عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 17-02-2020, 03:59 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الولاء والبراء من لوازم لا إله إلا الله




تنبيهات هامة في هذا الباب[32]:

قال الشيخ عبدالرزاق البدر حفظه الله: (ينبغي أن يعلم في هذا الباب ما ذكره أهل العلم في بيان الفرق بين التولي والموالاة.

التولي: ذكره الله في قوله تعالى: ï´؟ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ï´¾ [المائدة: 51]، بحب الكافرين وحب دينهم، والفرح بانتصارهم، والسعي في نصرتهم بغرض ظهور الكفر على الإيمان.




حكمه: كفر أكبر ناقل من ملة الإسلام.

الموالاة: ضابطها أن يحب الكافر لأمر دنيوي، لا لدينه، ولا ينصره على المسلمين بغرض ظهور الكفر، يحبهم وينصرهم لغرض دنيوي؛ مثل: المال، الرياسة، حماية منصبه.



حكمه: كبيرة من الكبائر.

والله نهى عن تولي الكفار وعن موالاتهم، توليهم: كفر مخرج من الدين، وموالاتهم كبيرة يترتب عليها نقص الإيمان الواجب، فيجب على كل مؤمن ألا يوالي الكافرين.



كذلك مما ينبغي أن يعلم في هذا الباب أنه ليس معنى بغض الكافر أن يقتل أينما وجد؛فالشريعة جاءت بتفاصيل في هذا الباب، ومتى يقتل الكفار؟ وجاءت الشريعة بتحريم قتل الكافر المعاهَد، والكافر الذمي أو المستأمن، ورتبت على ذلك عقوبات شديدة.



جاء في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَن قتل معاهدًا لم يَرَحْ رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا))[33].



المعاهد: الكافر الذي كان بينه وبين المسلمين حرب ودخل في عهد معهم.

المستأمن: الكافر الذي دخل ديار المسلمين بأمان (تأشيرة).

الذمِّي: الذي يعيش في ديار المسلمين وتحت حكم المسلمين.



كل هؤلاء كفار، ولا يحل قتلهم؛ ولهذا من لا يضبط هذا الباب ولا يفهم كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم في هذا الباب يقع في انحرافات لا حد لها، وتعديات على حدود الله.



المسلم يجب أن يعتني بهذا ويفهمه في ضوء كتاب الله، ويحقق هذا الأصل العظيم؛ ألا يوالي أحدًا من الكافرين وإن كان قريبًا له.

ولا يتنافى مع عدم موالاة الكافر أن يعامل الكافر معاملة حسنة، يتألف بها قلبه ويستميل بها نفسه للدخول في هذا الدين، فيكون في قرارة نفسه مبغضًا له، وفي المعاملة الظاهرة يحسن إليه تأليفًا لقلبه؛ قال تعالى: ï´؟ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ï´¾ [الممتحنة: 8].



ولما جاءت أم أسماء إليها، استشارت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((صِلي أمكِ))، فهذا لا يتنافى مع قوله تعالى: ï´؟ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ï´¾ [المجادلة: 22].



فتكون في قلبها مبغضة لها، لكن تصلها وتحسن إليها وتعاملها بالحسنى تأليفًا لقلبها، ولو مرض الكافر يُعاد، ويُهدى له لو كان جارًا؛ تأليفًا لقلبه، ويجوز إعطاؤه من أموال الزكاة تأليفًا لقلبه، فالإسلام في هذا الباب وسط، فيه النهي عن موالاة الكافر وتوليه، وفيه أيضًا الأمر بمعاملة الكافر غير المحارب بالحسنى، لعل الله يهديه للإسلام)؛ انتهى كلامه.



س: ما هو الفرق بين المودة وبين البر؟

الله قد حرَّم مودة الكافر، وأباح بره، فلا بد أن يكون هذا غير ذاك:

البر عمل الجوارح، أما المودة، فهي عمل القلب.

البر هو إيصال الخير إلى الغير، بغض النظر عن محبتك له، أو كراهيتَك إياه.



الأمور التي يجوز التعامل بها مع الكفار ولا تدخل في الموالاة المحرمة:

1)البيع والشراء:

فقد عامل النبي صلى الله عليه وسلم اليهود والمشركين، وباع لهم واشترى منهم، ومات صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي، على ثلاثين صاعًا من شعير.



روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعامًا إلى أجل، ورهنه درعًا له من حديد"[34].



روى البخاري في صحيحه (باب البيع والشراء مع المشركين وأهل الحرب)، عن عبدالرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثين ومائة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هل مع أحد منكم طعام؟))، فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه، فعجن، ثم جاء رجل مشرك مشعان[35] طويل، بغنم يسوقها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أبيعٌ أم عطية؟))، أو قال: ((هبة))، قال: لا، بل بيع، قال: فاشترى منه شاة)[36].



مما يدل على جواز التعامل مع الكفار بالبيع والشراء، بشرط ألا يكون مما يستعان به على حرب المسلمين؛ كالسلاح ونحوه، وكذلك لا يجوز بيع أو شراء ما هو محرَّم في ديننا؛ مثل: الخنزير والخمر، وكذلك لا يجوز ما أعان على معصية؛ لقوله تعالى: ï´؟ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ï´¾ [المائدة: 2].



2)الإجارة (وهي بيع المنفعة):

فيجوز أن يؤجر كافرًا في الأعمال التي ليس لها فيها ولاية على المسلم؛ (صناعة - زراعة - خدمة - بناء ...)، وقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم يهود خيبر في أراضي المدينة ليزرعوها ولهم نصف ما يخرج منها، واستأجر عبدَالله بن أريقط دليلًا في الهجرة.



أما الأعمال التي يكون فيها ولاية على المسلمين (الوظائف السيادية)؛ كالإمارة والحكم ونحوها، أو يكون فيها اطلاع على أخبارهم؛ فلا يجوز توليهم إياها.



وكذلك يجوز أن يعمل المسلم عند الكافر بثلاثة شروط:

1- أن يكون العمل فيما يحل للمسلم فعله.

2- ألا يكون فيه إذلال للمسلم.

3- ألا يكون فيه إعانة على ما فيه ضرر على المسلمين، فلا يجوز أن يصنع لهم سلاحًا يقتلون به المسلمين، ولا يجوز إذا كان المسلم يعمل بنَّاءً أن يبني لهم كنيسة، أو كان حارسًا أن يحرسها لهم، أو يحرس ما يلعبون فيه القمار، أو يغسل لهم الآنية التي يأكلون فيها الخنزير، أو يشربون فيها الخمر، وهكذا.



3) البر والإحسان معهم:

قال تعالى: ï´؟ لَا يَنْهَاكُمُï»؟ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ï´¾ [الممتحنة: 8]، ومن ذلك البر والإحسان.



الرحمة العامة بهم؛ كإطعامهم وسقيهم ومداواتهم وإنقاذهم من التهلكة؛ قال صلى الله عليه وسلم: ((ارحموا من في الأرض، يرحمكم من في السماء)).



الصدقة على الفقير منهم؛ لقوله تعالى: ï´؟ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ï´¾ [البقرة: 195]، وقوله تعالى: ï´؟ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ï´¾ [الإنسان: 8]، والأسير في دار الإسلام لا يكون إلا كافرًا.



صلة القريب الكافر؛ كالوالدين والأخ بالزيارة والهدية ونحوها في غير محبة ومودة؛ عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: "قدِمَتْ عليَّ أمي - وهي مشركة - في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستفتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأَصِلُ أمي؟ قال: ((نعم، صِلِي أمكِ))[37].



الإهداء إليهم ترغيبًا لهم في الإسلام أو في حال دعوتهم، وكذلك يجوز قَبول هديتهم، فقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم شاةً من يهودية، وأكل منها، وكانت مسمومة، ولكن ورد النهي عن قبول هدية الكافر إذا كان يريد أن يصل بذلك إلى الموالاة؛ عن عياض بن حمار: أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم هدية له أو ناقة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أسلمت؟)) قال: لا، قال: ((فإني نهيت عن زبد المشركين))[38].



4) عيادة المريض الكافر:

لدعوتهم إلى الإسلام أو لأي مصلحة شرعية؛ فقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم غلامًا يهوديًّا، ودعاه إلى الإسلام فأسلم، وعاد عمه أبا طالب حين حضرته الوفاة ودعاه إلى الإسلام.



