عرض مشاركة واحدة
  #88  
قديم 21-10-2020, 02:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع للشيخ محمد الشنقيطي

شرح زاد المستقنع في اختصار المقنع
(كتاب الصلاة)
شرح فضيلة الشيخ الدكتور
محمد بن محمد المختار بن محمد الجكني الشنقيطي
الحلقة (85)

صـــــ(1) إلى صــ(9)

شرح زاد المستقنع - فصل: مكروهات الصلاة
المكروه هو ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله، وفي الصلاة مكروهات لا ينبغي فعلها؛ لأنها تنقص من الخشوع والإقبال على الصلاة،
ومنها:
الالتفات، ورفع البصر إلى السماء، وإغماض العينين، والإقعاء في الجلوس، وافتراش الذراعين في السجود، والعبث، والتخصر، والتروح، وفرقعة الأصابع، وتشبيكها، والصلاة مع وجود البول، أو الطعام، وتكرار سورة الفاتحة.
[مكروهات الصلاة]
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.أما بعد:
[الالتفات]
فيقول المصنف عليه رحمة الله:
[فصل: ويكره في الصلاة التفاته] بعد أن فرغ المصنف رحمه الله من بيان صفة الصلاة المشروعة الكاملة، وشرع الآن في بيان ما يكره للإنسان أن يفعله في الصلاة،
ولذلك قال:
[فصل]،
وأصل الفصل: قطع الشيء عن الشيء،
والفاصل: هو الحائل بين الشيئيين.ووصف العلماء رحمهم الله هذه المواضع بكونها فصلا؛ لأنه يفصل بها بين المسائل والأحكام لاختلاف أجناسها وما تضمنته من معان.وهذا الفصل سيتكلم المؤلف رحمه الله فيه على الأمور المكروهة، وهي التي يتركها الإنسان فيثاب على تركها، ولا يعاقب على فعلها، والسبب في إيراد هذا الفصل في المكروهات هو أن اتقاء هذه المكروهات يحصل به المكلف على كمال الصلاة، فلما فرغ من صفة الصلاة الكاملة نبه على أن هذا الكمال ينبغي أن يكون مصحوبا بترك هذه الأمور التي فعلها يعد خلاف الأولى.
والمكروه:
هو ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله، ويأتي النهي عنه من الشرع إما في الكتاب، وإما في سنة النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة الثابتة عنه، وتدل الأدلة على أن هذا النهي الوارد في الكتاب، أو الوارد في السنة ليس على ظاهره وإنما هو على الكراهة.
قوله:
[يكره في الصلاة التفاته] أي: يكره للمصلي إذا كان في صلاته أن يلتفت،
يقال: التفت إذا صرف وجهه قبل اليمين أو قبل الشمال،
وهذا الالتفات يكون من المكلف على صورتين:

الصورة الأولى: أن يصرف وجهه مع بقاء جذع جسمه.
