عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 23-07-2019, 12:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي الطاقة عمار أو دمار

الطاقة عمار أو دمار (1)
محمد عبدالرحمن صادق




الطاقة هي قوة تَحتاج إلى مَن يُحرِّكها وإلى من يستثمرها، ولقد أثبت العلماء مؤخرًا أنه لا يوجد في الكون ما يسمى (فضاء أو فراغ أو حيِّز بلا طاقة)؛ لأن ما نُطلق عليه فضاءً يحتوي على كمية هائلة من الطاقة، سواء كانت طاقة ضوئية أو غيرها، وأنه لولا هذه الطاقة الموجودة فيما نُسمِّيه (فضاءً)، لاختلَّ توازن الكون بأكمله، ولقد أثبت العلماء أيضًا استحالة تفريغ أي حيِّز ولو كان صغيرًا من الطاقة، وأننا لو حاولنا ذلك سنحتاج إلى ما لا نهاية من الطاقة، ومِن هنا نفهم أن الله تعالى لم يَخلق شيئًا عبثًا، وأن كل شيء مهما قلَّ أو كَثُر فقد أودعه الله تعالى منفعةً ما، والمطلوب منا أن نبحث عن كيفية الوصول إليها واستغلالها.







إن الله تعالى قد أمر الأنبياء عليهم السلام باستخدام تلك الطاقة وعدم تَعطيلِها؛ فقال الله تعالى ليحيى عليه السلام: ﴿ يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴾ [مريم: 12]، وقال تعالى: ﴿ وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [الأعراف: 145]، وأمر الله تعالى بني إسرائيل فقال: ﴿ وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [الأعراف: 171].







والحديث هنا سيكون عن بعض الرسائل التي تحفِّز الهِمَم، وتُوقظ الضمائر، وتنشِّط الكسلان، وتأخذ بيدَي الوسنان، هذه الرسائل المقتبسة من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ما هي إلا بمثابة حُجج نقيمها على أنفسنا، ونسأل الله تعالى الإخلاص والقبول، كما نسأله سبحانه وتعالى أن يجعلنا وإياكم من ﴿ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [الزمر: 18].







أولًا: تشخيص الداء: إن الناظر إلى واقعنا في الآونة الأخيرة يرى أن الأمم كلها تتقدَّم إلى الأمام، وأن هناك دويلات ليس لها تاريخ وصنعت لنفسها مكانة بين سائر الأمم، وما ذلك إلا بالتوظيف الأمثل لجميع طاقاتها وإمكانياتها التي تَمتلكها، حتَّى ولو كانت طاقات بسيطة وإمكانيات ضعيفة، فالصانع الماهر هو الذي لا يترك جزءًا من الخامات إلا واستخدمه ووظَّفه التوظيف الأمثل لصالح مِهنته، والصانع الماهر هو الذي يُعيد تدوير النفايات فيخرج منها تُحفًا فنية رائعة لا يَخطر ببال من يراها أنها كانت في وقت من الأوقات كمًّا مُهملًا من المُهملات؛ ولذلك ترى أن الصناعات الدقيقة لا تعتمد اعتمادًا كليًّا على حجم الخامات، ولكن تَعتمِد على حُسن استغلال وتشكيل هذه الخامات.







والأمة الإسلامية بفضل الله تعالى تَمتلك طاقات مُتعددة ومُتجددة في شتى المجالات، ولكنها لا توظفها توظيفًا مُناسبًا، وهذا معناه أن نسبة كبيرة من الطاقات الموجودة تعد طاقات مُعطَّلة ومُهدَرة، غلبت عليها البطالة، ولم تَستوعبها الصحوة الإسلامية!







ثانيًا: أهمية تضافر الجهود واستغلال الطاقات: إن هناك أسبابًا عديدةً تُحتِّم على الأمة أن تنهض وتتحرك وتعمل على استغلال جميع الطاقات والإمكانيات المتاحة، ومن هذه الأسباب:



1- إن مسؤولية القيام بواجب الاستخلاف الذي خُلقنا من أجله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومُقاوَمة الباطل - مسؤولية تضامنية بين الجميع؛ قال تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ... ﴾ [آل عمران: 110].







