الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، أما بعد :
فإن للنصارى من ( الكاثوليك ) و ( البروتستانت ) أعياد
متوالية في رأس السنة الإفرنجية ، وأبرزها عيد ميلاد المسيح
عيسى ابن مريم عليه السلام، والذي يحرص ملايين النصارى
(وبعضُ جهَّال المسلمين ) على إظهار حفاوتهم به عبر تزيين
الأشجار وإرسال بطاقات عيد الميلاد إلى الأصدقاء والأقارب ، مع
نشر الدُّمى والصور التي ترمز إلى ( البابا نويل ) ، ومن عادة كثير من النصارى التجمع
ليلة عيد الميلاد في ( بيت لحم ) حيث يذكرون أن المسيح قد ( وُلِد ) هناك ، لإقامة قدَّاس
منتصف الليل .
إضافةً لما يعملونه في الأعياد الأخرى في هذه الفترة ، ومنها عيد ( الغطاس ) الذي
تزعم النصارى أن يحيى ( عمَّد ) فيه عيسى عليهما السلام ( أي غسله بماء لتطهيره
من ذنوبه ، وهو اليوم عند النصارى رمزٌ لدخول الإنسان في المجتمع النصراني ) ، ولذا
يتبركون بما ( التعميد ) وكذا عيد ( الفُصح ) وغيرها .
ويصاحب أعيادَهم هذه مظاهر عديدة كتزيين البيوت ، وإيقاد الشموع ، والذهاب
للكنيسة وتزيينها ، وصناعة الحلوى الخاصة ، والأغاني المخصصة للعيد بترانيم محددة ،
وصناعة الأكاليل المضاءة ، وغير ذلك من طقوسهم .
وفي ضوء ما تقدم ، وحيث أننا في وقت إقامة النصارى لاحتفالاتهم : فينبغي أن يُعلم
أن جميع ما لدى النصارى وما لدى عموم الكفار من تلك الأعياد بدعة وضلالة ، فوق ما
عندهم من الكفر بالله ، قال الله تعالى { وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ }
[ الحديد : 27].
وقد أغنى الله أهل الإسلام بما شرع لهم من عيدي السنة : الفطر والأضحى ، وبما
جعل لهم من العيد الأسبوعي في يوم الجمعة ، وهي أعياد فرح وعبادة لله تعالى ، فليس
بعد هذا الحق إلا الضلال ، ولأجل ذلك نبه العلماء إلى تحريم مشاركة الكفار في شيء من
أعيادهم ، سواءً أكان ذلك بحضورها أو التشبه بهم في أعمالهم فيها ، أو بإعانتهم عليه
ا ، أو بتهنئتهم بها ، فكل ذلك مما يخالف ما جاءت به الشريعة من وجوب مفاصلة الكفار
والحذر من مشابهتهم أو موافقتهم في أعيادهم وعباداتهم .
ولا ريب أن الأعياد من جملة الشرع والمناهج والمناسك التي قال الله سبحانه : { لِكُلِّ
أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ }
( الحج : 67 ) فالموافقة فيها موافقةٌ في أخصِّ شرائع الكفر.
وقد كانت عناية الشرع بهذا الأمر بليغة ومؤكدة ، فإن الله وصف عباده المؤمنين
بمجانبة الكفار في أعيادهم،وذلك قوله سبحانه: { وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ } [ الفرقان:
72] فالمراد بالزور ـ الذي لا يشهده عبادُ الله المؤمنون ـ في هذه الآية هو : أعياد
الكفار . وروى البيهقي بسند صحيح عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما
أنه قال : " من بنى ببلاد الأعاجم ، فصنع نيروزهم ومهرجانهم ، وتشبه بهم حتَّى يموت
وهو كذلك ؛ حُشِر معهم يوم القيامة " .
والله جلَّ شأنه قد شرع لعباده المؤمنين من الأعياد ما يستغنون به عن تقليد
غيرهم،كما تقدم ، فقد روى أبو داود والنسائي وغيرهما بسند صحيح عن أنس رضي
الله عنه قال : قدِم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال:
" قد أبدَلَكُم الله تعالى بهما خيراً منهما:يومَ الفطر والأضحى ". قال الحافظ ابن حجر
رحمه الله : واستنبط منه كراهة الفرح في أعياد المشركين والتشبه بهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : فأما بيع المسلم لهم في أعيادهم ما يستعينون
به على عيدهم من الطعام واللباس والريحان ونحو ذلك ، أو إهداء ذلك لهم فهذا فيه نوع
إعانة على إقامة عيدهم المحرم .
قال : وكما لا يتشبه بهم في الأعياد ؛ فلا يُعَانُ المسلم المتشبه بهم في ذلك ، بل يُنهى
عن ذلك ، فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب إجابة دعوته ، ومن أهدى
للمسلمين هدية في هذه الأعياد مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد لم تقبل
هديته ، خصوصاً إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم .
وبهذا يُعلم خطأ عدد من إخواننا وأخواتنا أهل الإسلام الذين يتساهلون بهذه المسألة
لينـزلقوا في مشاركة الكفار أعيادهم بأي صورةٍ كانت ، مع ما فيها من الخلل بالعقيدة .
وفقنا الله جميعاً لما يحبه ويرضاه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد .