عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 31-07-2020, 02:34 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي بين الصفع والصفح

بين الصفع والصفح


شريفة الغامدي








جاء غاضبًا مُحتقن الوجه، يَستشيط غيظًا بعد شِجارٍ مع صديق له في المدرسة، حكى لي ما جرى وجسده الصغير يَرتجف انفعالاً؛ لأن صديقه قد صفَعه، وعيناه تُغالبان دموعه، حتى غلَبته وهو يتحدث، فانصرَف مسرعًا إلى غُرفته.













بقي حزينًا يرفض الحديث حتى حضَر والده، فأخبرَه بما حصل وهو لا يزال على حاله من الغضب والانفعال، فقرَّر والده التدخُّل والحديث إلى ذلك الصديق، فلرُبَّما عاد إلى نفسه بعض الرضا، وكان ذلك.







فتحدَّث إليه بعد الصلاة؛ حيث كان يلتقي به في مسجد الحي، وانتهى الأمر بأن تعهَّد كلٌّ منهما بعدم التحدُّث للآخر أو التعرُّض له، ولكنَّ نفسه لَم تَهدأ ولَم يذهب عنه الغضب، بل ظلَّ حانقًا ناقمًا على صديقه، يَشعر بالإهانة بسبب تلك الصفعة.







في المساء ترَكناه يُعبِّر عمَّا بداخله من شعور بالغضب من صديقه، فتحدَّث بشكلٍ أكثر وضوحًا وأعمق شعورًا، وأقسمَ بأنه لن يُسامحه، وبأنه لن يعود للحديث معه مهما كان، وبأنه سيَصفعه كما فعَل، فرأينا أنه من الأنسب استغلالُ الموقف والحديث عن فضْل التسامُح والصفح، وما كان من نبيِّنا الكريم - عليه الصلاة والسلام - من تسامحٍ مع مَن أساء إليه من قومه؛ إذ قال لهم ببساطة وتسامُح: ((اذهبوا فأنتم الطُّلقاء)).







حكينا له الكثير من المواقف وقَصص العافين، وحدَّثناه عن فَضْل الصفح والتسامح، وثواب الكاظمين للغيظ، مُستشهدين بآيات القرآن الكريم، وبأحاديث الحبيب - صلَّى الله عليه وسلَّم - بَقِي مُصغيًا لكلِّ القَصص والحكايات، مستمتعًا بسماعها، مستفسرًا عن جزئيَّاتها؛ مما جعَلنا نسترسل بثقة في تأثُّره وتفهُّمه لِما نقول، متيقِّنين بأنه قد غيَّر رأيه، ثم قال بصوت واثقٍ: ولكنني لن أُسامحه أبدًا، ولن أُكلِّمه، وسأَصفعه، أُصبنا بالدهشة لموقفه، والخيبة لعدم القدرة على إقناعه، فانصرَفنا تاركين له قراره، وتوقَّفنا عن المحاولة، ونام منتظرًا الصباح، مُتلهِّفًا لتلقين زميله درسًا لن ينساه، وفي الصباح وكالمعتاد توجَّه لمدرسته، عاقدًا العزمَ على إمضاء قراره الذي اتَّخذه وعجَزنا عن ثَنْيه عنه، لَم نحاول فتْحَ النِّقاش معه مُجدَّدًا، ولكنَّ وجهه كان يبدو عليه الإصرار على تنفيذ ما امتلأَ به رأسه الغاضب من رغبة في الصفع.







فترَكناه يلقى نتائج قراره بنفسه ما دام قد أصرَّ على عدم الصفح، وفي أنفسنا خوف مما ستؤول إليه الأمور بينهما، وفي الثانية عشرة عاد للمنزل مُنتشيًا، تملأ ابتسامة الانتصار وجهه، صارخًا: أمي، أبي، أنا وفيصل تصالَحنا!

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.00 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.37 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.49%)]