عرض مشاركة واحدة
  #604  
قديم 09-05-2008, 03:30 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع .... أضرار الميسر بين الشريعة والحياة

مفاسد الميسر الدنيوية:
كما أن للميسر مفاسد تتعلق بدين المرء وتعرضه لغضب الله وعذابه يوم القيامة، فكذلك فإن له مفاسد تتعلق بالحياة الدنيا فتعكرها وتنغص صفوها، وقد أشار القرآن الكريم إلى بعض تلك المفاسد، كما أن بعضها مشاهدة وملموسة من واقع الحياة اليومية للمشتغلين بالميسر، وهذه بعض تلك المفاسد الدنيوية:
1- إن الميسر يسبب العداوة والبغضاء بين الناس.
يعد التآلف و التحابب بين أفراد المجتمع الواحد من عوامل قوة ذلك المجتمع وأسباب تقدمه ونموه، لأنهم يكونون كالجسد الواحد، كما وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم المجتمع الإسلامي الملتزم بتعاليم الكتاب والسنة ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) [47]ومجتمع كهذا يتعاون أفراده على كل بر يعين على مصالح الدنيا وكل تقوى ترضي الله ورسول الله، قال النووي معلقا على الحديث ( هذه الأحاديث صريحة في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض، وحثهم على التراحم والتلاطف والتعاضد في غير إثم ولا مكروه ).[48]
والميسر بأنواعه وأشكاله عادة سيئة تؤدي انتشاره في المجتمع إلى العداوة والبغضاء قال تعالى { إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة في الخمر والميسر } و قال الإمام الطبري رحمه الله ( يقول تعالى ذكره إنما يريد لكم الشيطان شرب الخمر والمياسرة بالقداح ليعادي بعضكم بعضا ويبغض بعضكم إلى بعض فيشتت أمركم بعد تأليف الله بينكم بالإيمان وجمعه بينكم بأخوة الإسلام ) [49].
ووجه ذلك - والله أعلم - أن الميسر لا يخلوا من ربح أو خسارة، وكلاهما حاصل على نحو باطل لا يقره دين ولا عقل، وليس كربح التجارة أو خسارتها، لأن التاجر المسلم أو العاقل يعترف بقضاء الله وقدره، ويسلم بنهاية الصفقات حسب المقدمات الصحيحة التي تمليها طبيعة العرض والطلب، أما المقامر فيسعى وراء خيال وسراب ويركض خلف حظ موهوم، حتى إذا جاءه لم يجده شيئا، فيعض على أنامل الحسرة، ويلتفت فإذا حوله مياسروه يسخرون بملء أفواههم لما ربحوه من أموال الناس بالباطل، فهل بعد ذلك يتصور بين الفريقين مودة أو رحمة، لا وهيهات !!
2- إن الميسر من عوامل انتشار البطالة.
الواجب على الحكومات والدول الناصحة لرعاياها أن توفر لها فرصا حقيقية للعمل والتكسب، وذلك بإقامة مصانع كافية تستوعب السواعد القوية من المواطنين والكفاءات العالية من الباحثين والعلماء، وإيجاد مزارع واسعة تكفي الفلاحين والمزارعين، وتيسير تجارة رائجة يصفق بها الأغنياء في الأسواق، فتتحقق الكفاية لعامة الشعب وتقل البطالة، وتقضى على الجريمة ويعم الأمن في ربوع البلاد.
قال الشيخ الطاهر بن عاشور رحمه الله ( والمقصد الشرعي في الأموال كلها خمسة أمور: رواجها، ووضوحها، وحفظها، وثباتها، والعدل فيها، فالرواج دوران المال بين أيدي أكثر من يمكن من الناس بوجه حق، قال تعالى { وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله}[50] وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( ما مسلم يزرع زرعا أو يغرس غرسا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة، إلا كان له به صدقة ) [51]وقال أيضا { إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها } [52]... ) [53].
ولا شك أن الميسر لا تمت إلى واحد من هذه المقاصد بصلة، بل إن شيوعه في المجتمع يعطل الصناعات ويخسر التجارات وتهلك المزارع، كيف لا، والشياطين تعد الشذج من الناس بالغنى الفاحش والثراء الطاغي بمجرد مشاركة في لعبة الميسر، ولذلك فإنك لا تدخل مصنعا إلا وجدت العمال منهمكين وفي أوقات العمل على أوراق الميسر، ولا ترى مزارعا إلا وفي يده تلك الأوراق، وكذلك التجار في الأسواق، والأطباء في المشافي، فمتى يتفرغ هؤلاء لما هم مهيئون له من واجبات !!
3- إن الميسر يساهم في تفشي الجريمة.
إن صالات القمار، أو قل إن مجتمعات القمار لا تخلوا في أغلب الأحيان من جرائم السرقة والقتل ومن الشرب والخلاعة و الميوعة، قال بن سيرين في تعريف الميسر ( كل لعب فيه قمار من شرب أو صياح أو قيام فهو من الميسر ) [54].
أما السرقة فلأن المشاهد للعبة الخمار وكيف يخسر هذا بسرعة وكيف يربح ذلك في طرفة عين تستهويه العملية فيود المشاركة فيها بأي طريق ممكن، وغالبا ما يلجأ إلى السرقة لإشباع تلك الرغبة العارمة، واعتبر ذلك في الأولاد الذين يتقامرون بالجوز والكلل وغيرها، فإنهم يسرقون الأموال من آبائهم وأمهاتهم ليشترون بها تلك الأغراض التي يتقامرون بها مع زملائهم.
وأما القتل فلما يسوء بعضهم أن يذهب ماله هباء في دقيقة واحدة وربما تعب وكد في تحصيله، فيشتاط غضبا، فينتحر هو، أو يقتل أصحابه ليسترد ما ذهب من ماله.
أما الشرب والخلاعة والميوعة فهو نصيب الفائز الخاسر من المقامرين، لإن الله تعالى يمحق الربا ويربي الصدقات، فالمال الحلال يسهل إنفاقه في الوجه الحلال بل الواجب والمندوب، وأما المال الحرام فيستهلكه صاحبه فيما يضره من شهوتي الفرج والبطن، ولهذا فإن صالات القمار في أغلب الأحيان أوكار للرذيلة والمخدرات.
4- في الميسر أكل لأموال الناس بالباطل:
ومن مقصود الشارع في الأموال أيضا كما يقول بن عاشور رحمه الله ( الوضوح، والحفظ، والعدل، والإثبات ) ويستمر - رحمه الله - في شرح تلك المقاصد قائلا: ( وأما وضوح الأموال فذلك إبعادها عن الضرر والتعرض للخصومات بقدر الإمكان، ولذلك شرع الإشهاد والرهن في التداين، وأما حفظ المال فأصله قول الله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل...} [55]وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس ) [56]،أما إثباتها فهو تقريرها لأصحابها بوجه لا خطر فيها ولا منازعة، أما العدل فيها فذلك بأن يكون حصولها بوجه غير ظالم وذلك إما أن تحصل بعمل مكتسبها، وإما بعوض من مالكها أو بتبرع وإما بإرث ومن مراعاة العدل حفظ المصالح العامة ودفع الأضرار ) [57].
ومال الميسر كسب رخيص يكتنفه الغموض من كل جانب، ولا يعرف الرابح من أين جاءه الربح ولا يدري الخاسر من أين أتاه الخسران، ولا يمكن تقريره بوجه لا منازعة فيها، ولذلك يدلون إلى الحكام ليأكلوا فريقا من أموال الناس بالباطل، أما مقصد العدل فهو أبعد المقاصد عن الميسر، فالميسر هو الظلم بعينه، إذ بواسطته يأكل الناس بعضهم أموال بعض بغير وجه حق، ومهما قال لك المقامر في حرية ممارسته لهذه العادة السيئة، فإنه لا يطيب نفسا بما يخسر من مال.
الخاتمة:
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على خير من دعا إلى الإيمان وعمل الصالحات، أما بعد فقد تم ما نوينا تقييده عن أضرار الميسر الدينية والدنيوية، وتوصلنا بفضل الله تعالى وتوفيقه إلى النتائج التالية:
1- الميسر هو ( هو كل المغالبات التي يكون فيها عوض من الطرفين من النرد والشطرنج، وكل مغالبة فعلية أو فعلية بعوض ).
2- أن حكمه في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم هو الحرمة، لقوله تعالى ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون )، وقوله صلى الله عليه وسلم ( من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه )
3- من أضرار الميسر على دين المرء: أنه إثم، ورجس، ومن عمل الشيطان، ومن موانع الفلاح ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة ) قال تعالى{ يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون } [58]
4- ومن أضراره الدنيوية: أنه يوقع العداوة والبغضاء بين الناس، وينشر البطالة، ويفشي الجريمة في المجتمع، وهو طريقة لأكل أموال الناس بالباطل.
