عرض مشاركة واحدة
  #45  
قديم 21-05-2020, 04:18 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,014
الدولة : Egypt
افتراضي رد: عون الرحمن في وسائل استثمار رمضان ----يوميا فى رمضان

هذا، ومن آداب السواك:
1- أن يتسوَّك قبل الوضوء؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عند البيهقيِّ ومالك، وأحمد، وصححه الألباني: ((لولا أن أشقَّ على أمتي، لأمرتُهم بالسِّواكِ مع كلِّ وضوء)).
2- أن يتسوَّكَ قبل الصلاة؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عند أحمد والترمذي وصححه الألباني: ((لولا أن أشقَّ على أمتي، لأمرتهم بالسواك عند كلِّ صلاة)).
3- أن يتسوَّكَ عند الانتباهِ من النوم؛ لحديث حذيفة - رضي الله عنه - "أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان إذا قام من الليلِ يَشُوص فاه بالسِّواك"؛ وهو في "صحيح البخاري"؛ و"يَشُوص" يعنى: يدلك وينقي.
4- أن يتسوَّكَ قبل قراءةِ القرآن؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه البيهقيُّ وصححه الألباني: ((طيِّبوا أفواهَكم بالسِّواكِ؛ فإنَّها طُرُق القرآن)).
5- أن يتسوَّكَ يوم الجمعة؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في جمعةٍ من الجمع: ((يا معشر المسلمين، إنَّ هذا يومٌ جعله الله عيدًا، فاغتسلوا، ومن كان عنده طيبٌ، فلا يضرُّه أن يمسَّ منه، وعليكم بالسِّواك))؛ رواه البيهقي وصححه الألباني.
6- أن يتسوَّكَ عند دخولِ المَنْزل؛ فقد روى مسلمٌ عن شُرَيح بن هانئ قال: "سألتُ عائشةَ - رضي الله عنها - قلت: بأيِّ شيء كان يبدأ النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا دخلَ بيتَه؟ قالت: بالسِّواك".
7- أن يتسوَّكَ عند إطالةِ السكوت، وصُفْرة الأسنان، وعند تغيُّر رائحةِ الفم.
8- يُكره استعمالُ سواكٍ جافٍّ وخشن؛ لئلاَّ يؤذي الإنسان.
9- يجوزُ أن يتسوَّكَ بيدِه اليمنى أو اليسرى.
10- احرص على نظافةِ سواكك، وغيِّر فرشاتِه كلَّ ثلاثة أيام.
11- انوِ باستخدامِك السواكَ إحياءَ السنة.
الوسيلة السادسة والثلاثون: الهدية في رمضان:
الهديَّةُ شعيرةٌ إسلامية، وهي سببٌ عظيم للتآلفِ بين القلوب واجتماعها، وشيوع المودة بين المسلمين، وهذا من أعظمِ ما جاءت به الشَّريعةُ الإسلامية.
والهدية هي: دفعُ شيء سواء كان مالاً أو سلعة إلى شخصٍ معين؛ لحصولِ الأُلفةِ والثواب من غيرِ طلب ولا شرط، وهي عطيةٌ بلا مقابل، فالهدية تقرِّبُ بين القلوب، وتزيلُ الضَّغائن؛ ويقول - صلَّى الله عليه وسلَّم - في الحديثِ الحسن: ((تهادوا تحابوا))، والهديةُ تُقبَل؛ لأنَّها تُوجِد محبة؛ روى أحمد والبخاريُّ في "الأدبِ المفرد" وصححه الألباني أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا تردُّوا الهدية))، ولكن من السنَّةِ أن نثيبَ عليها؛ فقد روى البخاريُّ عن عائشةَ - رضي الله عنها - قالت: كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يَقبل الهديةَ ويثيب عليها:
إِنَّ الْهَدَيَّةَ حُلْوَةٌ
كَالسِّحْرِ تَجْتَذِبُ الْقُلُوبَا

تُدْنِي الْبَعِيدَ مِنَ الْهَوَى
حَتَّى تُصَيِّرَهُ قَرِيبَا

وَيَصِيرُ مُضْطَغَنُ العَدَا
وَةِ بَعْدَ بَغْضَتِهِ حَبِيبَا

إنَّ للهديةِ أثرًا عظيمًا في قلوبِ النَّاس، ولطالما كانت الهديةُ سببًا في تأليفِ القلوب وهدايتها، ونحن نستطيعُ أن نفعلَ ذلك من خلالِ شراء بعضِ الكتيبات النافعة، والأشرطة الهادفة، لبعض العلماء والدُّعاة الأفاضل، ونخلص النيَّةَ عند شرائِها وإهدائها، فلعلَّ الله أن يَهدي بها مسلمًا أو مسلمة، فيكون ذلك في ميزانِ حسناتِك؛ فالدَّالُّ على الخيرِ كفاعلِه.
