عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 29-03-2019, 09:35 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,445
الدولة : Egypt
افتراضي من روائع وصايا الآباء للأبناء**متجددة إن شاء الله


من روائع وصايا الآباء للأبناء



(الحلقة الأولى)


وائل حافظ خلف




(مقدمة الوصايا)


إن الحمد لله نحمده، ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.




أما بعد:


فهذه طاقة عطرة من وصايا آباء أَلِبَّاء: صلحاء وأتقياء، وعلماء وحكماء، وأدباء وشعراء... يَقْدُمُهم الرسل والأنبياء [1].




إنْ كُلٌّ إلا بَعَج بطنَه لولده[2]؛ كي يكملَ أدبُه، وتحسنَ رِعَتُه، ويصير من النجباء النبلاء...




فمِن الأبناء مَن اتبع فاستقام، وكان منهم كهيئة الأصم لا يسمع أُذُنًا جَمْشًا[3]، فَعَشَا عن النصح عَشْوًا؛ فأضحى سَدْمَان ندمان.




ووصايا أولئك وإن كانت قليلة المباني، إلا أنها جمة المعاني.. وكلامهم يخرج كالضوء يتلالأ ينير القلوبَ ويجلو صدأها؛ لتعودَ كالمرآة المصقولة.. ويتدفق في النفوس كتدفق أمواه النهر تسري ساقية تَنَائِفَ وسَبَاسِبَ ومَهَامِهَ عِطاشًا لتُخرج نبتها كريمًا باسقًا، الأصل ثابتٌ، والفرع في السماء.. ويملأ جَعْبَةَ مَن كان خاليَ الوَفْضَةِ ليفيضَ مِن بعدُ على مَن وراءه..




وأنت -حفظك الله- قسيم في المعرفة بأنه لا يؤثر إلا المتأثر، ومَن نصح قلبه لله ومحضه؛ أقبل الله عليه بقلوب عباده وهيأها. فإذا كان اللسانُ قويمًا، وصاحبُهُ حَدُِثًا عليمًا؛ خط بالكلام على رَقِّ القلوب بمداد نوراني أذكى رائحة من المَيْعَة والحَبَق، فلا يزال يسطع فيها ويعبق؛ حتى يُفتح لها رِتاج ما استغلق عليها، وأعظم ذلك أن تلج باب الأنس بمعبودها، فالله طيب لا يقبل إلا طيبًا.




وصدق أبو عثمانَ عمرو بنُ بحرٍ الجاحظُ[4]إذ يقول [5]:

((أحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره، ومعناه في ظاهر لفظه، وكأن الله -عز وجل- قد ألبسه من الجلالة، وغشاه من نور الحكمة، على حسب نية صاحبه، وتقوى قائله.




فإذا كان المعنى شريفًا، واللفظ بليغًا، وكان صحيح الطبع، بعيدًا من الاستكراه، ومنزهًا عن الاختلال، مصونًا عن التكلف؛ صنع فى القلب صنيع الغيث في التربة الكريمة.




ومتى فصلت الكلمة على هذه الشريطة، ونفذت من قائلها على هذه الصفة؛ أصحبها الله من التوفيق، ومنحها من التأييد ما لا يمتنع من تعظيمها به صدور الجبابرة، ولا يذهل عن فهمها عقول الجهلة.




وقد قال عامر بن عبد القيس:

((الكلمة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب، وإذا خرجت من اللسان لم تجاوز الآذان)).




وقال الحسن وسمع متكلمًا يعظ فلم تقع موعظته بموضع من قلبه ولم يرق عندها، فقال له: (( يا هذا! إن بقلبك لشرًّا أو بقلبي )) انتهى.




ومع ذا فإذا أنت رأيت -خُطِّئَ عنك السوء- كلامًا تستحسنه قد سيق على لسان مَن فيه غميزة، فلا يجرمنك علمُ ذلك منه على ألا تنتفع، ولكن خذه، فلك غُنمه وعليه غُرمه، والحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها جذبها، ولا تنسَ قولَ ابنِ المقفع [6]: ((لا يَمْنَعَنَّكَ صِغَرُ شَأْنِ امْرِئٍ من اجتناءِ ما رأيتَ من رأيه صوابًا، والاصطفاءِ لما رأيت من أخلاقه كريمًا؛ فإن اللؤلؤة الفائقة لا تُهَانُ لهوان غائصها الذي استخرجها)).




وقال الحسن:

((لقد وقذتني كلمة سمعتها من الحجاج)). فقيل له: وإن كلام الحجاج ليقذك؟! قال: ((نعم، سمعته على هذه الأعواد يقول: إن امرءًا ذهبت ساعة من عمره في غير ما خُلق له لَحَرِيٌّ أن تطول عليها حسرته)) [7].




وقبل أن أذكر ما انتقيته لك من وصايا أبعث برسالة إلى كل والد مكرم، فأقول:



رسالة إلى والد


أيُّهذا الأبُ الكريم!

ابنك فلذة كبدك، إن يك صالحًا كريم الجِرِشَّى؛ فمثل ثواب عمله يكون لك؛ فإنه من كسبك.




وهو أمانة لديك، فينبغي أن تقوم عليه في أدبه، وتنظر في أََوَده، وتلهمه حلمك، وتمنحه علمك، حتى يكمل عقله، ويستحكم فتله، ويقوى نظره وفكره؛ ((فكلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته)).




