عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 28-04-2020, 10:14 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,788
الدولة : Egypt
افتراضي رد: القرآن .......... وليالى رمضان متجدد




تحصيل لذة التلاوة وقراءة القرآن
محمد حسين يعقوب
(5)
وأما الآداب الباطنة:

(2) التعظيم للمتكلم:
فالقارئ عند البداية بتلاوة القرآن ينبغي أن يحضر في قلبه عظمة المتكلم، ويعلم أن ما يقرؤه ليس من كلام البشر، وأن في
تلاوة كلام الله -عز وجل- غايةُ الخطر، فإنه تعالى قال: {لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79]، وكما أن ظاهر جلد المصحف وورقُه محروسٌ عن ظاهر بشرة اللامس إلا إذا كان متطهرًا، فباطنُ معناه أيضًا بحُكم عِزِّه وجلالِه محجوبٌ عن باطن القلب إلا

إذا كان القلب متطهرًا من كل رجْس، ومستنيرًا بنور التعظيم والتوقير.
وكما لا يصلح لِمَسِّ جِلدِ المصحفِ كلُّ يَدٍ، فلا يصلح لتلاوةِ حروفه كلُّ لسان، ولا لنيل معانيه كلُّ قلب.
فتعظيمُ الكلام تعظيمُ للمتكلم، ولن تَحْضُرَه عظمةُ المتكلم ما لم يتفكر في صفاته وجلاله وأفعاله، فإذا حضر بباله العرشُ واستواءُ ربِّه عليه، والكرسيُّ الذي وَسِع السموات والأرض، واستحضر مشهد السموات والأرض وما بينهما من الجن والإنس والدواب والأشجار، وعلم أن الخالق لجميعها والقادر عليها والرازق لها واحد، وأن الكل في قبضته مترددون بين فضله ورحمته، وبين نقمته وسطوته، إن أنعم فبفضله، وإن عاقب فبعدله، وأنه الذي يقول هؤلاء إلى الجنة ولا أبالي، وهؤلاء إلى النار ولا أبالي، وهذا غاية العظمة والتعالي، فبالتفكر في أمثال هذا يحضر تعظيم المتكلم ومن ثَمَّ تعظيم الكلام.
(3) حضور القلب وترك حديث النفس:



قيل في تفسير: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: 12]، أي بجدٍّ واجتهاد، وأَخْذُه بالجد أن يكون متجردًا له عند قراءته منصرف الهمة إليه عن غيره، وقيل لبعضهم: إذا قرأت القرآن تُحَدِّث نفسك بشيء؟، فقال: أو شيءٌ أحبُّ إليَّ من القرآن
حتى أحدِّثَ به نفسي!
وكان بعض السلف إذا قرأ آية لم يكن قلبه فيها أعادها ثانية.

وهذه الصفة تتولد عمَّا قبلها من التعظيم، فإن المعظِّمَ للكلام الذي يتلوه يستبشر به ويستأنس ولا يغفل عنه، ففي القرآن ما يستأنس به القلب إن كان التالي أهلًا له، فكيف يُطْلَبُ الإنس بالفكر في غيره وهو متنزه ومتفرج، والذي يتفرج في المتتزهات لا يتفكر في غيرها، فقد قيل: إن القرآن ميادين، وبساتين، ومقاصير، وعرائس، وديابيج، ورياض.
فإذا دخل القارئ الميادين، وقطف من البساتين، ودخل المقاصير، وشهد العرائس، ولبس الديباج، وتنزه في الرياض،


استغرقه ذلك وشغله عما سواه، فلم يعزب قلبه، ولم يتفرق فكره.
(4) التدبر:
وهو وراء حضور القلب، فإنه قد لا يتفكر في غير القرآن ولكنه يقتصر على سماع القرآن من نفسه، وهو لا يتدبره، والمقصود عن القراءة التدبر؛ ولذلك سُنَّ الترتيل في الظاهر ليتمكن من التدبر بالباطن.
قال عليٌّ - رضي الله عنه -: لا خير في عبادة لا فِقه فيها، ولا في قراءةِ لا تدبر فيها.
وإذا لم يتمكن من التدبر إلا بترديد الآية فليردد إلا أن يكون خلف إمام، فإنه لو بقي في تدبر آية وقد اشتغل الإِمام بآية أخرى
كان مسيئًا، مثل من يشتغل بالتعجب من كلمة واحدة ممن يناجيه عن فهم بقية كلامه، وكذلك إن كان في تسبيح الركوع وهوِ متفكر في آية قرأها إمامه فهذا وسواس.