ولكن - للأسف - كادَتْ هذه السُّنة المباركة أن تَختفي بسببِ الحرصِ على جمع المال، وبسبب كثرة التشاحُنِ بين النَّاس من أجل حُطامِ الدُّنيا الزائل.
فاللهَ اللهَ في الهديَّةِ إخواني، وأحسنوا النِّيةَ - تقبَّلَ الله منِّي ومنكم - وقد تَدْخُل الهديةُ بحسنِ النية، في الصَّدقةِ الجارية، أو في معناها مثل: الشريط، الكتب، السِّواك... إلخ.
ويمكنك أن تستخدمَ هذا الكتابَ كهديةٍ تهديها لإخوانِك؛ تتألَّف به قلوبَهم، ويُكتب لك أجرُ ما يعملون مما يستفيدونه منه، وهذه غنيمةٌ باردة، دائمةٌ ما دامت نسختُك التي أخرجتَها، موجودة يُستفاد منها! فلا تبخلْ.
أنواع الهدية:
منها هديةُ المحبةِ والمودة، والتي يُقصد بها تثبيتُ الأخُوَّة، وحسن العشرة بين النَّاس.
وقد تكون الهديةُ من بابِ الصِّلةِ والبرِّ، إن كانت بين الأهلِ والأقارب.
وقد تكون من بابِ التقرُّبِ والتحبُّبِ إلى الله - تعالى - مثل الهدية إلى العلماءِ والصَّالحين.
وقد يُقصد بها التوسعةُ إن كانت من الغني إلى الفقير، وقد يُقصد بها تأليفُ القلوب.
وقد تكون هديةَ تشجيعٍ إذا أعطاها المدرِّسُ لأحدِ طلابه النُّجباء.
وقد تكون في مناسبةٍ كالعيدين، أو مناسبةٍ عائلية مثل الزواج، أو عند العودةِ من سفر.
وقد تكونُ للوالدين وهي من أعظمِ الهدايا؛ لأنَّ بِرَّ الوالدين واجب.
ومن أتحفِ الهدايا وأعظمها منفعةً النصيحةُ العلميَّة، التي تفيد الإنسانَ في دينِه ودنياه، فأكرمُ الهدايا علمٌ نافع، ونصيحةٌ موثوق بها، ومِدْحة صادقة.
ومن آداب الهدية:
1- قبول الهديةِ ولو كانت بسيطةً أو قليلة، وشكرُها، وحفظُ جميلِ مَنْ أهداها - ولو كانت يسيرة - كما قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في "صحيح البخاري": ((لو دُعِيتُ إلى ذراعٍ أو كُراعٍ، لأجبتُ، ولو أُهديَ إلىَّ ذراع أو كُراع، لقبلتُ)).
2- أن تشركَ من حضر معك في الهديةِ إن كانت تُقْسَم، كطعامٍ أو شراب أو نحوه.
3- تقديمُ الهديةِ لتأليف القلوب، وهذا خاصٌّ لمن دخلَ في الإسلامِ حديثًا، أو من كان عاصيًا غافلاً وعرفَ طريقَ الهداية، أو كان بينك وبينه عداوةٌ أو مخاصمة، ثم تَمَّ الصلحُ بينكما، فينبغي أن تقدمَ له هدية؛ ليتألفَ بها قلبُه ويرضى بها.
