عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 16-10-2019, 12:20 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,534
الدولة : Egypt
افتراضي رد: المفاهيم الخاطئة للعُرف وأثرها على المجتمع المسلم

المفاهيم الخاطئة للعُرف وأثرها على المجتمع المسلم




د. سناء محمد يوسف محمد أحمد(*)


المبحث الثالث


دراسة لبعض الظواهر السالبة في المجتمع


المطلب الأول

أعياد الميلاد, رأس السنة, الحب, الزواج وعيد الأم, وحكم الشرع في هذه الأعياد
المسألة الأولي: تعريف العيد والأصل في مشروعيته:

أ- ورد لفظ العيد في القرآن مرة واحدة, في قوله تعالىقَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ ۖ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) (المائدة:114), أي نتخذ اليوم الذي تنزل علينا المائدة عيداً, نعظمه نحن ومن جاء بعدنا, ونزلت يوم الأحد فاتخذها النصارى عيداً, والعيد في اللغة: اسم لما عاد إليك في وقت معلوم, واشتقاقه من عاد يعود, فأصله هو العود, فسمي عيداً لأنه يعود كل سنة بفرحٍ جديد.32
وقد ورد لفظ"العيد" في السنة مرات عدة, منها:
1- قال e "لا تتخذوا قبري عيداً" 33

2- عن أنس بن مالك t قال e: "قدمت المدينة ولأهل المدينة يومان يلعبون فيهما في الجاهلية, وإن الله قد أبدلكم خيراً منهما يوم الفطر ويوم النحر"34

3- وقال e: "دعهما يا أبابكر فإن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا". 35
4- ورد أن يهودياً قال لعمر بن الخطاب t: عندكم لآية لو نزلت علينا معشر اليهود لاتخذناها عيداً, فقال له عمر: ما هي فذكر له الآية, قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)(المائدة:3), فقال له عمر: والله إني أعرف اليوم الذي نزلت فيه, يوم الجمعة, ويوم عرفة بعد العصر)36
5- قال e" شهران لا ينقصان شهرا عيد رمضان وذو الحجة"37

6- روي عن عثمان بن عفان t خطب في الناس في يوم عيد وقد وافق يوم الجمعة: "إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان".38, فيكون العيد عند المسلمين: الفطر والنحر, وعلي سبيل المجاز الجمعة.

ب- عرَفه ابن تيمية؛ العيد: اسم جنس يدخل فيه كل يوم أو مكان, وكل عمل يحدثونه في هذه الأمكنة والأزمنة.
ج- العيد مشتق من العود وهو الرجوع والمعاودة لأنه يتكرر, وجمُعه أعياد.39
من التعريفات السابقة يتضح أن لفظ العيد يدور حول معني واحد, وهو المعاودة والتكرار لأنه يتكرر كل عام وله مكانةً في النفس البشرية لذا كان هذا التعظيم على مختلف الأزمنة والأمكنة. وللمسلمين عيدين فقط يتعلق بهما شعائر ومناسك.
المسألة الثانية: الأعياد المُحدثة في المجتمع المسلم:

كثير من المسلمين يحتفلون بهذه الأعياد؛ وهي كالتالي:

1- رأس السنة وعيد الميلاد المجيد أو الكريسماس: هو الاحتفال بنهاية السنة الميلادية, والمراد منها ميلاد عيسي u, والكثير منهم لا يصدقون معجزة الميلاد وبالدين الذي جاء به عيسي u, ومختلفون في يوم ميلاده, فبعض طوائف النصارى تحتفل به في الخامس والعشرين من يناير, وطوائف أخُرى في نهاية السنة الميلادية.
2- عيد الحب؛ أو عيد العُشاق, يوم القديس فالنتين, يوافق الرابع عشر من فبراير, من أعياد الرومان الوثنيين, والأساطير حول هذا العيد كثيرة -ذكرت الموسوعة الكاثوليكية أكثر من رواية- أرجحها أن قسيساً نشأت بينه وبين امرأة علاقة, فزنا بها وقيل تزوجها في الســر, وكانت هذه المرأة ابنة الإمبراطور الروماني الذي حكم في القرن الثالث الميلادي, والقسيس بحكم هذه الرتبة لا يحق له إنشاء علاقة كهذه, سواء في السر أم في العلن؛ وبحكم الرهبنة لا يحق له الزواج الرسمي فضلاً عن إنشاء علاقة مشبوهة فتم إعدامه, فأصبح يسمي شفيع العُشاق, ورمزاً للمحبة والعاطفة40, هذا هو سبب عيد الحب فانظروا إلى المحتفلين به, وهم يشاركون الكفار في أمر لا يمت بصلة إلى عقيدتنا ولا أعرافنا, بل الرهبنة عكس الفطرة الســليمة ونهى عنها الإسلام, فما الداعي لنحتفل بهذا العيد ونفرح ونتســـلى بهذه القشور التي تؤثر على العقيدة؟!, وتلك الأســباب أو غيرها تخالف الإسلام, فهل زهِدنا في ديننا لهذه الدرجة؟.