5) الانتفاع بما عندهم من أنواع العلوم الدنيوية والخبرات العلمية: (صناعة - طب - هندسة ...)؛ فقد استأجر النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا كافرًا يدله على الطريق أثناء الهجرة إلى المدينة، وجعل فداءَ بعض أسرى بدر - ممن لم يكن عنده فداءٌ من المال - أن يعلِّم عشرة من أولاد الأنصار القراءة والكتابة.



6) يجوز للمسلم أن يذهب إلى الطبيب الكافر ليعالجه إذا وثق به في حالة عدم وجود طبيب مسلم.

7) يجوز للمسلم أن يتزوج بالكتابية العفيفة، مع بغضها على دينها إذا أمِن من ضررها على الدين والنفس والأولاد.



قال تعالى: ï´؟ الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلَا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ï´¾ [المائدة: 5].



وقد يحبها حبًّا فطريًّا؛ مثل حب شكلها أو معاشرتها، مثل الحب الفطري الطبيعي للوالدين، مع بغضهما على كفرهما إذا كانا كافرين.



والمحصَنة: هي العفيفة عن الزنا، وإن كان الأولى أن يتزوج بمسلمة؛ لأن ذلك أسلم له ولذريته، أما بقية الكافرات غير الكتابيات، فلا يجوز أن يتزوج المسلم بواحدة منهن؛ قال تعالى: ï´؟ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ï´¾ [البقرة: 221]،أما المسلمة، فلا يجوز لكافر أن يتزوجها، سواء كتابي أو غير كتابي، بإجماع المسلمين.



والمعاملة مع الزوجة الكافرة (الكتابية) تكون بالحسنى؛ لتأليف قلبها وإعطائها حاجاتها، والنفقة عليها، وهذه الأمور قد تكون سببًا في إسلامها، أما في قلبه فيكون مبغضًا لها لكفرها، وهذا لا يتنافى مع حسن المعاملة لها؛ مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء: ((صِلي أمك))، لكن نكاح الكتابية في مثل هذا الزمان فيه شيء من المخاطرة، فبعض الدول وضعت قوانين ترتب عليها مفاسد عظيمة فيما يتعلق بالأولاد، فيجب التأمل في ذلك قبل الإقدام عليه.



8) يجوز دفع الزكاة إلى المؤلفة قلوبهم من الكفار:

قال تعالى: ï´؟ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ï´¾ [التوبة: 60].



9) رد السلام عليهم:

والجمهور على وجوب ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سلم عليكم أهل الكتاب، فقولوا: وعليكم))[39]، وإذا عطس الكافر نقول له: "يهديكم الله ويصلح بالكم"؛ لحديث أبي موسى الأشعري عبدالله بن قيس رضي الله عنه: "كان اليهود يتعاطسون عند النبي صلى الله عليه وسلم رجاءَ أن يقول لهم: يرحمكم الله، فكان يقول: ((يهديكم الله ويصلح بالكم))[40].



10) الاستعانة بغير المسلم لغرض حماية الداعي:

ومن أدلة ذلك: حماية أبي طالب للنبي صلى الله عليه وسلم في مكة، وقبول أبي بكر رضي الله عنه الدخول في جوار ابن الدغنة، وذلك للتمكن من نشر الدين والدعوة إلى الله، أو للنجاة من إيذاء الكفار، بشرط ألا يكون على حساب أحكام الإسلام، أو التنازل عن شيء منها، وأن يطمئن إلى عدم خيانته.



ولا يجوز أن يُستدل بهذه المعاملات الجائزة مع الكفار على جواز موالاتهم وحبهم، وكذلك لا يصح أن نُدخِل في الموالاة ما ليس منها، فنحرم هذه المعاملات وقد أجازها الشرع، فالإسلام دين الوسطية والاعتدال"؛ قال تعالى: ï´؟ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ï´¾ [البقرة: 143].




فأجاز معاملة الكفار - غير المحارِبين - بالبر والإحسان، وفق الضوابط السابقة، وفي نفس الوقت حرم موالاتهم ومودتهم، حتى لو كانوا من أقرب الناس نسبًا؛ لأن القرب الحقيقي هو قرب الدين والعقيدة لا قرب النسب، فلو كان المسلم بعيدًا في الدار، فهو أخو المسلم في الدين؛ قال تعالى: ï´؟ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ï´¾ [الحجرات: 10]، وقد قال الله تعالى لنوح عليه السلام عندما ذكر ابنه: ï´؟ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ï´¾ [هود: 46].



