عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21-08-2019, 03:16 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الجملة الفِعلية والجملة الإسمّية

الجملة الفِعلية والجملة الإسمّية
ـــ صَلاح الدين الزعبَلاوي



الجواب عما جاء به السامرائي:

أقول في الجواب عما جاء به السامرائي لا حجة لمقالة القائلين أن (سافر محمد) و(محمد سافر) سيَّان في الإسناد لأن المسند فيهما هو الفعل، وسنبين ذلك بعد. أما تجدد الفعل الذي أتت به مقالة الجرجاني، فقد تأكد أنه مقصور على المضارع، خلافاً لأمثلة المخزومي. والسامرائي على حق حين أنكر تجدد الأفعال في ما أورده من الأمثلة، لا لشيء سوى أنها أتت على صيغة الماضي، لا المضارع، كما بسطنا القول فيها قبل. إذ ليس في قولك (سافر محمد) و(محمد سافر) أو في قولك (البدر طلع) و(طلع البدر) ما يشعر البتة بتجدد الفعل. ولكن ما الذي أراده السامرائي بقوله: "غير أن الدكتور المخزومي الذي أفاد من مقالة الجرجاني، واتخذها دليلاً للتمييز بين الجملة الاسمية والفعلية، لم يفطن.."؟

فما الذي أفاده المخزومي من مقالة الجرجاني واتخذ منه دليلاً للتمييز بين الجملتين؟

أقول الذي فعله الجرجاني هو أنه بسط القول في دلالة مختلف الصور التي تؤديها الجملة الفعلية والاسمية، فأبان مثلاً فرق ما بين دلالتي (زيد ينطلق) و(زيد منطلق) الاسميتين، وبين (قتل الخارجيَّ زيدٌ) و(قتل زيدٌ الخارجي) الفعليتين، وبين (ينطلق زيد) الفعلية و(زيد ينطلق) الاسمية، وبين (ضربت زيداً) الفعلية و(زيد ضربته) الاسمية.. وهكذا.

ومما قاله الجرجاني مثلاً في الفرق بين أن يكون المسند في الجملة الاسمية اسماً لا تجدد فيه، أو فعلاً متجدد الحدث، فقال في كلامه على (فروق الخبر): "ان موضوع الاسم على أن يثبت به المعنى للشيء، من غير أن يقتضي تجدده شيئاً بعد شيء. أما الفعل فموضوعه على أن يقتضي تجدد المعنى المثبت به شيئاً بعد الشيء، فإذا قلت: زيد منطلق فقد أثبتَّ الانطلاق فعلاً له من غير أن تجعله يتجدد ويحدث منه شيئاً فشيئاً، بل يكون المعنى فيه كالمعنى في قولك زيد طويل وعمر قصير. وكما لا يقصد ها هنا إلى أن تجعل الطول أو القصر يتجدد ويحدث كما توجبهما وتثبتهما فقط، وتقضي بوجودهما على الإطلاق، كذلك لا تتعرض في قولك: زيد منطلق لأكثر من إثباته لزيد. وأما الفعل فإنه يقصد منه إلى ذلك.. فإذا قلت زيد هو ذا ينطلق فقد زعمت أن الانطلاق يقع منه جزءاً فجزءاً، وجعلته يزاوله ويزجيه.. –133 /134". فقد جاءت مقالة الجرجاني هذه للتمييز بين كون الخبر اسماً يثبت به المعنى للمبتدأ دون تجدد، أو فعلاً يثبت به وقوع الحدث منه في تجدد. والذي أفاده المخزومي من هذا أنه اتخذ الفرق بين الخبرين حداً يميز به الجملة الاسمية من الفعلية، وذلك ما لم يخطر للجرجاني على بال أو يجري له في حساب، عدا ما غاب عن المخزومي من أن الذي عناه الجرجاني بالفعل، هو المضارع دون سواه.

وقد أفاد السامرائي نفسه من مقالة الجرجاني هذه، فحكاها عنه في كتابه (الفعل زمانه وأبنيته /202)، وعقَّب عليها فقال: "وعلى هذا فالجملة الاسمية ما دلَّ فيها المسند على الدوام والثبوت"، وأردف: "ومقالة الجرجاني هذه في التمييز بين الفعل والاسم ينبني عليها التمييز بين الجملة الفعلية والجملة الاسمية".

وهكذا فات السامرائي في استنباطه هذا ما فات المخزومي من مقالة الجرجاني. إذ كان فعلاً غرض الجرجاني من مقالته هذه بيان الفرق في الإسناد بين أن يكون الخبر اسم فاعل أو فعلاً مضارعاً (أي جملة فعلية فعلها مضارع) في جملة اسمية لم يتغير مبتدؤها، ويؤيد ذلك قول الجرجاني بعد هذا: "ولا ينبغي أن يغرك، إذا تكلمنا في مسائل المبتدأ والخبر، أنا قدرنا الفعل في هذا النحو تقدير الاسم، كما تقول في زيد يقوم أنه في موضع زيد قائم.."، فدلَّ هذا أن كلاً من الجملتين (زيد يقوم) و(زيد قائم) تتألف من مبتدأ وخبر، فهما إذن جملتان اسميتان.