4- المكافأةُ على الهدية، وإعطاءُ هدية مقابلها، فمن أهداك هديةً يستحبُّ أن تهدي له هديةً مثلها، أو أغلى منها حسب ما تيسَّر لك.
5- شكر من أهدى إليك هدية؛ قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - في "صحيح سنن أبي داود": ((من أُعطِي عطاءً فوجد، فليَجْزِ به، فإن لم يجدْ فليُثْنِ به، فمن أثنى به فقد شكَره، ومن كتمَه فقد كفَرَه)).
6- أن يبادِلَ الدُّعاءَ بالدعاءِ، فحين يقال لك: جزاك الله خيرًا، فقل: وجزاكم، أو: وإياكم.
7- أن تقدِّمَ الهدية للأهمِّ فالأهم، أو للأقربِ فالأقرب.
8- مراعاةُ ظروفِ النَّاس وحاجتهم في الهدية؛ فإذا علمت من حالِ أخيك المسلم أنه يحتاجُ إلى طعامٍ، أهديتَ إليه الطَّعام، أو علمتَ أنه يحتاجُ إلى كسوةٍ، أهديتَ إليه ثيابًا.
9- إذا قدَّم لك أحدٌ هدية، وأنت لا تحبُّها، فينبغي ألا تردَّها، ويجوزُ لك أن تهبَها لأحد، أو تهديها لأحدٍ بدلاً من ردِّها؛ وذلك تطييبًا لخاطرِ مُهديها.
10- أن يتحرَّى المُهدي أحسنَ الأوقات وأنسبها، وكذلك أنسب الأماكن؛ لتصبحَ أوقع في النَّفسِ؛ فقد كان النَّاسُ يتحرَّوْن بهداياهم يومَ عائشة - رضي الله عنها - كما في "صحيح البخاري".
11- إذا قدَّم لك أحدٌ هديةً وردَدْتَها، ينبغي أن تُبيِّنَ سببَ الردِّ؛ حتى لا تسبب الحزنَ والحرج لذلك الشخص؛ كما فعل رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع الصَّعبِ بن جثامة الليثي، والحديثُ في "صحيح البخاري".
12- لا يجوزُ الرجوعُ في الهِبةِ أو الهديَّة؛ فإنَّك إذا أَهديتَ هديةً لشخصٍ ما، فإنَّها تصير مِلْكَه، ويحرمُ على المُهدي أو الواهب الرجوعُ في هديتِه أو هبته.
13- لا يجوزُ لأحدِ الأبوين أن يفضِّلَ أحدَ الأبناء على بعض، أو يخصَّه بهديةٍ دون الآخرين، لكن إذا أعطاه هديةً دون إخوانِه لسببٍ شرعي - كأن كان فقيرًا أو مريضًا - فلا بأس أن يخصَّهُ حينئذٍ، لكن يَنبغي أن يعزمَ في نفسِه أنه لو مرَّ أحدٌ من أبنائه الآخرين بالظرفِ نفسِه أن يعطيَه مثلَ ما أعطاه.
ما هي الحالات التي يجوز فيها ردُّ الهدية؟!
إذا كانت الهديةُ من مالٍ حرام أو فيه شبهة.
إذا كانت يُراد بها الرِّشوة.
إذا كان موظفًا، ولولا وظيفته ما أُهدِي إليه شيء.
إن كانت من كافرٍ أو فاسقٍ أو فاجر، وأراد أن يُبقي له منَّةً عليك، فلا تقبلْها.
وعمومًا، الهديةُ شيءٌ جميل، يوثِّق الصِّلاتِ، ويَزيدُ المودَّات، وكما قيل: الهديةُ تُذهبُ وغرَ الصَّدر، فاقبلِ الهدية، وأثنِ عليها، واحتفظْ بآدابها، تغنمْ وتَسْلم - إن شاء الله تعالى.
