التحفة الوفية بمعاني حروف العربية
د. صالح بن حسين العائد
[الكاف]
ومنها (الكاف): للتشبيه، وزِيدَ للتعليل[209]، كقوله تعالى: {كما هداكم}[210] ولموافقة (على)[211]، نحو قول بعض العرب[212]: كيف أصبحتَ ؟ فقال: [3أ] كخيرٍ[213]، حكاه الفراء[214].
وتزاد إنْ أُمِنَ اللبس، كقوله تعالى: {ليس كمثله شيء}[215].
ولا تجرّ إلا الظاهر في السَّعة، ومذهب سيبويه[216] أنّها حرفٌ إلا في الضرورة[217]، كقوله:
20- أتنتهونَ ولن ينهى ذوي شَطَطٍ كالطعنِ يَذْهَبُ فيه الزيتُ والفُتُلُ[218]
وأبو الحسن الأخفش[219] يجوّز أن تكون اسماً في فصيح الكلام.
وإن كانت حرفاً فقيل: لا تتعلّق بشيء[220]، كالحروف الزائدة، نحو: ما زيدٌ بقائمٍ، وكـ(لعلّ)، و(لولا) إذا جرّ بهما، وقيل: كغير ما ذُكِرَ من الحروف[221].
وإذا لحقتها (ما) فقيل[222]: تكفُّها عن عملها، وقيل[223]: لا تكفّ، وتقدّر مع ما بعدها مصدريّةٌ مجرورةً بها، وهو الصحيحُ.
[حتى]
ومنها (حتّى): ومعناها الغاية، وتجرّ الظاهر دون المضمر إلا في الشعر، نحو:
21- فلا واللهِ لا يُلْفَى أناسٌ فتًى حتّاك يابن أبي يزيدِ[224]
وزعم بعضهم[225] أنّه غيرُ مخصوصٍ بالشِّعْرِ.
والاسم المجرور بها إمّا صريحٌ، كقوله تعالى: {حتّى مطلعِ الفجرِ}[226]، وإمّا مؤوّل بـ(أن) لازماً إضمارها، كقوله تعالى: {حتّى يتبيّنَ لكم}[227]، وشرطها في جرّ الاسم الصريح بها أن يكون ما بعدها جزءاً ممّا قبلها، نحو: ضربتُ القومَ حتّى زيدٍ، أو كجزءٍ نحو:
22- ألقى الصحيفةَ كي يُخفّفَ رَحْلَهُ والزادَ حتّى نَعْلَهُ ألقاها[228]
لأنّه في معنى: ألقى ما يثقله حتّى نعله.
[رب]
ومنها (رُبَّ) على الصحيح[229] خلافاً للكسائيّ[230] وابن الطراوة[231] في أنّها اسمٌ.
ومعناها التقليل[232]، وقيل: التكثير مطلقاً[233]، وقيل:
في أماكن المباهاة والافتخار[234]، وقيل: لا تدلّ على تقليلٍ ولا تكثيرٍ وضعاً[235]، وإنما يفهم من السياق[236].
وَتَجُرُّ النكرةَ، نحو: رُبّ رجلٍ أكرمته، والمضافَ إلى ضميرٍ مجرورٍ عائدٍ إلى مجرورها، نحو: ربّ رجلٍ وأخيه، والضميرَ مفرداً مذكّراً مطلقاً مفسّراً بنكرةٍ منصوبةٍ على التمييز، نحو: ربّه رجلاً، ورجلين، ورجالاً، وامرأةً، وامرأتين، ونساءً.
وأجاز الكوفيّون مطابقة التمييز للضمير[237].
وتجرُّ مضمرةً بعد فاء الشرط، كقوله:
23- فإن أهلِكْ فذِي حَنقٍ لَظاهُ تَكادُ عليَّ تَلْتَهِبُ الْتِهابا[238]
وفي الجرّ بها بعد (بل) نحو:
24- بل بلدٍ ذي [صُعُدٍ و][239] أوصابْ[240]
وبعد الواو والفاء خلافٌ[241].