5- وكل ذلك مما أخبر الله في كتابه ومن أصدق من الله حديثا، والمجتمعات البشرية اليوم يعاني من ويلات كل هذه الأضرار والمفاسد، ولا منجى و لا مفر من ضنك الحياء وضيق المعاش الذي هم فيه إلا بالتوبة الصادقة والرجوع إلى الله والتمسك بكتابه وسنة رسوله. والله المستعان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يمكن التواصل مع المؤلف على الإيميل التالي:
الهوامش:
[1] - تفسير القرآن العظيم 2 / 92 للإمام إسماعيل بن عمر ابن كثير ط دار الفكر – بيروت1401 هـ
[2] - المصدر نفسه 2 / 92.
[3] - المصدر نفسه 2 / 92
[4] - تفسير الطبري 2 / 385 للإمام محمد بن جرير الطبري ط دار الفكر – بيروت 1405 هـ
[5] - تيسير الكريم المنان في تفسير كلام الرحمن تأليف اعلامة الشيخ عبد الرحمن السعدي ص 98 ط مؤسسة الرسالة – بيروت
[6] - الحلال والحرام ص 273 للشيخ يوسف القرضاوي.
[7] - المصدر نفسه 277
[8] - سورة البقرة 219
[9] - تفسير القرآن العظيم 1 / 256 مصدر سابق
[10]- المائدة: 90, 91
[11] - الأنعام: 145
[12] - التوبة: 95
[13] - الأعراف:71
[14] - أضواء البيان 2 / 405 تأليف الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ط دار الفكر – بيروت 1415 هـ
[15] - المصدر نفسه 2 / 405
[16] - البقرة: 188
[17] - تفسير السعدي ص 88
[18] المصدر نفسه ص 88
[19] صحيح مسلم 4/ 1770 ط دار إحياء التراث العربي – بيروت
[20] - شرح النووي على مسلم 15 / 16 ط دار إحياء التراث العربي – بيروت 1392 هـ
[21] - رواه الحاكم في المستدرك، وقال ( هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ) 1 / 114 لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري ط دار الكتب العلمية – بيروت 1411هـ ورواه غيره.
[22] شرح الزرقاني على الموطأ 4 / 455 لمحمد بن عبد الباقي الزرقاني ط دار الكتب العلمية – بيروت 1411 هـ
[23] - سنن البيهقي الكبرى 10 / 213 للإمام البيهقي نشر / مكتبة دار الباز – مكة المكرمة 1414 هـ
[24] انظر: لسان العرب 1 / 729 لابن منظور ط دار صادر ـ بيروت
[25] - تفسير السعدي ص 98
[26]- روضة الناظر وجنة المنتظر 1 / 126 للشيخ عبد القادر بن أحمد بن بدران ط مكتبة المعارف – الرياض
[27] - البقرة: 275
[28] - يوسف: 90
[29] - الطلاق: 2
[30] - الطلاق:4
[31] - الطلاق: 5
[32] تفسير القرآن العظيم 2 / 93
[33]- النساء
[34] أضواء البيان 1 / 426
[35] صحيح البخاري 1/ 70 ط دار ابن كثير – بيروت 1407 هـ
[36] - التوبة: 28
[37] - المؤمنون: 51
[38] - صحيح مسلم 2 / 703 ط دار إحياء التراث العربي – بيروت
[39] - تيسير الكريم المنان للسعدي 243
[40] - الأعراف 16، 17
[41] الإسراء: 63، 64
[42] سورة البقرة 268
[43] -سورة البقر: 81
[44] - طه: 124
[45] - العنكبوت: 45
[46] - تفسير القرآن العظيم 3 / 416
[47] - صحيح مسلم 4 / 1999
[48] - شرح النووي على مسلم 16 / 139
[49] - تفسير الطبري 7 / 32
[50] سورة المزمل الآية 20
[51] - رواه البخاري ومسلم.
[52] - البقرة: 122
[53] - مقاصد الشريعة الإسلامية ص 464 تأليف العلامة محمد الطاهر بن عاشور ط دار النفائس للنشر والتوزيع – الأردن 1421 هـ
[54] - تفسير الطبري 2 / 385 للإمام محمد بن جرير الطبري – مصدر سابق
[55] سورة النساء الآية 29
[56] - سنن الدارقطني 3 / 26 ط دار المعرفة – بيروت 1386 هـ
[57] مقاصد الشريعة الإسلامية ص 473 فما بعدها ( بتصرف )
[58]- المائدة: 90, 91
 
[حجم الصفحة الأصلي: 27.42 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.81 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (2.20%)]