عرض مشاركة واحدة
  #366  
قديم 10-03-2020, 03:32 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (365)
تفسير السعدى
سورة الفرقان
من الأية(32) الى الأية(44)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الفرقان




" وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا " (32)
هذا من جملة مقترحات الكفار, الذي توحيه إليهم أنفسهم فقالوا: " لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً " وأي محذور من نزوله على هذا الوجه؟, بل نزوله على هذا الوجه أكمل وأحسن.
ولهذا قال: " كَذَلِكَ " أنزلناه متفرقا " لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ " لأنه كلما نزل عليه شيء من القرآن, ازداد طمأنينة وثباتا, وخصوصا عند ورود أسباب القلق, فإن نزول القرآن عند حدوث السبب, يكون له موقع عظيم, وتثبيت كثير, أبلغ مما لو كان نازلا قبل ذلك, ثم تذكره عند حلول سببه.
" وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا " أي مهلناه, ودرجناك فيه تدريجا.
وهذا كله يدل على اعتناء الله بكتابه القرآن, وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم, حيث جعل إنزال كتابه, جاريا على أحوال الرسول ومصالحه الدينية.

" ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا " (33)
ولهذا قال: " وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ " يعارضون به الحق, ويدفعون به رسالتك.
" إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا " أي: انزلنا عليك قرآنا جامعا للحق في معانيه, والوضوح, والبيان التام في ألفاظه.
فمعانيه كلها, حق وصدق, لا يشوبها باطل ولا شبهة, بوجه من الوجوه.
وألفاظه وحدوده للأشياء, أوضح ألفاظا, وأحسن تفسيرا, مبين للمعاني بيانا كاملا.
وفي هذه الآية, دليل على أنه ينبغي للمتكلم في العلم, من محدث, ومعلم, وواعظ, أن يقتدي بربه, في تدبيره, حال رسوله.
كذلك العالم, يدبر أمر الخلق, وكلما حدث موجب, أو حصل موسم, أتى بما يناسب ذلك, من الآيات القرآنية, والأحاديث النبوية, والمواعظ الموافقة لذلك.
وفيه رد على المتكلفين, من الجهمية ونحوهم, ممن يرى أن كثيرا من نصوص القرآن محمولة على غير ظاهرها, ولها معان غير ما يفهم منها.
فإذا - على قولهم - لا يكون القرآن أحسن تفسيرا من غيره.
وإنما التفسير الأحسن - على زعمهم - تفسير الذي حرفوا له المعاني تحريفا.

" الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا " (34)
يخبر تعالى, عن حال المشركين الذين كذبوا رسوله, وسوء مآلهم وأنهم " يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ " في أشنع مرأى, وأفظع منظر, تسحبهم ملائكة العذاب, ويجرونهم " إِلَى جَهَنَّمَ " الجامعة لكل عذاب وعقوبة.
" أُولَئِكَ " الذين بهذه الحال " شَرٌّ مَكَانًا " ممن آمن بالله وصدق رسله.
" وَأَضَلُّ سَبِيلًا " وهذا من باب استعمال أفضل التفضيل, فيما ليس في الطرف الآخر منه شيء, فإن المؤمنين, حسن مكانهم, ومستقرهم, واهتدوا في الدنيا إلى الصراط المستقيم, وفي الآخرة إلى الوصول, إلى جنات النعيم.

" ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيرا " (35)
أشار تعالى إلى هذه القصص, وقد بسطها في آيات أخر, ليحذر المخاطبين, من استمرارهم على تكذيب رسولهم, فيصيبهم ما أصاب هؤلاء الأمم, الذين كانوا قريبا منهم, ويعرفون قصصهم, بما استفاض واشتهر عنهم.
ومنهم من يرون آثارهم, عيانا, كقوم صالح في الحجر, وكالقرية التي أمطرت مطر السوء, بحجارة من سجيل, يمرون عليهم, مصبحين, وبالليل في أسفارهم.
فإن أولئك الأمم, ليسوا شرا منهم, ورسلهم, ليسوا خيرا من رسول هؤلاء.
" أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ " .
ولكن الذي منع هؤلاء من الإيمان - مع ما شاهدوا من الآيات - أنهم كانوا لا يرجون بعثا ولا نشورا.
فلا يرجون لقاء ربهم, ولا يخشون نكاله, فلذلك استمروا على عنادهم.
وإلا, فقد جاءهم من الآيات, ما لا يبقي معه شك ولا شبهة, ولا إشكال, ولا ارتياب.

" وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا أهذا الذي بعث الله رسولا " (41)
" وَإِذَا رَأَوْكَ " يا محمد, أي: هؤلاء المكذبون لك, المعاندون لآيات الله, المستكبرون في الأرض, استهزءوا بك, واحتقروك, وقالوا - على وجه الاحتقار والاستصغار-: " أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا " أي غير مناسب, ولا لائق, أن يبعث الله هذا الرجل.
وهذا من شدة ظلمهم وعنادهم, وقلبهم الحقائق, فإن كلامهم هذا يفهم أن الرسول - حاشاه- في غاية الخسة والحقارة, وأنه لو كانت الرسالة لغيره, لكان أنسب.
" وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ " .
فهذا الكلام, لا يصدر إلا من أجهل الناس وأضلهم, أو من أعظمهم عنادا, وهو متجاهل.
قصده, ترويج ما معه من الباطل, بالقدح بالحق, وبمن جاء به.
وإلا, فمن تدبر أحوال محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم وجده رجل العالم, وهمامهم, ومقدمهم في العقل, والعلم, واللب, والرزانة, ومكارم الأخلاق, ومحاسن الشيم, والعفة, والشجاعة, وكل خلق فاضل.
وأن المحتقر له, والشانئ له, قد جمع من السفه والجهل, والضلال, والتناقض, والظلم, والعدوان, ما لا يجمعه غيره.
وحسبه جهلا وضلالا, أن يقدح بهذا الرسول العظيم, والهمام الكريم.

" إن كاد ليضلنا عن آلهتنا لولا أن صبرنا عليها وسوف يعلمون حين يرون العذاب من أضل سبيلا " (42)
والقصد من قدحهم فيه واستهزائهم به, تصلبهم على باطلهم, وتغرير ضعفاء العقول.
ولهذا قالوا: " إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا " بأن يجعل الآلهة إلها واحدا " لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا " لأضلنا.
فزعموا - قبحهم الله - أن الضلال هو التوحيد, وأن الهدى, ما هم عليه من الشرك, فلهذا تواصوا بالصبر عليه.
" وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ " وهنا قالوا: " لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا " والصبر يحمد في المواضع كلها, إلا في هذا الموضع, فإنه صبر على أسباب الغضب, وعلى الاستكثار من حطب جهنم.
وأما المؤمنون, فهم كما قال الله عنهم " وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ " .
ولما كان هذا, حكما منهم, بأنهم المهتدون, والرسول ضال, وقد تقرر أنهم لا حيلة فيهم, توعدهم بالعذاب, وأخبر أنهم في ذلك الوقت " حِينَ يَرَوْنَ الْعَذَابَ " يعلمون علما حقيقيا " مَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا " " وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا " الآيات.

" أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا " (43)
وهل فوق ضلال من جعل إلهه معبوده, فما هويه, فعله, فلهذا قال: " أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ " ألا تعجب من حاله, وتنظر ما هو فيه من الضلال؟ وهو يحكم لنفسه بالمنازل الرفيعة؟.
" أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا " أي: لست عليه بمسيطر مسلط, بل إنما أنت منذر.
قد قمت بوظيفتك, وحسابه على الله.

" أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا " (44)
ثم سجل تعالى على ضلالهم البليغ, بأن سلبهم العقول والأسماع, وشبههم في ضلالهم بالأنعام السائمة, التي لا تسمع, إلا دعاء ونداء, صم, بكم, عمي فهم لا يعقلون, بل هم أضل من الأنعام, فإن الأنعام يهديها راعيها فتهتدي, وتعرف طريق هلاكها, فتجتنبه, وهي أيضا أسلم عاقبة من هؤلاء.
فتبين بهذا, أن الرامي للرسول بالضلال, أحق بهذا الوصف, وأن كل حيوان بهيم, فهو أهدى منه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.91 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.28 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.91%)]