3- عيد الميلاد, وهو أن يحتفل الإنسان باليوم الذي ولد فيه, وينبغي للعاقل أن يبكي على الســنة التي مضت من عمره, لأنها لن ترجع مرة اُخرى؛ فهي من عمره, لأن أنفاس الإنسان عبارة عن بضع أيام وشهور, والليل والنهار يعملان فينا, والفراغ نعمة, فالكيس الفطن يجب أن يعمل فيهما, لا العكس كما هو الواقع.

4- عيد الأم, وهو من ابتكار فئة لا يعرفون بر الوالدين, ففي هذا اليوم -الحادي والعشرين من مارس- يقدمون الهدايا للأم, ورغم أن الفكرة جميلة, ولكن في ظاهرها فقط؛ لأن الإسلام أوصي بها, وهي أحق الناس بالصُحبة, ولها كثير من الحقوق, فالاحتفال بها وتعظيمها واجب في كل لحظة, وليس في يوم واحد في السنة, ولنا تراث كبير وثروات هائلة في بِرها لا نحتاج لمحاكاة الغرب في التشبه بهم, مهما كانت الأفكار والمسميات, وغالبهم لا يذكرونها إلا في هذا اليوم, ومن ذلك التراث أن الله سبحانه ربط عبادته بالوالدين, فقال سبحانه: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)(النساء:36), وقال جل شأنه: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) (الأنعام:151), وقال سبحانه: ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) (الإسراء:23).

ففي الآيات السابقة نشاهد أهمية البر بهما, حتى جعل الله تعالي توحيده وعدم الإشراك به مع الرفق بهما, ويكون هذا طول العام وليس مرة واحدة فيه.
ووردت في السُنة أدلة كثيرة تحث على الرفق بالوالدين وبرهما, منها:
1- جاء رجل إلى النبي e فأستأذنه في الجهاد, فقال: (أحي والداك ؟, قال: نعم قال: ففيهما فجاهد)41, في هذا الحديث قدم البر على الجهاد في سبيل الله, وهو العمود الفقري وذروة سنام الإسلام.
2- قال e: (ما تقولون في الزنا وشرب الخمر والسرقة؟, قلنا: الله ورسوله أعلم, قال: هن الفواحش وفيهن العقوبة, ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟, الشرك بالله عز وجل, وعقوق الوالدين, وكان متكئاً فاحتفز, قال: والزور)42.

3- سئل الرسول e: (أي العمل أحب إلى الله؟, قال: الصلاة على وقتها, قلت: ثم أي, قال: بر الوالدين, قلت: ثم أي, قال: الجهاد في سبيل الله)43.
4- جاء رجل إلى الرسول e فقال: (جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبواي يبكيان, قال: ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما)44.
5- جاء رجل إلى النبي e فقال: (من أحق الناس بُحسن صحابتي؟, قال: أمك, قال: ثُم من ؟, قال: أمك: قال: ثُم من ؟, قال: أمك, قال: ثُم من ؟, قال أبوك)45.