الوسيلة السابعة والثلاثون: الدعوة إلى الله:
قال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه مسلمٌ: ((مَن دعا إلى هدًى، كان له من الأجرِ مثل أُجورِ من تبعَه، لا ينقص ذلك من أجورِهم شيئًا))، فلك أن تتصوَّرَ - أخي الحبيب - كم من الحسناتِ تُسجَّل في صحيفتِك وأنت تدعو إلى الله، حتَّى ولو لم يهتدِ على يديك أحد، فيكفي أنك أعذرتَ إلى ربِّك، وقمتَ بالواجبِ عليك، فاجتهد في ذلك، وتحرَّك بهذا الدِّين، فإنَّ الحركةَ حياة، فأحْيِ الدِّينَ في نفسِك ومن حولك؛ يُحْيِك الله دائمًا في رضاه.
إنَّ طريقَ الدعوة طريقٌ رُسِمَت في السَّماء أعلامُه، وزكَتْ نفوسُ روادِه، ميدانُه في الأرض، وغايتُه في السَّماء، أئمته اصطفاهم الله؛ فكانوا خيرَ البشر، ونالوا من الذِّكرِ والأجر، وأسبغَ الله عليهم سبيلَ الهداية، فهم بين الدعوةِ والبلاء يتلذَّذون بالدُّعاء، أعلمُ النَّاسِ بالحقِّ، وأحرصُهم على هداية الخلق، كلما عظُمَ الخطب، لم يشغلْهم إلا مرضاة الرَّب، أسعدهم الله في الدُّنيا، وبشَّرهم بخيراتِ الآخرة، فأُجورُهم مُضاعَفة، وقرباتُهم لا تنقطع، آثارُ دعوتِهم في النَّاسِ أعمالٌ صالحة تُرفع إليهم بُكرةً وعشيًّا، فلِلَّه كم منَّ الله عليهم بأعظمِ منَّة، فرفعَ درجاتِهم بأعمالٍ لا تنقطع، ووفقهم إلى سبيلِ الدعوة، فحازوا أجورًا لا تسعُها أعمارُهم القصيرة.
الأمر بالمعروفِ والنهي عن المنكر: خاصة ما ظهر منه، بحسبِ القواعد الشرعيَّة؛ من العلم، والبدء بالرِّفق ما أمكنَ، والصبر، واحتمالِ الأذى، ومراعاة المصلحة والمفسدة بالضوابط الشرعية، ومراعاةِ القدرة والاستطاعة، وهذا من الواجباتِ التي غابتْ بين أبناء تلك الأمة الميمونة؛ قال - تعالى -: ï´؟ لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ï´¾ [المائدة: 78 - 79].
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه مسلمٌ وأحمد والترمذيُّ وابن ماجه: ((من رأى منكم منكرًا، فليغيِّرْه بيدِه، فإن لم يستطع فبلسانِه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعفُ الإيمان))، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه مسلمٌ وأحمدُ: ((ما من نبيٍّ بعثه الله في أمَّةٍ قبلي إلا كان له من أمتِه حواريُّون وأصحاب، يأخذونَ بسُنَّتِه، ويقتدون بأمرِه، ثم إنَّها تُخلف من بعدهم خُلوفٌ، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يُؤمَرون، فمن جاهدَهم بيدِه فهو مؤمِن، ومن جاهدهم بقلبِه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانِه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمانِ حبَّة خردل)).
وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أحمد والترمذيُّ وحسَّنه الألباني: ((والذي نفسي بيدِه، لتأمرُنَّ بالمعروف، ولتنهوُنَّ عن المنكرِ، أو ليوشِكَنَّ الله أن يبعثَ عليكم عقابًا منه، ثم تدْعونه فلا يُستجاب لكم)).
ولكن ينبغي مراعاةُ الحكمةِ في ذلك، ومعرفة ضوابط الأمرِ والنَّهي؛ حتى لا تترتب أمورٌ ومفاسدُ أعظم، وأنصحُكَ بدراسةِ بحث الدكتور/ ياسر برهامي: "فقه الأمر بالمعروف"؛ فإنه جيدٌ في هذا الباب.
