عرض مشاركة واحدة
  #48  
قديم 23-05-2020, 02:28 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان

إِنَ الحَمدَ لله نَحْمَدَه وُنَسْتعِينَ بهْ ونَسْتغفرَه ، ونَعوُذُ بالله مِنْ شِروُر أنْفْسِنا ومِن سَيئاتِ أعْمَالِنا ، مَنْ يُهدِه الله فلا مُضِل لَه ، ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له
ومَنْ يُضلِل فَلا هَادى له ، وأشهَدُ أنَ لا إله إلا الله وَحْده لا شريك له ، وأشهد أن مُحَمَداً عَبدُه وَرَسُوُله ..
اللهم صَلِّ وسَلِم وبَارِك عَلى عَبدِك ورَسُولك مُحَمَد وعَلى آله وصَحْبِه أجْمَعينْ ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحْسَان إلى يَوُمِ الدِينْ وسَلِم تسْليمَاً كَثيراً
.. أمْا بَعد ...
حياكم الله جميعاً أيها الأحبة الكرام ، وطبتم وطاب ممشاكم وتبوأتم جميعاً من الجنة



عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان

(30)






محمود العشري


الوسيلة التاسعة والأربعون: التفريج عن المسلم، والتيسير عليه، وستره وعونه:
وكل واحدٍ من هذه عبادة مستقلة، وورَد في كلٍّ منها نصوصٌ خاصة تحثُّ عليه.
ففي الستر مثلاً يقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [النور: 19]، وقال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم: ((لا يَستر عبد عبدًا في الدنيا، إلاَّ ستَره الله يوم القيامة))، والستر في الآخرة يكون - إن شاء الله - لأهل الجنة لا لأهل النار، وقد روى ابن ماجه وصحَّحه الألباني أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَن ستَر عورة أخيه المسلم، ستَر الله عوْرته يوم القيامة، ومَن كشَف عورة أخيه المسلم، كشَف الله عوْرته؛ حتى يَفضَحه بها في بيته)).
وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما من امرئ مسلم، يرى من أخيه عورة فيَسترها، إلاَّ أدخلَه الله بها الجنة))؛ رواه الطبراني في "الأوسط"، وضعَّفه الألباني بلفظ: ((لا يرى مؤمنٌ من أخيه عوْرةً فيَسترها عليه، إلاَّ أدخَله الله بها الجنة)).
وفي الحديث الذي حسَّنه الألباني، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((أفضل الأعمال إدخال السرور على المؤمن؛ كسوتَ عوْرته، وأشبَعتَ جوْعته، أو قَضيتَ له حاجة)).
وفي حديث عائشة الذي رواه أحمد وصحَّحه الألباني، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاث أحْلِف عليهنَّ: لا يجعل الله - عزَّ وجلَّ - مَن له سهمٌ في الإسلام كمَن لا سهمَ له، فأَسْهُم الإسلام ثلاثة: الصلاة والصوم والزكاة، ولا يتولَّى الله - عزَّ وجلَّ - عبدًا في الدنيا فيُولِّيه غيره يوم القيامة، ولا يحب رجلٌ قومًا إلاَّ جعَله الله - عزَّ وجلَّ - معهم، والرابعة لو حَلَفت عليها، رجوت ألاَّ آثَمَ: لا يَستر الله - عزَّ وجلَّ - عبدًا في الدنيا، إلاَّ ستَره يوم القيامة)).
ولكنيذكَرت هذه العبادات هنا جُملة؛ لأكتفي فيها بحديث واحدٍ، ثم ابْحَثْ أنت عن المزيد إن أردتَ المزيد، قال - صلى الله عليه وسلم - : ((مَن نفَّس عن مؤمن كُربة من كُرَب الدنيا، فرَّج الله عنه كُربة من كُرَب يوم القيامة، ومَن يسَّر على مُعسر، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومَن ستَر مسلمًا، ستَره الله في الدنيا والآخرة، والله في عوْن العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومَن سلَك طريقًا يلتمس فيه عِلمًا، سهَّل الله به طريقًا إلى الجنة، وما اجتمَع قوم في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله، ويتدارسونه بينهم، إلاَّ نزلَت عليهم السكينة، وغَشِيتهم الرحمة، وحَفَّتهم الملائكة، وذكَرهم الله فيمَن عنده، ومَن بطَّأ به عمله، لَم يُسرع به نسبُه))، والحديث في صحيح مسلم.