الصورة الثانية:
أن يصرف الوجه والجسد.ومراد المصنف رحمه الله هنا صرف الوجه وحده، فإن السنة لمن وقف بين يدي الله عز وجل أن ينصب وجهه، وأن لا يلتفت يمينا ولا شمالا، وهذا من تعظيم أمر الصلاة، وتعظيم الموقف بين يدي الله عز وجل، ولذلك أمر الله باستقبال القبلة، ويكون استقبال المكلف لها بجميع جسمه، فإذا التفت فقد صرف وجهه عن قبلته؛ ولذلك يعتبر هذا ممنوعا عن المصلي.وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الالتفات الذي يقع من الناس،
فقال عليه الصلاة والسلام: (هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد)،
وأصل الاختلاس: الأخذ بسرعة مع غفلة المأخوذ منه،
أي: يأخذ الشيطان حظا بهذا الالتفات من صلاة الإنسان،
حتى قال بعض العلماء:
إنه ينقص أجره على قدر ما كان منه من الالتفات.والالتفات إذا كان ضروريا لحاجة؛ أو أمر ناب الإنسان فالتفت من أجله، فهذا إن كان يسيرا فإنه لا يضر ولا يؤثر في الصلاة.وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أقر أبا بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه حينما كان في الصلاة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد تأخر عن الحضور بسبب كونه يصلح بين حيين من بني عوف بقباء، فتأخر النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة، فجاء بلال إلى أبي بكر وأخبره، فأقام بلال الصلاة وتقدم أبو بكر رضي الله عنه؛ فلما كان في الصلاة قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فسبح الناس لـ أبي بكر، وكان أبو بكر رضي الله عنه لا يلتفت من كمال خشوعه وصلاته، فلما أكثر الناس عليه التسبيح التفت فإذا هو برسول الله صلى الله عليه وسلم، فتأخر، فأشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك إلى آخر الحديث.ووجه الدلالة من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر أبا بكر حينما التفت، ولم يجعل التفات أبي بكر موجبا لبطلان الصلاة، فأخذ العلماء من هذا دليلا أن المكلف إذا كان في الصلاة والتفت لمصلحة الصلاة، أو لأمر مضطر إليه لمصلحة نفسه، كأن يظن أن عقربا يتحرك عن يمينه، أو حية تحركت عن شماله فخاف على نفسه فالتفت، فحينئذ يكون مضطرا إلى هذا الالتفات ومحتاجا إليه، فلا يوجب بطلان صلاته.والالتفات يكون جزءا وكلا،
فالالتفات الكامل: أن يصل الذقن إلى العاتق، وفي هذه الحالة يكون الالتفات كاملا، وأما الالتفات الجزئي فيكون بصرف الوجه قليلا، وهذا لا يؤثر، وقد ثبت في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الرجل إذا شوش عليه الشيطان في صلاته فيتفل عن يساره ثلاثا.فإذا كثرت وساوس الشيطان على الإنسان وهو في الصلاة،
وقال له الشيطان:
اذكر كذا، اذكر كذا.يريد أن يصرفه عما هو فيه من أمور الصلاة والخشوع فيها فإنه يحرك رأسه قليلا دون أن يلتفت التفاتا كاملا، ثم يتفل عن يساره، أي جهة اليسار،
فكونه عليه الصلاة والسلام يقول: (وليتفل عن يساره) يدل على أنه نوع التفات، وهو جزء الالتفات الذي ذكرناه.
أما الالتفات الكامل فقد قلنا:
إنه إذا وجدت الضرورة فلا إشكال، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه التفت إلى الشعب وهو في الصلاة، وجاء في بعض الروايات أنه كان يلتفت إلى الشعب، وأن الشعب كان في جهة القبلة وهذه الرواية تخفف من شأن الالتفات؛ لأنه لو لم تأت هذه الرواية لفهم منه أنه التفات خارج عن جهة القبلة؛ ولذلك لا حرج على المكلف أن يلتفت قليلا، أو يحرك رأسه قليلا، ولكن مع هذا فإنه بالتفاته من دون حاجة معرض لفوات الكمال،
ولذلك جاء في الحديث:
(لا يزال الله عز وجل مقبلا على العبد في صلاته ما لم يلتفت، فإذا صرف وجهه انصرف عنه)، وهذا يدل على فوات الكمال، والحظ الأوفر للعبد إذا صلى واستشعر موقفه بين يدي الله ولم يلتفت.
أما النوع الثاني من الالتفات: فهو الالتفات بالجذع، وهو الذي يتحرك الإنسان فيه إلى درجة ينحرف فيها عن القبلة، فلو أن إنسانا كان في صلاته ثم سمع صياح صبيه، فالتفت فتحرك جذعه حتى تحركت قدماه بحيث خرج عن كونه مستقبلا الشرق فاستقبل جهة فرعية أو جهة أصلية فإنه تبطل صلاته ولو كانت لضرورة، إلا ما استثني من ضرورة القتال؛ فإنه في حال ضرورة القتال يستثنى لمكان نص الله عز وجل على ذلك في آية المسايفة.