التعاون على البرِّ والتقوى: قال - تعالى -: ï´؟ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ï´¾ [المائدة: 2]، فهذه الآية اشتملَتْ على جميعِ مصالح العباد في معاشِهم ومعادهم، فيما بينهم، وفيما بينهم وبين ربهم؛ فإنَّ كلَّ عبد لا ينفكُّ عن هاتين الحالتين، وهذين الواجبين: واجب بينه وبين الله، وواجب بينه وبين الخلق؛ فأمَّا ما بينه وبين الخلق من المعاشرةِ والمعاونة والصحبة، فالواجبُ عليه فيها أنَّ اجتماعَه بهم وصحبته لهم تعاونٌ على مرضاةِ الله وطاعته، التي هي غايةُ سعادةِ العبد وفلاحه، ولا سعادةَ له إلا بها؛ وهي البرُّ والتقوى اللذان هما جماعُ الدِّين كلِّه، وإذا أُفرِد كلُّ واحد من الاسمين دخل في مسمَّى الآخر، إما تضمُّنًا وإمَّا لزومًا، ودخوله فيه تضمنًا أظهر؛ لأنَّ البِرَّ جزءُ مسمَّى التقوى، وكذلك التقوى جزء مسمى البِر، وكون أحدِهما لا يدخلُ في الآخر عند الاقترانِ لا يدلُّ على أنه لا يدخلُ عند انفرادِ الآخر، ونظيرُ هذا لفظُ الإيمانِ والإسلام، والإيمان والعمل الصَّالح، والفقير والمسكين، والفسوق والعصيان، والمنكر والفاحشة، ونظائرُه كثيرة.
وهذه قاعدةٌ جليلة، مَن أحاطَ بها، زالتْ عنه إشكالاتٌ كثيرة أشكلَتْ على كثيرٍ من النَّاس، ولأذكر من هذا مثالاً واحدًا يُستدَلُّ به على غيرِه؛ وهو البر والتقوى، فإنَّ حقيقةَ البر: هو الكمالُ المطلوب من الشيء والمنافع التي فيه والخير، كما يدلُّ عليه اشتقاق هذه اللفظة وتصاريفها في الكلام، ومنه البُرُّ - بالضم - لمنافعِه وخيره بالإضافة إلى سائر الحبوب؛ ومنه رجل بارٌّ، وبَرّ، وكرام برَرَة، والأبرار، فالبِرُّ: كلمة جامعة لجميعِ أنواع الخير والكمال المطلوب من العبد، وفي مقابلته الإثم، وفي حديث النوَّاس بن سمعان أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال له: ((جئتَ تسأل عن البرِّ والإثم...))، فالإثم: كلمةٌ جامعة للشُّرورِ والعيوب التي يُذَم العبد عليها.
فيدخل في مسمى البر: الإيمانُ وأجزاؤه الظاهرة والباطنة، ولا ريبَ أنَّ التقوى جزءُ هذا المعنى، وكثيرًا ما يعبَّر عن بِرِّ القلب؛ وهو: وجود طعم الإيمان فيه وحلاوته، وما يلزم ذلك من طمأنينتِه وسلامته، وانشراحه وقوَّتِه، وفرحه بالإيمان؛ فإنَّ للإيمانِ فرحةً وحلاوة ولذَّةً في القلب، فمن لم يجدها، فهو فاقد الإيمان أو ناقصُه، وهو من القسمِ الذين قال الله - تعالى - فيهم: ï´؟ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ï´¾ [الحجرات: 14]؛ فهؤلاء - على أصحِّ القولين - مسلمون غير منافقين، وليسوا بمؤمنين؛ إذْ لم يدخلِ الإيمانُ في قلوبِهم، فيباشرها حقيقة.
وقد جمع الله - تعالى - خصال البر في قوله: ï´؟ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ï´¾ [البقرة: 177].
فأخبر - تعالى - أنَّ البرَّ هو الإيمانُ بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وهذه - مع القضاءِ والقدر - هي أصولُ الإيمان التي لا قوامَ للإيمان إلاَّ بها، وأنه الشرائع الظاهرة من إقامةِ الصلاة وإيتاء الزكاة والنفقات الواجبة، وأنه الأعمالُ القلبية التي هي حقائقه من الصبر والوفاء بالعهد، فتناولَتْ هذه الخصالُ جميعَ أقسام الدِّينِ؛ حقائقه، وشرائعه، والأعمال المتعلِّقة بالجوارحِ والقلب وأصول الإيمان.
ثم أخبر - تعالى - عن كلِّ هذا أنه خصالُ التقوى بعينها، فقال - تعالى -: ï´؟ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ï´¾.