وأخصُّ بالذِّكر من كلِّ هذا: قضاء حوائج المسلمين؛ فقد قال - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين: ((المسلم أخو المسلم؛ لا يَظْلمه، ولا يُسلِمه، ومَن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومَن فرَّج عن مسلم كُربة، فرَّج الله عنه بها كربة من كُرَب يوم القيامة، ومَن سَتر مسلمًا، ستَره الله يوم القيامة)).
فهلاَّ عَمِل كلُّ مسلم بتلك الوصيَّة النبوية الغالية المباركة، أم أنَّ أكثر الناس لا ينشغل إلاَّ بنفسه، ولسان حاله يقول: نفسي، نفسي.
أين الذين كانوا يمشون في حوائج إخوانهم رغبةً فيما عند الله؟! أين هذا الصِّنف الكريم العزيز الذين كان الله يَستعملهم لإدخال السرور والسعادة على المسلمين؟!
أسأل الله أن يُؤلِّف بين قلوب المسلمين، وأنْ يَجمع شَتاتهم، وأن يجعلَهم جميعًا كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحُمَّى.
كما أخصُّ أيضًا إقالة عثرة المسلم؛ ففيها من التفريج عن المسلم ما فيها، ولا سيَّما لو دخَل الندم إلى هذا المسلم؛ قال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه أبو داود، وابن ماجه، وأحمد، وصحَّحه الألباني: ((مَن أقال مسلمًا، أقال الله تعالى عَثْرته))، وفي رواية عند أبي داود: ((من أقال مسلمًا، أقاله اللهُ عَثْرتَه))، وزاد ابن ماجه - كما في فضائل الأعمال للمَقدسي -: ((يوم القيامة)).
فائدة:
الإقالة في اللغة: الرفع والإزالة، ومِن ذلك قولهم: أقال الله عَثرته، إذا رفعَه من سقوطه، ومنه: الإقالة في البيع؛ لأنها رفْع العقد، وهي في اصطلاح الفقهاء: رفْع العقد وإلغاء حُكمه وآثاره بتراضي الطرَفين.
وتجري الإقالة في العقود الملزمة، وأكثر ما تقع في البيع، وتكون مندوبة إذا ندِم أحدُ الطرفين، وشعَر بحاجته الماسَّة إلى الرجوع في العقد.
وتكون الإقالة بالإيجاب والقَبول الدَّالَّيْن عليها، وتتوقَّف في قَبولها على رضا الطرَفين.
الوسيلة الخمسون: كَظْم الغيظ، وتجنُّب الغضب:
فهذا من حُسن الخُلق في المعاملات، وهو مما يُدخِل الجنة، ففي الحديث الذي رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه، وحسَّنه الألباني، قال - صلى الله عليه وسلم - : ((مَن كظَم غيظًا وهو قادر على أن يُنْفِذه، دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة، حتى يُخيِّره من الحُور العِين ما شاء)).
ومعلوم أنَّ أيَّ غضب تَصْحبه رغبة في الانتصار للنفس، قلَّ هذا الغضب أم كَبِر، ويَنتاب صاحب الغضب غيظٌ يدفعه للانتقام أو التشفِّي، قلَّ الغضب أم كَبر؛ ولهذا كان تجنُّب الغضب سببًا لكَظْم الغيظ؛ كما روى الطبراني - وقال الألباني: صحيح لغيره - أنَّ رجلاً قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: دُلَّني على عملٍ يُدخلني الجنة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تَغضب ولكَ الجنة)).
الوسيلة الحادية والخمسون: كفَّارة المجلس:
قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن جلَس في مجلس، فكَثُر عليه لَغَطُه، فقال قبل أن يقومَ من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمْدك، أشهد أنْ لا إله إلا أنت، أستغفرُك وأتوب إليك، إلاَّ غُفِر له ما كان في مجلسه ذلك))، والحديث رواه الترمذي، والحاكم، وصحَّحه الألباني.
