عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 04-07-2019, 02:26 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,932
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عُدَّة المصحِّح اللغويِّ


عُدَّة المصحِّح اللغويِّ


د. طه محسن عبدالرحمن






المسألة الثانية – قول الكاتب الفاضل:
(ومثله قولهم: يسمَّى بعلم اللغة. والصحيح: يسمى من غير باء. والشاهد عليه القرآن الكريم، فقد قال تعالى: {وإنِّي سمَّيتها مريم}.

وإيضاح هذا الوجه أيسر؛ فإن اللغويين صرحوا بأن الفعل (سمى) يتعدى بنفسه وبالباء.

- قال ابن جني: (فأما قولهم: سميته زيدًا وبزيد، وكنيته أبا عبدالله فليست الباء فيه زائدة، وإنما أوصلوا بها الفعل تارة إلى المفعول، وأوصلوه تارة أخرى بنفسه)[23].

- وجاء في معجم (مختار الصحاح): (وسميت فلانًا زيدًا وسميته يزيد بمعنى، وأسميته مثله)[24]. أما أن القرآن الكريم استعمل الفعل من دون باء فهذا لا يعني حظر ما عداه إذا صح عن العرب الفصحاء وقد تقدم استعمال القرآن تركيبيين في الآيتين {ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض} و{ألم تعلم بأن الله يرى}.


المسألة الثالثة – منع الدكتور الزيدي استعمال قولهم:
(لكي يسمح للإلكترونات أن تصل) قال (والصحيح: بأن تصل؛ إذ لا يقال في العربية: يسمح له الوصول، بل يقال: يسمح له بالوصول).

وهذا التصحيح غير صحيح، فحرف الجرِّ هنا دخل على المفعول المصدَّر بالحرف المصدري (أنَّ). وإذا صُدِّر المفعول بالحرفين (أنْ) و(أنَّ) (فيجوز حذف حرف الجرِّ معهما قياسًا مطَّردًا بشرط أمن اللبس، كقولك: عجبت أن يدوا. والأصل: عجبت من أن يدوا. أي من أن يُعطوا الدِّيَةَ)[25].

وعلى هذا فلا حاجة لتعليل الحظر بأنه (لا يقال في العربية: يسمح له الوصول بل يقال: يسمح له بالوصول) فنمنع لذلك: (يسمح له أن يصل) من دون باء.


وبعد:
فإن ادعاء المرء أنَّ هذا قالته العرب وهذا لم يجرِ على ألسنتهم مسلك لابد من أن يسلكه المحقق اللغوي حذرًا متوقيًا مما يعرض له فيه من زلل، مزودًا بما يجب عليه أن يتزود من الأدوات، ومتحليًا بصفات تفتح عليه مغاليق الصواب. وفي الوصايا العشر التي تقدمت معين على ذلك.


وإذا كان لابدّ من كلمة أختم بها هذا المقال فإني أُقدم التوصيات الآتية:


الأولى – أنْ يوسد الأمر إلى أهله، فلا يفسح مجال النشر في هذا الموضوع لأيٍّ كان إلا المختصين باللغة الأعلام الأخذ بهذا المبدأ، والكفُّ عن ترويج الفتاوى اللغوية ما لم تطمئنّ إلى كفاية الكاتب اللغوية.


الثانية – أنْ تعطي المجامع اللغوية والجهات ذات العلاقة رأيها، وتتثبّت من سلامة ما ينشر، وتغربل الآراء وتصوبها على وفق منهج علمي تتولاه لجنة يوضع بين أيدي أعضائها اللغويين ما كتب في الموضوع قديمًا وحديثًا لدرسه مسألة، وتقرّ السليم، وتصدر القرار وتذيعه.


الثالثة – صنع فهرس تفصيليٍّ متخصص دقيق لمصنفات التصحيح اللغوي، يجمع أسماء ما صنعه المحدثون من كتب، وبحوث، ومحاضرات، وما اتخذ من قرارات في المجامع اللغوية والندوات، والمؤتمرات.


الرابعة – ويكون هذا الفهرس دليلاً على صنع معجم جديد للأخطاء اللغوية الشائعة، يصحح فيه من الكلم والأساليب ما ثبت أنه خطأ ضار لا تُقرُّه اللغة العربية، وتتولاه مؤسسة ذات صلة بالحفاظ على سلامتها، يكون قرارها ملزمًا، ورأيها محترمًا.


الخامسة – ولابدّ من أن يسير إلى جنب هذا العمل، إن لم يسبقه، وضع (المعجم التأريخي للغة العربية) الذي يدرس حياة ألفاظها، ويتتبع خطوات نمو مدلولاتها، ويتلمس تأريخها، ويرصد تقلبها على أكثر من معنى بحكم العوامل الاجتماعية، والفكرية، والشرعية، والحضارية، ويحدد أُسس انتقال الكلمة في النصوص الفصيحة إلى مدلولات مجازية اقتضاها تطور الفكر العربي بعد ظهور الدين الإسلامي، لتتبين منه دقة المصطلحات العلمية والثقافية والسياسية التي يستوجب التعبير عن شؤون الحياة وضعها، وليكون هذا المعجم واحدًا من موارد المصحح اللغوي، ومعينًا له في الحكم على فصاحة الكلام أو خطئه.