و(ربّ) عندهم كالحرف الزائد، فيحكم على موضع مجرورها بالرفع على الابتداء إن كان الفعل الذي بعدها رافعاً ضميرَهُ، نحو: ربّ رجلٍ قام، أو سَببَيَّهُ نحو: ربّ رجلٍ أكرمَ أخوه عمراً، وبالنصب إن اقتضاه الفعل الذي بعدها مفعولاً، ولم يأخذه، نحو: رُبّ رجلٍ أكرمتُ.
وبالوجهين / إن كان مشغولاً بضمير مجرورها أو سببيّه نصباً، نحو: [3ب] ربّ رجل أكرمتُهُ وأكرمتُ أخاه، ويجوز العطف على مجرورها لفظاً وموضعها.
[خلا وعدا وحاشا]
ومنها (خلا)، و(عدا)، و(حاشا) في باب الاستثناء، ومعناها معنى (إلا).
وتكون أيضاً (خلا)[242] و(عدا) فعلاً إذا انتصب ما بعدهما، نحو: قام القوم خلا زيداً، وعدا زيداً.
و(حاشا) عند سيبويه[243] لا تكون إلا حرفاً جارّاً، وسَمِعَ غيرُه[244] النصبَ بها، فتكون فعلاً[245]: (اللهمَّ اغْفِرْ لي ولمن يسمع حاشا الشيطانَ وأبا الأصبع)[246].
[مذ، ومنذ]
ومنها (مُذْ)، و(مُنْذُ): والمشهور أنّهما حرفان إذا انجرّ ما بعدهما، واسمان إذا ارتفع، وقيل: اسمان مطلقاً، وقيل: حرفان مطلقاً[247].
ومعناهما ابتداءُ الغايةِ إن كان ما بعدهما غيرَ معدودٍ، [و] كان حالاً، نحو: ما رأيته مذ اليومُ، أي: أوّلُ انقطاعِ الرؤيةِ.
والغايةُ إن كان معدوداً، نحو: ما رأيته مذ يومان، أو ماضياً غيرَ معدودٍ، نحو: ما رأيته مذ يومُ الجمعةِ، أي: أمَدُ انقطاعِ رؤيتي له يومان، أو يومُ الجمعةِ إلى الآن.
وعامّة العرب على الجرّ بهما إنْ كان [ما بعدهما][248] حالاً، نحو: مذ الساعة.
وإن كان ماضياً، والكلمة (مذ)، فالرفعُ، وَقلَّ[249] الجرُّ، أو (منذ) فالجرّ، وَقَلَّ الرفعُ. وإن انجرَّ ما بعدهما[250] بما قبلهما، وكان الكلامُ جملةً واحدةً.
وإذا ارتفع فالصحيح أنّه خبرٌ عن (مذ) و(منذ)[251]، ومعناهما: أمدٌ، أو أوّلُ[252]، وقيل: هو مبتدأ، و(مذ) و(منذ) خبران[253].
وقال الكسائيّ: إنّه فاعلٌ بفعلٍ مضمرٍ[254]، وقال بعض الكوفيّين: إنّه خبرُ مبتدأ مضمرٍ[255].
[الواو]
ومنها (الواوُ): وتجرُّ في القَسَمِ الظاهرَ دون المضمرِ، ونائبة عن (رُبّ) على خلافٍ فيها[256].
[الفاء]
ومنها (الفاءُ)، وتجر نائبةً عن (رُبّ)، نحو
25- فَمِثْلِكِ حُبْلَى[257].
على خلافٍ فيها[258].
[التاء]
ومنها (التاءُ)، وتجرُّ في القَسَمِ خاصّةً، نحو: تاللهِ، وسُمِعَ: تَرَبِّ الكعبةِ[259].
[الميم]
ومنها (مُ) مضمومةً ومكسورةً[260]، وتجرُّ في القَسَمِ الاسمَ المعظّمَ خاصّةً، نحو:
مُ اللهِ، وزعم بعضهم[261] أنّها اسمٌ بَقِيّةُ (أيْمُن).
[من]
ومنها (مِن) – مثلّثةَ الميمِ[262] –، وتجرُّ في باب القَسَمِ الرَّبَّ[263]، نحو: مُنْ ربّي، وقَلَّ دخولُها على اسم اللهِ[264].