السامرائي وموضوع النحو:

نهج السامرائي، كما ذكرنا، نهج الجواري والمخزومي في التسوية به قولك (قام الرجل) و(الرجل قام)، فنفد على الشيخ الجارم مذهبه في اتخاذ مذهب النحاة في التمييز بين الجملتين الفعلية والاسمية، وكشف عما يعنيه تقديم الفعل في الأولى وتأخيرها في الثانية، على ما انتحاه الجرجاني في (الدلائل)، قال السامرائي: "وهذه المسألة البلاغية لا يمكن أن تكون مادة في البحث النحوي، والشيخ الجارم يجد في دلائل الإعجاز للجرجاني ما أعانه على إثبات ما أثبته. وهو في ذلك كالأستاذ المخزومي في التماس مادته من المصدر نفسه /206".

ثم أوضح رأيه فقال: "وعلى هذا فإن هذا المنحى ليس منهجاً نحوياً ولا يقرب منه، في أي وجه من الوجوه /208"، وخلص إلى القول: "ولقد بحث علماء المعاني في الجملة العربية بحثاً خاصاً بهم، ذلك لأن ما خاضوا فيه ليس من مادة النحو الذي يقتصر على أجزاء الجملة وعلاقات هذه الأجزاء ببعضها ووصفها كما تبدو في بناء الجملة /212".

وهكذا سلك السامرائي في معالجة المسألة مسلكاً لا يتناول فيه حقيقة ما ذهب إليه الجرجاني وتابعه فيه الجارم، في التفريق بين الجملتين، أهو حقيقة علمية راهنة يدعمها البحث وتؤيدها الأدلة الواضحة، والبيِّنات المسلَّمة وعلم اللغة الحديث، فلا بد من الأخذ بها، أم هو شيء لا يتصل بهذا كله فلا بد من معارضته واستبعاده، وإنما يأبى الخوض في ذلك لأن المسألة مسألة بلاغية، لا يمكن أن تكون مادة البحث النحوي، وأن تحريرها يستلزم العدول إلى منحى ليس هو منهجاً نحوياً ولا يقرب منه، في أي وجه من الوجوه.

أقول يمن الإجابة عما ذهب إليه السامرائي من جهتين

الأولى: أن ما يجب الفحص عنه هنا، هو حقيقة الحد الذي اقتاس به الباحثان الجرجاني والجارم، سواء أكان البحث فيه من شأن البلاغة أم من شأن النحو. فإذا صحَّ أن لكل من الجملتين شأناً في التعبير لا تؤديه الأخرى، فالجملتان متغايرتان، وإن اشترط النحاة في الفاعل أن يتقدم عليه فعله ليتميز بذلك من المبتدأ الذي تبدأ به الجملة الاسمية، أمر يقتضيه الفعل بين شأنيهما، وأي غرابة في أن تتغير معاني التركيب بتغير مواضع عناصره؟

الثانية: أنه لا غنى لمادة النحو من بحث ما نحن بسبيله من الكشف عن تغير الدلالة في كل من الجملتين بتنقل أجزائها. فإذا كان غرض النحو الأول وقاية اللسان من اللحن والخطأ، ولذا جعلوا منه العلم الذي تعرف به أحوال أواخر الكلم إعراباً وبناءً، فكان علم الاعراب، كما ذكر الزمخشري في مقدمة كتابه (المفصَّل) فإن من أغراض النحو، ولا شك، انتحاء سمت كلام العرب في تصرفه من اعراب وغيره.. ليلحق من ليس من أهل اللغة العربية بأهلها في الفصاحة، كما قال ابن جني في الخصائص (1/132 –ط1913م)، وقد أشار الزمخشري في موضع آخر في مقدمته إلى علاقة ما بين النحو والبيان فقال: "وهو المرقاة المنصوبة إلى علم البيان المطلع على نكت نظم القرآن"؛ فعبر بذلك عن اتصال النحو بالبلاغة وتلازمهما، وقد برع الجرجاني في ذلك وبسط القول فيه. وأكد ابن سيده أبو الحسن كلام ابن جني في مخصصه، حين حاول تعريف علم النحو، فاستعار ألفاظ ابن جني نفسها ولم يخرج عنها.

وقد عرضت لهذا في كتابي (مذاهب وآراء في نشوء اللغة وتدرج معانيها /111)، إذ جاء فيه: "ولا يخفى أن النحو عند الأوائل هو علم العربية الذي يُعرف به وجهة كلام العرب وما يقصدون إليه في التعبير عن أغراض النفس. وقد أشار إلى ذلك الأشموني حين قال: وهو العلم المستخرج بالمقاييس المستنبطة من استقراء كلام العرب، الموصلة إلى معرفة أحكام أجزائه التي ائتلف منها، كما أشار إليه ابن عصفور في المقرّب حين ذكر أن المراد هنا بالنحو قولنا علم العربية، لا قسيم الصرف، أه‍ . أما عند المتأخرين فقد غدا النحو غالباًً: علم الاعراب والبناء، كما نبه عليها الصبَّان حين قال: واصطلاح المتأخرين تخصيصه بفن الإعراب والبناء وجعله قسيم الصرف، وأردف: وعليه فيعرف بأنه علم يبحث فيه عن أحوال أواخر الكلم إعراباً وبناء، وموضوعه الكلم العربية من حيث ما يعرض لها من الإعراب والبناء. أه‍ .وهكذا تحوَّل النحو مما كان عليه من البحث في صحة تأليف الكلم للتعبير عما في النفس من أغراض، إلى البحث في ضبط الأواخر إعراباً وبناءً، ضماناً لسلامة اللسان من اللحن، وبسط الكلام في عوامل ذلك والإسهاب في تعليله بالجدل النظري، فبد النحو وقد غار ماؤه وشاه بهاؤه وساء مذاقه، وإلا فإن توكيد العناية بالمعاني كان يوجب دراسة اللفظ في تركيب الجملة بدراسة موقعه من التركيب عامة من حيث اتصاله بالأجزاء الأخرى وتأثره بها وتأثيره فيها، ثم دراسة الجملة مجتمعة الشمل من حيث صورة التعبير وأسلوبه، وقد جرد النحو من هذا كله وخصصت به علوم البلاغة كالمعاني والبيان...".