وأمَّا التقوى، فحقيقتُها العملُ بطاعةِ الله إيمانًا واحتسابًا، أمرًا ونهيًا، فيفعل ما أمر اللهُ به إيمانًا بالأمر وتصديقًا بوعدِه، ويترك ما نهى الله عنه إيمانًا بالنهي وخوفًا من وعيدِه؛ كما قال طلق بن حبيب: "إذا وقعتِ الفتنةُ فأطفئوها بالتقوى"، قالوا: وما التقوى؟ قال: "أن تعملَ بطاعةِ الله، على نورٍ من الله، ترجو ثوابَ الله، وأن تتركَ معصيةَ الله، على نورٍ من الله، تخاف عقابَ الله"، وهذا أحسن ما قيل في حدِّ التقوى؛ فإنَّ كل عمل لا بد له من مبدأ وغاية، فلا يكون العملُ طاعةً وقربة حتى يكونَ مصدرُه عن الإيمان، فيكون الباعث عليه هو الإيمانَ المَحْض، لا العادة ولا الهوى ولا طلب المحمدة والجاه وغير ذلك، بل لا بدَّ أن يكونَ مبدؤه محضَ الإيمان، وغايته ثواب الله وابتغاء مرضاته، وهو الاحتساب؛ ولهذا كثيرًا ما يُقرن بين هذين الأصلين، في مثلِ قول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((من صام رمضانَ إيمانًا واحتسابًا))، و: ((من قام ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتسابًا)) ونظائره، فقوله: "على نورٍ من الله" إشارةٌ إلى الأصلِ الأول؛ وهو الإيمان، الذي هو مصدرُ العملِ والسببُ الباعث عليه، وقوله: "ترجو ثواب الله" إشارةٌ إلى الأصلِ الثاني، وهو الاحتساب؛ وهو الغاية التي لأجلِها يوقع العمل ولها يقصد به، ولا ريبَ أنَّ هذا اسم لجميعِ أصول الإيمان وفروعه، وأنَّ البر داخل في هذا المسمى.
وأمَّا عند اقترانِ أحدهما بالآخر؛ كقولِه - تعالى -: ï´؟ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ï´¾ [المائدة: 2]، فالفرقُ بينهما فرقٌ بين السببِ المقصود لغيرِه والغاية المقصودة لِنَفسِها؛ فإنَّ البر لذاتِه؛ إذْ هو كمالُ العبدِ وصلاحه الذي لا صلاحَ له بدونه كما تقدَّم، وأمَّا التقوى، فهي الطريقُ الموصل إلى البر والوسيلة إليه، ولفظها يدلُّ على هذا؛ فإنها فُعلى، من وقى يقي، وكان أصلها: وقوى، فقلبوا الواوَ تاءً؛ كما قالوا: تُراث من الوراثة، وتُجاه من الوجه، وتُخمة من الوخمة، ونظائرها، فلفظها دالٌّ على أنَّها من الوقايةِ؛ فإنَّ المتَّقي قد جعل بينه وبين النَّارِ وقاية، والوقاية من بابِ دفع الضر، فالتقوى والبر كالعافيةِ والصحة.
وهذا بابٌ شريف يُنتفع به انتفاعًا عظيمًا في فهمِ ألفاظِ القرآن ودلالته، ومعرفة حدودِ ما أنزل الله على رسولِه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فإنه هو العلم النَّافع، وقد ذمَّ الله - تعالى - في كتابِه مَن ليس له علم بحدودِ ما أنزل الله على رسولِه؛ فإنَّ عدم العلم بذلك مستلزم مفسدتين عظيمتين:
الأولى: أن يُدخل في مسمَّى اللفظِ ما ليس منه، فيحكم له بحكم المراد من اللَّفظ، فيساوي بين ما فرَّق الله بينهما.
والثانية: أن يُخرج من مسمَّى اللفظ بعضَ أفرادِه الداخلة تحته، فيسلب عنه حكمَه، فيفرق بين ما جمعَ الله بينهما.
