الموضوع: معجزة الماء
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 28-11-2019, 08:53 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,992
الدولة : Egypt
افتراضي معجزة الماء

معجزة الماء
الشيخ صلاح نجيب الدق







الحمد لله ﴿ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: 61، 62]، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ، الذي أرسله ربه شاهدًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد:

فإن الماءَ معجزة من معجزات رب العالمين، وقد جعله الله تعالى مصدر الحياة لجميع الكائنات الحية التي تعيش على ظهر الأرض؛ مِن أجل ذلك أحببتُ أن أذكر نفسي وأحبابي طلاب العلم الكرام بأهمية الماء، وكيفية المحافظة عليه.

♦ ♦ ♦



معنى الماء في اللغة:

كلمة الماء وحيدة وفريدة؛ فهي وحيدة في لفظها، وفريدة في معناها، لا مرادف لها، وهذا أمر عجيب في لغتنا العربية، الغنية في مرادفات كلماتها؛ (مجلة الوعي الإسلامي - العدد: 613 - صـ 43).



كلمة الماء في القرآن:

جاءت كلمة الماء في القرآن الكريم إحدى وستين مرة؛ (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن - صـ: 684).



التعريف العلمي للماء:

الماء: هو سائل شفاف، ليس له لون، ولا طعم، ولا رائحة.



يتركب جُزَيء الماء من ذرتي هيدروجين وذرة أكسجين، يرتبط بعضها مع بعض بروابط كيميائية، ويرمز للماء بالرمز h2o فالرمز h2 يعني ذرتي هيدروجين، والحرف o يعني ذرة أكسجين، وهذه الجزيئات ترتبط معًا لتكون الماء، وتحتوي كل قطرة ماء على خمسة آلاف مليون جُزَيء؛ (دورة الماء بين العلم والإيمان - عبدالدائم الكحيل - صـ 2).



أهمية الماء قديمًا وحديثًا:

على الرغم من وجود بدائل لكثير من المواد الضرورية لبقاء الإنسان على قيد الحياة، فإنه لا بديل للماء، وهو الأمر الذي يدل على أهمية الماء، إن الماء يعتبر هو المركب الأكثر أهمية في الطبيعة بعد الأوكسجين الضروري لتنفس الإنسان والحيوان والنبات، وقد جعل الله تعالى للماء مكانة خاصة؛ فقد ميزه بخصائص طبيعية وكيميائية وحيوية فريدة، وذكره الله في القرآن في كثير من المواضع، وربط الماء بالحياة والرزق والطهارة، وجعله آيةً من آيات قدرته، ودليلًا على وجوده ووحدانيته سبحانه.



ويُعتبر الماء مصدرًا للشُّرب، وللطاقة والغذاء؛ إذ تعيش فيه الأسماك وسائر أشكال الحياة المائية، والماء مصدر للعلاج، ومنجم لكثير من المعادن، ومنذ أن خلَق الله تعالى الناس وهم يتجمَّعون حيث يجدون مصدرًا للماء.



لقد نشَأت الحضارات الإنسانية وتطورت على مر العصور في أحضان الأنهار أو حول عيون المياه الجوفية، وارتبط التطور العلمي الحديث بتطور أساليب استغلال وتنمية مصادر المياه المتاحة للأغراض المختلفة، ومنذ أن ارتقى الإنسان وتنوَّعت مفاهيمه في شتى فروع المعرفة، وتنوَّعت احتياجاته من ضروريات الحياة، تطورت لذلك حاجته إلى المزيد من مصادر المياه، يتلمسه تارة في إنشاء الخزانات الكبيرة أمام سدود على الأنهار الجارية، وتارة في البحث والتنقيب عن المياه الجوفية، وتارة في تحلية المياه المالحة على شواطئ البحار، وتارة في الأمطار الصناعية، وفي عالمنا الحديث يقاس التقدم الحضاري لأي أمة بمدى ما يتوفر لأفرادها من مياه تفي باحتياجاتهم المتعددة، واستعمال هذه المياه على الوجه الأكمل؛ (مجلة الوعي الإسلامي - العدد: 613 - صـ 44: 43).



الله تعالى جعل الماء مصدر الحياة:

جعَل الله سبحانه الماء هو مصدر الحياة على الأرض لجميع الكائنات الحية، وسواء كان عذبًا أم مالحًا، فإن مظاهر الحياة ترتبط به.



(1) قال سبحانه: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنبياء: 30].

قال قتادة بن دعامة - رحمه الله -: كل شيءٍ حي خُلق من الماء؛ (تفسير الطبري - جـ 16 - صـ 260).



(2) قال تعالى: ﴿ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا ﴾ [الفرقان: 48، 49].