وهذا سيبويه أبو بشر عمرو بن عثمان (180ه‍) أمام هذا العلم وعَلَم أعلامه، قد ضمَّن كتابه أبواباً جُعِلتْ بَعْدُ مادةً لعلم المعاني، فأشار بذلك إلى أن هذه الأبواب ملازمة للنحو لا تنفك عنه بحال من الأحوال. قال سيبويه: "هذا باب تخبر فيها عن النكرة بالنكرة، وذلك قولك: ما كان أحد مثلك، وليس أحد خيراً منك، وما كان أحد مجترئاً عليك. وإنما حسن الإخبار ها هنا عن النكرة حيث أردت أن تنفي أن يكون مثل حاله شيء، أو فوقه، فإن المخاطب قد يحتاج إلى أن تعلمه مثل هذا. وإذا قلت: كان رجل ذاهباً، فليس في هذا شيء تعلمه كان جهله، ولو قلت: كان رجل من آل فلان فارساً، حَسُنَ، لأنه قد يحتاج إلى أن تُعلمه أن ذاك من آل فلان، وقد يجهله. ولو قلت كان رجل في قوم فارساً، لم يحسُن، لأنه لا يستنكر أن يكون في الدنيا فارس، وأن يكون من قوم، فعلى هذا النحو يحسن ويقبح... 1 /26 و27".

فقد تجاوز سيبويه في كتابه مادة النحو، في هذه المرحلة، إلى ما أسموه بعد بعلم الصرف وعلم المعاني وعلم البيان وعلم العروض وعلم الأصوات وعلم القراءات، من علوم العربية، بل علم النقد الأدبي، ذلك لتلازم هذه العلوم واستحالة انفكاك بعضها من بعض، فجاء كتابه متضمناً كل ما يُستعان به على فهم كلام العرب والكشف عن سر تأليفه. وإذا عمد علماء العربية في دراساتهم بعد إلى تخصيص كل علم منها بمادة وموضوع للغوص على جزئيات كل من هذه العلوم، فلا يعني ذلك إمكان الفصل بينها في التماس فهم كلام العرب، ففي كل علمٍ منهما تمام للعلم الآخر، بل جلاء لأسراره ودقائقه.

ولا شك في أن ما جاء به سيبويه، ها هنا، ونحوه مما ذكره في مواضع أخرى من كتابه، قد أوحى إلى الجرجاني ما أوحى، في كتابه (دلائل الإعجاز) مما يتصل بعلم المعاني. وقد تحدث الجرجاني عن معاني النحو، ونبَّه على أن النظم، وهو موضوع الكلام بشكل من الأشكال، إنما يتوخى هذه المعاني. وإذا كان العلماء قد قصروا الحديث عن المعاني المذكورة، على ما أسموه بعلم المعاني، فإنهم لم يوفقوا في فصله عن النحو، جملة وتفصيلاً، لأنه نوره الذي به يُهتدى إلى صوغ الكلام وإحكام البيان.

وقد وفق الجرجاني حقاً في الكشف عن اتصال النحو بالبلاغة خاصة وتلازمهما. وقد حذا هذا الحذو ويمم هذا السمت الإمام أبو يعقوب السكاكي (ت 626ه‍) في كتابه (مفتاح العلوم) فقد تحدث فيه عن علوم البلاغة فجعل ما تعلق منها بمطابقة الكلام لمقتضى الحال والتتبع لخواص تراكيب الكلام مادة علم البيان، وما اختص بوجوه تحسين الكلام، بعد رعاية المطابقة لمقتضى الحال ووضوح الدلالة مادة البديع، فهو أخص من علمي المعاني والبيان، لكنه قال في مقدمة كتابه: قد ضمنت كتابي هذا من أنواع الأدب، دون نوع اللغة، ما رأيت أن لا بد منه، وهذه عدة أنواع متآخذة، فأودعته علم الصرف بتمامه وأنه لا يتم إلا بعلم الاشتقاق.."، وأردف: "وأوردت علم النحو بتمامه، وتمامه بعلمي المعاني والبيان..."، فدلَّ بذلك على تعلق النحو بعلم البلاغة وتأكيد مهمة اللغة في الأداء والإبلاغ.