[الهاء والهمزة]
ومنها (الهاءُ، والهمزةُ) لاستفهامٍ أو قطعٍ، نحو: هالله، وألله[265]، ولا تجرُّ إلا في القَسَمِ اسمَ اللهِ فقط، وقيل: الجرّ بحرفٍ مقدّرٍ بعدها[266].
[لولا]
ومنها (لولا) إذا اتّصلَ بها ضميرٌ صورتُهُ صورةُ المجرورِ على مذهب سيبويه[267]، نحو: لولاي، ومنه:
26- وَكَمْ مَوْطِنٍ لولاي طِحْتَ كما هَوى بأجرامِهِ مِنْ قُلةِ النِّيقِ مُنْهَوِي[268]
ومذهب الأخفش[269] والمبرّد[270] أنّها لا تجرّ؛ لأنّ الأخفش تأوّل ما وَرَدَ من ذلك / على أنّه من وَضْعِ الضميرِ المجرورِ موضعَ المرفوعِ، كقولهم: ما أنا [4أ] كأنتَ، ولا أنت كأنا، والمبرّد أنكره[271].
[لعل]
ومنها (لَعَلّ) في لغة عُقَيْلٍ[272] – مفتوحةَ اللام ومكسورتَها – نحو قوله:
27- فقلتُ: ادعُ أخرى وارفعِ الصوتَ تارةً لَعَلَّ أبي المغوار منك قريبُ[273]
وقوله:
28- لَعَلَّ اللهِ فضّلكم علينا بشيءٍ أنّ أمَّكُمُ شَرِيمُ[274]
وقيل[275]: هي غيرُ جارّةٍ، والمجرورُ بعدها بحرفٍ مقدّرٍ، واسمها ضميرُ شأنٍ محذوفٌ، أي: لَعَلَّهُ لأبي المغوار، وقيل[276]: المكسورةُ جارّةٌ دون المفتوحة.
[كي]
ومنها (كي)، وتجرّ (ما) في الاستفهام، نحو: كَيْمَهْ، أي: لِمَهْ؟، والاسم المأوّل بالمصدر فقط، نحو: جئت كي أقرأ، إذا أضمرت بعدها (أنْ)[277].
[متى]
ومنها (متى)، وسُمِعَ الجرُّ بها في لغة هُذَيْلٍ[278]، ومنه:
7- شرِبْنَ بماءِ البحرِ ثمَّ تَرَفَّعَتْ متى لُجَجٍ خُضرٍ لَهُنَّ نَئِيجُ[279]
أي: مِنْ لُجَجٍ.
[بَلْه]
ومنها (بَلْهَ) إذا جرّتْ، قاله أبو الحسن[280]، نحو:
29- بَلْهَ الأكُفِّ كأنّها لم تُخْلَقِ[281]
[مَعْ]
ومنها (مَعْ) إذا سكنتْ عينُها[282]، والصحيح أنّها ليست بحرفٍ كالمحرّكة العين[283].
النوع الثاني: الناصب فقط[284].
وهو أربعة:
(أنِ) المصدريّة، و(إذَنْ)، و(لَنْ)، و(كَيْ) في لغة من يقول:
لِكَيْ؛ فإنّها[285] تعمل ظاهرةً ومضمرةً في مواضع مخصوصة، وباقي أخواتها لا يعمل إلا ظاهراً.
وإضمارُها واجبٌ وجائزٌ.
فالواجب بعد ثلاثةٍ من حروف الجرّ، وهي: (كَيْ) الجارّة، ولام الجحود، و(حتّى).
وثلاثةٍ من حروف العطف، وهي: الفاء، والواو، في الأجوبة، و(أو) بمعنى (إلا).
فأمّا (كَيْ) فنحو: جئت كَيْ أقرأ، على لغة مَنْ يقول: كَيْمَهْ[286].
ولا يتعيّنُ إضمارُها بعد (كَيْ)؛ لاحتمال أن تكون (كَيْ) الناصبةَ بنفسها.
وأمّا لام الجحود فنحو: {ما كان الله ليذر}[287].
وشرطها أن تكون بعد كونٍ منفيِّ ماضٍ إمّا لفظاً ومعنًى[288]، نحو: ما كان، أو معنًى فقط، نحو: لم يكن[289]، وإلا كانت لام (كَيْ).