[رفع البصر الى السماء]
قال رحمه الله:
[ورفع بصره إلى السماء] كان من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى أن يرمي ببصره إلى موضع سجوده صلوات الله وسلامه عليه، وهذا أكمل ما يكون من المكلف في خشوعه وخضوعه وذلته بين يدي الله عز وجل وهو واقف في الصلاة؛ فإن هذا يدل على الإقبال على الله عز وجل، والاشتغال بما في الآيات من العظات والذكرى، فأكمل ما يكون من المكلف أن يرمي ببصره إلى موضع سجوده، وهذا هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم.فأما رفع البصر إلى السماء فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل على إنكاره،
فقال عليه الصلاة والسلام:
(ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم)،
ثم شدد فقال عليه الصلاة والسلام:
(لينتهن عن ذلك، أو لتخطفن أبصارهم)،
وفي رواية لـ مسلم:
(أو لا ترجع إليهم)، والعياذ بالله.وهذا يدل على أنه لا يجوز للإنسان أن يصرف بصره إلى السماء،
وذلك لأن القاعدة في الأصول تقول:
(إذا ورد الوعيد على فعل شيء دل ذلك على أنه محرم)، فكون النبي صلى الله عليه وسلم يبين أنه سبب لأن تخطف الأبصار إن استمروا على ما هم عليه يدل على حرمة رفع البصر إلى السماء.وقد جاء في بعض الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقلب بصره في السماء حتى نزلت آية القبلة، ثم نهي عن ذلك،
وقيل: لما نزلت آية المؤمنين: {قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون} [المؤمنون:1 - 1] رمى ببصره عليه الصلاة والسلام إلى موضع سجوده.فلا يجوز للمصلي أن يرفع بصره إلى السماء، ويستوي في ذلك أن يكون في موضع له سقف، أو يكون في موضع منكشف السقف،
وهذا على أن قوله صلى الله عليه وسلم:
(إلى السماء)،
أي: إلى العلو، فإنه حينئذ يكون المراد به أن لا يرمي ببصره إلى أعلى، ويستوي حينئذ كونه مسقوفا أو غير مسقوف.
وقال بعض العلماء: الحكم يختص بالسماء،
أي:
عند نظره إلى السماء.وهذا جمود على ظاهر النص؛
فإننا لو قلنا لهؤلاء: أرأيتم إن كانت السماء مغيمة فإن الحكم واحد عندكم، فالغيم الذي بين المكلفين وبين السماء كالسقف الذي بينهم وبين السماء، ولذلك يستوي أن يكون رفعه للبصر عند وجود الحائل كالسقف، أو يكون بدون حائل كالفضاء.
[إغماض العينين]
قال رحمه الله:
[وتغميض عينيه] تغميض العين: إطباق الجفن على الجفن، فإذا أطبق الجفن على الجفن فقد غمض عينيه، فالتغميض مكروه في الصلاة؛ لأنه من فعل اليهود؛ فإنهم إذا صلوا غطوا رءوسهم وغمضوا أعينهم.
وقال العلماء: إن هذا التغميض يعتبر مكروها، ونص عليه غير واحد من أهل العلم، وهذا الصحيح، ووجه كراهته ما ذكرناه من المشابهة، ولأنه يفوت المصالح، وذلك أن المكلف إذا غمض عينيه قد لا يستطيع أن يدفع المار؛ لأنه مغمض العينين، ولأنها حركة زائدة، وحينئذ لا تشرع إلا بدليل، ويستوي في ذلك تحرك العضو أو جزء العضو.ويستوي في ذلك أن يغمض العينين أو يغمض إحداهما، فالحكم واحد.ولم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يغمض عينيه في الصلاة،
وفصل بعض الفقهاء فقالوا:
إذا كان غمض عينيه لكمال الخشوع، أو لكون الموضع الذي أمامه فيه نقوش وزخرفة وإذا نظر إليها اشتغل بها عن الصلاة فغمض، فحينئذ لا حرج، والذي ينبغي ترك التغميض مطلقا، حتى ولو كانت هناك نقوش؛ فإنه من المجرب أن الله إذا أراد بعبده خيرا ورزقه الخشوع يستوي عنده أن يصلي على ذات نقوش أو غيرها، فلو كانت النقوش موجودة وحدد البصر على موضع السجود فإنه سيخشع إن شاء الله، ولذلك الأولى والأكمل والأحرى والأقرب لهدي النبي صلى الله عليه وسلم الامتناع عن تغميض العينين.
[الإقعاء]
قال رحمه الله:
[وإقعاؤه].
يقال: أقعى الكلب إذا ألصق إليتيه بالأرض، وهذه مسألة ينبغي لطلاب العلم أن يتنبهوا لها، فالإقعاء ينصب فيه الكلب -أكرمكم الله- رجليه ويجعل يديه على الأرض، فتكون الإليتين ملتصقة بالأرض والرجلان منتصبتان، فهذا إقعاء الكلب الذي تكلم عليه أئمة اللغة وجهابذتهم كـ أبي عبيدة معمر بن مثنى، وأبي عبيد القاسم بن سلام الجمحي، وناهيك بهما علما وفضلا، فهما أعرف بلسان العرب، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الإقعاء.والذي عليه جماهير العلماء رحمة الله عليهم أنه هو المراد بالحديث، وأن من فعل هذا فقد فعل ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهى عنه، وبعض الناس يفعل هذا الإقعاء بين السجدتين، أو يكون جلوسه لهذا الجلوس عند قيامه للركعة الثالثة أو الثانية، فإنك تجده ينصب القدمين ويلصق الإليتين ويتكئ على اليدين كالمرتاح، وبعضهم يهم ويظنها جلسة الاستراحة، وهذا لا شك أنه أبلى وأطم؛ لأن الإنسان حينها يوقع غير المسنون وغير المشروع موقع المسنون.وهذا النوع من الجلوس يستوي فيه أن يكون بين السجدتين، أو يكون حال التشهد، أو يكون عند القيام إلى الركعة الثانية أو إلى الرابعة، فكل ذلك منهي عنه ومحرم.وهناك جلسات اختلف العلماء رحمهم الله في كونها من الإقعاء أو ليست من الإقعاء، ففسر بعض العلماء الإقعاء بكونه ينصب القدمين، ويجعل الإلية على العقبين،
وهذا النصب له صورتان: الصورة الأولى: أن ينصب القدمين، ويجعل الأصابع مستقبلة للقبلة، وتكون الإلية على العقبين.
الصورة الثانية: أن ينصب القدمين ويجعل بطنهما إلى الأرض، ولا يجعل الأصابع مستقبلة القبلة، فإذا جعل البطنين إلى الأرض برز العقبان فكانت الإليتان عليهما.
وهناك صورة ثالثة يدخلها بعض العلماء فيقول: هو أن ينصب القدمين ويجعل يديه على الأرض.والأولون يقولون: يستوي أن تكون يداه على الأرض، أو تكونان على فخذيه.أما كونه ينصب القدمين ويجعل رءوس الأصابع مستقبلة للقبلة فهذا ليس من الإقعاء، لظاهر حديث ابن عباس، إذ فعله بين السجدتين؛ لأن ابن عباس نصب قدميه رضي الله عنه وأرضاه واستقبل بالأصابع القبلة، وجعل إليتيه على العقبين،
فلما قال له تلميذه طاوس بن كيسان: إنه من الجفاء قال: سنة نبيكم صلى الله عليه وسلم.وهذا يدل على أنه من السنة أن يفعله الإنسان، ولكن بين السجدتين كما ورد عن ابن عباس.