6- جاء رجل إلى النبي e قال: (إني أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة, قال: ويحك, أحية أمّك, قلت: نعم, قال: ارجع فبرها, ثم أتيته الجانب الآخر –وكرر ذلك ثلاث مرات- الزم رجلها, فثّم الجنّة) 46

7- قال رسول الله e: (رضا الرب في رضا الوالد, وسخط الرب في سخط الوالد)47
8- سُئل e (من أبر؟, قال: أمك -ثلاث مرات وفي الرابعة- قال: أباك, ثم الأقرب فالأقرب)48
9- ومن أعظم العقوق أن يقال لهما "أف" وهي كلمة صغيرة, وأحيانا تخرج بلا قصد, ومع ذلك نهي الله عنها, لمكانة الوالدين, فقد اعتبرها سبحانه وتعالي من العقوق, قال تعالى: ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) (الإسراء:23).
10- ومن عظم حقهما أن الله يعجل عقوبتهما في الدُنيا, قال e: (اثنان يعجلهما الله: البغي, وعقوق الوالدين)49.

11- قال e: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر -ثلاث- قلنا: بلي يا رسول الله, قال: الإشراك بالله, وعقوق الوالدين, وشهادة الزور, فما زال يكررها حتى قلنا ليته يسكت)50

كل هذا التراث الضخم من البر والعطف والمودة والإحسان, وعدم عقهما مدى العمر, ونستورد القشور من الغرب, بل نقلدهم تقليدا بلا عقل, حتى في أبشع أفكارهم ومادياتهم التي لم نجن منها إلا الوبال, ألا وهي إنشاء دور العجزة -وإلي الله المتاب- فما الذي نجنيه من هذا التقليد ؟, هل الحضارة والمدنية والرقي في ترك الشرع وطاعة الكفار, فالذي يذهب بوالديه أو أحدهما إلى تلك الدور, فقد أغلق على نفسه بابا من أبواب الجنة, فضيّع أجراً كبيرا, فهل الدنيا أصبحت مبلغ همنا وغايتنا لهذه الدرجة؟, أم الغفلة؟, ولا ينتهي الإحسان إليهما في حال الحياة, بل يستمر بعد الموت؛ لأن حُسن العهد من الإيمان, جاء رجلٌ من بني ساعدة إلى النبي e فقال: (إن أبوي قد هلكا, فهل بقي من برهما شيء أصلهما بعد موتهما ؟, قال: نعم أربعة أشياء الصلاة لهما –الدعاء- وإنفاذ عهدهما من بعد موتهما, وإكرام صديقهما, وصلة رحمهما التي لا رحم لك إلا من قبلهما, قال: ما أكثر هذا وأطيبه يا رسول الله قال: فاعمل به فإنه يصل إليهما)51, وقال رسول الله e: (احفظ ود أبيك ولا تقطعه فيطفئ الله نورك)52, قال رسول الله e: (إن أبّر البِر أن يصل الرجل أهل ود أبيه)53, والأدلة في هذا الجانب كثيرة, وقد بوّب علماء الحديث فيها أبواباً.

وكل ذلك لا يجزي الوالد قال e: (لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه)54.
5- عيد الزواج؛ وهو أن يحتفل الزوجان بيوم زواجهما كل عام؛ وهو يوم عقد نكاحهما, وهي عادة غربية, أسعد بيت عرفته البشرية هو بيت النبي e, والذي منه انتشرت الأحكام الشرعية, لم يعرف هذا الاحتفال, ولم يأمر به, فهل هو تقصير من الرسول e, أم نحن مأمورون بزيادة وإضافات في التشريع ؟, والعبادات توقيفية.

المســـألة الثالثة: الحكم الشرعي لهذه الأعياد:

نهي الشرع عن التشبه بالكفار: اليهود, النصارى, المشركين, واللادينين, وكل الطوائف التي لا تؤمن بالرسول e, وإن كانت وليدة هذا القرن, فالمعيار هو الإسلام, فكل من لم يؤمن بالله والرسول e وإن كان من أهل الكتاب, أو صاحب ديانة محرفة فهو كافر, والدليل على ذلك قوله تعالى: (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) (البينة:1), وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) (البينة:6), فسمَي سُبحانه أهل الكتاب كفارا, وقوله الفصل فانتهي الجدال.

