عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 16-11-2019, 04:21 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,605
الدولة : Egypt
افتراضي الدعوة الإسلامية بين التكوين والتمكين

الدعوة الإسلامية بين التكوين والتمكين (1/4)

الشيخ عاطف عبدالمعز الفيومي



(الدعوة الإسلامية بين الغربة الأولى والتمكين )
الحمد لله تعالى، والصلاة والسلام على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد:
فالدعوة الإسلامية خير موضوع، لأنها دعوة الإسلام وحقيقته الربانية الكبرى، وهذه الدعوة اليوم أذن الله لها أن تعود من جديد بقوة وإيمان، لتتبوأ مكانها الأول، وقيادتها للعالم الذي تنكب الطريق الحق، وذهب لاهثاً وبقوة وراء الشهوات والنزوات، والكفر والإلحاد، إلا بقية من أمة الإجابة والهدى أمة الإسلام، التي لم تراوح مكانها بعد لتتسلم مفاتيح القيادة لهذه البشرية اللاهثة خلف السراب، القابعة خلف الحجب والدنايا، لتدلها على طريق هدايتها وسعادتها، وسلامتها و أمنها،..
ولكن ثمة طريق طويل وشاق بين التكوين لهذه القيادة الرائدة للبشرية، وبين التمكين لها الموعود لها من الله تعالى في الأرض، نعم بدأت ملامحه تلوح في الآفاق، ودبت الصحوة الإسلامية في كل مكان، وبذرت بذورها لكنها لا تزال في حاجة كبيرة إلى العناية والمتابعة، في حاجة إلى التهذيب والتربية، وفي حاجة كذلك إلى التصحيح والتقويم، وفي حاجة إلى البصيرة والتبصير، وكل ذلك لا يكون إلا بجهد الأمة ودعاتها الصادقين، وجنود الدعوة القائمين بها والمخلصين، وحماية هذه الدعوة وشبابها من أعدائها المنافقين والمتربصين. ومن هنا كان لزاماً علينا أن نبسط بشيء من الكلام في هذا المحور الكبير الجليل - الدعوة الإسلامية بين التكوين والتمكين - وإنه حقاً لموضوع يحتاج إلى جهود كبيرة ومخلصة، حتى تؤتى ثمارها بإذن ربها، ولا بد فيه من الوقوف على أحداث السيرة النبوية أولاً، وهنا نقف مع عدة محاور في هذا الموضوع الجليل.
أولاً: الدعوة الإسلامية وحقيقتها.
الدعوة الإسلامية: تعني الدعوة إلى الإسلام دين الله الحق، المنزل من عند الله تعالى، الذي أرسل به جميع أنبيائه ورسله، هداة للعالمين ورحمة لهم، وعلى رأسهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الذي اصطفاه الله لهذه الدعوة والرسالة الخاتمة لجميع الدعوات والرسالات:" وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً..الآية"، والدعوة الإسلامية تعني إقامة شريعة هذا الدين في الأرض، وإقامة عقائده وشرائعه ومبادئه وأخلاقه، كما أنها تعني صياغة الحياة البشرية كلها بصبغة الربانية والعبودية لله تعالى وحده لا شريك له، كما قال تعالى:" قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين"، وقال تعالى:" أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه...الآية".
نعم صبغة قائمة على عبوديتها لله وحده وإيمانها بكتبه ورسله، عبودية قائمة على إفراد الخالق المعبود بالخلق والأمر:"ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين"، عبودية لا تتجه إلا على أصول العقيدة والتوحيد، ولا تقوم إلا على الحق والإيمان، فلا عقيدة تستقر في القلوب إلا عقيدة الإيمان بالله والإيمان برسله، والإيمان بكتبه وشرائعه، والإيمان بالبعث بعد الموت والدار الآخرة دار الجزاء الحق، ولا شريعة تحكم الحياة البشرية وتقوم مسيرتها، وتهذب أخلاقها، وتصلح مجتمعاتها، وتبني سياستها واقتصادها، وحربها وسلمها، إلا شريعة هذا الدين الحق ؛ لأنه الدين المنزل من عند الله وحده، فليس من دين غيره يقبل عند الله كما قال تعالى:" إن الدين عند الله الإسلام..الآية"، وكما قال أيضاً لمن اعتقد ديناً يدين به سواه:" ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" ؛ ولأنه الدين الذي ارتضاه لها:" ورضيت لكم الإسلام ديناً..الآية"،"ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون" ؛ ولأنه الدين الذي ضمنه الله تعالى كل جوانب السعادة والهداية في الحياة الدنيا وفي الآخرة:" فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى...الآيات" ؛ ولأنه دين الحق الجامع لكل مظاهر الحياة البشرية وفق منهج الله تعالى، الشامل الكامل والصالح لكل زمان ومكان:" لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم أفلا تعقلون".