قال تعالى: ﴿ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾ [ص: 26]، ومِن هنا نفهَم أن خلافة الله تعالى في الأرض تَشمل كل جوانب الحياة دون استثناء، والعمل على إدارتها وسياستها بمنهج الله؛ لكي تَحتفظ الأمة بوجودها وسيادتها وريادتها، ولنا الأسوة الحسنة في الصحابة الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، الذين لم يميِّزوا بين الجهادَين؛ جهاد السعي في مناكب الأرض، وجهاد أعداء الله تعالى، فلقد جعلوا مِن حياتهم ساحة للجهاد، وجعَلوا الغاية الإيمانية نصب أعينهم، فلم تغِب عنهم لحظة واحدة.







عن كعب بن عُجْرَة قال: مرَّ على النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فرأى أصحابُ النبي صلى الله عليه وسلم مِن جَلَده ونشاطه ما أعجبَهم، فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن كان خرج يسعى على ولده صِغارًا، فهو في سبيل الله، وإن خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين، فهو في سبيل الله، وإن كان يسعى على نفسه يعفُّها، فهو في سبيل الله، وإن كان خرج رياءً وتفاخُرًا، فهو في سبيل الشيطان))؛ أخرجه الطبراني.







ما أودُّ أن أقوله هو أنه ليس هناك انفصال بين عمل الدنيا وعمل الآخرة، وليس هناك أحد مُستثنى من العمل، وأن العمل للغاية يكون على مَسار الحياة، وفي كل الأحوال؛ حيث إنه ((لا رهبانية في الإسلام، ولكنْ جهادٌ ونيَّة)).







2- حجم الفساد الذي استَشرى في جسد الأمة يحتِّم تضافُر الجهود للقضاء عليه: إنَّ الفساد الذي طالَ كل الميادين وكل المجالات أصبح بمثابة السُّوس الذي ينخر في جسد الأمة الهزيل؛ ولهذا وقف الشارع الحكيم موقفًا حازمًا، وأوجب على أبناء الأمة أن يُكرِّسوا جهودهم في محاربة صور الفساد التي تَنال مِن مجدهم وعزهم، وأن يأخذوا على أيدي المُفسدين؛ وذلك لأنَّ استمرار الفساد يؤدي إلى الفتنة والهلاك للجميع؛ قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 25].







عن زينب بنت جحش رضي الله عنها: أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعًا يقول: ((لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر اقترب، فُتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه))، وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها، قالت زينب بنت جحش: فقلت: يا رسول الله، أنَهلِكُ وفينا الصالحون؟ قال: ((نعم؛ إذا كَثُر الخبَث))؛ متفق عليه.







عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استَهَموا على سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مرُّوا على مَن فوقهم فقالوا: لو أنَّا خرقنا في نصيبنا خرقًا ولم نؤذِ مَن فوقنا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فإن يَتركوهم وما أرادوا، هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم، نجوا ونجوا جميعًا))؛ رواه البخاري.







3- طاقات البشر تُكمِّل بعضها بعضًا: إن حكمة الله تعالى اقتضت تنوع الطاقات والقدرات والمواهب؛ قال تعالى: ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [الزخرف: 32].







قال تعالى: ﴿ إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾ [الليل: 4 - 10].







قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اعمَلُوا؛ فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لما خُلِقَ لهُ))؛ أخرجه البخاري ومسلم.



قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا تصغرنَّ همَّتك؛ فإني لم أرَ أقعد بالرجل من سقوط همَّته".







قال الإمام مالك رضي الله عنه كما في "سير أعلام النبلاء": "إنَّ الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق، فرُبَّ رجل فُتح له في الصلاة ولم يُفتَح له في الصوم، وآخر فُتح له في الصدقة ولم يُفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد، فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيتُ بما فُتح لي فيه، وما أظنُّ ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير وبرٍّ".







فلتعلم أن طاقتك مهما كانت بسيطة، فأنا أفتقر إليها، ولتعلم أن القوالب الصحيحة وحدها لا تقيم بنيانًا، وأن (البنَّاء) الماهر هو الذي لا يترك جزءًا صغيرًا إلا ووجد له مكانًا مناسبًا في البنيان.







