عرض مشاركة واحدة
  #334  
قديم 09-02-2020, 05:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير السعدى ___متجدد إن شاء الله

الحلقة (333)
تفسير السعدى
سورة الحج
من الأية(9) الى الأية(16)
عبد الرحمن بن ناصر السعدي

تفسير سورة الحج




" ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق " (9)
إن هي إلا شبهات, يوحيها إليه الشيطان " وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ " مع هذا " ثَانِيَ عِطْفِهِ " أي: لاوي جانبه وعنقه, وهذا كناية عن كبره عن الحق, واحتقاره للخلق.
فقد فرح بما معه من العلم الغير النافع.
واحتقر أهل الحق, وما معهم من الحق.
" لِيُضِلَّ " الناس أي: ليكون من دعاة الضلال.
ويدخل تحت هذا جميع أئمة الكفر والضلال.
ثم ذكر عقوبتهم الدنيوية والأخروية فقال: " لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ " أي: يفتضح هذا في الدنيا قبل الآخرة.
وهذا من آيات الله العجيبة, فإنك لا تجد داعيا مى دعاة الكفر والضلال, إلا وله من المقت بين العالمين, واللعنة, والبغض, والذم, ما هو حقيق به, وكل بحسب حاله.
" وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ " أي نذيقه حرها الشديد, وسعيرها البليغ, وذلك بما قدمت يداه.

" ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد " (10)
" ذَلِكَ " ما ذكر من العذاب الدنيوي والأخروي.
وما فيه من معنى البعد (وهو معنى اللام في " ذلك " الموضوعة للدلالة على البعد) للدلالة على كون الكافر في الغاية القصوى من الهول والفظاعة.
" بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ " أي: بسبب ما اقترفته من الكفر والمعاصي.
" وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ " أي: والأمر أنه تعالى ليس بمعذب عبيده بغير ذنب من قبلهم.
والمعنى الإجمالي: أنه يقال للكافر الموصوف بتلك الأوصاف في الآيتين السابقتين: ذلك الذي تلقاه من خزى وعذاب إنما كان بسبب افترائك وتكبرك لأن الله عادل لا يظلم, ولا يسوي بين المؤمن والكافر, والصالح والفاجر, بل يجازي كلا منهم بعمله.

" ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين "(11)
أي: ومن الناس من هو ضعيف الإيمان, لم يدخل الإيمان قلبه, ولم تخالطه بشاشته.
بل دخل فيه, إما خوفا, وإما عادة على وجه لا يثبت عند المحن.
" فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ " أي: إن استمر رزقه رغدا, ولم يحصل له من المكاره شيء, اطمأن بذلك الخير, لا إيمانه.
فهذا, ربما أن الله يعافيه, ولا يقيض له من الفتن, ما ينصرف به عن دينه.
" وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ " من حصول مكروه, أو زوال محبوب " انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ " أي: ارتد عن دينه.
" خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ " أما في الدنيا, فإنه لا يحصل له بالردة ما أمله الذي جعل الردة رأسا لماله, وعوضا عما يظن إدراكه فخاب سعيه, ولم يحصل له, إلا ما قسم له.
وأما الآخرة, فظاهر, حرم الجنة التي عرضها السماوات والأرض والأرض, واستحق النار.
" ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ " أي: الواضح البين.

" يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذلك هو الضلال البعيد " (12)
" يَدْعُو " هذا الراجع على وجهه " مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ " .
وهذا صفة كل مدعو ومعبود, من دون الله, فإنه لا يملك لنفسه ولا لغيره, نفعا ولا ضرا.
" ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ " الذي بلغ في البعد إلى حد النهاية, حيث أعرض عن عبادة النافع الضار, الغني المغني.

" يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير " (13)
وأقبل على عبادة مخلوق مثله أو دونه, ليس بيده من الأمر شيء بل هو إلى حصول ضد مقصوده أقرب.
ولهذا قال: " يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ " فإن ضرره في العقل والبدن, والدنيا والآخرة, معلوم " لَبِئْسَ الْمَوْلَى " أي هذا العبود " وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ " أي: القرين الملازم على صحبته.
فإن المقصود من المولى والعشير, حصول النفع, ودفع الضرر.
فإذا لم يحصل شيء من هذا, فإنه مذموم ملوم.

" إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار إن الله يفعل ما يريد " (14)
لما ذكر تعالى المجادل بالباطل, وأنه على قسمين, مقلد, وداع ذكر أن المتسمي بالإيمان أيضا على قسمين, قسم لم يدخل الإيمان قلبه كما تقدم.
والقسم الثاني: المؤمن حقيقة, صدق ما معه من الإيمان بالأعمال الصالحة فأخبر تعالى أنه يدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار.
وسميت الجنة جنة, لاشتمالها على المنازل والقصور والأشجار والنباتات التي تجن من فيها, ويستتر بها, من كثرتها.
" إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ " فمهما أراده تعالى, فعله من غير ممانع ولا معارض.
ومن ذلك, إيصال أهل الجنة إليها, جعلنا الله منهم بمنه وكرمه.

" من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ " (15)
أي من كان يظن أن الله لا ينصر رسوله, وأن دينه سيضمحل, فإن النصر, من الله ينزل من السماء " فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ " النصر عن الرسول.
" فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ " أي: ما يكيد به الرسول, ويعمله من محاربته, والحرص على إبطال دينه, ما يغيظه من ظهور دينه.
وهذا استفام بمعنى النفي, أي: إنه لا يقدر على شفاء غيظه, بما يعمله من الأسباب.
ومعنى هذه الآية الكريمة: يا أيها المعادي للرسول محمد صلى الله عليه وسلم, الساعي في إطفاء دينه, الذي يظن بجهله, أن سعيه سيفيده شيئا.
إعلم أنك, مهما فعلت من الأسباب, وسعيت في كيد الرسول, فإن ذلك لا يذهب غيظك, ولا يشفي كمدك, فليس لك قدرة في ذلك.
ولكن سنشير عليك برأي, تتمكن به من شفاء غيظك, ومن قطع النصر عن الرسول, إن كان ممكنا.
ائت الأمر من بابه, وارتق إليه بأسبابه.
اعمد إلى حبل من ليف أو غيره, ثم علقه في السماء, ثم اصعد به, حتى تصل إلى الأبواب التي ينزل منها النصر, فسدها, وأغلقها, واقطعها, فبهذه الحال تشفي غيظك.
فهذا هو الرأي والمكيدة, وما سوى هذه الحال فلا يخطر ببالك أنك تشفي بها غيظك ولو ساعدك من ساعدك من الخلق.
وهذه الآية الكريمة, فيها من الوعد والبشارة بنصر الله لدينه, ولرسوله, وعباده المؤمنين, ما لا يخفى, ومن تأييس الكافرين, الذين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم, والله متم نوره, ولو كره الكافرون أي: وسعوا مهما أمكنهم.

" وكذلك أنزلناه آيات بينات وأن الله يهدي من يريد " (16)
أي: وكذلك لما فصلنا في هذا القرآن ما فصلنا, جعلناه آيات بينات, واضحات, دالات على جميع المطالب والمسائل النافعة, ولكن الهداية بيد الله.
فمن أراد الله هدايته, اهتدى بهذا القرآن, وجعله إماما له وقدوة, واستضاء بنوره.
ومن لم يرد الله هدايته, فلو جاءته كل آية, ما آمن, ولم ينفعه القرآن شيئا, بل يكون حجة عليه.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.65 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.03 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.92%)]