وقال في موضع آخر من كتابه: "أن علم النحو هو أن ننحو معرفة كيفية التركيب في ما بين الكلم لتأدية أصل المعنى مطلقاً بمقاييس مستنبطة من استقراء كلام العرب وقوانين مبنية عليها، ليحترز بها عن الخطأ في التركيب من حيث تلك الكيفية. وأعني بكيفية التركيب تقديم بعض الكلم على بعض ورعاية ما يكون من الهيئات إزاء ذلك، وبالكلم نوعيها المفردة وما هي في حكمها –المفتاح /37". وجاء في شرح السيد للمفتاح: "وأما عن المركبات فباعتبار هيئاتها التركيبية وتأديتها لمعانيها الأصلية فعلم النحو".وهذا هو أبو إسحاق الشاطبي إبراهيم بن موسى (790ه‍) يعرِّف علم النحو في شرح (الخلاصة) فيقول: "وهو في الاصطلاح، علم بالأحوال والأشكال التي بها تدل ألفاظ العرب على المعاني، ويعني بالأحوال وضع الألفاظ من حيث دلالتها على المعاني التركيبية، أي المعاني التي تستفاد بالأشكال..".

بل هذا ابن كمال باشا (940ه‍) يقول في رسائله، وقد عرض فيها لعلم النحو:

"ويشارك النحوي صاحب علم المعاني في البحث عن المركبات، إلا أن النحوي يبحث عنها من جهة هيئاتها التركيبية صحة وفساداً، ودلاله تلك الهيئات على معانيها الوضعية على وجه السداد، وصاحب المعاني يبحث عنها من حيث النظم المعبر عنه بالفصاحة في التركيب، وقبحه..." ثم خلص إلى القول: "وهذا كون علم المعاني تمام علم النحو".

وقال الأستاذ إبراهيم مصطفى، رحمه الله، في كتابه (إحياء النحو): "وجاء بعد ذلك بآماد الشيخ عبد القاهر الجرجاني، فرسم في كتابه –دلائل الإعجاز-طريقاً جديداً للبحث النحوي، وتجاوز أواخر الكلم وعلامات الإعراب وبيَّن أن للكلام نظماً وأن رعاية هذا النظم واتباع قوانينه هي السبيل إلى الإبانة والإفهام وأنه إذا عدل الكلام عن سنن هذا النظم.. لم يكن مفهماً معناه ولا دالاً على ما يُراد منه /16".

وإذا كانت مادة النحو لا تتجاوز الحكم على أواخر الكلم وعلامات الإعراب، فلا شك في أن عالم النحو المحيط به خُبراً الواقف على جليل أحكامه ودقيقها، يستطيعُ أن يتحاشى الخطأ في بيانه وتعبيره ويتبين صحيح الكلام من فاسده، لكنه قاصر أن يتعرَّف كيف يكون إحكام الأداء وإحسان التعبير وإجادة السبك، وتمييز سديد الكلام من سفسافه، بل قاصر أن يتعرَّف كيف يكون انتهاج سبيل الفصحاء في تأليف الكلام نثراً ونظماً، وهو ما قد أشرنا إليه في كتابنا (مسالك القول في النقد اللغوي –ص /62).. وأنَّى لدارس النحو هذا أن يعي نظام صياغة كلام العرب ومتصرف قولهم ويستشف طرق نسجهم وحبكهم إذا انحرف عن غرض النحو في تعرّف روح العربية ونهجها في التأليف والتعبير وتصريف المعاني فقصر النحو على بحث أثر العوامل في أواخر الكلم.

ولا شك أن الجرجاني قد وفق في ما ذهب إليه من تجاوز ظواهر الاعراب إلى تبين أسراره وأغراضه ودواعيه. فإذا نحن أفردنا مذهب الجرجاني لنجعل منه مادة لعلم المعاني وحسب، وحبسناه عن مادة النحو، فقد بخسنا النحو حقه بل أيبسنا نسغه وغضنا ماءه وأذهبنا نداوته.

وقد كشف الدكتور أحمد البدوي في كتابه (عبد القادر الجرجاني) عما انتهى إليه الجرجاني في كتابيه (دلائل الإعجاز) و(أسرار البلاغة) من أن أصل المعنى يمكن أن يعبَّر عنه بطرق مختلفة، وأن لكل عبارة من ذلك معناها الخاص الذي تفترق به عن العبارة الأخرى، لأن العبارتين لا يمكن أن تؤديا معنىً واحداً، إلا إذا اتفقنا من جميع الجهات.

أقول هذا ما فات كثيراً من النحاة أن ينبهوا عليه ويفصحوا عنه، في كثير من الأحيان، فأغفلوه وتجاوزوه حين أغرقوا في الصناعة اللفظية، وقصروا الاهتمام على ضبط أواخر الكلم.

مذهب العلاَّمة الحصري في الجملة الفعلية والاسمية:

وممن عمد إلى هذا الموضع من البحث، فسلك مسلك الجواري والمخزومي والسامرائي، في مخالفة الحد الذي اتخذه جمهور النحاة في تقسيم الجملة إلى اسمية وفعلية، وسوّى بين تقديم الفعل وتأخيره في مثل قولك (جاء خالد) و(خالد جاء) بل سبقهم إلى ذلك العلاَّمة الأستاذ ساطع الحصري في كتابه (آراء وأحاديث في اللغة والأدب).

