عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 21-01-2021, 04:10 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: ذلك الدين القيم

ذلك الدين القيم (4)
أ. د. عبدالله بن إبراهيم بن علي الطريقي



وحديثنا موصولٌ حولَ ضمانات استقامة الفكر:
حيث ذكَرْنا أهدافَ التفكير، ثم مجالاتِه.
ولكي يكونَ هذا التفكير سائرًا على الجادَّة المستقيمة هناك جملة مِن التوجيهات، أو الضوابط تكفُل عدمَ الانحراف.
1- فأوَّل هذه الضوابط للتفكير: الموضوعيَّة، ونَعني بها النظرةَ العِلميَّة الواسعة المتأنية في موضوع التفكير، بمعنى ألاَّ تتحكَّم العواطف والانفعالات في الإنسان، بل عليه أن يجمع قواه العقليَّة والذِّهنيَّة والقلبيَّة؛ لتشترك جميعًا في مناقشةِ الرأي والفِكر، وعندئذٍ ستكون نتيجةُ التفكير أقربَ إلى الحقِّ دون شك، أما لو كان الحَكَم[1] عندَ الإنسان عواطفَه المجرَّدة، فإنَّ النتائج عندئذٍ ستكون في الغالِب ساذجة، بل مائلة.
ولا تَعني الموضوعيَّة وضْعَ جميع القضايا في مرتبةٍ واحدة مِن حيثُ النظرةُ إليها ثبوتًا وعدَم ثبوت، أو مِن حيث القطعيَّة والظنيَّة، أو المتَّفق عليه والمختلَف فيه، ونحو ذلك، بل ثَمَّة أمور مسلَّمة لا توضع موضعَ النِّقاش، فضلاً عن أن تُثار نحوها التساؤلات والاحتمالات.

ونحن - المسلمين - لدَينا أشياءُ كثيرة تدخُل ضمنَ المسلَّمات، وهي المعروفة عندَ علماء الشريعة بـ"المعلوم من الدِّين بالضرورة"، سواء فيما يتعلَّق بقضايا الاعتقاد، أو العِبادة والسلوك، أو المعاملات، أو الأخلاق... إلخ.
فهل مِن المعقول أن تُطرقَ قضية توحيد الله كمسألةٍ ظنيَّة أو مشكوكٍ فيها؟ أو قضية وجوب أرْكان الإسلام، أو إباحة الزَّواج أو الطيِّبات، أو تحريم الزِّنا والخمر والفواحش؟ لا؛ إنها مسلَّمات، ولا بدَّ لصاحِب الفِكر أن يتبنَّى الفكرة ويلتزم بها، وذلك هو نفس الموضوعيَّة.

2- وممَّا له صلةٌ بالموضوعيَّة التجرُّدُ عنِ الهوى والتعصُّب؛ لأنَّهما سببُ العمى والصمم، فلا يكون العقل أو القلب على استعدادٍ للنقاش أو القَبول، ومِن ثَم كان ذلك إلغاءً للموازين العقليَّة والمنطقيَّة والإيمانيَّة.
ولقدْ كان ذلك دأب المشركين؛ ﴿ وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ ﴾ [القمر: 3].
﴿ بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ﴾ [الروم: 29].

3- التزام آدابِ البحْث والمناظرة، سواء في الحوار، أو في التأليف، أو في البحْث، أو المناظرات... إلخ.
4- اعتماد الوحي المنزَّل مِن عند الله، والثابِت عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فهو ذو دَلالةٍ مأمونةِ العواقِب، صحيحة النتائج، أمَّا العقل فيكون دورُه في فَهم النصوص وتفسيرها، ثم في الاجتهاد والاستنباط فيما لا نصَّ فيه في ضوءِ النصوص والقواعد الشرعيَّة.

5- مراعاة شروطِ الاجتهاد في مسائلِ الدِّين؛ إذ لا يصحُّ للإنسان أن يتكلَّم ويجتهد فيما لا يُحسِن ممَّا ليس من تخصُّصه.
وَقَدْرُ كُلِّ امْرِئٍ مَا كَانَ يُحْسِنُهُ ♦♦♦ وَلِلرِّجَالِ عَلَى الأَفْعَالِ أَسْمَاءُ

6- مراعاة السُّنن الكونيَّة والاجتماعيَّة والتاريخيَّة عندَ التفكير؛ حتى لا تتصادمَ نتائجُ الفِكر مع سُنن الله النافِذة؛ ﴿ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً ﴾ [فاطر: 43].
7- ولا بدَّ مِن مراعاة "المصالح والمفاسد"، فيحرِص صاحبُ الفكر على ألاَّ ينتج أو يبدع إلاَّ ما فيه مصلحةٌ ظاهرة، أمَّا ما كان فيه مفسدةٌ على الدِّين أو النَّفْس أو العقل أو المال أو العِرْض، فإنَّ في غيره مندوحةً.

8- وأخيرًا: فالفِكر لن يزال مضطرًّا إلى توفيقِ الله وتسديده؛ ولذلك فلا بدَّ له مِن الاعتماد عليه - جلَّ وعلا - والاستعانة به ومراقبته في السرِّ والجهْر... والله وليُّ التوفيق.


[1] بفتح الحاء والكاف.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.60 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.98 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.38%)]