عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 13-02-2019, 04:22 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمـة ضالـة المؤمن (4)
يُعرف العاقل من عمله لا من ثوبه


د.وليد خالد الربيع


من الأمثلة والحكم المنقولة عن بعض الشعوب قولهم: «يُعرف العاقل من عمله لا من ثوبه »، وهذا المعنى صحيح كما دلت عليه النصوص الشرعية.
فالعقل هو ما يكون به التفكير والاستدلال، ويطلق على ما يحصل به إدراك الأشياء على حقيقتها بالجملة، ومن آثار العقل تمييز بين الخير والشر، والحق والباطل، والحسن والقبح، ونحو ذلك، كما قال ابن القيم: «نور العقل يضيء في ليل الهوى، فتلوح جادة الصواب، فيتلمح البصير في ذلك النور عواقب الأمور».
فإذا كانت أقوال الإنسان وأفعاله وتدبيراته تابعة للحكمة، موافقة للصواب، غير متقدمة على أوانها ولا متأخرة، ولا فيها زيادة على عما ينبغي ولا نقص، فبتحقيق هذا يُعرف كمال عقل الإنسان ورزانته ودرايته كما قرر ذلك الشيخ ابن سعدي. وقد اختل هذا المعيار لدى بعض الناس، فأصبح الحكم على الأشخاص عندهم بناء على مظاهرهم وزينتهم ومرافقهم التي يستعملونها كالمراكب والمساكن والمكاتب ونحو ذلك مما لا يدل على عقل الإنسان ولا على شخصيته في الواقع. فالأدلة الشرعية توجه الأنظار إلى معيار التفاضل الحقيقي، وميزان الكمال الإنساني، وهو ما يقوم في القلوب من عقائد، وما يستقر في النفوس من أخلاق، وما يصدر عن الإنسان من أقوال وأفعال وأحوال موافقة للشرع والعقل السليم. قال عز وجل: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} قال ابن كثير: «أي إنما تتفاضلون عند الله تعالى بالتقوى لا بالأحساب»، وقد وردت الأحاديث بذلك، فعن أبي هريرة قال: سئل رسول الله [ أي الناس أكرم؟ قال: «أكرمهم عند الله أتقاهم» أخرجه البخاري.
وقال عز وجل: {من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}، وقال تعالى: {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله} وقال عز وجل: {ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب}، فانظر كيف جعل الإيمان بمعناه الشامل، والعمل الصالح بأنواعه المتعددة سبيلا لدخول الجنان والقرب من الرحمن.
وفي المقابل تجد النصوص الشرعية توجه العقول والأبصار إلى عدم الاغترار بالمظاهر الخارجية؛ لأنها ليست ميزانا دقيقا ولا معيارا صادقا لحقيقة الأشياء والأشخاص، قال عز وجل: {لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد، متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد} قال ابن سعدي: «لا ينبغي للإنسان أن يغتر بحالة الإنسان الدنيوية، ويظن أن إعطاء الله إياه في الدنيا دليل على محبته له، وأنه على الحق، بل الواجب على العبد أن يعتبر الناس بالحق، وينظر إلى الحقائق الشرعية، ويزن بها الناس، ولا يزن الحق بالناس، كما عليه من لا علم له ولا عقل له».
وقال عز وجل: {فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا} قال ابن سعدي: «أي لا تغتر بما أعطاهم الله في الدنيا من الأموال والأولاد، فليس ذلك لكرامتهم عليه، وإنما ذلك إهانة منه لهم، فيتعبون في تحصيلها، ويخافون من زوالها، ولا يتهنأون بها».

وقال عز وجل عن المنافقين {وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم} قال ابن سعدي: «فأجسامهم وأقوالهم معجبة، ولكن ليس وراء ذلك من الأخلاق الفاضلة والهدي الصالح شيء ولهذا قال: {كأنهم خشب مسندة} لا منفعة فيها، ولا ينال منها إلا الضرر المحض».

وقد قرر رسول الله [ تلك القاعدة الذهبية والمعيار الدقيق بقوله: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» رواه مسلم، قال القرطبي: «أي لا يثيبكم عليها ولا يقربكم بها، ذلك كما قال تعالى: {وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى} ثم قال: {إلا من آمن وعمل صالحا فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون}، ويستفاد من هذا الحديث فوائد:
- إحداها: صرف الهمة إلى الاعتناء بأحوال القلب وصفاته، بتحقيق علومه وتصحيح مقاصده، وتطهيره عن مذموم الصفات.
- الثانية: أن الاعتناء بإصلاح القلب وبصفاته مقدم على الأعمال بالجوارح، فتخصيص القلب بالذكر مقدم على الأعمال إنما كان لأن أعمال القلوب هي المصححة لسائر الأعمال. - الثالثة: لما كانت القلوب هي المصححة للأعمال الظاهرة، وأعمال القلب غيب عنا، فلا يقطع بمغيب أحد لما يرى عليه من صور أعمال الطاعة أو المخالفة، فلعل من يحافظ على الأعمال الظاهرة يعلم الله تعالى من قلبه وصفا مذموما لا تصح معه تلك الأعمال، ولعل من رأينا منه تفريطا أو معصية يعلم الله من قلبه وصفا محمودا يغفر له بسببه، فالأعمال أمارات ظنية لا أدلة قطعية، ويترتب عليها عدم الغلو في تعظيم من رأينا عليه أفعالا صالحة، وعدم الاحتقار لمسلم رأينا عليه أفعالا سيئة، بل تحتقر وتذم تلك الحالة السيئة، لا تلك الذات المسيئة، فتدبر هذا فإنه نظر دقيق.
والخلاصة: إن المظهر الحسن والترجل والتطيب من الأمور المشروعة, ومن زينة الحياة, لكنها ليست الأصل, ليست هي المقياس في الحكم على الناس كما ثبت في صحيح مسلم عن النبي[: «رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره»، قال النووي: «وهذا لعظم منزلته عند الله تعالى، وإن كان حقيرا عند الناس».
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.01 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.38 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.49%)]