فالدعوة الإسلامية دعوة إلى الإسلام نفسه، دعوة إلى إنقاذ البشرية من الهلاك والضياع والتيه في الظلمات، والسير في ركب الشيطان وأتباعه، ودعوة إلى تحقيق سيادة ملك الله في الأرض وفي دنيا الناس، ودعوة إلى قيادة البشرية بمنهج الله تعالى الخالد الباقي إلى يوم الدين، وإفراده سبحانه بالعبادة والتشريع دون من سواه من المخلوقات، ودعوة لبناء النفس والإنسان الصالح لإقامة خلافة لله في الأرض، ودعوة لتحرير النفس البشرية من رق العبودية والذلة لغير خالقها، تحريرها من سلطان الشيطان عليها بكيده ومكره، وتحريرها من الخوف من ذوي السلطان والطاغوت الذين لا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً، وتحريرها من تقديس الذات والمال واللهث وراء أعراض الدنيا الفانية القليلة، وتحريرها من الخوف والطمع إلا في خالقها وموجدها سبحانه وتعالى، ودعوة لتزكية الأنفس والقلوب بمعرفة خالقها والتقرب إليه والطمع في رحمته وجنته، ودعوة للتصدي للشيطان الرجيم ومكائده وحبائله، والوقوف أمام فساد أتباعه وأعوانه الذين يتملقون البشرية ويلهثون خلف الشهوات الكامنة، واللذات المحرمة، ولا يراعون لها أدباً ولا حرمة ولا كرامة، ودعوة لبناء مجتمع رباني نظيف قائم على رعاية الآداب، وحفظ الحرمات.
إنها ليست دعوة لقمع البشرية واستعبادها، والسيطرة على مقدرات الشعوب وأقواتها، ونهب أموالها وممتلكاتها، كما فعلته في القرون المتأخرة الشيوعية الخبيثة المادية، بأفكارها ومعتقداتها الإلحادية الكافرة، أو كما تفعله أمريكا وأوربا بمباركة وتخطيط يهودي صليبي ماكر، أو حتى ما يفعله أرباب الأموال والثروات من الهنود واليابانيين والصينيين، كما أنها ليست دعوة للخروج على حكم الله وشريعته، بدعاوى التقدم والعلم والانفتاح العلمي أمام البشرية مما يجعلها ليست في حاجة إلى شريعة تحكمها ولا دين ينظم شؤون حياتها، كما أنها ليست دعوة مستمدة من العقل والفكر البشري القاصر عن إدراك حقائق الأشياء، ولا الوصول إلى جميع مدلولاتها ليصوغ لها قوانين بشرية في شتى مجالات الحياة، ثم يحكمها فيها ويقول لها هذا هو القانون العصري الذي يتناسب مع طبيعة هذا الزمان، كما أنها ليست دعوة أيضاً للتعدي على آداب الإنسان وحياءه وحرماته، وليست دعوة للفوضى والإباحية والفواحش والمنكرات على حساب شريعة الله والآخرة، لكنها دعوة ربانية طاهرة، تسموا بالإنسان إلى حيث هو عند الله من التكريم والرفعة، وتسموا بأخلاقه وآدابه فيرتفع بإيمانه بالله، على دنايا النفس وحب الشهوات واللذات التي تقودها كثيراً إلى الهلاك والخسران.