قال الحصري: "ومن المعلوم أن الجملة تنقسم إلى قسمين فعلية واسمية: ولكننا عندما ننظر إلى الأمور نظرة منطقية، يجب أن نفهم من تعبير جملة فعلية: الجملة التي تحتوي على فعل، وبتعبير آخر الجملة التي تعلمنا ما حدث وما يحدث. كما يجب أن نفهم من تعبير جملة اسمية الجملة التي لا تحتوي على فعل؛ وبتعبير آخر: الجملة التي تخبرنا عن أوصاف اسم من الأسماء وحالاته"، وأردف: "غير أن قواعد اللغة العربية لا تلتزم هذه التعريفات والمفهومات المنطقية، بل تخالفها كلية، فإنها تعتبر الجملة فعلية عندما تبتدئ بفعل، واسمية عندما تبتدئ باسم. ومعنى ذلك أنها لا تصنف الجمل حسب أنواع الكلمات التي تتألف منها، بل تصنفها حسب نوع الكلمة التي تبتدئ بها، دون أن تلتفت إلى بقية كلماتها /107".

ويمضي الحصري في شرح مذهبه ونقد مذهب النحاة، فيقول: "ونظراً لهذه القواعد الرسمية فإن عبارة: نام الولد، يجب أن تعتبر جملة فعلية، في حين أن عبارة الولد نام، يجب أن تعتبر جملة اسمية، مع أن كلتيهما تتألفان من الكلمتين أنفسهماوتؤديان المعنى نفسه/108".

الرأي في ما جاء به الحصري ومن نحا نحوه، في التسوية بين تقديم الفعل على فاعله وتأخيره عنه:

نقول في الجواب عما تقدم من كلام الحصري، إن الذي نراه هو أن قولك (نام الولد) لا يؤدي مؤدَّى قولك (الولد نام) عند التحقيق، ولو أوهم ظاهر الجملتين غير ذلك.

فلكل من هاتين الجملتين شأن في التعبير، وموضع من الأداء، لا تسد مسدَّه الجملة الأخرى، إذ ليس يكفي أن تتفق العناصر التي تتألف منها كل من الجملتين، بل ينبغي أن يتفق فيهما موضع كل عنصر من الآخر، وليست هذه الحقيقة وقفاً على اللغة العربية.

ذلك أن قولك (جاء خالد) و(نام الولد) في الجملة الفعلية، قد دلَّ على مسند أو خبر لم يطرق أذن السامع، ولم يسبق ذكره في سياق الكلام. فإذا ذكر الخبر أي المسند انتظر السامع ذكر الذي أسند إليه، وهو الفاعل، وإذا ذكر هذا اتصل بفعله فأصبح جزءاً منه.

أما قولك (خالد جاء) أو (الولد نام) في الجملة الاسمية، فقد دلَّ على مسند إليه قد ذكر في السياق، ومسند أو خبر معلوم يرادُ التوثق من إسناده إليه. قال الإمام عبد القاهر الجرجاني (ت 471ه‍) في كتابه (دلائل الإعجاز): "لا تؤتى بالاسم مُعرَّى من العوامل إلا لحديث قد نُوي إسناده إليه /77". وقد أسند الخبر إلى ما هو موضوع الكلام، وهو (خالد أو الولد) وحُمل عليه دون أن يتصل اتصال الفاعل بفعله. وان ما قدمناه في الموازنة بين دلالتي الجملة الاسمية والفعلية من مذهب لغوي متكامل للإمام الجرجاني قد أتى به منذ القرن الحادي عشر من الميلاد، وجاءت المذاهب الحديثة تعزز مذهبه هذا وتؤيده.

وإنا لنسأل كل من قال بالتسوية بين (خالد جاء) و(جاء خالد)، ألست تقول (خالد جاء) فتحدَّث السامع عن (خالد)، وقد جاء ذكره بينكما وبات السامع ينتظر منك أن تحدثه عنه، فإذا أخبرته بمجيئه أَزَلْتَ الشك لديه في حقيقة مجيئه؟ كما تقول (جاء خالد) فتبادر السامع بإخبارك إياه عن مجيئه دون أن يقتضي ذلك تقدم ذكره، فكيف يستوي القولان في التعبير إذاً؟ ولا تستوي العبارتان في أداء معنى، ما لم تتفقا في البنية وتتطابقا في البنية وتتطابقا في موضع كل جزء من أجزائها.

وإذا كان النحاة قد ميزوا قولك (خالد جاء) من قولك (جاء خالد) فأسموا الأول جملة فعلية والثاني جملة اسمية، ولم يتطرقوا صراحة إلى الكشف عن الفرق بينهما في أداء المعنى، وانصرفوا إلى الاهتمام بالصناعة اللفظية، فقد جاء الجرجاني ليكشف عما قصَّر النحاة غالباً في إيضاحه والإفصاح عنه، من حيث اختلاف الأداء في كل من الجملتين. ولا يخفى أن (خالد جاء) جملة اسمية مركبة، تتألف من مبتدأ ومن خبر هو جملة فعلية، فإذا أردت الجملة الاسمية البسيطة قلت (خالد آتٍ). أما (جاء خالد) فهو جملة فعلية وحسب.