تخيل معي الملابس التي تلبسها ومراحلها التي مرَّت بها، تخيَّل الطعام الذي تتناوله والعدد الهائل من المهن والحِرف التي شاركت في مراحل إعداده حتى يكون أمامك على المائدة ... إلخ، إنَّ ذلك يعني أننا يجب ألَّا نسفِّه من طاقةٍ مهما ضَعُفت، ومِن خبرة مهما قلَّت، فبدونها لا يكتمل الإنتاج.







تخيل معي مِقدار القوة التي تمتلكها (القشة) التي تقصم ظهر البعير، وتخيَّل أيضًا القوة التي تَمتلكها (القشة) لكي يتعلَّق بها غريق.







4- شراسة أعداء الأمة توجب مشاركة كل الجهود: إن مَن ينظر بعين الإنصاف الثاقبة يُدرك أن الأمة الإسلامية مُستهدَفة، وأن المكايد تُحاك للأمة للقضاء عليها دون كلل أو ملل، إن أعداء هذه الأمة وإن بدا لك اختلافهم في بعض السياسات والرؤى، لكنَّهم يَجتمعون على مائدة واحدة، ومن أجل هدف واحد؛ ألا وهو القضاء على هذه الأمة حتَّى لا تقوم لها قائمة؛ وذلك ليقينهم أن شمس هذه الأمة لو أشرقت ستُبدِّد مُلكهم وتفضح حِيَلَهم؛ لذا أصبح من الواجب تضافُر الجهود، واستغلال كل الطاقات؛ للحفاظ على هُوية الأمة وتثبيت أركانها.







يقول الحاكم الفرنسي في الجزائر بمناسبة مرور مائة عام على احتلالها: "يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم.. ونَقتلع اللسان العربي من ألسنتهم؛ حتى ننتصر عليهم".







يقول مورو بيرجر (رئيس رابطة دراسات الشرق الأوسط): لقد ثبَت تاريخيًّا أن قوة العرب تعني قوة الإسلام، فليُدمِّروا العرب ليُدمِّروا بتدميرهم الإسلام.







قال لويس التاسع ملك فرنسا في وثيقة محفوظة في دار الوثائق القومية في باريس: "إنه لا يُمكن الانتصار على المسلمين من خلال حرب؛ وإنما يمكن الانتصار عليهم بواسطة السياسة؛ باتباع ما يلي:



1- إشاعة الفرقة بين قادة المسلمين، وإذا حدثت فلنعمل على توسيع شقَّتها ما أمكن؛ حتَّى يكون هذا الخلاف عاملًا في إضعاف المسلمين.



2- عدم تمكين البلاد الإسلامية والعربية أن يقوم فيها حكم صالح.



3- إفساد أنظمة الحكم في البلاد الإسلامية بالرشوة والفساد والنساء؛ حتى تَنفصل القاعدة عن القمة.



4- الحيلولة دون قيام جيش مؤمن بحق وطنه عليه، يُضحي في سبيل مبادئه.



5- العمل على الحيلولة دون قيام وحدة عربية في المنطقة.



6- العمل على قيام دولة غربية في المنطقة العربية تمتد ما بين غزة جنوبًا، وأنطاكية شمالًا، ثم تتجه شرقًا، وتمتد حتى تصل إلى الغرب.







إذا كان هذا هو بعض مكنون صدورهم الذي باحوا به في فلتات ألسنتهم، فكيف بما تُخفيه الصدور؟ قال تعالى: ﴿ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [آل عمران: 118].








وللحديث بقية في الجزء الثاني من هذا الموضوع بإذن الله تعالى، والذي سنتعرف فيه على:



خطورة إهمال الطاقات.



نماذج لاستغلال الطاقات.



ضوابط وتوصيات لا بدَّ مِن مراعاتها في توظيف الطاقات.



أسأل الله تعالى أن يوفقنا لأحسن الأعمال؛ فإنه لا يوفِّق لأحسنها إلا هو، وأن يصرف عنا سيئ الأعمال؛ فإنه لا يصرف عنا سيِّئها إلا هو.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 28.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 27.38 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.24%)]