وهذه المعاني كلها جمعتها هذه الدعوة، التي هي بحق دعوة الإسلام، لأن الإسلام دين الفطرة الذي يولد عليه كل مولود:" كل مولود يولد على الفطرة"، وهذه الفطرة تعنى أن الكون والإنسان لم يخلقاً عبثاً ولا هملاً كما أخبر سبحانه وتعالى في كتابه:"أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق... الآيات"، وكما قال في موضع آخر:" أيحسب الإنسان أن يترك سدىً"، بل وبالغ سبحانه في نفي العبث واللهو في الخلق والأمر عن نفسه فقال تعالى:" وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين، ما خلقناهما إلا بالحق...الآيات"، فالكون والإنس والجن، والنجوم والأفلاك، والجبال والبحار، والسماوات والأرض جميعاً، خلقها الله تعالى لحكمة جليلة، وغاية نبيلة، كما أخبر تعالى:" وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون"، إنها غاية العبودية لله تعالى وحده لا شريك له، وهذه غاية الوجود الإنساني والبشري على هذه الأرض، ومن هنا كانت الدعوة إلى هذه الغاية الربانية الجليلة، هذه معاني وملامح الدعوة الإسلامية التي أنشأها الله تعالى على يد نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأصحابه الأطهار رضي الله عنهم.
ثانياً: الدعوة الإسلامية بين الغربة الأولى والتمكين.
* نظرة على الواقع الجاهلي: المستقرئ للسيرة النبوية وواقع الجزيرة العربية قبل البعثة المحمدية وبعدها، يلمح الفارق الكبير بينهما، ويقف في اندهاش لما يراه من عظمة البناء الإسلامي، والتعليم النبوي، الذي أقامه الله تعالى لهذا الدين بالتمكين له، وجعله منهج حياة إسلامي، بعد أن ولت الجاهلية على أدبارها بما تحمله من عقائد وشركيات وثنية، وبما تحمله من تصورات ومعاملات وأخلاق وتشريعات جاهلية، وكتب السيرة والتاريخ سطر فيها حال الجاهلية كلها، وما وصلت إليه البشرية آنذاك من انتكاس في الفطرة، وانحطاط في الإنسانية، وتقديس للآلهة المصنوعة العاجزة، لقد عاش العرب في مثالب الجاهلية يرتعون، وفي ظلمات الشرك والوثنية يعمهون، وخلف شهواتهم ورذائلهم ينكبون، هذا هو زمان البعثة المحمدية حقاً جاهلية وأية جاهلية، وكما قال أبو الحسن الندوي رحمه الله تعالى:" بعث محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم والعالم بناء أصيب بزلزال شديد هزه هزاً عنيفاً، فإذ كل شيء فيه في غير محله، فمن أساسه ومتاعه ما تكسر، ومنه ما التوى وانعطف، ومنه ما فارق محله اللائق به وشغل مكاناً آخر، ومنه ما تكدس وتكوم.نظر إلى العالم بعين الأنبياء فرأى إنساناً قد هانت عليه إنسانيته،رآه يسجد للحجر والشجر والنهر، وكل مالا يملك لنفسه النفع والضر، رأى إنساناً معكوساً قد فسدت عقليته، فلم تعد تسيغ البديهيات، وتعقل الجليات، وفسد نظام فكره، فإذا النظري عنده بديهي وبالعكس، يستريب في موضع الجزم، ويؤمن في موضع الشك. وفسد ذوقه فصار يستحلي المر ويستطيب الخبيث، ويستمرئ الوخيم، وبطل حسه فأصبح لا يبغض العدو الظالم، ولا يحب الصديق الناصح. رأى مجتمعاً هو الصورة المصغرة للعالم، كل شيء فيه في غير شكله أو في غير محله، قد أصبح فيه الذئب راعياً والخصم الجائر قاضياً، وأصبح المجرم فيه سعيداً حظيا، والصالح محروماً شقياً لا أنكر في هذا المجتمع من المعروف، ولا أعرف من المنكر،ورأى عادات فاسدة تستعجل فناء البشرية، وتسوقها إلى هوة الهلاك.