أما الصورة الثانية: وهي أن يجعل بطني القدمين إلى الأرض والعقبين تحت الإليتين والأصابع إلى الأرض ليست بمنتصبة فهذه هي عقبة الشيطان، وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى، وفيها حديث عائشة رضي الله عنها الصحيح من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الجلسة، فالصحيح أنها محرمة ومنهي عنها من حديث عائشة لا من جهة الإقعاء،
يعني:
إذا رأيت الرجل ينصب قدميه فيجعل بطونهما إلى الأرض مع الأصابع، ثم يجعل الإليتين على العقبين فلك أن تنماه عن ذلك من جهة حديث عقبة الشيطان، لا من جهة حديث الإقعاء، وهذا هو أصح الأوجه عند الجماهير رحمة الله عليهم.ونهي عن هذه الصورة -التي ذكرناها- من الإقعاء لما فيها من مشابهة الحيوان -أكرمكم الله-، وقد شرف الله الآدمي وكرمه كما أخبر الله تعالى في آية الإسراء، وأخبر أنه كرمه وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا، ومن باب أولى أن يكرم في أثناء وقوفه بين يدي الله عز وجل، ولذلك نهي عن هذه الصورة، ولأنها لا تتناسب مع الأدب ومقام الذلة بين يدي الله عز وجل، فنهي عن هذه الجلسة لما فيها من بشاعة الصورة؛
ولذلك فإن طاوس بن كيسان لما ذكر أن الرجل يجعل إليتيه على عقبيه قال:
إنه من الجفاء بالرجل.
أي: كان السلف رحمة الله عليهم، وكان الناس في القديم يرون أن هذا جفاء، فكيف بالإقعاء الذي هو صورة الحيوان؟!
[افتراش الذراعين في السجود]
قال رحمه الله: [وافتراش ذراعيه ساجدا] أي: يكره للمكلف إذا سجد أن يفترش ذراعيه افتراش السبع، كما ورد من نهي النبي صلى الله عليه وسلم،
والمراد بالافتراش:
أن يجعل الذراعين ممدودين على الأرض كانبساط الكلب إذا جلس، فإنه ينبسط انبساطا، وهذا الانبساط منهي عنه.فالسنة أن يرفع وأن يجافي عضده عن جنبه، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان يجافي حتى كان الصحابة يشفقون على النبي صلى الله عليه وسلم من كثرة مجافاته، كما في حديث البراء عند ابن ماجة في سننه، ولذلك كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم فعل هذا، لكن لو اضطر الإنسان بسبب ضيق المكان فألزق عضده بجنبه بسبب الضيق وتراص الناس فإن هذا لا حرج فيه، ويعتبر الإنسان فاعلا له بغير الاختيار.
[العبث]
قال رحمه الله:
[وعبثه].
أي: يكره له العبث،
والعبث:
الحركة الزائدة.ووصف المتحرك بغير المشروع في صلاته بكونه عابثا، لأن الأمر يقتضي منه ما هو أشرف وأكمل من اشتغاله بهذا الشيء.
فمثال العبث: أن يصلح ثوبه من دون حاجة، كأن يبالغ في تعديل عمامته على رأسه، أو ينظر إلى ساعته، أو يحركها كما هو حال بعض الناس اليوم أصلحهم الله.ومن العبث كثرة تحريك الأرض، وإصلاح السجاد عند السجود، وكثرة العبث بها، واشتغاله بحركة يديه على فخذه إذا كان جالسا في التشهد، أو بحركة يده بثوبه إذا كان قائما بين يدي الله عز وجل في حال وقوفه،
وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(إن في الصلاة لشغلا)، أي أن المكلف ينبغي عليه أن يشتغل بأمر الصلاة، وشأن الصلاة وحالها يشغل.فقد أثر عن علي زين العابدين أنه كان إذا توضأ تغير وجهه فاحمر،
فقالوا: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟
قال:
ألا تدرون من أناجي؟! فالإنسان إذا أقبل على الله عز وجل فهو في شغل، وهو أشرف الأشغال وأعظمها وأجلها وأكرمها، كما قال العلماء، هو الشغل الذي خلق من أجله، وهو العبادة،
قال تعالى:
{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات:56]، فهذا هو الشغل وأنعم به من شغل، فكونه ينصرف عما هو بصدده من الإقبال على الله عز وجل إلى تحريك اليدين، أو العبث بالفخذ، أو العبث بالساق، أو كثرة الحركة، أو الترنح أثناء الوقوف فكل ذلك مما لا يليق بالمصلي.فإذا كان العبث يكثر منه إلى درجة لو رآه إنسان لظن أنه في غير صلاة حكم بكونه قد بطلت صلاته، أما لو كان عبثه يسيرا فإنه حينئذ يكون بين درجة الحرام ودرجة المسنون وهو المكروه،
فقالوا:
يكره.فالعبث الذي يريده المصنف هنا رحمة الله عليه هو العبث الذي لا يخرج المصلي عن كونه مصليا، أما لو بالغ في العبث فحينئذ تبطل صلاته.