وانظر إلى ثقوب رأي الجرجاني وبعد غوره، بل أصالة فكره، في الإشارة إلى المواضع التي يدعو فيها الأداء إلى تقديم الفاعل ليكون مبتدأ. قال الجرجاني في دلائل الإعجاز (ص /99): "واعلم أن هذا الذي بات لك في الاستفهام والنفي من المعنى في التقديم، قائم مثله في الخبر المثبت. فإذا عمدت إلى الذي أردت أن تحدّث عنه بفعل فقدمت ذكره ثم بنيت الفعل عليه فقلت: زيد قد فعل وأنا فعلت وأنت فعلت، اقتضى ذلك أن يكون القصد إلى الفاعل، إلا أن المعنى في هذا القصد ينقسم إلى قسمين:

أحدهما: جليٌّ لا يشكل، وهو أن يكون الفعل فعلاً قد أردت أن تنص فيه على واحد فتجعله له، وتزعم أن فاعله دون واحد آخر، أو دون كل أحد. ومثال ذلك أن تقول: أنا كتبت في معنى فلان، وأنا شفعت في بابه، تريد أن تدعي الانفراد بذلك.. وتزيل الاشتباه فيه، وتردد على من زعم أن ذلك كان من غيرك، أو أ ن غيرك قد كتب ما كتبت.

ومن البيِّن في ذلك قولهم في المثل: أتعلمني بضبٍّ أنا فرشته؟

والقسم الثاني: ألاَّ يكون القصد إلى الفاعل، على هذا المعنى، ولكن على أنك أردت أن تحقق على السامع أنه قد فعل وتمنعه من الشك، فأنت لذلك تبدأ بذكره وتوقعه أولاً، ومن قبل أن تذكر الفعل في نفسه، لكي تباعده بذلك من الشبهة وتمنعه من الإنكار، أو من أن يظن بك الغلط أو التزيّد. ومثاله قولك: هو يعطي الجزيل وهو يحب الثناء، لا تريد أن تزعم أنه ليس ها هنا من يُعطي الجزيل ويحب الثناء غيره..

ولكنك تريد أن تحقق على السامع أن إعطاء الجزيل وحب الثناء دأبه، وأن تمكِّن ذلك في نفسه.."، ومن شواهد الجرجاني على هذا القسم قول الشاعر:


هما يلبسان المجد أحسن لبسة

شحيحان ما اسطاعا عليه كلاهما


قال الجرجاني: "لا شبهة في أنه لم يرد أن يقصر هذه الصفة عليهما ولكن نبه لهما قبل الحديث عنهما"، وأردف: "وأبين من الجميع قوله تعالى: واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئاً وهم يُخلقون –النحل /20، فليس المراد أنهم وحدهم هم الذين يُخلقون، كما في المعنى الأول، ولكن تأكيد أن الفعل ثابت لهم".

ويشير الجرجاني إلى ما يراه بتقديم المحدَّث عنه فيقول: "فأنت قلت فمن أين وجب أن يكون تقديم ذكر المحدث عنه بالفعل آكد لإثبات ذلك الفعل له، وأن يكون قوله: هما يلبسان المجد، أبلغ في جعلهما يلبسان، من أن يقال: يلبسان المجد /101". وهو يعلل ذلك فيقول: "قلت ذاك من أجل أنه لا يؤتى بالاسم معرّى من العوامل إلا لحديث قد نوي إسناده إليه، وإذا كان كذلك فإذا قلت: عبد الله فقد أشعرت قلبه بذلك أنك قد أردت الحديث عنه، فإذا جئت بالحديث فقلت مثلاً: قام، أو قلت: خرج، أو قلت: قدم، فقد علم ما جئت به، وقد وطَأت له وقدَّمت الإعلام فيه، فدخل على القلب دخول المأنوس به، وقبله قبول المتهيئ له المطمئن إليه، وذلك لا محالة أشد لثبوته وأنفى للشبهة وأمنع للشك وأدخل في التحقيق –101 /102"، وأردف: "وجملة الأمر أنه ليس إعلامك الشيء بغتة مثل إعلامك له بعد التنبيه عليه والتقدمة له، لأن ذلك يجري مجرى تكرير الإعلام في التأكيد والأحكام".

وذكر الجرجاني بعض المواضع التي لا بد فيها من الأخبار عن الاسم بالفعل، فقال: "ومما هو بهذه المنزلة في أنك تجد المعنى لا يستقيم إلا على ما جاء عليه من بناء الفعل على الاسم، قوله تعالى: إنَّ وليي الله الذي نزَّل الكتاب وهو يتولَّى الصالحين –الأعراف /195، وقوله تعالى: وقالوا أساطير الأوَّلين اكتتبها فهي تُملَى عليه بُكرة وأصيلاً –الفرقان /5، فإنه لا يخفى على من له ذوق أنه لو جيء في ذلك بالفعل غير مبنيّ على الاسم، فقيل: إن وليي الله الذي نزَّل الكتاب ويتولَّى الصالحين، بحذف هو، واكتتبها تُملى عليه، بحذف هي، لوجد اللفظ قد نبا عن المعنى، والمعنى قد زال عن صورته والحال التي ينبغي أن يكون عليها –105 /106".

مذهب الجرجاني في ضوء علم اللغة الحديث:

وقد عقد الدكتور جعفر دك الباب في كتابه (الموجز في شرح دلائل الإعجاز، في علم المعاني) فصولاً فريدة في مذهب الإمام الجرجاني اللغوي، في ضوء علم اللغة الحديث، وأقام الموازنة بين مذهبه ومذاهب هذا العلم، فخلص من بحثه إلى أن من حق مذهب الجرجاني أن يظفر بالمكان اللائق به، في علم اللغة الحديث، لا لأن مذهبه هذا يكمل النظرية البنوية الوظيفية الحديثة، بل لأنه يعتمد إلى ذلك على مفهوم البنية العميقة والبنية الظاهرية للجملة، فهو يمثل بذلك اتجاهاً متطوراً في علم اللغة الحديث، وأكد أن مذهب الجرجاني يثبت صحة تمييز علماء النحو العربي نوعين للجملة العربية.

