عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 25-11-2019, 02:45 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,074
الدولة : Egypt
افتراضي أوبة (قصة قصيرة)

أوبة (قصة قصيرة)
محمد صادق عبدالعال




يلج الدار بعد الثانية من هاجرة كل يوم، فيدفع الباب دفعةً ينزوي على إثرها البنون والبنات، ويسود الصمت بعد ضوضاء مزعجة، وتختبئ الصغيرة في صدر أمِّها وقد اكتسبتْ خبرة السكون المنقذ كسائر أخواتها.

تتجمَّل الأم باصطناع الرضا وابتسامة بتراء، يدلف إلى حجرته وقد صدع باب الغرفة صدعة تقل قليلًا عما قبلها ليقيل حتى يأتي موعد الغداء.

يشرع في التنصُّل من ملابسه الرسمية، وقد دعاه داعي النوم إلى سريره المجهز وحجرته الرطبة شبه المعتمة، والمتفق على أنه ممنوع الاقتراب منها أو الإزعاج.

يسارع في الخلاص منها ويطل غير عابئ من نافذة الحجرة المشرفة على الشارع، فيرى "هِرةً" حائرة تدور حول نفسها، مَن يراها يقطع بأنها غير طبيعية، أو أنها تستجير بمنقذ.


يدعوه الفضول إلى الانتباه إليها وهي تحاول جاهدة أن تخرج رضيعها الذي عَلِقَ وأشرف على السقوط المميت بقارعة الرصيف الصلد الساخن من حر "آب".

تيئَس من حضور المنقذ، فتسارع في إخراجه هي، فتقبض عليه قبضة دون أن تغمسَ أنيابها في بطنه، ثم تنزعه نزعًا من بين براثن الهلاك الحتمية، تَلعقه بلسانها، ثم تقذفه بين أترابه الجائعين، تضمُّهم إليها ضمةً، فيجتمعون كلهم حولها، تندس رؤوسهم من تحتها، تَمتلئ بطونهم، ينامون، تخرج من بينهم تدور حولهم دورة الحارس حول مقار خدمته، تَستكين وهي راضية بالشقاء لأجلهم.



ينكِفئ الوالد شارد الذهن وقد لفظَه سريره المجهز، وفَرَّت بواعث النوم من عينيه فرارًا، فلم يدعها ثانية إليه.
يفتح الباب بهدوء ويَبتسم ابتسامته غائبة من زمن بعيد، ينحدر الأبناء لصدره، يستجير بهم من قسوة أيام الغربة.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 15.38 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 14.76 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (4.08%)]