وهي عند الكوفيّين ناصبةٌ بنفسها، وزِيدتْ لتأكيد النفي، وعند البصريّين النصب بـ(أنِ) المضمرة بعدها[290]، وهي منويّةٌ للبعديّة، والخبرُ محذوفٌ، أي: ما كان الله مريداً لأن يذر.
وأمّا (حتّى) فللغاية، كقوله تعالى: {وزلزلوا حتّى يقول}[291].
وللتعليل [نحو]: أسلمتُ حتّى[292] أدخلَ الجنّةَ.
وليستْ ناصبةً بنفسها خلافاً لبعضهم[293]، ويجب نصبُ ما بعدها إنْ كانَ ما قبلها غيرَ مُوجَبٍ، نحو: ما سرتُ حتْى تطلعَ الشمسُ، خلافاً للأخفش[294] في جواز الرفع، أو موجباً غيرَ سببيٍّ[295] نحو: سرتُ [حتّى تطلعَ الشمسُ][296]، أو هي مع ما بعدها في موضعِ خبرٍ، نحو: كان سيري حتّى أدخلَ البلدَ[297]، فإنْ لم يكنْ في موضع خبرٍ جاز الرفعُ والنصبُ سواءً تطاولَ الفعلُ قبلها، نحو: سرتُ حتى أدخلَ، أو قَصُرَ، نحو: وَثَبْتُ / حتّى آخذَ بيدكَ، خلافاً للفرّاء[298] في وجوب الرفع في الثاني. [4ب]
ومهما كَثُرَ السببُ رَجَحَ الرّفْعُ، نحو: كَثُرَ ما سِرْتُ حتّى أدخلُ، ومهما قَلّ رَجَحَ النّصبُ، نحو: قلّما سرت حتّى أدخلَ[299].
فأمّا (الواو) و(الفاء) ففي جواب أمرٍ، سواء كان بصيغة فعلٍ أو مصدرٍ، نحو: اضربْ زيداً، أو: ضرباً زيداً، فتغضبَهُ، فإن كان اسمَ فعلٍ بمعنى الأمر فـ[ثلاثة مذاهب][300]:
ثالثها: إن كان مشتقْاً، كنزالِ، جاز النصب بعد الفاء، وإلا لم يجز، كـ: صه[301].
وفي جواب النهي[302]، كقوله تعالى: {لا تفتروا على الله كذباً فَيُسْحِتكم}[303].
أو الاستفهامِ، كقوله تعالى: {فهل لنا من شفعاءَ فيشفعوا لنا}[304].
أو التمنّي، كقوله تعالى: {يا ليتنا نردُّ ولا نكذِّبَ}[305].
أو الترجّي، كقوله تعالى: {لعلي أبلغُ الأسبابَ أسبابَ السمواتِ فأطّلعَ}[306].
أو التحضيض، نحو: هلا نزلتَ عندنا فنكرمَك، والعَرْضِ، نحو: ألا تنزل عندنا فنكرمَك.
أو الدعاءِ، نحو: غفر الله لزيد فيرحمَهُ[307]، وقيل: لا نَصْبَ بعده[308].
أو بعد فعلِ شكٍّ، نحو: حسبتُهُ يشتمني فأثِبَ عليه[309]، وفيه خلافٌ[310].
أو فِعْلِ شَرْطٍ، نحو:
30- ومَنْ لا يقدّمْ رِجْلَهُ مطمئنَّةً فَيُثْبِتَها في مستوى الأرض تَزْلَقِ[311]
ومن الجائز تقدّمُ لام (كَيْ) إذا لم تتصل[312] بها (لا)، نحو: جئتُ لأقرأ، فإن شئت: لأن.
فإنِ اتّصلتْ بها (لا) وَجَبَ إظهارُ (أن)، نحو: لئلا.
وبعد عاطِف فعلٍ على اسمٍ ملفوظٍ به، نحو: يعجبني قيامُ زيدٍ، ويخرجَ عمرٌو.
وما عداه هذه المواضع لا تعمل إلا مظهرةً إلا ما سُمِعَ، نحو: (تسمعَ بالمعيديّ خيرٌ من أن تراه)[313]، أي أنْ تسمعَ.
يتبع