فلو قال قائل:
ما دليلكم على أن الحركة اليسيرة لا تبطل الصلاة ولو لم تكن من جنس الصلاة؟
قلنا:
ثبوت السنة بذلك؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم حينما وقف في صلاة الليل ووقف معه ابن عباس أخذ يفتل أذنه صلوات الله وسلامه عليه، وهذا نوع حركة وهي خارجة عن الصلاة، وهذا يدل على أنه لا حرج.
[الاختصار]
قال رحمه الله:
[وتخصره].
الاختصار للعلماء فيه أقوال: قال بعض العلماء: التخصر الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح هو وضع اليدين على الخاصرة،
وهذا الوضع للعلماء فيه ثلاثة أوجه في التعليل:
الوجه الأول: أنه من فعل الشيطان، فنهي عنه حتى لا يشابه الشيطان.
والوجه الثاني: أنه فعل اليهود، فنهي عنه حتى لا يشابه اليهود.
والوجه الثالث:
أنه صنيع المتكبرين، والمقام مقام أهل الذلة والخضوع، وهم الخاشعون، فلا يليق أن يقف بهذا الموقف بين يدي الله عز وجل.وهذه الثلاثة الأوجه صحيحة؛ فإنه لما نهى عنه الشرع دل على أنه من الشيطان، ولذلك ينسب المنهي عنه إلى كونه من فعل الشيطان.أما كونه من فعل اليهود فقد جاء عنهم أنهم يفعلون ذلك في صلاتهم.وأما كونه من صنيع المتكبرين فإن أهل التكبر إذا أعجبتهم أنفسهم تخصروا، فوضع الواحد منهم يديه في خاصرته كالمستعظم لنفسه والمتعالي، والمقام مقام ذلة بين يدي الله عز وجل،
فلذلك قالوا: لا يناسب الحال -أعني الخشوع بين يدي الله- أن يتخصر، فنهي عنه.
وقال بعض العلماء: المراد بالتخصر: الاختصار، وهو اختصار الآيات، كأن يقرأ من بعض السور آية أو آيتين ثم ينتقل إلى سورة أخرى، ويقرأ منها آية أو آيتين.
وقال بعض العلماء: الاختصار الذي نهي عنه: السرعة والاختلاس في الصلاة، بمعنى أنه يختصر الصلاة، فبدل أن تكون على قدر من الزمان تكون على ما هو أقل منه، والمراد بذلك الاستعجال حتى إنه لا يعطي الأركان حظها، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه؛ لأنه يفوت الطمأنينة.فهذه أقوال العلماء رحمة الله عليهم في مسألة الاختصار، وجميع ما ذكرنا منهي عنه إلا مسألة انتقاء الآيات من القرآن، فالصحيح أنك لو أخذت آية من البقرة وقرأتها في الركعة الأولى، ثم أخذت آية من آل عمران وقرأتها في الركعة الثانية فلا حرج؛ فإن الاختصار بهذا المعنى ثبتت فيه السنة، كما في حديث ركعتي الفجر،
فقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم في الأولى منها بقوله تعالى:
{قولوا آمنا بالله} [البقرة:136]،
وفي الركعة الثانية بقوله تعالى:
{قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} [آل عمران:64]، فدل هذا على جواز اقتطاع آيات من القرآن في الركعات، وأنه لا حرج فيه.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 38.80 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 38.18 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.62%)]