وقد وردت أدلة كثيرة من الكتاب والسنة تنهي عن موالاتهم والتشبه بهم, حتى في المظهر الخارجي, منها:
1- (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة:51), وجه الاستدلال بالآية واضح أن الله سبحان حذر وهدد من موالاة الكفار, ومن يتولهم فإنه منهم, وهم الذين في قلوبهم مرض, فهذا تغليظ وتشديد في وجوب مجانبتهم55, فالنهي واضح بل شدد في بعض الأدلة عن التشبه بهم حتى في المظهر الخارجي.
2- قال جل شأنه: (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة:22), وجه الدلالة بالآية, لا يجتمع الإيمان مع ود أعداء الله؛ لأنه من أحب أحداً فلن يحب عدوه, فإذا حصل الود كان صاحبه منافقاً وعاصياً لله, فالميل إلى هؤلاء أعظم أنواع الميل, فيجب أن يكون مطروحاً من الدين, ومن أنعم الله عليه هذه النعمة العظيمة أني يحصل له مودة أعداء الله, فهذه المودة محظورة محرمة؛ والدليل على ذلك فعل الصحابة y -سيأتي بيانه-56

3- قال جل شأنه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) (آل عمران:118), الخطاب موجه للذين صدقوا الله ورسوله, لا تتخذوا أولياء وأصدقاء من دون دينكم وملتكم, أي من دون المؤمنين, وجعل البطانة مثلاً لشدة القرب منه, وهي مما يلي بطنه من ثيابه, لحلوله مما يطلع عليه من أسراره, وما يجيش ويطويه في دواخله محل ما ولي جسده من ثيابه, وبطانة الرجل هم خاصته الذين يطلعون على سرائره, والآية جاءت نكرة في سياق العموم, لتفيد أن النهي يشمل كل فئات الكفار57.

4- قال جل شأنه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ ) (الممتحنة:1), الآية أصل في النهي عن موالاة الكفار, تسرون وتلقون إليهم المودة بالظاهر, أي حتى المجاملة وتتطيب الخواطر ولو بالسلوك الخارجي, والتعليل بأن الإيمان في القلب, فالنهي واضح.
5- قال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ) (الممتحنة:13), والآيات واضحة في النهي عن أن يتولي المؤمن من غير ديانته, ويواصلونهم ويناصحوهم, الذين آثروا الدنيا على الآخرة, لأنهم يئسوا من ثواب الآخرة.58

6- قال عز من قائل: ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ) (الزخرف:26), ,وقال تعالى ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) (الممتحنة:4), فالنهي عن موالاة الكفار ولو كانوا ذوي القربى لا تحتاج إلى مجادلة ومناقشة وتحليل, والأدلة واضحة لا تحتاج إلى تفسير-فهذا خليل الله إبراهيم عليه السلام تبرأ من أبيه وقومه-, فلا قُدسية للبشر؛ المعيار والمقياس هو العقيدة. فسبحانه وتعالي يأمرنا بأن نقتدي بإبراهيم u وإن من سيرته التبرؤ من الكفار واستثنى التأسي به في الاستغفار لأبيه.59

7- قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (المجادلة:14), فلا يجوز موالاة من أبعدهم الله وحب من بغضهم الله وائتمان من خونهم الله وغضب عليهم.
ومن السُنة ما يلي:
1- قال e: (فرق ما بيننا وبين المشركين العمائم على القلانس)60.
2- قال e: (كانت المجوس تعفي شواربها وتحفي لحاها, فخالفوهم فجزوا شواربكم واعفوا لحاكم)61.

3- قال e: (... ومن تشبه بقومٍ فهو منهم)62.
4- روي أن رجلاً جاء إلى النبي e فقال: (يا نبي الله متى الســـاعة ؟, فقال: ما أعددت لها ؟, قال ما أعددت لها من كبير, إلا إني أحب الله ورســوله, فقال: المرء مع من أحب), قال أنس: فما رأيت المســلمين فرحوا بعد الإســـلام أشد فرحاً مما فرحوا يومئذٍ. قال أنس: وأنا أحب النبي e وأبا بكر وعمر, وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم وإن لم أعمل بعملهم.63

وأنا أحب كل الصحابة, وأرجو الله بهذا الحب أن أكون معهم. وماذا بشأن الذين يحبون اليهود والنصارى من مشاهير المجتمع ؟, هذه غفلة أم جهل بالدين؟.
5- وعن أبي ذر t قلت: (يا رســول الله, الرجل يحب القوم ولا يستطيع أن يلحق بعملهم, قال: أنت يا أبا ذر مع من أحببت, قلت: إني أحب الله ورسوله, فقال: أنت مع من أحببت يا أبا ذر)64.