ولا يخفى أن البنوية في الأصل مذهب فكري يتحرى رؤية المجتمعات، والأعمال الفنية واللغة، والأدب، من خلال البنى التي تتألف منها هذه المركبات، والبنيه وحدة مستقلة قائمة على عناصر داخلية متساندة.

فالبنوية تتطلب في الأدب، مثلاً، تحليل النص إلى بناه، وتفكيك البنية إلى أجزائها المتنقلة وإعادة تركيب هذه الأجزاء، بحيث تعود منتظمة مترابطة، تختلف فيها الصورة باختلاف مواقع هذه الأجزاء بعضها من بعض.

وقد كان رائد هذا المذهب في القرن العشرين الفيلسوف الفرنسي رولان بارت، ومضى في تكوينه علماء كتشوفسكي ومينيه وسوسير وماير، وبدا بعد متكاملاً بفضل العالم الفيلسوف الفرنسي كلود ليفي اشتراوس.

أما علم اللغة الحديث، أو علم اللسان الحديث، فهو العلم الذي ينظر إلى اللسان أداة للإبلاغ وظاهرة فيزيائية ونفسية واجتماعية عامة الوجود.

وقد نحا هذا النحو، بل سبق إلى مواضع منه الإمام الجرجاني، حين ذهب إلى أن اللغة إنما هي أداة إبلاغ السامع ما يجهله، وعمد إلى تحليل النص الأدبي والانتهاء به إلى وحدته، وهي الجملة، والكشف عن بنية الجملة الظاهرية الأصلية، والإفصاح عن اختلاف الصور في الجملة باختلاف مواقع أجزائها بالتقديم والتأخير، وميَّز ما قُدّم من هذه الأجزاء لغرض تحويل الصورة عما هي عليه، وما قدَّم وهو على نية التأخير فلم يمل بالصورة عن إطارها. بل كشف عن موقع كل جملة من الأداء بتنقل أجزائها أو تغيرها، فنفى أن تتفق جملتان فيما تعنيان ما لم تتماثلا من كل وجه.

ولا بأس أن نلمَّ بطرف من حديث الجرجاني عن (التقديم والتأخير)، وهو يتصل بما نحن بسبيله من الكلام على الفعل.

قال الجرجاني: "واعلم أنا لم نجدهم اعتمدوا في –تقديم الشيء –شيئاً يجري مجرى الأصل، غير العناية والاهتمام. قال صاحب الكتاب، سيبويه، وهو يذكر الفاعل والمفعول: كأنهم يقدمون الذي بيانه أهمَّ لهم، وهم بشأنه أعنى، وإن كانا جميعاً يُهمانهم ويعنيانهم. ولم يذكر في ذلك مثالاً. وقال النحويون: إن معنى ذلك أنه قد يكون من أغراض الناس في فعلٍٍ ما أن يقع بإنسان بعينه، ولا يبالون من أوقعه، كمثل ما يعلم من حال الخارجي يخرج فيعيث ويفسد ويكثر من الأذى، أنهم يريدون قتله، ولا يبالون من كان القتل منه، ولا يعنيهم منه شيء، فإذا قُتل وأراد مريدٌ الإخبار بذلك، فإنه قدم ذكر الخارجي، فيقول: قتل الخارجيَّ زيد، ولا يقول: قتل زيدٌ الخارجيَّ، لأنه يعلم أن ليس للناس في أن يعلموا أن القاتل له، زيدٌ، جدوى وفائدة فيعنيهم ذكره ويهمهم ويتصل بمسرتهم، ويعلم أن حالهم أن الذي هم متوقعون له ومتطلعون إليه: متى يكون وقوع القتل بالخارجي المفسد، وأنهم قد كَفوا شرّه وتخلّصوا منه".

ثم قال: "فإن كان رجل ليس له بأس ولا يقدّر فيه أن يقتل رجلاً، وأراد المخبر أن يَخبر بذلك، فإنه يقدم ذكر القاتل فيقول: قتل زيد رجلاً، ذلك لأن الذي يعنيه ويعني الناس من شأن هذا القتل طرافته وموضع الندرة فيه، وبعده كان من الظن، ومعلوم أنه لم يكن نادراً وبعيداً من حيث كان واقعاً بالذي وقع به، ولكن مِنْ حيث كان واقعاً من الذي وقع منه، فهذا جيد بالغ".

وقد خلص الجرجاني من حديثه إلى القول: "إلا أن الشأن في أنه ينبغي أن يعرف في كل شيء قدِّم في موضع من الكلام مثل هذا المعنى، ويفسَّر وجه العناية فيه هذا التفسير.

وقد وضع في ظنون الناس أنه يكفي أن يقال: أنه قدَّم للعناية ولأن ذكره أهم، من غير أن يذكر من أين كانت تلك العناية، ولمَ كان أهمَ، ولتخيلهم ذلك قد صَغُر أمر التقديم والتأخير في نفوسهم، وهوَّ نوا الخطب فيه، حتى أنك لترى أكثرهم يرى تتبعه والنظر فيه ضرباً من التكلف، ولم تر ظناً أزرى على صاحبه من هذا وشبهه /84 و85".