قال الإمام ابن كثير- رحمه الله -: قوله: ﴿ لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا ﴾ [الفرقان: 49]؛ أي: أرضًا قد طال انتظارها للغيث، فهي هامدة لا نبات فيها ولا شيء، فلما جاءها المطر عاشت واكتست رباها أنواع الأزاهير والألوان.



قوله: ﴿ وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا ﴾ [الفرقان: 49]؛ أي: ليشرب من الماء أنعامٌ وناس محتاجون إليه غاية الحاجة؛ لشربهم وزروعهم وثمارهم؛ (تفسير ابن كثير - جـ 6 - صـ 115).



(3) قال سبحانه: ﴿ وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [الحج: 5].

قوله: ﴿ هَامِدَةً ﴾ [الحج: 5]؛ أي: ميتة.

قوله: ﴿ اهْتَزَّتْ ﴾ [الحج: 5]؛ أي: تحركت بالنبات.

قوله: ﴿ وَرَبَتْ ﴾ [الحج: 5]؛ أي: ارتفعت لما سكن فيها التراب.

قوله: ﴿ أَنْبَتَتْ ﴾ [الحج: 5]؛ أي: أخرجت الأرض ما فيها من ثمارٍ وزروعٍ، وأشتات النباتات في اختلاف ألوانها وطعومها، وروائحها وأشكالها ومنافعها؛ (تفسير ابن كثير - جـ 5 - صـ 398).



الماء مِن آيات قدرة الله:

الماء آية من آيات الله، ومعجزة من معجزاته الكونية، ولن يستطيع أحدٌ مِن الناس أن يخلُقَ قطرة ماء واحدة.

قال الله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ ﴾ [النور: 43].



قوله: ﴿ يُزْجِي سَحَابًا ﴾ [النور: 43]؛ أي: يسوق السحاب بقدرته.

قوله: ﴿ ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ﴾ [النور: 43]؛ أي: يجمعه بعد تفرُّقه.

قوله: ﴿ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا ﴾ [النور: 43]؛ أي: متراكمًا، أي: يركب بعضه بعضًا.

قوله: ﴿ فَتَرَى الْوَدْقَ ﴾ [النور: 43]؛ أي: المطر.

قوله: ﴿ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ ﴾ [النور: 43]؛ أي: من بين السحاب؛ (تفسير ابن كثير - جـ 6 - صـ 72).



وقال سبحانه: ﴿ أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ﴾ [النمل: 60].



وقال سبحانه: ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الواقعة: 68 - 70].



قال الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله -: يقول تعالى: أفرأيتم أيها الناس الماءَ الذي تشربون، أأنتم أنزلتموه من السحاب فوقكم إلى قرار الأرض، أم نحن منزلوه لكم؟!؛ (تفسير الطبري - جـ 22 - صـ 353).



قوله: ﴿ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا ﴾ [الواقعة: 70].

قال الإمام القرطبيُّ - رحمه الله -: أي: لو نشاء لجعلنا هذا الماء مِلحًا شديد الملوحة، فلا تنتفعون به في شربٍ ولا زرعٍ ولا غيرهما؛ (تفسير القرطبي - جـ 17 - صـ 221).



قوله: ﴿ فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ ﴾ [الواقعة: 70].

قال الإمام ابن كثير- رحمه الله -: أي: فهلَّا تشكرون نعمة الله عليكم في إنزاله المطر عليكم عَذْبًا زلالًا، ﴿ لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ * يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنَابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 10، 11]؛ (تفسير ابن كثير - جـ 7 - صـ 541).



الماء ينزل من السماء أو ينبع من الأرض بإذن الله:

روى الشيخانِ عن أنس بن مالكٍ، قال: أصابت الناسَ سَنَةٌ (شدة وجفاف) على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب في يوم جمعةٍ قام أعرابي، فقال: يا رسول الله، هلَك المال، وجاع العيال، فادع الله لنا، فرفع يديه وما نرى في السماء قزعةً، فوالذي نفسي بيده، ما وضعها حتى ثار السحاب أمثال الجبال، ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر (يتساقط) على لحيته صلى الله عليه وسلم، فمُطرنا يومنا ذلك، ومن الغد وبعد الغد، والذي يليه، حتى الجمعة الأخرى، وقام ذلك الأعرابي - أو قال: غيره - فقال: يا رسول الله، تهدَّم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع يديه فقال: ((اللهم حوالَيْنا ولا علينا))، فما يشير بيده إلى ناحيةٍ من السحاب إلا انفرجت، وصارت المدينة مثل الجَوْبة، وسال الوادي قَناةُ شهرًا، ولم يجِئْ أحد من ناحيةٍ إلا حدَّث بالجُود؛ (البخاري - حديث: 933 /مسلم حديث: 897).



