الموضوع: مقاصد المكلفين
عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 22-08-2020, 03:33 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,095
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مقاصد المكلفين

مقاصد المكلفين (16)



زين العابدين كامل


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد،
فما زلنا نطوف حول مقاصد المكلفين وأمر النية والإخلاص، وقد سلطنا الضوء في مقالنا السابق على مسألة مهمة ألا وهي: الأسباب الداعية إلى الرياء، ويدور حديثنا في هذا المقال حول مسألتين هامتين، وهما : ما هي الأمور التي يراءى بها ثم ما حكم العمل المراءى به ، فأما المسألة الأولى فنقول: قد يرائي العبد بنحالة جسده وضعفه، وذلك ليوهم الناس أنه كثير العبادة والحزن والخوف، وقد يرائي العبد بضعف الصوت وذبول الشفتين وإظهار التعب والجهد ، وذلك ليعرف الناس أنه كثير الصيام، وقد يرائي العبد بتشعيث رأسه ولبس الثياب البالية، ليظهر أمام الناس أنه من العبّاد والنساك والزهاد، وقد يحرص على إبراز أثر السجود في جبهته، وقد يكون رياؤه بالنطق بالحكمة والموعظة وإقامة الحجة عند المجادلة والمناقشة، وقد يرائي عند إلقاء الدروس والمحاضرات والمواعظ حيث يظهر الفهم والعلم، وقد يكون بإظهار الذكر لله -عز وجل- باللسان، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتحسين الصوت بالقراءة، وقد يكون بإظهار التأسف على ما يفوت من الخير والطاعة وقد يكون بإطالة الصلاة ، كأن يطيل في الركوع والاعتدال منه أو السجود ونحو ذلك ، وقد يرائي بالحج والعمرة والنفقة على الفقراء والمساكين، وقد يرائي بصحبة العلماء والصالحين بأن يحرص على أن يسير مع العلماء وأهل الصلاح ويكثر من مجالستهم.
والغرض المقصود أن الرياء من الممكن أن يقع في كل الأعمال والطاعات، ولذا فأمره خطير ولابد من مجاهدة النفس في أمر الإخلاص.
وأما عن المسألة الثانية وهي: حكم العمل المراءى به، فالواجب على كل مسلم أن يُخلص عمله لله عز وجل، وألا يبتغي بعمله إلا وجهه تعالى ،وقد بينا ذلك في مقالات سابقة،
والعمل الذي يخالطه رياء ينقسم إلى نوعين، فالنوع الأول أن يكون الرياء في أصل العمل،أي لا يقصد فيها العابد الثواب والجزاء من الله ، إنما قصده كله أن ينال منزلة ومحمدة وثناءً عند الناس، فهذا النوع محبط للعمل بالكلية، وقد سمّى ابن رجب هذا النوع من الرياء بالرياء المحض، يقول ابن رجب في هذا: "العمل على هذا النحو لا يشك مسلم أنه حابط، وأن صاحبه يستحقُّ المقت من الله والعقوبة"
والنوع الثاني أن يكون قصد الرياء مصحوبا بقصد الثواب، أو أنه بدأ العمل خالصًا لله ثم طرأ عليه الرياء، وهذا النوع اختلفت فيه آراء العلماء، والذي رجحه الحافظ ابن رجب، أن العمل لا يحبطُ في هذه الصورة،
قال رحمه الله: واعلم أن العمل لغير الله أقسام، فتارة يكون رياءً محضًا بحيث لا يراد به سوى مرئيات المخلوقين لغرض دنيوي كحال المنافقين في صلاتهم قال الله عز وجل: (‏وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ ) {النساء142} وهذا الرياء المحض لا يكاد يصدر عن مؤمن في فرض الصلاة والصيام، وقد يصدر في الصدقة الواجبة والحج وغيرهما من الأعمال الظاهرة والتي يتعدى نفعها، فإن الإخلاص فيها عزيز. وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة، وتارة يكون العمل لله ويشاركه الرياء فإن شاركه من أصله فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانه أيضًا وحبوطه‏،‏ وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال يقول الله تبارك وتعالى: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه " وأما إن كان أصل العمل لله ثم طرأت عليه نية الرياء فلا يضره فإن كان خاطرًا ودفعه فلا يضره بغير خلاف، فإن استرسل معه فهل يحبط عمله أم لا يضره ذلك ويجازى على أصل نيته ،في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف قد حكاه الإمام أحمد وابن جرير الطبري وأرجو أن عمله لا يبطل بذلك وأنه يجازى بنيته الأولى وهو مروي عن الحسن البصري وغيره.
وذكر ابن جرير أن هذا الاختلاف إنما هو في عمل يرتبط آخره بأوله كالصلاة والصيام والحج، فأما ما لا ارتباط فيه كالقراءة والذكر وإنفاق المال ونشر العلم فإنه ينقطع بنية الرياء الطارئة عليه ويحتاج إلى تجديد نية.
وقال ابن قدامة المقدسي في مختصر منهاج القاصدين: وشوائب الرياء الخفي كثيرة لا تنحصر، ومتى أدرك الإنسان من نفسه تفرقة بين أن يُطَّلع على عبادته أو لا يطلع، ففيه شعبة من الرياء، ولكن ليس كل شوب محبطاً للأجر، ومفسداً للعمل بل فيه تفصيل.
وهكذا فإن الرياء هو أحد أمراض القلوب التي تحبط الأعمال أو تنقص أجرها، ونستكمل في المقال القادم بمشيئة الله تعالى.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.41 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.69%)]