وتدبَّر نضج الجرجاني في تقديم المفعول من قوله تعالى:"وجعلوا لله شركاء الجنّ –الأنعام /100"، إذ قال: "ليس بخافٍ أن لتقديم الشركاء حسناً وروعة ومأخذاً من القلوب، أنت لا تجد شيئاً منه ان أنت أخّرت فقلت: وجعلوا الجن شركاء لله، وأنك ترى حالك حال من نقل الصورة المبهجة والنظر الرائق والحسن الباهر، إلى الشيء الغفل الذي لا تحلى منه بكثير طائل، ولا تصير النفس به إلى حاصل"، وأردف: "والسبب في أن كان كذلك هو أن للتقديم فائدة شريفة ومعنىً جليلاً، لا سبيل إليه مع التأخير".

وقد أوضح ذلك فقال" :وبيانه أنا وإن كنَّا نرى جملة المعنى ومحصوله أنهم جعلوا الجن شركاء، وعبدوهم مع الله تعالى، وكان هذا المعنى يحصل مع التأخير حصوله مع التقديم، فإن تقديم الشركاء يفيد هذا المعنى، ويفيد معه معنى آخر، وهو أنه ما كان ينبغي أن يكون لله شريك لا من الجن ولا من غير الجن. وإذا أخر فقيل: جعلوا الجنَّ شركاء له، لم يُفد ذلك، ولم يكن فيه شيء أكثر من الأخبار عنهم بأنهم عبدوا الجن مع الله تعالى، فأما أن يُعبد مع الله غيره، وأن يكون له شريك من الجن وغير الجن فلا يكون في اللفظ مع تأخير الشركاء دليل عليه –221 /222".

***

أقول هذا ما بدا لنا بسط الكلام فيه على (الجملة الفعلية والجملة الاسمية)، وتأكيد صحة مذهب النحاة في هذه القسمة، والرد على من أخذ عليهم ذلك من علماء العصر، وما جاء به الإمام الجرجاني في الكشف عن دقائق النظم وأسراره وتحليل بناه وتأييد على اللغة الحديث لصائب فكره وثاقب نظره في هذا الاتجاه، وسنعد مقالاً لما انتحاه هذا العلم في مناصرة مذهب الجرجاني، ومن الله العون.

مسرد بمصادر البحث:

1-مغني اللبيب عن كتب الأعاريب لابن هشام الأنصاري.

2-دلائل الإعجاز لأبي بكر عبد القاهر الجرجاني.

3-مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة –الجملة الفعلية لعلي الجارم _ج –27، عام 1953).

4-نحو الفعل للدكتور أحمد عبد الستار الجواري.

5-مجلة الفيصل –تكامل العناصر الأساسية في اللغة العربية للدكتور محمد خير الحلواني (العدد –37، عام 1980).

6-الضرائر لأبي الحسن علي بن عصفور الأندلسي.

7-إصلاح الخلل الواقع في الجمل (للزجاجي) لأبي محمد عبد الله بن السيد البطليوسي.

8-الضرائر وما يسوغ للشاعر دون الناثر لمحمود شكري الآلوسي.

9-في النحو العربي للدكتور مهدي المخزومي.

10-الألفية لأبي عبد الله محمد جمال الدين بن مالك.

11-شرح ألفية ابن مالك لأبي الحسن علي بن محمد الأشموني.

12-حاشية الصبان محمد بن علي المصري على شرح ألفية ابن مالك للأشموني.

13-الكليات لأبي البقاء الحسيني الكفوي.

14-التفسير في أنوار التنزيل لعبد الله أبي الخير بن علي البيضاوي.

15-إعراب القرآن المسمى (إملاء ما منَّ به الرحمن من وجوه الإعراب) لأبي البقاء عبد الله العكبري.

16-إعراب الحديث النبوي لأبي البقاء عبد الله العكبري.

17-مفردات القرآن لأبي القاسم الراغب الأصفهاني.

18-الفعل زمانه وأبنيته للدكتور إبراهيم السامرائي.

19-الخصائص لأبي الفتح عثمان بن جني.

20-المفصل لأبي القاسم محمد بن عمر الزمخشري.

21-المخصص لعلي بن سيده الأندلسي.

22-مذاهب وآراء في نشوء اللغة وتدرج معانيها لصلاح الدين الزعبلاوي.

23-المقرب في النحو لأبي الحسن علي بن عصفور الأندلسي.

24-الكتاب لسيبويه أبي بشير عمرو بن عثمان.

25-مفتاح العلوم لأبي يعقوب يوسف السكاكي.

26-شرح السيد الشريف علي بن محمد الجرجاني على مفتاح العلوم للسكاكي.

27-الخلاصة في النحو للشاطبي أبي إسحاق إبراهيم بن موسى.

28-الرسائل لأحمد بن سليمان بن كمال باشا.

29-إحياء النحو لإبراهيم مصطفى.

30-مسالك القول في النقد اللغوي لصلاح الدين الزعبلاوي.

31-عبد القاهر الجرجاني للدكتور أحمد بدوي (سلسلة أعلام العرب).

32-أسرار البلاغة لأبي بكر عبد القاهر الجرجاني.

33-آراء وأحاديث في اللغة والأدب لساطع الحصري.

34-الموجز في شرح دلائل الإعجاز في علم المعاني جعفر دك الباب.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.41 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.78 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (1.54%)]