الخاتمة:

"إن الرابطة التي تجمع أهل الإسلام في كل زمان ومكان، ليست رابطة الدم والنسب، وليست رابطة الأرض والوطن، وليست رابطة القوم والعشيرة، وليست رابطة اللون أو الحرفة أو الصنعة - وإنما رابطة الدين والعقيدة والإيمان، إنها الرابطة التي يقوم عليها المجتمع الإسلامي، والصلة التي تجعل ذلك المجتمع متماسكًا مترابطًا، وتحفظه من التحلل والذوبان في غيره من المجتمعات، ومن هنا جاءت أهمية عقيدة الولاء والبراء؛ من كونها فريضة ربانية وسياجًا لحماية هُوِيَّة الأمة الإسلامية؛ قال تعالى: ï´؟ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ï»؟وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ï´¾ [التوبة: 71].



قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله في "أضواء البيان" (3 / 401):

"ومِن هَدْي القرآن للَّتي هيأقوم هَدْيُه إلى أن الرابطة التي يجب أن يعتقد أنها هي الرابطة التي تربط بين أفراد المجتمع، وأن ينادى بالارتباط بها دون غيرها - إنما هي دين الإسلام؛ لأنه هو الذي يربط بين أفراد المجتمع حتى يصير بقوة تلك الرابطة جميع المجتمع الإسلامي، كأنه جسد واحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"[41]؛ اهـ.




"ولن تقوم للأمة الإسلامية قائمةٌ إلا بالرجوع إلى الله، والاجتماع على الحب فيه والبغض فيه، والولاء له والبراء ممن أمرنا بالبراء منه، وعندئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله"[42].




لا سبيل للخلاص من هذا الهوان والتبعية التي أصيبت بها الأمة اليوم إلا بالإسلام، ولا شيء غير الإسلام؛ فهو الذي ينقذ الناس مما هم فيه من الضياع والخسران، وهو الذي يُخرِجهم من الظلمات إلى النور، ومن الجَور إلى العدل، مِن ضيق الدنيا إلى سَعَة الدنيا والآخرة؛ لأنه هو دين الله، العليم بما يصلح النفوس، الخبير بمكنونات الضمائر، وأعداء الإسلام يعرفون جيدًا أن عدوهم الوحيد هو الإسلام، فهم يَسْعَون جاهدين إلى تحطيم هذا الجبل الشامخ الذي يعوقهم عن أهدافهم وأطماعهم؛ لذلك يضعون التصورات والمناهج التي لا تمتُّ لهذا الدين بصلة، من أجل أن تكون بديلة عن هذا الدين القيم.




ومن المعلوم أن هذا الدين لن يقوم إلا على واقع حي يتمثل في المسلمين الصادقين، واقع يغير مجرى حياة البشرية، ومن سمات أصحاب هذا الواقع أن يستعلوا بأنفسهم من موالاة أعداء الله من الكافرين والمنافقين والملحدين، ولا يخدعهم (هيلمان) هذا الباطل المعاصر، وأن الشرق والغرب يملك القنبلة الذرية والصواريخ العابرة للقارات، بل يعلمون أن الله هو الأكبر، وهو الولي الناصر، وأن الغلبة للحق مهما طال الباطل؛ قال تعالى: ï´؟ وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ ï´¾ [الصافات: 173].




ولن يصل المسلمون إلى هذه الدرجة الرفيعة إلا بالبراء من كل منهج وتشريع يخالف شريعة الله، ومن كل فكر يناقض تلك العقيدة التي كانت سبب نصرة وعزة السلف الصالح، وباستمداد حكم كل صغيرة وكبيرة من هذه الشريعة الربانية التي هي صراط الله المستقيم، التي لا أَمْت فيها ولا عِوَج، وملَّته الحنيفة التي لا ضيق فيها ولا حرج؛ قال تعالى: ï´؟ الْيَوْï»؟مَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ï´¾ [المائدة: 3].