6- عن أنس بن مالك t قال: (بينما أنا والنبي e خارجان من المسجد, فلقينا رجل عند سدرة المسجد, فقال: يا رسول الله متى الساعة؟, قال e ما أعددت لها ؟, فكأن الرجل استكان ثم قال: يا رسول الله ما أعددت لها من كبير صيام ولا صلاة ولا صدقة, ولكنّي أحب الله ورسوله, قال: أنت مع من أحببت)65.
7- وقال e: (المرء مع من أحب)66.
8- عن أبي هُريرة t قال e: (إن اليهود والنصارى لا يصبغون, فخالفوهم)67
9- كان e (إذا اتبع جنازة لم يقعد حتى توضع في اللحد, فعرض له حبر فقال هكذا تصنع يا محمد, فجلس e وقال: خالفوهم) 68
6- عن ابن عباس م (أن النبي e صام يوم عاشوراء, فقالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى, فقال e: فإذا كان العام المقبل -إن شاء الله- صمنا اليوم التاسع, فلم يأت العام المقبل حتى توفي e)69

11- عن عبد الله بن عمرو بن العاص م قال: (رآني رسول الله في ثياب معصفرة, فقال: ألقها فإنها ثياب الكفار)70.
12- قال e: (اعفوا لِحاكم, ولا تشبهوا باليهود)71
13- عن الزبير بن العوام t قال رسول الله e: (غيروا هذا الشيب ولا تشبهوا باليهود)72.
والمتتبع لهذه الأدلة ينتبه إلى دقة الإسلام, وأنه لم يترك شاردة إلا وأشار إليها في عدم التشبه بالكفار حتى في المظهر الخارجي, ومن عنده قصر نظر في عقله يراها صغيرة, ولكن المسلم ينبغي أن يكون مميزاً في مظهره ومخبره, ويستفاد من تلك الأدلة أيضا أنه لا ينبغي الاستهانة بالمعاصي وإن كانت صغيرة, فمعظم النار من مستصغر الشرر, لا تحقرن صغيرة, إن الجبال من الحصى, فلا فرق بين مشاركتهم في أعيادهم أوفي سائر المناهج؛ فإن كانت الموافقة في جميع الأعياد فهذا موافقة في الكفر, وإلا كانت الموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شِعب الكفر, لأن الأعياد هي أخص ما تتميز به الشرائع. لقوله e: (إن لكل قومٍ عيدا, وإن هذا عيدنا)73, وهذا الحديث يدل على أن الأعياد من خصائص الدين. وهذا من جملة الشرع والمناسك, كالقبلة والصوم والحج, وغيرها, قال تعالى (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) (المائدة:48),قال تعالى (لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ ۖ) (الحج:67).

موافقة أهل الكتاب فيما ليس في ديننا ولا عادة سلفنا فيه مفسدة, وإنها من البدع المحدثة, وأقل أحوال التشبه إن كان لشهوة أو به فائدة في الدنيا أو الآخرة لا شك في تحريمه, ويبلغ التحريم في بعضه أن يكون من الكبائر, وقد يصير كفراً بحسب الأدلة, وكل عمل يقومون به قبل العيد أو بعده يأخذ نفس الحكم, والقاعدة (الحريم له حكم ما هو حريم له), وكذلك كل ما يعظمونه من الأوقات والأمكنة التي لا أصل لها في الإسلام يدخل في ذلك.

وقد شدد كثير من العلماء على أنه لا يجوز إعانة الكفار في أعيادهم, ومقاطعة المتشبه بهم, حتى الهدية في هذه الأيام ولم يستثن من كانت عادته إعطاء الهدية, حتى مخالفة العادة لا يجوز, لأن فيها شُبهة الإعانة على المعصية, وهذا اعتراف بدينهم, فلا ينبغي إعانتهم على المنكر ولا سيما التجار الذين من باب الربح يتاجرون في الأغراض التي تختص بهذه الأعياد, فلا يحل التشبه بهم في أعيادهم ولا يعان المســلم على التشبه بهم, مثل عدم حل بيع العنب لمن يعصرها خمراً, وما يصنع في أعيادهم من دعوة لم تُجب تلك الدعوة, وكذلك لا تقبل هديتهم في هذه الأعياد. فلما كانت مشاركتهم غير جائزة, كان ثمن تلك المثمنات تأخذ نفس الحكم قياساً, والقاعدة "ما حرم أخذه حرم إعطاؤه", "وأن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه" 74