قوله: (الجَوْبة): هي الفجوة، ومعناه: تقطع السحاب عن المدينة وصار مستديرًا حولها وهي خالية منه.

قوله: (قناةُ) اسم لوادٍ من أودية المدينة وعليه زروع لهم.

قوله: (بالجود)؛ أي: المطر الكثير؛ (مسلم بشرح النووي - جـ 6 - صـ 194).



شكر الله على نعمة الماء:

قال الله تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].

قوله: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7]؛ أي: أعلَمكم بوَعْده لكم.

قوله: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7]؛ أي: لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنَّكم منها.

قوله: ﴿ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ ﴾ [إبراهيم: 7]؛ أي: جحدتم النِّعَم.

قوله: ﴿ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7]؛ وذلك بسَلْب النِّعَم عنكم، وعقابكم على جحدكم فضلي عليكم؛ (تفسير ابن كثير - جـ 4 - صـ 479).



ينبغي على الإنسان العاقل عندما يشرب الماء أن يتذكر هذه النعمة العظيمة التي وهبها الله له، فيحمَده ويشكره على نعمة الماء، كما كان يفعل نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم.



روى أبو داود عن أبي أيوب الأنصاري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أو شرِب قال: ((الحمد لله الذي أطعم، وسقى، وسوَّغه، وجعَل له مخرجًا))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود - للألباني حديث: 3261).



قوله: (وسوَّغه)؛ أي: سهل دخول كلٍّ مِن الطعام والشراب في الحَلْق.

قوله: (وجعَل له)؛ أي: لكل منهما.



قوله: (مخرجًا)؛ أي: مِن السبيلين، فتخرج منهما الفضلة؛ فإنه تعالى جعَل للطعام مقامًا في المعدة زمانًا؛ كي تنقسم مضارُّه ومنافعه، فيبقى ما يتعلق باللحم والدم والشحم، ويندفع باقيه، وذلك من عجائب مصنوعاته، ومن كمال فضله ولطفه بمخلوقاته؛ فتبارَك الله أحسَن الخالقين!؛ (مرقاة المفاتيح - علي الهروي - جـ 7 - صـ 2713).



الأنهار والجليد خزانات للماء:

تعتبر الأنهار خزاناتٍ جيدةً للماء، وعلى الرغم من مضيِّ ملايين السنين على وجود هذه الأنهار فإن الماء لا يزال عَذْبًا وصالحًا للشرب، والسر في ذلك هو أن هذا الماءَ في حالة حركة مستمرة؛ فالنهرُ هو وسيلة الاتصال بين الينابيع العَذْبة والمياه السطحية الناتجة عن الأمطار من جهة، وبين ماء البحر من جهة ثانية!



والمناطق الجليدية على سطح الأرض تشكل أيضًا خزانات مياه عذبة، تذوب وتتدفق من خلال الأنهار، وقد يتسبب تدفق هذه المياه في حدوث الفيضانات والكوارث؛ (دورة الماء بين العلم والإيمان - عبدالدائم الكحيل - صـ 13: 12).



تخزين الماء في باطن الأرض:

يتميَّز الماء بلزوجة منخفضة تساعده على الدخول في مسامِّ الصخور مهما كانت دقيقة، وبالتالي يتم تخزينُ كميات ضخمة من الماء تحت سطح الأرض، وهذه الحقيقة العلمية لها إشارة في القرآن الكريم.



قال الله تعالى: ﴿ وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴾ [الحجر: 22].

قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: قوله: ﴿ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ ﴾ [الحجر: 22]؛ أي: وما أنتم له بحافظين، بل نحن ننزله ونحفظه عليكم، ونجعله معينًا وينابيعَ في الأرض، ولو شاء تعالى لأغاره وذهَب به، ولكن مِن رحمته أنزله وجعله عَذْبًا، وحفظه في العيون والآبار والأنهار وغير ذلك؛ ليبقى لهم في طول السنة، يشربون ويسقون أنعامهم وزروعهم وثمارهم؛ (تفسير ابن كثير - جـ 4 - صـ 531).



فائدة علمية مهمة:

عندما يسقُطُ الماء على الأرض من خلال المطر فإنه يتحرك باستمرار، فيتسرب قسم منه إلى داخل الأرض، ويتسرب خلال الفراغات في التربة أو الصخور حتى يصل إلى منطقة الإشباع التي لا يمكنه أن ينفُذَ منها، وهي عبارة عن طبقة من الصخور الصُّلبة التي لا تسمح للماء بالمرور خلالها، لو أن هذا الماء المختزن بين صخور الأرض كان له قابلية التفاعل مع هذه الصخور، إذًا لنقصت كمية المياه المختزنة كل عام، وبالنتيجة سوف يذهب الماء ولن نستفيد منه شيئًا؛ أي: ستتوقف الحياة على الأرض.