والذَّكي الفطِن يتفطَّنُ لأفرادِ هذه القاعدة وأمثالها، فيَرى أنَّ كثيرًا من الاختلافِ أو أكثره إنَّما ينشأ من هذا الوضع، وتفصيل هذا لا يَفِي به كتابٌ ضخم، فالله المستعان.
ومن هذا: لفظ "الخمر"؛ فإنَّه اسمٌ شامل لكلِّ مُسْكِر، فلا يجوز إخراجُ بعضِ المُسْكرات منه، ويُنفى عنها حُكْمه، وكذلك لفظ "الميسر"، وإخراج بعضِ أنواع القمار منه، وكذلك لفظ "النِّكاح" وإدخال ما ليس بنكاحٍ في مسمَّاه، وكذلك لفظ "الرِّبا" وإخراج بعضِ أنواعه منه، وإدخال ما ليس برِبًا فيه، وكذلك لفظ "الظلم" و"العدل" و"المعروف" و"المنكر"، ونظائره أكثر من أن تُحصى.
والمقصود من اجتماعِ النَّاس وتَعاشُرِهم هو التَّعاونُ على البِرِّ والتَّقْوى، فيُعِين كلُّ واحد صاحبَه على ذلك علمًا وعملاً؛ فإنَّ العبدَ وحده لا يستقلُّ بعلم ذلك، ولا بالقدرةِ عليه، فاقتضت حكمةُ الربِّ - سبحانه وتعالى - أن جعلَ النوعَ الإنساني قائمًا بعضه ببعضه، معينًا بعضه لبعضه.
ثم قال - تعالى -: ï´؟ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ï´¾ [المائدة: 2]؛ والإثم والعدوان في جانبِ النَّهي نظير البِرِّ والتقوى في جانبِ الأمر، والفرقُ بين الإثم والعدوان كالفرقِ بين مُحَرَّم الجنس ومحرَّم القَدْر؛ فالإثم ما كان حرامًا لجنسِه، والعدوانُ ما حُرِّم لزيادةٍ في قدره، وتعدَّى ما أباح الله؛ فالزِّنا والخمر والسرقة ونحوها إثمٌ، ونكاحُ الخامسةِ، واستيفاء المجنيِّ عليه أكثرَ من حقِّه ونحوه عدوانٌ، فالعدوان هو تعدِّي حدود الله التي قال عنها: ï´؟ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ï´¾ [البقرة: 229]، وقال في موضعٍ آخر: ï´؟ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ï´¾ [البقرة: 187]، فنهى عن تعدِّيها في آية، وعن قربانِها في آية؛ وهذا لأنَّ حدودَه - سبحانه - هي النهايات الفاصلة بين الحلالِ والحرام، ونهاية الشيء تارةً تدخل فيه، فتكون منه، وتارة لا تكون داخلةً فيه فيَكون لها حُكْم المقابلة، فباعتبارِ الأول نَهى عن تعدِّيها، وباعتبار الثاني نهى عن قربانِها.
فهذا حكمُ العبدِ فيما بينه وبين النَّاس، وهو أن تكونَ مخالطتُه لهم تعاونًا على البرِّ والتقوى علمًا وعملاً.
وأمَّا حاله فيما بينه وبين الله - تعالى - فهو إيثارُ طاعتِه، وتجنُّب معصيته، وهو قوله - تعالى -: ï´؟ وَاتَّقُوا اللَّهَ ï´¾ [المائدة: 2]؛ فأرشدَت الآيةُ إلى ذِكْرِ واجب العبد بينه وبين الخلق، وواجبه بينه وبين الحقِّ، ولا يتمُّ له أداء الواجب الأول إلاَّ بِعَزْل نفسِه من الوسط، والقيام بذلك لمحضِ النصيحة والإحسان ورعاية الأمر، ولا يتمُّ له أداء الواجب الثَّاني إلا بعزلِ الخلق من البين، والقيام له بالله إخلاصًا ومحبة وعبودية.



فينبغي التفطُّنُ لهذه الدقيقةِ التي كلُّ خللٍ يدخل على العبدِ في أداء هذين الأمرين الواجبين إنَّما هو عدم مراعاتِها علمًا وعملاً، والله المستعان.






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.05 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 40.42 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.53%)]