عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 08-04-2020, 09:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه

﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾













د. أحمد خضر حسنين الحسن




قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [الأنعام: 52].







أولًا: سبب نزولها:



روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر، فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء عنك لا يجترئون علينا، قال: وكنت أنا وابن مسعود، ورجل من هذيل، وبلال، ورجلان لست أسميهما... فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع، فحدث نفسه، فأنزل الله عز وجل: (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) إلى قوله: (أليس الله بأعلم بالشاكرين).







ثانيًا: بناءً على ما سبق ذكره في سبب النزول أقول: عصَم الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم من أن يعطي لسادة قريش من المشركين ما طلبوه من أن يكون لهم مجلس يخصهم به دون ضعفاء المسلمين رغبة في إسلامهم وطمعًا في إيمانهم؛ لأنه سيترتب على ذلك إسلام الكثير من عامة أهل مكة، فرحمته التي تملأ جوانحه صلى الله عليه وسلم جعلته يفكر فيما أشرت إليه؛ كما قال ابن مسعود رضي الله عنه: "فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع، فحدَّث نفسه، فأنزل الله عز وجل: ﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾.







وقال القرطبي رحمه الله: "وكان النبي صلى الله عليه وسلم إنما مال إلى ذلك طمعًا في إسلامهم، وإسلام قومهم، ورأى أن ذلك لا يفوت أصحابه شيئًا، ولا ينقص لهم قدرًا، فمال إليه فأنزل الله الآية".







والآن سنذكر ما تحتويه الآية المعاني المحكمة واللطائف التي تثلج الصدر فيما يتعلق بالعناية الإلهية بخير البرية صلى الله عليه وسلم:



1- قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ ﴾؛ أي: لا تطرد أيها الرسول هؤلاء المؤمنين الموحدين الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي؛ أي: في النهار وآخره أو في عامة الأوقات; لأنه يكنى بطرفي الشيء عن جملته، يقال: يفعل كذا صباحًا ومساءً: إذا كان مداومًا عليه، وإذا أريد بالغدو والعشي حقيقتهما، فيحتمل أن يراد بالدعاء الصلاة؛ لأنها كانت في أول الإسلام صلاتان: إحداهما في الصباح والأخرى في المساء، ورُوي عن مجاهد أن المراد صلاتَا الصبح والعصر، وإلا فالدعاء يشمل الدعاء الحقيقي والصلاة والقرآن المشتملين عليه، والغداة والغدوة كالبكرة ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، والعشي آخر النهار.







2- (يريدون وجهه)؛ أي: يدعون ربَّهم بالغداة والعشي مريدين بهذا الدعاء وجهه سبحانه وتعالى، مبتغين مرضاته؛ أي: يتوجهون به إليه وحده مخلصين له الدين، فلا يشركون معه أحدًا، ولا يرجون من غيره عليه ثوابًا، ولا يتوقعون به من أحد مدحًا ولا نفعًا، فهذا التعبير يدل على الإخلاص لله تعالى في العمل وابتغاء مرضاته به وحده، وعدم الرياء فيه، كما قال تعالى حكاية عن المطعمين الطعامَ على حبه: ﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا ﴾ [الإنسان: 9]، وكما قال في الأتقى الذي ينفق ماله ليتزكى به عند الله تعالى، ويكون مقبولًا مرضيًّا لديه: ﴿ وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى ﴾ [الليل: 19 - 21].











3- قوله تعالى: ﴿ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِن شَيءٍ ﴾، أي: إنما حسابهم على الله عز وجل، وليس علي من حسابهم من شيء، كما أنه ليس عليهم من حسابي من شيء. واختلفوا في أن الضمير في قوله: "حسابهم"، وفي قوله: "عليهم" إلى ماذا يعود؟ والقول الأول: أنه عائد إلى المشركين، والمعنى ما عليك من حساب المشركين من شيء، ولا حسابك على المشركين، وإنما الله هو الذي يدبِّر عبيده كما يشاء وأراد، القول الثاني: أن الضمير عائد إلى الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي، وهم الفقراء.







4- وقوله: (فتطردهم) جواب النفي ومعناه: ما عليك من حسابهم من شيء، فتطردهم، بمعنى أنه لم يكن عليك حسابهم حتى إنك لأجل ذلك الحساب تطردهم. قال الطاهر بن عاشور: وقوله فتطردهم منصوب في جواب النهي الذي في قوله: (ولا تطرد الذين يدعون ربَّهم)، وإعادة فعل الطرد دون الاقتصار على قوله: (فتكون من الظالمين)، لإفادة تأكيد ذلك النهي، وليُبنى عليه قوله: (فتكون من الظالمين)، لوقوع طول الفصل بين التفريع والمفرع عليه، فحصل بإعادة فعل (فتطردهم) غرضان لفظي ومعنوي، على أنه يجوز أن يجعل فتطردهم منصوبًا في جواب النفي من قوله: (ما عليك من حسابهم من شيء)، و(ما من حسابك عليهم من شيء)؛ أي: لا تطردهم إجابة لرغبة أعدائهم.







5- وقوله: (فتكون من الظالمين) يجوز أن يكون عطفًا على قوله: (فتطردهم) على وجه التسبب، وهي عطف على فتطردهم متفرع عليه؛ أي: فتكون من الظالمين بطردهم؛ أي: فكونه من الظالمين منتف تبعًا لانتفاء سببه، وهو الطرد.







قال السيد رشيد رضا: معلوم أن أتباع خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم كأتباع من تقدمه من إخوانه الرسل صلوات الله عليهم، أكثرهم من الضعفاء الفقراء، وأن أعداءه كأعدائهم هم المترفون وأن هؤلاء الأعداء المستكبرين عن الإيمان، كانوا يحتقرون السابقين إلى الإيمان ويذمونهم، ويعدون أنفسهم معذورين أو محقين بعدم رضائهم لأنفسهم بمساواتهم، وتارة يقترحون على الرسل طردهم وإبعادهم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ﴾ [سبأ: 34، 35]، وقال تعالى حاكيًا قول الملأ؛ أي: الأشراف من قوم نوح عليه السلام له: ﴿ وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ ﴾ [هود: 27]، وقوله لهم: ﴿ وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ * وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ * وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [هود: 27، 30]. وقد حكى الله عن كفار قريش أنهم قالوا في هؤلاء الضعفاء السابقين إلى الإسلام: ﴿ لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ﴾ [الأحقاف: 11]، وقال في شأنهم: ﴿ وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا * وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا ﴾ [مريم: 73، 74].







__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.10 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.48 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.84%)]