ولله در مَن قال:


أما تدري أبانا كل فرع

يجاري بالخطى مَن أدبوه



وينشأ ناشئ الفتيان منا

على ما كان عوده أبوه






وما نَوْلُك [8] أن تمهل حتى يشتد الولد ويجمع جراميزه ويمتطي جواد الشباب، ولئن فعلت إنك لنادم ولات حين مندم، ثم تعذله، ورُبَّ لاَئِمٍ مُليمٌ.. وأعيذك بالله من أن تَقول لولدك يومًا: ((أعييتني بأُشُرٍ، فكيف بِدُرْدُرٍ)) [9].




أو أن يُقال لك: ((سبق السيفُ العَذَلَ)) [10].




ثم احذر أن يخالف عملُك قولَك، فلسان الحال أفصح من لسان المقال، وخير المقال ما صدقته الفعال.




فالزم هذا؛ ينجب ابنك ويحمدكَ، وإلا كنت يا صاح ملومًا، وتحملت من إثمه كفلاً وذَنُوبًا.. وصار هو وَصْمًا، يولد عارًا، وينتج شنارًا... وهَلُمَّ جرًّا،مِن شُبَّ إلى دُبَّ [11].




وقد قال ربنا (جل ثناؤه): ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]. قال غير واحد: معنى قوله (تعالى ذكره): ﴿ قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا ﴾ أي: علموهم وأدِّبُوهم.




وعن عثمانَ الحاطبيِّ قال: سمعت ابنَ عمر (رضي الله عنهما) يقول لرجل: ((أدِّبِ ابْنَكَ؛ فَإِنَّكَ مَسْئُولٌ عَنْ وَلَدِكَ مَاذَا أَدَّبْتَهُ وَمَاذَا عَلَّمْتَهُ؟، وَإِنَّهُ مَسْئُولٌ عَنْ بِرِّكَ وَطَوَاعِيَتِهِ لَكَ)). أخرجه الإمام البيهقي في "السنن الكبير" (ج3/ص84).




وقال ابنُ الْمُقَفَِّع: ((أَفْضَلُ مَا يُورِثُ الآبَاءُ الْأَبْنَاءَ: الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، وَالْأَدَبُ النَّافِعُ، وَالْإِخْوَانُ الصَّالِحُونَ)) انتهى. "الأدب الصغير" [(ص44-45) بتحقيقي، الطبعة الأولى].




عن حَبِيْب الْجَلاَّب قال: قيلَ لابن الْمبارك (رحمه الله): ما خَيْرُ ما أُعْطِيَ الرَّجُلُ؟ قَالَ: ((غرِيْزَةُ عَقْلٍ)). قيل: فإن لم يكن؟ قال: ((أَدَبٌ حَسَنٌ)). قيل: فإن لم يكن؟ قال: ((أَخٌ صَالِحٌ يَسْتَشِيْرُهُ)). قيل: فإن لم يكن؟ قال: ((صَمْتٌ طَوِيْلٌ)). قيل: فإن لم يكن؟ قال: ((مَوْتٌ عَاجِلٌ)) ا.هـ أخرجه ابن حبان في "روضة العقلاء" (ص17) ط/ دار الكتب. [12].




وأخيرًا:

لا تغفل الدعاء لولدك، فقد قالوا:

"الأدب من الآباء، والصلاح من الله عز وجل"

والسلام،،،







[1] وقد نَصَصْنا كل وصية إلى بعض الكتب التي وقفنا عليها فيها، ولم نلتزم هنا ترتيبًا معينًا. فأما التخريج المبسوط،وشرح الوصايا وبقية ما جمعنا وعَبَّدنا فلا حَطُوط ولا هبوط؛ فذلك في سفر لنا كبير قمنا على جمعه ولما يطبع. وأشترط أن لا أذكر في الوصايا إلا حديثًا ثابتًا عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وأما الآثار فقد يوجد مقال في بعض أسانيدها، وأنت خبير بأن العلماء يتساهلون في إيراد أمثالها؛ وإلى الله (جل ثناؤه) أنا راغب في العون على ما أقصده وأنويه، والتوفيق لما ألتمسه وأبغيه . والحمد لله أولا وآخرًا، وظاهرًا وباطنًا.




[2] بَعَجَ بطنه له: أي: بالغ في نصحه.




[3] أي: لا يقبل نصحًا.




[4] المتوفى سنة خمس وخمسين ومائتين.




[5] في كتابه" البيان والتبيين " (ج 1ص47) ط / دار الكتب العلمية.




[6] في "الأدب الصغير" (ص46- بتحقيقي).




[7] "البيان والتبيين" (2/99) . وانظر منه أيضًا (ج2ص88).




[8] أي: ما ينبغي لك.





[9] أي:لم تقبل النصح شابًّا، فكيف وقد بَدَتْ دَرَادُِرك كِبرًا؟!.




[10] مَثَلٌ يُضرب لما قد فات ولا يُستدرك.




[11] أي: من الشباب إلى أن يدب على العصا.




[12] وانظر الأثر الذي رواه ابن حبان عَقيبه، ثم قابل بما في "الأدب الصغير" لابن المقفع (ص62-63)، و"البيان والتبيين" للجاحظ (ج1ص4، ص123).
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 26.72 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 26.10 كيلو بايت... تم توفير 0.62 كيلو بايت...بمعدل (2.33%)]