وكثير من الناس يُكثرون في مجالسهم من اللغو واللغط، وعلى الرغم من ذلك، فإنه إذا أرادَ أن ينصرف، فإنه ينسى هذه الكلمات التي يَجعلها الله سببًا لمغفرة ذنوبه في هذا المجلس، فيا ليتنا نحفظ لسانَنا في مجالسنا، ولا ننسى دعاءَ كفارة المجلس؛ حتى نلقَى الله تعالى بصفحة بيضاء، خالية من الذنوب والأوْزار.
الوسيلة الثانية والخمسون:السعي على الأرملة والمسكين:
قال - صلى الله عليه وسلم - في صحيح البخاري: ((الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله))؛ قال الراوي: وأحسبُه قال: ((كالقائم لا يَفْتُر، وكالصائم لا يُفْطِر)).
الوسيلة الثالثة والخمسون: صلاة ركعتين بعد فعْل الذنوب:
إذا قدَّر الله وابتُليتَ بفعْل معصية غلبتْك نفسك عليها، فاهْرَع إلى الصلاة، وناجِ ربَّك، وتضرَّع إليه أن يغفرَ لك ويُعافيك؛ قال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه أبو داود: ((ما من عبدٍ يُذنب ذنبًا، فيُحسن الطُّهور، ثم يقوم فيُصلي ركعتين، ثم يَستغفر الله، إلاَّ غفر له)).
الوسيلة الرابعة والخمسون: صيام النوافل:
أين مَن يَحرص على صيام النوافل من بعد رمضان؟! أين مَن يتَّبع هدْي النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي لَم يترك خيرًا إلاَّ دَلَّنا عليه، ولَم يترك شرًّا إلاَّ وحذَّرنا منه، ففي الصحيحين ومسند أحمد، وسُنن الترمذي قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن صام يومًا في سبيل الله، بعَّد الله وجْهه عن النار سبعين خريفًا))، فحافِظْ - أخي يا بن الإسلام - على صيام النوافل، وهي كثيرة، ومن أهمها:
صيام الاثنين والخميس؛ قال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه النسائي، وصحَّحه الألباني: ((تُعرَض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحبُّ أن يُعرض عملي وأنا صائم)).
ثلاثة الأيام البيض من كلِّ شهر مدرجة لخير الصيام؛ قال - صلى الله عليه وسلم - كما عند البخاري: ((صوم ثلاثة أيام من كلِّ شهر صومُ الدَّهر كله))، وقال لابن عمرو - كما في الصحيحين -: ((صُمْ من كلِّ شهر ثلاثة أيام؛ فإنَّ الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر)).
ويُسْتَحبُّ أن تكون أيام: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة؛ فقد قال - صلى الله عليه وسلم - لأبي ذَرٍّ: ((يا أبا ذَر، إذا صُمْتَ من الشهر ثلاثة أيام، فصمْ ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخَمس عشرة))، والحديث رواه الترمذي والنسائي، وصحَّحه الألباني، وقال - كما عند النسائي وأبي يَعْلى، وحسَّنه الألباني -: ((صيام ثلاثة أيام من كلِّ شهر صيام الدهر، وهي أيام البيض: صبيحة ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة)).
فاجتهدْ أن تصوم في بقيَّة عُمرك ولو ثلاثة أيام من كلِّ شهر؛ فإن لهم أجرًا عظيمًا عند الله -تعالى.
يوم عرفة لغير الحاج؛ قال - صلى الله عليه وسلم - كما روى مسلم: ((صيام يوم عَرَفة يُكَفر السنة الماضية والباقية))، وعند الترمذي، وابن حِبَّان، وصحَّحه الألباني: ((صيام يوم عرفة، إني أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء، إني أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله)).