والذي يعين على المنكرات ملعون, لقوله :e (طوبي لمن كان مفتاحاً للخير مغلاقاً للشر, وويلُ لمن كان مغلاقاً للخير مفتاحاً للشر)75, وشدد العلماء على عدم المشاركة بل حتى الألفاظ التي تدل على أن المسلم يرضي بدينهم لا يجوز النُطق بها إليهم, والتهنئة بشعائر الكفر المختصة بهم, فحرام بالاتفاق, مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم, فإن سلِم من الكفر فهي من المحرمات؛ بمنزلة السجود للصليب, فتكون أشد إثماً ومقتاً من شرب الخمر وقتل النفس, وغيرها من سائر المحرمات)76.
المســألة الرابعة: صـــور معاداة الصحابة أهل الكفر:

قال الحق سبحانه: (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَٰئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المجادلة:22), استدل مالك بهذه الآية على معاداة القدرية وترك مجالستهم ومعاداتهم في الله, وأضاف القرطبي وفي معني أهل القدر جميع أهل الظلم والعدوان.

و(كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ ) أي خلق على قلوبهم التصديق من لم يوال من حاد الله. أولم يكونوا ممن يقول نؤمن ببعض ونكفر ببعض -وخص القلوب بالذكر لأنها موضع الإيمان- وقواهم ونصرهم بروحٍ ورحمة وإيمان وهدي منه, وقيل: أيدهم بجبريل u, وقيل: بالقرآن وحججه, ويمكن أن يشمل كل تلك المعاني, لولا تأييد من الله ورحمته, وقذف الإيمان وجمعه في ثناياهم, لم تجد تلك الموالاة والبراءة لله والرسول e, والمعاداة الخالصة في الدين ولو كانوا من أقرب الأقربين.
وقال الثوري: كانوا يرون أن الآية نزلت فيمن يصحب السلطان.77, وإضافة لما سبق فقد ورد في سبب نزول هذه الآية روايات كثيرة كالتالي:

1- نزلت آية المجادلة في أبي عبيدة بن الجراح t حين قتل أباه يوم أحد, لأنه حاد الله ورسوله في مسألة عقدية لا شأن لها بالدنيا, والصحابة لا يجاملون في الدين.
2- عمر بن الخطاب t قتل خاله العاص بن هشام بن المغيرة يوم بدر.
3- مصعب بن عمير t قتل أخاه عبيد بن عمير.
4- على بن أبي طالب وعبيد م قتلا شيبة وعتبة والوليد بن عتبة ولم يكن منهم موالاة لعشائرهم وأقاربهم يوم بدر غضباً لله ودينه.

5- عبادة بن الصامت t لما نزلت الآية 51 من سورة المائدة -السابقة الذكر- جاء إلى النبي e وكان له موالي من اليهود سلاحهم قوي, فتبرأ منهم واقتصر على موالاة الله ورسوله e.
6- أبو موسي الأشعري t اتخذ كاتباً نصرانياً في عهد عمر t فقال له: ويلك من الله, قاتلك الله واستشهد بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ ۘ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة:51), فقال أبو موسي له دينه ولي كتابته, فغضب عمر وقال: والله لا أكرمهم وقد أهانهم الله ولا أعزهم وقد أذلهم الله ولا أدنيهم وقد أبعدهم الله, قال أبو موسي لا يتم الأمر إلا به, فقال عمر: مات النصراني والسلام, أي هب أن النصراني قد مات فما تصنع بعده, فما تعمله بعد موته فاعمله الآن واستغن عنه بغيره.

