم تَخَف ذلك، فإنها تترك الأمر كما هو، ولا تستخدم ما يرفع الدم عنها، وعليها أن تأتي بالطواف متى طَهُرت.

ويشرب من ماء زمزم.

ثم يَسْعَى بين الصفا والمروة:
وهذا السَّعْي للمتمتِّع فقط؛ فإنه يجب عليه، وأما القارِن والمُفْرِد؛ فإنه إذا كان سَعَى بعد طواف القدوم، فلا يَلْزَمه هذا السعي، وإن كان لم يَسْعَ سَعَى هذا السعي.

تنبيهات:
(أ) إذا انتهى من طوافه ذاك، فقد حَلَّ له كل شيء، ويسمَّى التحلل الأكبر، فيَحِل له كل شيء حتى النساء.


(ب) وله أن يقدِّم أو يؤخِّر أعمال المناسك في هذا اليوم:
الأصل أن يرتِّب الحاجُّ أعمال الحج يوم النحر على الترتيب السابق: الرمي، ثم الذبح، ثم الحلق أو التقصير، ثم الطواف، ثم السعي.

لكنه يجوز أن يقدِّم بعضها على بعض؛ لما ثبت عن عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: "سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأتاه رجل يوم النحر، وهو واقف عند الجمرة، فقال: يا رسول الله، حلقتُ قبل أن أرمي؟ قال: ((ارمِ ولا حرج))، وأتى آخر فقال: إني أَفَضْتُ إلى البيت قبل أن أرمي؟ قال: ((ارم ولا حرج)).

وفي رواية: فما سُئِل يومئذٍ عن شيءٍ إلا قال: ((افعل ولا حرج))[12].

قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: "وقال بعض المحقِّقين - كابن دقيق العيد وغيره -: إن هذا إنما يكون لمن كان معذورًا؛ لأنه في بعض ألفاظ الحديث: "لم أشعر، فظننت أن كذا قبل كذا"، قال: ((افعل ولا حرج)).

ولكن لما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((افعل))، فقال: ((افعل ولا حرج))، وهي للمستقبل، ولم يقتصر على قوله: ((لا حرج))، علم أنه لا فرق بين الناسي والجاهل، وبين الذاكر والعالم، وهذا كما أنه ظاهر الأدلة، فهو الموافق لمقاصد الدين الإسلامي في مثل هذه الأزمان؛ لأن ذلك أيسر للناس" [13].

(جـ) ويخطب الإمام يوم النحر:
يستحب للإمام أن يَخْطُب الناس يوم النحر يعلِّمهم فيها أحكام الحج ويَعِظهم، فعن الهِرْمَاس بن زياد - رضي الله عنه - قال: "رأيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يَخْطُب على ناقته العَضْبَاء يوم الأضحى بمِنى"[14].

وعن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: "خَطَبَنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر، فقال: ((أتدرون أي يوم هذا؟))، قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فسكت حتى ظننا أنه سيُسَمِّيه بغير اسمه، فقال: ((أليس ذا الحجة؟))، قلنا: بلى، قال: ((أي بلد هذا؟))، قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: فسكت حتى ظننا أنه سيُسَمِّيه بغير اسمه، قال: ((أليست البلدة؟))، قلنا: نعم، قال: ((فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلَّغت؟))، قالوا: نعم، قال: ((اللهم اشهد، فلُيْبِلغ الشاهدُ الغائبَ، فرُبَّ مبلَّغ أوعى من سامع، فلا تَرْجِعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض))[15].


[1] رواه أحمد (1/234) مرفوعًا، ورواه أحمد (1/344)، والنسائي (5/277)، وابن ماجه (3041) موقوفًا، وثبت نحوه عن عائشة مرفوعًا: رواه أحمد (6/143)، وأبو داود (1978)، وسنده ضعيف، والحديث صحَّحه الألباني لشواهده في الصحيحة، كما أشار إلى ذلك في الإرواء (4/235).

[2] حسن: رواه أبو داود (1764)، وابن ماجه (3074).

[3] صحيح: رواه أبو داود (1937)، وابن ماجه (3048).

[4] مسلم (1218).

[5] البخاري (1727)، ومسلم (1302)، وأبو داود (1979)، والترمذي (913)، وابن ماجه (3043).

[6] مسلم (1305) وإعطاؤه شعره للناس يتبركون به: خاصٌّ بالنبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وآثاره، فلا يجوز الاستدلال بمثل هذا على التبرُّك بآثار الصالحين.

[7] صحيح: رواه أبو داود (1985)، وانظر: الصحيحة للألباني (605).

[8] البخاري (7562)، وأبو داود (4765)، وابن ماجه (175).

[9] أفاد هذا الحكم شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى.

[10] أي: بعد طواف القدوم.

[11] رواه أبو داود (1999)، وأحمد (6/295)، وصحَّحه الشيخ الألباني.

[12] البخاري (1736، 1737)، ومسلم (6 130).

[13] الشرح الممتع (7/367 - 368).

[14] صحيح: رواه أحمد (5/7)، وأبو داود (1954).

[15] البخاري (1739)، ورواه أحمد (5/37، 39، 45).

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.54 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.91 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.37%)]