يوم عاشوراء ويوم قبله؛ قال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم: ((صيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله))، وأمَّا عن اليوم الذي قبله، فدليله ما قاله ابن عباس حين صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم عاشوراء، وأمَر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تُعَظِّمه اليهود والنصارى، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((فإذا كان العام المقبل - إن شاء الله - صُمنا اليوم التاسع))، قال: فلمْ يأتِ العام المُقبل حتى توفِّي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والحديث في صحيح مسلم وسُنن أبي داود، وصحَّحه الألباني.
ست من شوال؛ قال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم: ((مَن صام رمضان، وأتْبَعه بستٍّ من شوال، كان كصوم الدهر))، وقال - صلى الله عليه وسلم - كما عند أحمد والنسائي، وصحَّحه الألباني: ((صيام شهر رمضان بعشرة أشهر، وصيام ستة أيام بعده بشهرين، فذلك صيام السنة)).
واعلم أنه يجوز صيام هذه الأيام السِّتة من شوال مُتتابعة أو متفرِّقة في أيِّ أيام الشهر، عدا اليوم الأوَّل وهو يوم عيد الفطر؛ فإنه يَحرُم صيامُه.
صيام شعبان؛ ففي الصحيحين عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ما رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استكمَل صيام شهر قطُّ، إلاَّ شهر رمضان، وما رأيتُه في شهر أكثر منه صيامًا في شعبان".
صيام أكثر المحرَّم؛ قال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم وغيره: ((أفضل الصيام بعد رمضان شهرُ الله المحرَّم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل)).
ولعلَّه يُشكل على ذلك أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أكثر ما يصوم في شعبان، فلماذا لَم يَصُم في المحرَّم مثلما كان يصوم في شعبان؟!
أجاب العلماء عن ذلك بعدة أجوبة؛ منها: ما قاله النووي: لعلَّه لَم يَعلم فضْل المحرَّم إلا في آخر الحياة، قبل التمكُّن من صومه، أو لعلَّه كان يَعرِض فيه أعذارٌ تَمنع من إكثار الصوم فيه، كسفرٍ أو مرض، ومنها: ما ذهَب إليه ابن رجب من أن التطوُّعَ بالصوم نوعان:
الأول: التطوُّع المُطلق، فهذا أفضله المحرَّم، كما أنَّ أفضل التطوع المطلق في الصلاة قيام الليل، والثاني: ما كان صومه تَبَعًا لصيام رمضان قبله أو بعده، فهذا مُلتحق بصيام رمضان، وصيامه أفضل من التطوع مُطلقًا، كالسُّنن الرواتب، فهي أفضل من السُّنن المطلقة.
صيام يوم وفطر يوم؛ ففي الصحيحين: ((أحبُّ الصيام إلى الله صيام داود، كان يصوم يومًا ويُفطر يومًا)).
عشر ذي الحِجة؛ فعند أبي داود والنسائي عن هُنَيْدة بن خالد عن امْرأته عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم تسع ذي الحِجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كلِّ شهر، وأوَّل اثنين من الشهر والخميس"، والحديث صحَّحه الألباني.
وهنالك احْرص على السَّحُور متأخِّرًا وعجِّل الإفطار، واحْرِص على أن يصومَ معك أهل البيت، وشجِّعهم على ذلك، واجْتمِعوا على الإفطار والسحُور، واحْرِص كذلك على إفطار الصائم، ادْعُ غيرَك إلى الصيام، وفطِّر الصائمين.
تنبيه: فيما يتعلَّق بصوم رجب:
لَم يَثبت فضيلة الإفراد لصوم شهر رجب، ولا صيام أيَّام منه، بل صيامه كباقي الشهور؛ مَن كان له عادة بصيام، فهو على عادته، ومَن لَم يكن له عادة، فلا وجْه لتخصيص صومه، ولا صوم أوَّله، ولا ليلة السابع والعشرين منه بصومٍ، بل ثبَتَ عن عمر النهي عن ذلك؛ فعن خَرَشَة بن الحُرِّ، قال: "رأيتُ عمر يَضرِب أكفَّ الناس في رجب، حتى يضعوها في الجِفان، ويقول: كُلوا؛ فإنما هو شهر تعظِّمه الجاهليَّة"؛ رواه ابن أبي شَيبة، وصحَّحه الألباني، قال الألباني: "إن نَهْيَ عمر عن صوم رجب - المفهوم من ضرْبه للمترجِّبين - ليس نَهْيًا لذاته، بل لكيلا يلتزموا صيامه ويُتِمُّوه، كما يفعلون برمضان"، قال ابن قدامة: "ويُكْرَه إفرادُ رجب بالصوم".
