الموضوع: أنت السبب
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07-04-2019, 12:47 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي أنت السبب

أنت السبب



محمد عبدالقادر




تحول لتوه إلى قطعة حزن متجمدة، كل شيء فيه يقطر حزنا وأسى! كلمات هذا المدير المتغطرس مازالت ترن بأذنيه: «لولا كبر سنك لكان لي معك تصرف آخر. والمشكلات الشخصية عليك أن تدعها عند عتبة المصلحة». ابتلع كلماته ممتعضا ولم ينطق ببنت شفة، أخطاؤه المتكررة في الأيام الأخيرة أخرست لسانه. خرج من غرفة المدير كسيرا يجر أقدامه كالشاة التي تساق لذبحها! حتى عيون الموظفين هي الأخرى لم ترحمه، سواء المشفقة منها أو المتشفية، فجميعها تحولت إلى سهام مسلطة على جسد نحيف قد أنهكته همومه حتى لكأنها محدودة به من كل ناحية. دفع بإذن مكتوب إلى زميله وانصرف قافلا إلى البيت ينشد الراحة أو الهروب من هذا الجو الخانق.


لم يشعر بنفسه إلا وقد فتحت زوجته له الباب، الغريب أنها لم تأبه بعودته باكرا على غير عادته، كذلك لم تقرأ - كعادتها - وجهه الواجم ولا تعبيراته البائسة.. دلفت إلى المطبخ بينما كان هو يحاول أن يدخل إلى غرفته بصعوبة لا متناهية وهو يشعر بأنه يحمل أثقالا على كتفيه من كثرة الإعياء، كانت قطع الأثاث كريمة ورحيمة معه إلى حد بعيد، فقد تعكز عليها واحدة بعد الأخرى حتى وصل إلى غرفته التي وجدها على حالتها كما تركها. لم تفطن زوجته إلى معالجة الأمر فتسبقه إلى الغرفة لتهيئ الفراش وتجلس بجانبه لمواساته، عودتها إلى المطبخ واستكمال غسل الملابس من دون أن تعبأ بمشاعره زاداه ألما وراح يسأل نفسه: «ما ضرورة المجيء إلى البيت إذن؟!». وبدأت ذاكرته للتو تجتر مواقف زوجته السلبية تجاهه، والتي كان يحسبها في مكان سحيق من الذاكرة يصعب أن تخرج، مواقف مؤلمة حقا: عدم الاكتراث بمرضه، وإهمال مشاعره، وكذلك الترحيب البارد بوالدته عند زيارتها لهم على الرغم من المبالغة في الترحيب بعائلتها! كان يشعر بنفسه تزداد حنقا مع اجترار حوادث الماضي حتى تحول إلى ما يشبه القنبلة التي حان وقت انفجارها.. أسود وجهه القمحي حتى تحول من شدة غضبه إلى فحمة مشتعلة، وشعر أن الصورة المزرية التي أصبح عليها أمام المدير وزملائه إنما هي بسبب هذه الزوجة التي حرمت نعمة المشاعر، ارتفع صوته فجأة: «إننا لسنا زوجين في بيت واحد، بل في جزيرتين بينهما بحر وأمواج عاتية». دارت الدنيا به، وحاول أن يستجمع ما بقي فيه من قوة وقد تحول إلى كتلة غضب وزلزال يشي بهلاك كل شيء أمامه.. ترك غرفته واندفع صوب المطبخ صائحا:


- أنت امرأة عجيبة، كيف لك لم تدركي أن وراء مجيئي باكرا شيئا فتسألي عنه، فلربما كنت مريضا أو حدث بيني وبين أحد مشكلة؟!.


- والله إنك أنت العجيب حقا، ألا ترى ما أنا فيه؟ ثم مالي أنا ومشاكلك؟ أم تريدني أن أذهب معك إلى عملك كي أحلها لك؟!


شعر باختناق قاتل فأجاب على الفور:


- أنت لا يصلح الحوار معك.


ارتفع صوتها، وهي تنفض يديها في وجهه بلامبالاة.


- لقد مللت العيش معك.. كل يوم أسئلة وأجوبة، هيا طلقني لأستريح، وابحث لنفسك عن زوجة أخرى تتحملك.


ارتفع صوتها أكثر وهي تحد النظر وبتحد استطردت:


- هيا هيا طلقني.


لم يشعر بنفسه إلا وقد أرضى رجولته ونطق بكلمة الطلاق، وقد أجهشت الزوجة بالبكاء، فيما كان على الباب الأولاد الصغار قافلين من المدرسة.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 16.77 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.14 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.74%)]