المصادر:
- الجنى الداني في حروف المعاني، حسن بن قاسم المرادي ت749هـ، تحقيق طه محسن، الموصل 1976م.
- الخصائص، أبو الفتح بن جنّي ت393هــ، تحقيق محمد علي النجار (ج3) دار الشؤون الثقافية، بغداد 1990م.
- دراسة في حروف المعاني الزائدة، عباس محمد السامرائي، بغداد 1987م.
- درة الغواص في أوهام الخواص، أبو محمد الحريري ت516هـ، مصورة عن نشرة ليبسك 1871م.
- ديوان ذي الرمة، نشرة كار ليل مكارثي، كمبرج 1919م.
- ديوان عنترة، تحقيق محمد سعيد مولوي، المكتب الإسلامي، ب.ت.
- ديوان الهذليين، دار الكتب المصرية 1965م.
- سرُّ صناعة الإعراب، أبو الفتح بن جني (جـ1) تحقيق مصطفى السقا، ومحمد الزفزاف، وإبراهيم مصطفى، وعبدالله أمين، القاهرة 1954م.
- شرح ألفية ابن مالك، بهاء الدين بن عقيل ت769هـ، (ط14) تحقيق محمد محي الدين عبدالحميد، القاهرة 1964م.
- شرح تسهيل الفوائد وتكميل المقاصد، جمال الدين بن مالك، ت672هـ، مخطوطة مكتبة عاطف أفندي باستنبول رقم 2493 (مصورتي).
- شرح التصريح على التوضيح، خالد الأزهري ت905هـ، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة ب.ت.
- شرح ديوان حسان بن ثابت الأنصاري، عبدالرحمن البرقوقي، مطبعة السعادة بمصر ب.ت.
- شرح الكافية، الرضي الإستراباذي ت686هـ، طبع (1310هـ).
- شعر الراعي النميري، تحقيق الدكتور نوري حمودي القيسي، وهلال ناجي، بغداد 1980م.
- شعر النابغة الجعدي، دمشق 1964م.
- صحيح مسلم (بشرح النووي) نشرة محمد محمد تامر، (جـ9) القاهرة 1999م.
- مختار الصحاح، محمد الرازي ت666هـ، الكويت 1983م.
- النوادر في اللغة، أبو زيد الأنصاري ت205هـ، (ط3) بيروت 1967م.


_________________________________
[1] سهل محمد السجستاني ت248هـ.
[2] عبدالملك بن قريب ت217هـ.
[3] ديوانه ص653.
[4] الخصائص 3/298.
[5] يراجع كلام ابن جني في الخصائص (باب في سقطات العلماء) 3/285-312.
[6] ينظر تضعيفه لغة (قاما الرجلان) ص108 وردّ شهاب الدين الخفاجي عليه في (شرح درّة الغواص) ص152.
[7] مع المجلات العربية ومسألة التصحيح اللغوي (مقال)... الدكتور إبراهيم السامرائي، مجلة البحوث والدراسات العربية، ص10 وص23-24/العدد15/سنة 1988م.
[8] ومنه الحديث الشريف (إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفًا). صحيح مسلم (بشرح النووي) 9/294.
[9] ص16 من مقال (نظرات في أساليب التعريب).
[10] ص17 من المصدر نفسه.
[11] ينظر: دراسة في حروف المعاني الزائدة. عباس محمد السامرائي، المبحث الرابع (الباء الزائدة) ص31-48.
[12] شعره ص216. والجَنَى الداني ص113.
[13] شعره ص101. والجَنَى الداني ص235.
[14] ديوانه ص362.
[15] شرح التصريح على التوضيح، خالد الأزهري 1/202.
[16] ديوانه ص201. وسرّ صناعة الإعراب 1/150.
[17] ديوان الهذليين 1/5.
[18] سرّ صناعة الإعراب 1/152.
[19] النوادر في اللغة، أبو زيد الأنصاري ص73. والبيت الأول في سرّ صناعة الإعراب 1/154.
[20] سرّ صناعة الإعراب 1/153.
[21] شرح تسهيل الفوائد، الورقة 184 و(مخطوط). والجَنَى الداني ص113.
[22] شرح الكافية 2/328. ودراسة في حروف المعاني الزائدة ص45.
[23] سرّ صناعة الإعراب ص153.
[24] مختار الصحاح، محمد الرازي (ت666هـ) ص316.
[25] شرح ابن عقيل على ألفية ابن مالك 1/539.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.14 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.51 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.60%)]