إن قانون الجاذبية الذي يعني أن الأثقل ينزل للأسفل والأخف يصعد للأعلى، هذا القانون يحافظ على وجود الماء تحت سطح الأرض وضمان تدفقه على شكل ينابيع، ولو أن كثافة الماء كانت أعلى مما هي عليه الآن لغار الماء في الأرض ولم يتمكن من التدفق من خلال الينابيع والأنهار، وهنا يتضح قوله تعالى: ﴿ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ ﴾ [الملك: 30].



ولو أن كثافةَ الماء كانت أقل مما هي عليه الآن لم يستطِعِ الماءُ المكوثَ في الأرض، وذهب إلى السطح وتبخَّر؛ (دورة الماء بين العلم والإيمان - عبدالدائم الكحيل - صـ 18و صـ 22).



ملوحة ماء البحار:

هناك الكثير من الينابيع العَذْبة التي تنبع من قاع المحيطات والبحار، وتضخ هذه الينابيع كميات معتبرة من الماء باستمرار، وهذا يؤدي إلى تعديل ملوحة البحار باستمرار، والحفاظ على درجة ملوحة ثابتة، إن الكمياتِ التي تتبخر من البحار كل سنة لا تعود جميعها إلى البحار مباشرة، بل إن الأمطارَ المتساقطة يذهب قسم منها إلى الأنهار، وقسم آخر يتسرب ويختزن في الأرض.



إن المياه الجوفية لا تبقى في الأرض إلى الأبد، بل تتجدَّد وتنبع في اليابسة لتشكل الأنهار، وتنبع تحت قاع البحار لتشكل الينابيع العَذْبة التي تُغذِّي البحر المالح بالماء العَذْب، ولولا هذه الينابيع في قاع المحيطات والبحار، لارتفعت نسبة الملوحة في البحار بالتدريج حتى يصبح ماء البحر شديدَ الملوحة، وتصبح الحياة مستحيلة.



سؤال مهم:

ماذا يحدث لو كان مِلح البحر قادرًا على التبخر مثل ماء البحر؟

إن هذا سيؤدي - بلا شك - إلى انعدام الحياة بكافة أشكالها على سطح الأرض، إن الله تعالى قد وضع قانون الجاذبية، وعلى أساسه تستمر الحياة على الأرض؛ فالمِلح أثقل بكثير من الماء؛ ولذلك لا يستطيع الصعود في الهواء، بينما الماء يستطيع ذلك؛ لأن كثافة بخار الماء أقل من كثافة الهواء؛ (دورة الماء بين العلم والإيمان - عبدالدائم الكحيل ـ صـ 22).



دورة الماء في الطبيعة:

لقد قدَّر الله - برحمته - نظامًا عجيبًا، يتحول الماء فيه باستمرار مِن سائل إلى بخار أو جليد، ومن ثم إلى سائل في دورة لا تزال تعمل منذ بلايين السنين دون أي خلل أو تعطُّل، ولولا هذه الدورة لأصبحت الأرض كوكبًا خربًا لا حياة فيه.



في هذه الدورة تتحرك المياه على سطح الأرض وفي الغلاف الجوي وفي المحيطات وتحت سطح الأرض وفي الأنهار والبحيرات وحتى في أجسام الكائنات الحية بنظام شديد التعقيد، يدلُّ على عظَمة الصانع سبحانه وتعالى، الذي يقول عن بديع صُنعه: ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النمل: 88].



جعَل اللهُ تعالى الشمس هي المحركَ الأساسي لدورة الماء على الأرض؛ حيث تقوم بتسخين الماء في المحيطات والبحار، فيؤدي ذلك إلى تبخُّر كميات كبيرة من المياه وتحولها إلى بخار ماء خفيف يصعد إلى ارتفاعات عالية بفعل الرياح، وعندما يصل بخار الماء إلى ارتفاعات مناسبة، حيث درجات الحرارة المنخفضة، يبدأ بالتكثف والتجمع والتراكم مشكلًا الغيوم، هذه الغيوم سوف تدفع بواسطة الرياح، ومن ثم تتساقط الأمطار والثلوج، إن معظم الأمطار تعود فتسقط فوق المحيطات، أما الثلوج فتسقط بكميات كبيرة فوق الجبال والمياه الجليدية، وبعد ذلك يذوب قسم منها في بداية فصل الربيع ويعود إلى مياه البحر؛ (دورة الماء بين العلم والإيمان - عبدالدائم الكحيل - صـ 20: 19).



حقائق علمية عن الماء:

سوف نذكر بعض الحقائق العلمية عن الماء في الأمور التالية:

(1) الماء هو المادة الوحيدة في الطبيعة التي توجد بحالاتها الثلاثة: الصُّلبة والسائلة والغازية.



(2) تبلغ كثافة الماء 1000 كيلو جرام على المتر المكعب؛ أي إننا إذا أخذنا خزانًا من الماء سعته متر مكعب (أي: طول كل ضلع من أضلاعه متر واحد) فإنه سيزن 1000 كيلو جرام، وذلك عند درجة الحرارة 4 درجات مئوية.



أما عندما يتحول هذا الماء إلى جليد فإنه يخف وزنه وتنخفض كثافته لتصبح 917 كيلو جرام على المتر المكعب، ويتجمد الماء عند الدرجة صفر مئوية، أما درجة غليانه فهي 100 درجة مئوية.



(3) يتمتع الماء بقدرة عالية على إذابة كثير من المواد الصُّلبة.

(4) يغطي الماء حدود 71 % من مساحة الكرة الأرضية؛ أي: ما يقارب 361 مليون كيلومتر مربع.



97 % من الماء على الأرض هو ماء مالح، و3 % هو ماء عذب، وأكثر من ثلثي هذا الماء العَذْب يوجد في القطبين الشمالي والجنوبي على شكل جليد وجبال جليدية؛ أي إن الماء العذب الموجود في البحيرات والأنهار والينابيع والآبار (المياه الجوفية) يشكل أقل من 1 % من الماء على الأرض.



(5) للماء قدرة عالية على تخزين الحرارة؛ ولذلك فهو يلعب دورًا مهمًّا في تغيرات المناخ والتوازن البيئي.



(6) يشكل الماء 90 % من وزن بعض الكائنات الحية، أما في الإنسان فيشكل الماء أكثر من 60 % من وزن جسمه، إن الدماغ البشري يحوي 70 % من وزنه ماءً، الرئتان تحويان نسبة 90 % ماء، ونسبة الماء في الدم 83 %؛ ولذلك فإن الإنسان لا يستطيع العيش بصحة جيدة من دون ماء أكثر من يوم واحد.



(7) يأخذ الماء أشكالًا متعددة في الطبيعة، فهو يظهر على شكل مياه في الحالة السائلة، كما في البحار والأنهار، ويمكن أن يظهر بشكل صُلب، كما في الجبال الجليدية والمحيطات المتجمدة، ويمكن أن يظهر على شكل غاز، كما في بخار الماء الموجود في الجو، أو الغيوم الموجودة في طبقات الجو، كما يمكن أن يظهر الماء على شكل رطوبة أو قطرات صغيرة من الماء مختزنة في تراب الأرض.



(8) توجد ميزة رائعة أودعها الله تعالى في الماء؛ فالماء في الحالة الصلبة أخف من الماء في الحالة السائلة، وهذا بعكس بقية السوائل في الطبيعة؛ ولذلك فإن تبريد الماء يؤدي إلى خفضِ حجمه حتى تصبح درجة حرارة الماء 4 درجات مئوية، ولكنه بعد ذلك ينعكس هذا الوضع إلى تمدد، فيزداد حجم الماء تحت هذه الدرجة حتى الدرجة صفر مئوية، التي عندها يتحول الماء إلى جليد صلب ذي كثافة أقل.



(9) جميع السوائل يقل حجمها باستمرار عندما تنخفض درجة حرارتها حتى تتجمد، أما الماء فيستمر في التقلص مع انخفاض درجة حرارته حتى الدرجة 4 مئوية، يبدأ بعدها بالتمدد حتى يتجمد، ولولا وجود ميزة تمدد الماء تحت الدرجة 4 مئوية، لانعدمت الكثير مِن أشكال الحياة في أعماق البحار، ولأدى ذلك على مدى ملايين السنين لانعدام الحياة بأكملها على وجه الأرض، وتنعكس هذه الظاهرة على الحياة في البحار العميقة والمتجمدة، حيث نلاحظ أن الطبقةَ العليا من البحر قد تجمدت، وعندما نغوص في أعماق هذه البحار نجد أن الأسماك والحيوانات البحرية والكائنات الحية تعيش حياة طبيعية؛ (دورة الماء بين العلم والإيمان - عبدالدائم الكحيل - صـ 4: 3).

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 37.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 36.93 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.67%)]