وثَبَتت كَراهة صومه عن ابن عباس وأبي بَكْرة، وأنس وغيرهم، وأمَّا حديث: ((صُمْ من الحُرُم واترُك))، فهو حديث ضعيف؛ رواه أبو داود، وابن ماجه، والنسائي، وضعَّفه الشيخ الألباني، فلا يصحُّ الاحتجاج به، وإن صحَّ، فليس فيه دليلٌ على تخصيص رجب بصوم، وعلى هذا فيجوز الصيام في رجب إذا وافَق له عادة بصيامٍ، وأمَّا إن خَصَّه أو اعتقَد أنَّ لصيامه فضيلةً خاصة، فهذا لا دليلَ عليه، والله أعلى وأعلم.
الوسيلة الخامسة والخمسون:حفظ اللسان والفَرْج وغَض البصر:
وكذلك ستْر العورة، والحَذَر من الاختلاط، ومسِّ الأجنبيَّات، والحديث معهنَّ فيما لا حاجة فيه؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ ﴾ [النور: 30]، وسأل عبدالله بن عمرو بن العاص النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، عَوراتنا ما نأتي منها وما نذَر؟ قال: ((احفَظ عورتك إلاَّ من زوجتك أو ما مَلَكت يمينُك))، قال: قلت: يا رسول الله، إذا كان القوم بعضهم في بعض؟ قال: ((إنِ استطَعت ألاَّ يَرَيَنَّها أحدٌ، فلا يَرَيَنَّهَا))، قال: قلت: يا رسول الله، إذا كان أحدنا خاليًا؟ قال: ((الله أحقُّ أن يُستَحْيَى منه من الناس))؛ والحديث رواه أبو داود، والترمذي، وابن ماجه، وأحمد، وحسَّنه الألباني، وروى الطبراني في الكبير وصحَّحه الألباني: ((لأن يُطعَنَ أحدكم بِمِخْيَط من حديد، خيرٌ له من أن يَمسَّ امرأة لا تَحِلُّ له)).
وفي الصحيحين: ((لا يخلوَنَّ رجل بامرأة، إلاَّ ومعها ذُو مَحْرم، ولا تسافر المرأة إلاَّ مع ذي مَحْرم))، وفي الصحيحين: ((كُتِب على ابن آدمَ نصيبُه من الزنا، مُدْرِكٌ ذلك لا مَحالة، فالعينان زناهما النظر، والأُذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البَطش، والرِّجل زناها الخُطى، والقلب يهوى ويتمنَّى، ويُصدِّق ذلك الفرجُ أو يُكَذِّبه))، وفي رواية: ((واليد زناها اللمس)).
وهذا الباب من أعظم أبواب فساد القلوب؛ أعني: إطلاق البصر وعدم حِفظ الفرْج، فهو من أقصر طُرق إبليس لتحقيق غرضه في إفساد القلوب، وباب الشهوة الجنسيَّة من أسباب عمى القلب، نسأل الله العافية.
وحِفظ الفَرْج يكون عمَّا حرَّمه الله عليه؛ سواء من الزنا، أو اللواط، أو الاستمناء، أو الجِماع في الدُّبر، أو القُبُل في زمان الحيْض، أو غير ذلك؛ إذ كلُّ تفريغ للشهوة في غير الموضع الذي أحلَّه الله، وبغير الطريقة التي شرَعها، حرامٌ ينبغي حِفْظ الفرج عنه؛ للفوز بالثواب العظيم الذي ذكَره النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله في الحديث المتفق عليه: ((مَن يَضْمن لي ما بين لِحييه وما بين رِجليه، أضمَنْ له الجنة)).
