عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 10-12-2020, 05:13 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,940
الدولة : Egypt
افتراضي { الله نور السماوات والأرض }

﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾


د. كامل صبحي صلاح

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: فنعيش مع آية عظيمة من كتاب الله جل وعلا، وكل كلامه عظيم سبحانه وتعالى، وهي قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [النور: 35]، فلولا نوره سبحانه لما كان نور في السماوات والأرض، سواء كان النور الحسي أو النور المعنوي، فالله تعالى بذاته نور، وحجابه -الذي لولا لطفه، لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه - نور، وبه استنار العرش، والكرسي، والشمس، والقمر، وبه استنارت الجنة، وكتابه سبحانه نور، وشرعه نور، والإيمان به نور. فلولا نوره تعالى، لتراكمت الظلمات في الأرض والسماوات.

قال الله تعالى: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 35].

قوله تعالى: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾، أي: منورهما فلولاه لما كان نور في السماوات ولا في الأرض، وهذا يشمل النور الحسي والنور المعنوي، وذلك أنه تعالى بذاته نور، وحجابه -الذي لولا لطفه، لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه- نور، وبه استنار العرش، والكرسي، والشمس، والقمر، وبه استنارت الجنة.

وكذلك النور المعنوي يرجع إلى الله جل وعلا، فكتابه نور، وشرعه نور، والإيمان والمعرفة في قلوب رسله وعباده المؤمنين نور. فلولا نوره تعالى، لتراكمت الظلمات في الأرض والسماوات.


فالله جل وعلا نور السماوات والأرض، وهادي من فيهما قال الطبري: «يعني تعالى ذكره بقوله: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ﴾ هادي من في السماوات والأرض، فهم بنوره إلى الحق يهتدون، وبهداه من حيرة الضلالة يعتصمون.

وعن ابن عباس، قوله: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ﴾ يقول: الله سبحانه هادي أهل السماوات والأرض».

والله جل وعلا نور السماوات والأرض، ويدبر الأمر فيهما قال مجاهد وابن عباس في قوله: ﴿ اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ﴾؛ أي: يدبر الأمر فيهما، نجومهما وشمسهما وقمرهما».

وقوله تعالى: ﴿ مَثَلُ نُورِهِ ﴾؛ أي: الذي يهدي إليه، وهو نور الإيمان والقرآن في قلوب عباده المؤمنين.


وقوله: ﴿ كَمِشْكَاةٍ ﴾؛ أي: الكُوَّة في الحائط غير النافذة، ﴿ فِيهَا مِصْبَاحٌ ﴾ لأن الكوة تجمع نور المصباح بحيث لا يتفرق النور.

وقوله: ﴿ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ ﴾ أي: المصباح في زجاجة متوهجة من صفائها ونقائها وبهائها.


وقوله:‏﴿ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ﴾ أي: كأنها كوكب مضيء كالدر الوهاج ‏‏﴿ يُوقَدُ ﴾ ذلك المصباح، الذي في تلك الزجاجة الدرية ﴿ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ ﴾ أي: يوقَد المصباح من زيت شجرةٍ مباركةٍ، وهي شجرة الزيتون الذي ناره من أنور ما يكون.


وقوله:‏ ﴿ لَا شَرْقِيَّةٍ ﴾ أي: ليست شرقية فقط، فلا تصيبها الشمس آخر النهار، ﴿ وَلَا غَرْبِيَّةٍ ﴾ كذلك، فلا تصيبها الشمس [أول] النهار، وإذا انتفى عنها الأمران، كانت متوسطة في مكان من الأرض لا إلى الشرق ولا إلى الغرب، كزيتون بلاد الشام، تصيبها الشمس أول النهار وآخره، فتحسن وتطيب، ويكون أصفى وأنقى لزيتها، ولهذا قال سبحانه: ﴿ يَكَادُ زَيْتُهَا ﴾ من صفائه ﴿ يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ﴾ أي: يضيء من نفسه قبل أن تمسه النار، فإذا مَسَّتْه النار أضاء إضاءة شديدة بليغة.

وقوله: ﴿ نُورٌ عَلَى نُورٍ ﴾ أي: نور المصباح على نور الزجاجة، وهو نور من إشراق الزيت على نور من إشعال النار، وهكذا قلب المؤمن إذا أشرق فيه نور الهداية، والله جل وعلا يهدي ويوفّق لاتباع القرآن الكريم من يشاء من عباده، ويبين الله سبحانه الأشياء بأشباهها بضربه للأمثال؛ ليعقلوا عنه أمثاله وحكمه سبحانه وتعالى.

قال السعدي: « ‏أي: نور النار ونور الزيت. ووجه هذا المثل الذي ضربه الله، وتطبيقه على حالة المؤمن، ونور الله في قلبه، أن فطرته التي فطر عليها، بمنزلة الزيت الصافي، ففطرته صافية، مستعدة للتعاليم الإلهية، والعمل المشروع، فإذا وصل إليه العلم والإيمان، اشتعل ذلك النور في قلبه، بمنزلة اشتعال النار في فتيلة ذلك المصباح، وهو صافي القلب من سوء القصد، وسوء الفهم عن الله، إذا وصل إليه الإيمان، أضاء إضاءة عظيمة، لصفائه من الكدورات، وذلك بمنزلة صفاء الزجاجة الدرية، فيجتمع له نور الفطرة، ونور الإيمان، ونور العلم، وصفاء المعرفة».

‏ولما كان هذا من نور الله تعالى، وليس كل أحد يصلح له ذلك، قال: ﴿ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ﴾ ممن يعلم زكاته وطهارته.

﴿ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ﴾ ليعقلوا عنه سبحانه ويفهموا كلامه ومراده جل وعلا، وهذا من لطفه بعباده سبحانه، وإحسانه إليهم، ومن مقاصد ضرب الأمثال إيضاح الحق من الباطل، وتقريب الأفهام، وتسهيل سبل وطرق الإدراك، فإن الأمثال تُقرّب المعاني المعقولة من المحسوسة والمشاهدة، فيعلمها ويفهمها ويدركها العباد علماً ظاهراً جلياً واضحاً.

وقوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ أي: علمه سبحانه وتعالى محيط بجميع الأشياء، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء سبحانه، وليعلم العباد أن ضرب الأمثال من قبل من يعلم حقائق الأشياء وتفاصيلها سبحانه، ولكونها مصلحة للعباد ومنفعتهم، فليكن اشتغالكم بتدبرها وتعقلها وتفهمها، لا الاعتراض عليها وردها، ولا التشكيك بها، فإنه سبحانه وتعالى عليم بالعباد وأحوالهم وأحوال قلوبهم. بخلاف العباد فهم لا يعلمون ذلك، وليعلم جميع العباد أن كل خير ونور وهداية مصدرها الله جل وعلا فهو سبحانه الذي يُطلب منه ذلك، ولا يُطلب من أحد غيره من المخلوقات.

هذا ما تيسر ايراده، نسأل الله جل وعلا أن ينفع به وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم، والحمد لله رب العالمين.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.69 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 20.06 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.04%)]