عرض مشاركة واحدة
  #75  
قديم 27-03-2024, 04:50 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,680
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختارات من تفسير " من روائع البيان في سور القرآن"

مختارات من تفسير من روائع البيان في سور القرآن (77)
مثنى محمد هبيان



(وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ نُؤۡمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ٩١) [البقرة: 91]
السؤال الأول:
ما المقصود بـ (بِمَا وَرَآءَهُۥ) [البقرة:91] في الآية؟
الجواب:
1ـ الدين الذي كان سائداً قبل الإسلام في جزيرة العرب هو اليهودية وليس النصرانية, واليهود كانوا قبائل في جزيرة العرب، واليهودي لا يؤمن بنبوة عيسى عليه السلام، ولذلك بقي يهودياً وإلا لأصبح نصرانياً أو مسلماً.
2ـ وقوله تعالى: (وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ) أي: وراء ما أنزل الله عليهم مما أنزل الله على رسله ما قبل التوراة وما بعدها؛ لأنّ وراء تفيد: خلف وأمام، ولا شكّ أنّ هذا يشمل القرآن الكريم. وجاء بما يدلّ على القرآن بالصيغة الاسمية مع واو الحال {وهو الحق}ليدل عليه بشكل ثابت وقطعي، وعلى حاله بكونه (مُصَدِّقٗا) للتوراة من غير تفاوت بينهما في الأصول.
3ـ والقرآن يدلّ على نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم , فلمّا أخبر الله عنه أنه مصدق للتوراة وجب اشتمال التوراة على الإخبار عن نبوته، وإلا لم يكن القرآن مصدقاً للتوراة بل كان مكذباً لها.
4ـ وإذا كانت التوراة مشتملة على نبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهم قد اعترفوا بوجوب الإيمان بها لزمهم من هذه الجهة الإيمان بالقرآن وبنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
السؤال الثاني:
ما دلالة صيغة الفعل المضارع في (تَقۡتُلُونَ) ؟
الجواب:
هذا يُسمّى حكاية الحال، بمعنى أنه إذا كان الحدث ماضياً وكان مهماً فإنّ العرب تأتي بصيغة المضارع حتى تجعل الحدث وكأنه شاخص ومُشاهد أمامك.
والمضارع يدل على الحال والاستقبال، والإنسان يتفاعل عادة مع الحدث الذي يشاهده أكثر من الحدث الذي لم يره أو الذي وقع منذ زمن بعيد، فالعرب تحول صيغة الأحداث إلى صيــغة مضارع وإنْ كانت ماضية.
وهذا الأمر ورد في القرآن كثيراً، كما في قوله تعالى في سورة البقرة: (قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) [البقرة:91] قتل الأنبياء هو حالة مستغربة، وفي القرآن يأتي بصيغة المضارع مع الأشياء التي تدل على الحركة والحيوية والمهمة.
وقد جاء في قوله تعالى في سورة فاطر: (وَٱللَّهُ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ ٱلرِّيَٰحَ فَتُثِيرُ سَحَابٗا فَسُقۡنَٰهُ إِلَىٰ بَلَدٖ مَّيِّتٖ فَأَحۡيَيۡنَا بِهِ ٱلۡأَرۡضَ بَعۡدَ مَوۡتِهَاۚ كَذَٰلِكَ ٱلنُّشُورُ) [فاطر:9] جاء فعل (أرسل) بصيغة الماضي ثم فعل (فَتُثِيرُ) بصيغة المضارع ثم فعل (فَسُقۡنَٰهُ) بصيغة الماضي مع أنّ السّوق يأتي بعد الإثارة والأحداث كلها ماضية؛ لكنّ الإثارة مشهد حركة فجعلها بصيغة المضارع ليدلّ على الحضور.
وهذا الأمر نجده أيضاً في السيرة، ففيما روي عن الصحابي الذي قتل أبا رافع اليهودي الذي آذى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قال يصف ما حصل شعراً:
فناديت أبا رافع فقال نعم فأهويت عليه بالسيف فأضربه وأنا دهش؟
فجعل صيغة المضارع للمشهد الأبرز وهو الضرب، فكأنّ السامع يرى الحادثة أمامه ويرى الصحابي وهو يضربه.
السؤال الثالث:
ما دلالة قوله تعالى: (إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) في هذه الآية وفي القرآن الكريم؟
الجواب:
ورد هذا التركيب (إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) في القرآن الكريم في (16) موضعاً وهي ( البقرة 91،93،248،278) وآل عمران ( 49 ,139، 175 ) المائدة ( 23، 57،112 ) الأعراف ( 85 ) الأنفال ( 1)التوبة (13) هود( 86 ) النور( 17 ) الحديد (8 ).
بينما ورد التركيب (إِن كَانُواْ مُؤۡمِنِينَ) في مكان واحد في آية التوبة في قوله تعالى: (يَحۡلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمۡ لِيُرۡضُوكُمۡ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُۥٓ أَحَقُّ أَن يُرۡضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤۡمِنِينَ) [التوبة:62].
وهذا التركيب العجيب يضع الناس أمام أنفسهم وجهاً لوجه , وسر هذا التركيب يكمن في كلمة (إنْ) وهي أداة شرط تستعمل في القرآن عندما يكون الأمر موضع شك قابلاً للظن والاحتمال , أمّا (إذا) فتستعمل في مواضع اليقين.
وقد ورد تركيب (إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) مع فئتين من الناس:
الأولى: وهم المؤمنون الصادقون الذين لا يُشَكُّ في صدقهم وحسن بلائهم وسابق جهادهم وصحبتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم .
الثانية: وهم المنافقون الفاسقون الذين لا يُشَكُّ في خياناتهم وتلونهم وكذبهم.
ومن السهل أنْ نفهم التركيب (إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) مع الفئة الثانية فهم يكذبون على الله وعلى رسوله وعلى المؤمنين، ولذلك يخاطبهم الله عز وجل بأسلوب الشك في إيمانهم ويبين للمؤمنين الصادقين كذبهم ونفاقهم، قال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ نُؤۡمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) [البقرة:91].
أمّا ورود هذا التركيب مع فئة المؤمنين الصادقين المخلصين كما في آية الأنفال: (يَسۡ‍َٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡأَنفَالِۖ قُلِ ٱلۡأَنفَالُ لِلَّهِ وَٱلرَّسُولِۖ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصۡلِحُواْ ذَاتَ بَيۡنِكُمۡۖ وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) [الأنفال:1] وقد نزلت هذه الآية الكريمة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة بدر ومعه الصحابة الذين هم أكرم أهل الأرض بعد أنبياء الله , فمن الواضح أنّ مثل هذه الآية عندما ترد مع مثل هؤلاء الناس تكون تطهيراً لهم وتعليماً وتذكيراً، كأنها تضعهم في منزلة الشك في إيمانهم إنْ لم يفعلوا ما يأمرهم الله به فيهبوا للعمل بأحكام الله فيدفعوا عنهم صورة التردد والشك، وليدخلوا في دائرة الإيمان الوثيق الذي يعلمه الله منهم بصدق أقوالهم وأعمالهم.
السؤال الرابع:
ما دلالة لفظة (قَبۡلُ) في هذه الآية (قُلۡ فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ) [البقرة:91]؟
الجواب:
قوله تعالى: (مِن قَبۡلُ) طمأنة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أنّ قتلهم الأنبياء انتهى , وفي الوقت نفسه قضاء على آمال اليهود في أنْ يقتلوا محمداً صلى الله عليه وآله وسلم .
وبذلك نزع الله الخوف من صدور وقلوب المؤمنين على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأنّ ما جرى للرسل السابقين من بني إسرائيل لن يجري على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنهم لو تآمروا على قتله عليه الصلاة والسلام فلن يفلحوا.
واليهود بعد نزول هذه الآية لم يتوقفوا عن تآمرهم على قتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرة بمحاولة إلقاء الحجر عليه، ومرة بدس السم له، ومحاولات أخرى لكنها فشلت كلها.
السؤال الخامس:
كيف جاز قوله تعالى: (فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ) ولا يجوز أنْ يقال: أنا أضربك أمس؟ وما نوع الفاء في لفظة: (فَلِمَ تَقۡتُلُونَ) ؟
الجواب:
1ـ في الأمر قولان:
آ ـ أنّ ذلك جائز إذا كان بمنزلة الصفة اللازمة، كقولك: ويحك لِمَ تكذب؟ كأنك قلت: لم يكن هذا من شأنك , وكقوله تعالى: (وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتۡلُواْ ٱلشَّيَٰطِينُ) [البقرة:102] ولم يقل: ما تلت؛ لأنه أراد من شأنها التلاوة.
ب ـ كأنه قال: لم ترضون بقتل الأنبياء من قبل إنْ كنتم آمنتم بالتوراة؟
2ـ الفاء (فَلِمَ) تسمى الفصيحة لأنها قد أفصحت عن شرط مقدر , أي إنْ كانت دعواكم صحيحة فَلِمَ تقتلون؟ واللام حرف جر , و( ما ) اسم استفهام في محل جر باللام , وحُذفت الألف من ( ما ) فرقاً بينها وبين ( ما ) الخبرية. والجار والمجرور متعلقان بالفعل ( تقتلون ).
والله أعلم.
السؤال السادس:
ما دلالة هذه الآية بشكل عام؟
الجواب:
1ـ عندما قال المسلمون لليهود آمنوا بمحمد , ردّ عليهم اليهود: نحن نؤمن بما أُنزل على نبينا موسى عليه السلام ولا نؤمن بغيره (وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ نُؤۡمِنُ بِمَآ أُنزِلَ عَلَيۡنَا وَيَكۡفُرُونَ بِمَا وَرَآءَهُۥ) .
2ـ قال تعالى: (وَهُوَ ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ) فجاء بألف التعريف ( الحق ) بصيغة التعريف لا بصيغة التنكير, ليبيّن أنه الحق بصورة دائمة , وهو يوافق التوراة التي بين أيديكم , فوحي السماء واحد لا يختلف.
3 ـ ردّ الله عليهم مقالتهم بأمرين:
آ ـ من يكفر بالقرآن فقد كفر بالتوراة , لأنه الحق المطابق للواقع الموافق للتوراة , فهو: (ٱلۡحَقُّ مُصَدِّقٗا لِّمَا مَعَهُمۡۗ) .
ب ـ إنْ كنتم مؤمنين بما أُنزل عليكم (فَلِمَ تَقۡتُلُونَ أَنۢبِيَآءَ ٱللَّهِ مِن قَبۡلُ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ) أي إنْ كنتم كما تزعمون أنكم تؤمنون بكتب الله كالتوراة والإنجيل , وبرسل الله كموسى وعيسى عليهما السلام فلِمَ قتلتم أيها اليهود أنبياء الله كيحيى وزكريا؟! وقد حرّم الله عليكم ذلك في التوراة , ولمَ كذبتم نبيكم موسى عليه السلام؟!!!
والله أعلم.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.60 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.97 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.45%)]