وحِفظ اللسان يكون من المحرَّمات التي يكون آلتَها؛ كأكل الحرام، والغيبة والنميمة، والقذف والسَّب واللعن، وكل ما حُرِّم من الكلام، فلا تتكلم إلاَّ بالخير، وإلاَّ فاصْمُت، واحْذَر من كَثرة الضَّحك والمُزاح، ومن آفات اللسان جميعها؛ قال تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرًا أو ليَصْمُت))؛ والحديث في الصحيحين.
وهذه الوسيلة تجرُّنا إلى الكلام عن بعض آداب اللسان، فاللسان هو المترجم لِمَا حواه الجَنان، يزرع بقوله الحسنات والسيئات، اللسان هو وزير البَدن، والقلب هو الملك، وبصلاحهما يصلح البَدن، وبفسادهما يفسد البدن، بكلمة يدخل المرء دينَ الإسلام، وبكلمة يخرج منه، وبكلمة يَنال رضوان الله، وبكلمة يستحقُّ سَخطه.
فمن آداب اللسان:
1- حِفظ اللسان، واجتناب فضول الكلام؛ فأكثر الناس ذنوبًا يوم القيامة أكثرُهم كلامًا في معصية الله تعالى.
2- عدم الخوض في الباطل؛ قال الربيع بن خُثَيْم - رحمه الله -: "لا خيْرَ في الكلام إلاَّ في تسع: تهليل وتكبير، وتسبيح وتحميد، وسؤالك من الخير، وتعوُّذك من الشرِّ، وأمْرك بالمعروف ونَهْيك عن المنكر، وقراءتك للقرآن".
3- اجتناب الفُحش والبذاءة؛ فـ((ليس المؤمن بالطعَّان ولا اللعَّان، ولا الفاحش ولا البذيء))؛ كما في صحيح سُنن الترمذي.
4- اجتناب اللعن، والتقعُّر في الكلام.
5- صِدق الأقوال والأفعال، فينبغي على المسلم أن يقول الصِّدق، ويتحرَّاه في كل أقواله وأفعاله، ويَجتنب الكذب؛ لأنه لا يَليق بالمؤمن أن يكون كذَّابًا.
6- ترْك السُّخرية والاستهزاء، وترك الغيبة - وهي ذِكر أخيك المسلم بما يَكره - وترْك النميمة - وهي نقْل الكلام بين المسلمين بقَصْد الضَّرر وإفساد ما بينهم، وقطْع الصِّلة - وإنْ أتاك النمَّام، فعليك بستة أمور:
ألاَّ تُصَدِّقه؛ لأن النمَّام فاسقٌ، فيكون مَردود الشهادة.
أنْ تَنهاه عن ذلك؛ لأنَّ النهي عن المنكر واجبٌ؛ قال الإمام الشافعي- رحمه الله -: "قَبول السعاية أضرُّ من السِّعاية؛ لأنَّ السعاية دَلالة، والقَبول إجازة، وليس مَن دلَّ على شيء كمَن قَبِل وأجَاز، والساعي ممقوت إذا كان صادقًا؛ لهَتْكه العوْرة، وإضاعته الحُرمة، ومعاقَب إن كان كاذبًا؛ لمُبارزته الله بقَبول البُهتان وشهادة الزور.
أن تبغضه في الله تعالى؛ فإنه عاصٍ، وبُغض العاصي واجبٌ.
ألاَّ تظنَّ بأخيك الغائب ظنَّ السوء؛ فإن إساءةَ الظنِّ بالمسلم حرامٌ.
ألاَّ تتجسَّس عن أمْره؛ فإن الله تعالى نَهَى عن التجسُّس.
ما لا ترضى من هذا النمَّام، فلا تفعله أنت، وهو ألاَّ تُخبر أحدًا بما أتاك به هذا النمَّام.
7- الذَّب عن أعراض المسلمين؛ ففي الحديث الحسن عند أبي داود: ((مَن حَمى مؤمنًا من منافق - أُرَاه قال: - بعَث الله ملَكًا يَحمي لَحمه يوم القيامة من نار جهنَّم، ومَن رمى مسلمًا بشيء يُريد شَيْنَه به، حَبَسه الله على جسْر جهنَّم، حتى يَخرج مما قال)).
8- شُكر المعروف باللسان.