وذلك بتصحيح مفهوم (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، ودعوة الناس إلى فهم هذه الكلمة العظيمة، وبيان أن مِن تكاليفها موالاة المؤمنين والبراءة من الكافرين، وتحكيم شريعة الله، واتباع ما أنزل الله، والكفر بالآلهة المزيفة والأرباب المتعددة في العرف والهوى والعادات، والمتألهين الذين يشرعون للناس بغير ما أنزل الله، وتصحيح مفهوم العبادة، وأنها مفهوم شامل وكامل، وليس مجرد شعائر تؤدى، بل نظام للحياة قائم على منهج الله لا يفصل بين الدين والدولة، وبين الدين والحياة، وتربية الجيل على منهج الكتاب والسنة، وطرد آثار الغزو الفكري، وتعميق قضية الولاء والبراء، وبعث الأمل وتقويته في النفوس بقرب نصر الله، وإذا صدق المسلمون مع الله وجدوا معية الله وعونه لهم؛ قال تعالى: ï´؟ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ï´¾ [يونس: 62]، ï´؟ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ï´¾ [المجادلة: 22]"[43].




[1] (نونية ابن القيم).
[2] صحيح الجامع (7968).
[3] شرح الأصول الثلاثة للشيخ عبدالرزاق البدر، (دروس صوتية).
[4] السلسلة الصحيحة للألباني رقم (998).
[5] رسالة أوثق عرى الإيمان (ص: 38).
[6] صحيح البخاري (21).
[7] تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد؛ تأليف الشيخ سليمان بن عبدالله، حفيد الشيخ محمد بن عبدالوهاب، طبعة المكتب الإسلامي، ص: 409.
[8] ولا يكون ذلك إلا إذا وافق ربَّه فيما يحبه وما يكرهه؛ فمحبة الله تستلزم محبة طاعته، وكذلك محبة أهل طاعته؛ كمحبة أنبيائه ورسله والصالحين من عباده، فمحبة ما يحبه الله ومن يحبه الله من كمال الإيمان بالله.
[9] فمن أحب مخلوقًا لله - لا لغرض آخر - كان هذا من تمام حبِّه لله.
[10] فتح المجيد شرح كتاب التوحيد؛ للشيخ عبدالرحمن بن حسن رحمه الله، طبعة دار الحديث، ص: 326 - 327، (بتصرف).
[11] رواه الإمام عبدالله بن المبارك في (الزهد)، ص: 120.
[12] تهذيب تسهيل العقيدة الإسلامية؛ للدكتور عبدالله بن عبدالعزيز الجبرين، طبعة مكتبة مكة، ص: 193.
[13] المصدر السابق، ص: 196.
[14] السلسلة الصحيحة (636).
[15] صحيح البخاري (3688).
[16] صحيح البخاري (6502).
[17] صحيح البخاري (6952).
[18] المعجم الأوسط (7/ 270).
[19] صحيح البخاري (7257).
[20] صحيح مسلم (55).
[21] البخاري (481).
[22] المحلى: ج11/ 199.
[23] أسئلة وأجوبة في التوحيد؛ للدكتور علاء بكر، طبعة دار الفرقان، ص: 94.
[24] صحيح الجامع (2831).
[25] البيهقي، شعب الإيمان (7/ 3107).
[26] السلسلة الصحيحة للألباني (45).
[27] شرح الأصول الثلاثة؛ للشيخ عبدالرزاق البدر، (محاضرات صوتية).
[28] السلسلة الصحيحة (5/ 435).
[29] صحيح النسائي (4186).
[30] إرواء الغليل للألباني (5/ 106).
[31] صحيح الجامع (7204).
[32] شرح الأصول الثلاثة؛ لعبدالرزاق البدر حفظه الله، (محاضرات صوتية).
[33] صحيح البخاري (3166).
[34] صحيح مسلم (1603).
[35] مُشْعان: بضم الميم وإسكان الشين المعجمة، وتشديد النون؛ أي: منتفش الشعر ومتفرقه.
[36] صحيح البخاري (5382).
[37] صحيح البخاري (2620).
[38] صحيح الترمذي (1577).
[39] صحيح البخاري (6926).
[40] صحيح الأدب المفرد؛ للإمام البخاري (719).
[41] أضواء البيان 3/ 41.
[42] الولاء والبراء في الإسلام؛ لمحمد بن سعيد القحطاني، طبعة دار الصفوة، ص: 92.
[43] الولاء والبراء في الإسلام؛ لمحمد بن سعيد القحطاني، طبعة دار الصفوة، ص: 431 - 438، (بتصرف).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.32 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 40.69 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.52%)]