7- أبو بكر الصديق t مع ابنه عبد الرحمن لما كان كافراً؛ فكان ابنه يتحاشاه, وقال: لقد وقعت في يدي ثلاث مرات ولكني استحييت منك فرد عليه صديق الأمة t, ما رددته عنك لأنك مشرك وأنا مسلم, وكان حريصاً على أن يقتل ابنه إذا تمكن منه, حتى أن الرسول e قال له: "متعنا بنفسك يا أبا بكر".
8- وفي اُسارى بدر عندما استشار عمر t قال: مكني من فلان وفلان لأقطع أعناقهم.
9- في معركة بدر وجد مصعب بن عمير t أخاه أسيرا عند سلمان الفارسي, فقال له شد وثاقه فإن له أماً غنية, فرد عليه: أهكذا تقول لأخيك لهذا القريب, قال لا هذا أخي يقصد سلمان.

10- يذكر أن أبا قحافة سب النبي e, فصكه ابنه أبو بكر t حتى سقط, ثم أتى النبي e, فذكر له ذلك, فقال له "أو فعلته, لا تعد إليه" فقال: والذي بعثك بالحق نبياً لو كان السيف مني قريباً لقتلته.
11- وقصة كعب بن مالك t لما تخلف في غزوة تبوك ومعه أكثر من ثمانين اعتذروا, فقبل منهم علانيتهم ووكل سرائرهم إلى الله, ولم يكذب كعب t, ونهى النبي e عن الكلام معهم -ومعه صاحبيه- وضاقت عليه الأرض بهذا الحصار الاجتماعي وجفوة المسلمين, وبعد أكثر من خمسين يوماً طلب منه مفارقة زوجته, وهو في هذه الحالة التي يرثى لها جاءه مكتوب من ملك غسان فإذا فيه: أما بعد قد علمنا أن صاحبك قد جفاك, ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة, فألحق بنا نواسيك؛ يريد أن يشتريه في هذه المحنة, فما كان من هذا المؤمن أن يبيع ولاءه لله ورسوله, وهو الذي رفض أن يكذب حتى يرضي رسول الله e, فعلم إنها من البلاء وسجرً بمكتوب ملك غسان التنور.78, صدق الله فبرأه من فوق السموات, بل وأنزل في شأنه قرآناً يتلي إلى يوم القيامة, قال تعالى (وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) (التوبة:118).

والأمثلة كثيرة ويكفي من القلادة ما يحيط به العُنق, فقد كان رضوان الله عليهم يقدمون الدين على كل شيء حتى على الآباء والأبناء, بل قدموا النفس والنفيس في سبيل إعلاء كلمة الله, ولا غرو في براءتهم لله ورسوله, فلم تكن الدنيا يوماً مطمعاً وهدفاً, هذا ما يفعله الإيمان في قلوب الصحابة, فمعيار الحُب والكراهية هو الدين, لأنه ينبغي أن يكون الحب في الله والبغض في الله, لا في الجاه والمنصب والحضارات الزائفة, ولا كل متاع الدُنيا التي لا تساوي عند الله جناح بعوضة, ولو كانوا من أقرب الأقربين, قال (لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى يُحب المرء لا يُحبه إلا لله, وحتى أن يُقذف في النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكُفر بعد إذ أنقذه الله, وحتى يكون الله ورسوله أحب إليه ممّا سواه)79, وقال (أفضل الأعمال الحُب في الله والبُغض في الله)80, وقال (من أحب لله وأبغض لله وأعطي لله ومنع لله, فقد استكمل الإيمان)81, فالإيمان علم وعمل بالجوارح والسلوك.

ويروي أن أهل الورع يتجنبون تهنئة أهل المظالم بالولايات والجهال بمنصب القضاء والتدريس والإفتاء, تجنباً لمقت الله وخشية أن يسقطوا من عينه سبحانه؛ لأن مخالطة أهل المنكر من غير الإنكار كانوا كالراضين به, وقيل إن الإمام مالك كان لا يشتري من تاجر نصراني بعينه, لأنه كان يزيد في المبيع, فلما سُئل قال: "حتى لا يدخل حُب النصارى في قلبي"82

وهنالك مبررات للذين يحتفلون منها بأنها نوعٌ من التغيير, التسلية, إن الغالب من الناس يفعلون ذلك, ثقافة غربية, أو نوعٌ من التحرر, وكل ذلك مبررات واهية, وشعور بالانهزامية للتالي:

يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.93 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.31 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (1.48%)]