9- التقليل من المُزاح؛ فإن مَن كَثُر كلامه وضَحِكُه ومُزاحه، قلَّت هيْبَته، ومَن أكْثر من شيء، عُرِف به.
10- استعمال اللسان في الإصلاح بين المتخاصمين.
11- قلة الكلام فيما لا يفيد، وتدبُّر الكلام قبل النُّطق به؛ قال أنس بن مالك - رضي الله عنه - لرجل قد بعَثه في حاجة: "إيَّاك وكلَّ أمْر تريد أن تعتذرَ منه، وإذا أردْتَ أن تتكلَّم بكلامٍ، فانظُر فيه قبل أن تتكلَّم، فإن كان لك، فتكلَّم به، وإن كان عليك، فالصمُت عنه خيرٌ لك".
12- ترْك ما لا يَعنيه؛ فذلك من حُسن إسلام المرء؛ كما في صحيح سُنن الترمذي.
وغَضُّ البصر يكون عن النظر إلى الحرام عمومًا، وإلى النساء على وجْه الخصوص؛ فإن النظر سهمٌ مسموم من سهام إبليس، ورُبَّ سهمٍ يقتل؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ﴾ [النور: 30 - 31]، وفي حديث: "حق الطريق" المُتفق عليه، لَمَّا سُئِل - صلى الله عليه وسلم -: وما حقُّه يا رسول الله؟ قال: ((غَضُّ البصر، وكَفُّ الأذى، ورَدُّ السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)).
الوسيلة السادسة والخمسون: إماطة الأذى عن الطريق:
قال - صلى الله عليه وسلم -فيما رواه مسلم: ((لقد رأيتُ رجلاً يتقلَّب في الجنة؛ في شجرة قطَعها من ظهر الطريق كانتْ تؤذي الناس)).
يا ألله، والله ما أسهل الجنة! ومشهور حديث: ((إماطة الأذى عن الطريق صدقة))، والأذى في الطريق عام في كلِّ ما يؤذي؛ من حَجَرٍ أو شجر، أو شوْك أو قشور، تؤذي المارَّة، أو أغانٍ أو متبرِّجات، أو غير ذلك، فيدخل في إماطة الأذى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالضوابط الشرعيَّة.
وهكذا يكون المسلم صاحب القلب الرحيم الذي يخشى على مَن حوْله أن يُصيبَهم أيُّ نوع من أنواع الأذى، بل ويُسارع إليهم بكلِّ معروف وإحسان، وهذه هي أخلاق المسلمين والإسلام.
وفيصحيح الجامع الصغير: ((مَن أخرَج من طريق المسلمين شيئًا يُؤذيهم، كتَب الله له به حسنةً، ومَن كتَب له عنده حسنة، أدْخَله بها الجنَّة)).
فأكْثِر أخي الحبيب من إماطة الأذى الذي مُلِئت به طُرق المسلمين، لتَكْثُر صدقاتُك، فلعلَّ الله يُدخلك الجنة بها، كالرجل الذي ذكَره - صلى الله عليه وسلم - في الحديث.
وهذه الوسيلة - يا بن الإسلام - أحد آداب الطريق، والطريق هو المكان الذي يسير الناس فيه، ويَلتقون فيه، ويَصِلون من خلال عبوره والسَّيْر فيه إلى بيوتهم، فيشمل السوق وغيره.
وقد اهتمَّ الإسلام الحنيف بالطريق، حتى جعَل إماطة الأذى عنه شُعبة من شُعَب هذا الدين القويم؛ كما في صحيح مسلم، لكن واأسفاه على شباب العصر، الذين أصبَحوا يتسكَّعون في الطُّرقات، أصبحنا نرى كثيرًا منهم يسير ليلاً ونهارًا في عَرْض الطرقات، يسيرون دون حياءٍ أو أدب أو أخلاقٍ، وكأنَّ ماء الفضيلة لَم يَجْرِ في عروقهم، أصبح لا يَحلو لهم إلاَّ أن يَجلسوا على قارعة الطريق، ويدَّعون بأنَّ هذه هي المدَنيَّة؛ نسأل الله أن يَهْدينا ويَهدي شباب المسلمين.

يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.22 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.60 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.56%)]