رأى معاقرة الخمر إلى حد الإدمان، والخلاعة والفجور إلى حد الاستهتار، وتعاطي الربا إلى حد الاغتصاب واستلاب الأموال، ورأى الطمع وشهوة المال إلى حد الجشع والنهامة ورأى القسوة والظلم إلى حد الوأد وقتل الأولاد.رأى ملوكاً اتخذوا بلاد الله دولاً، وعباد الله خولاً، ورأى أحباراً ورهباناً أصبحوا أرباباً من دون الله، يأكلون أموال الناس بالباطل، ويصدون عن سبيل الله.رأى المواهب البشرية ضائعة أو زائغة لم ينتفع بها ولم توجه التوجيه الصحيح، فعادت وبالا على أصحابها وعلى الإنسانية، فقد تحولت الشجاعة فتكاً وهمجية، والجواد تبذيراً وإسرافاً، والأنفة حمية جاهلية، والذكاء شطارة وخديعة، والعقل وسيلة لابتكار الجنايات، والإبداع في إرضاء الشهوات. رأى أفراد البشر والهيئات البشرية كخامات لم تحظ بصانع حاذق، ينتفع بها في هيكل الحضارة، وكألواح الخشب لم تسعد بنجار يركب منها سفينة تشق بحر الحياة.رأى الأمم قطعاناً من الغنم ليس لها راع، والسياسة كجمل هائج حبله على غاربه، والسلطان كسيف في يد سكران يجرح به نفسه، ويجرح به أولاده وإخوانه ".( ماذا خسر العالم:78،77).
* ظهور دعوة الإسلام: هذا هو النظام الجاهلي الأول، الذي كان يعج بالهبوط الإنساني في كل شؤون حياته، وفقدانه لبدهيات الحياة المستقيمة السوية، لقد طال الفساد والخواء والضلال كل حياتهم، واستحال التغيير والإصلاح عند الكثير منهم، لكن يأبى الله إلا أن يتم نوره على العالمين، وتشرق أضواء نوره وشريعته على هذه القلوب الغارقة في بحار من شهوات النفس والدنيا الفانية، والواقعة في مستنقع الرذيلة الآسن، فكانت البعثة الربانية والمحمدية، بعثة الإنقاذ والهداية لهذه البشرية الجاهلية التائهة، كانت بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم تغييراً حقيقياً وكبيراً لم يشهد مثله على طول التاريخ البشري كله، وما هذا إلا لأن مشركي جزيرة العرب جمعت فيهم جل أدواء وأمراض الأمم السابقة لها، التي لم تجتمع لأمة قبلها فكان الأمر جلل، كيف الطريق إلى تخليص هؤلاء من جميع هذه الأمراض والأدواء القاتلة، ولكن شاء الله ذلك، بحكمته وإرادته وقدرته كما أخبر سبحانه وتعالى بذلك في كتابه العزيز:" هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون"، فكانت البعثة وبداية تنزل الوحي الرباني بغار حراء على النبي صلى الله عليه وسلم، وكتب السنة والسير والتاريخ بينت ذلك ودونته، فقد كان فتحاً من الله تعالى ومنة على هذه البشرية كلها، فقام النبي صلى الله عليه وسلم يدعوا إلى هذه الرسالة الربانية، فاستجاب له بعض من الناس أول الأمر لتصديقهم له قبل البعثة ويقينهم في دعوته، فبدأ التكوين النبوي لجيل هذه الدعوة، ورعيلها الأول من خيار الصحابة رضي الله عنهم وكان ذلك باصطفاء من يدعوهم للإسلام، وقوة تأثيرهم على أفراد ذلك المجتمع الجاهلي، يقول أبو الحسن الندوي رحمه الله تعالى:" لقد وضع محمد صلى الله عليه وسلم مفتاح النبوة على قفل الطبيعة البشرية فانفتح على ما فيها من كنوز وعجائب وقوى ومواهب، أصاب الجاهلية في مقتلها أو صميمها، فأصمى رميته، وأرغم العالم العنيد بحول الله على أن ينحو نحواً جديداً ويفتتح عهداً سعيداً، ذلك هو العهد الإسلامي الذي لا يزال غرة في جبين التاريخ "(ماذا خسر العالم:82).
يتبع


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 25.95 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 25.32 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.42%)]