روي عن عامر بن عبد قيس أنه قال: الوسواس يعتريني في الصلاة، فقيل: في أمر الدنيا؟، فقال: لأن تختلف فيَّ الأسنة أحب إليَّ من ذلك؛ ولكن يشتغل قلبي بموقفى بين يدي ربي -عز وجل-، وأني كيف، أنصرف، فَعَدَّ ذلك وَسْواسًا، وهو كذلك؛
فإنه يشغله عن فهم ما هو فيه، والشيطان لا يقدر على مثله إلا بأن يشغله بمهم ديني، ولكن يمنعه به عن الأفضل.
وعن أبي ذر قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنا ليلة فقام بآية يرددها وهي:{إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ
لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [المائدة: 118]، وقام تميم الداري ليلة بهذه الآية: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [الجاثية: 21] وقام سعيد بن جبير يردد هذه الآية {وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ} [يس: 59] وقال بعظهم: إني لأفتح السورة فيوقفني بعض ما أشهد فيها عن الفراغ منها حتى يطلع الفجر.

وكان بعضهم يقول: آية لا أتفهمها ولا يكون قلبي فيها لا أَعُدُّ لها ثوابًا وحُكِيَ عن أبي سليمان الدارني أنه قال: إني لأتلو الآية فأقيم فيها فيها أربع ليال أو خمس ليال، ولولا أني اقطع الفكر فيها ما جاوزتها إلى غيرها.
وعن بعض السلف أنه بقي في سورة هود ستة أشهر يكررها ولا يفرغ من التدبر فيها، وقال هبعضهم: لي في كل جمعة ختمة، وفي كل شهر ختمة، وفي كل سنة ختمة، ولي ختمة منذ ثلاثين سنة ما فرغتُ منها بعد، وذلك بحسب درجات تدبره وتفتيشه، وكان هذا أيضًا يقول: أقمت نفسي مقام الأُجَرَاء، فأنا أعمل مياومة ومجامعة ومشاهرة ومسانهة.
(يعني باليومية فهناك ختمة يومية.
ومجامعة: يعني كل جمعة.
ومشاهرة: يعني كل شهر.
ومسانهة: يعني كل سنة).

(5) التفهم:
وهو أن يستوضح عن كل آية ما يليق بها؛ إذ القرآن يشتمل على ذكر صفات الله -عز وجل- وذكر أفعاله، وذكر أحوال الأنبياء


عليهم السلام، وذكر أحوال المكذبين لهم وأنهم كيف أهلكوا، وذكر أوامره وزواجره، وذكر الجنة والنار.
أما صفات الله -عز وجل- فكقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير} [الشورى: 11]، وكقوله تعالى: {هُوَ الله
الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الحشر: 23]، فليتأمل معاني هذه الأسماء والصفات لينكشف له أسرارها، فتحتها معانٍ مدفونة لا تنكشف إلا للمُوَفقين، وإليه أشار عليٌّ - رضي الله عنه - بقوله لما سئل: هل عندكم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيء سوى القرآن؟، فقال: لا والذي خلق الحبة وبرأ النسمة إلا أن يعطي الله عبدا فهما في كتابه.
وأما أفعاله تعالى فكذكره خلق السموات والأرض وغيرها، فليفهم التالي منها صفات الله -عز وجل- جلاله، إذا الفعل يدل على الفاعل فتدل على عظمته.

وأما أحوال الأنبياء - عليهم السلام -: فإذا سمع منها كيف كُذِّبوا وضُربوا وقُتِلَ بعضهم؛ فليفهم منه صفة الاستغناء لله -عز وجل- عن الرسل والمرسَلِ إليهم، وأنه لو أهلك جميعهم لم يؤثر في مُلْكه شيء، وإذا سمع نصرتهم في آخر الأمر فليفهم
قدرة الله -عز وجل- وإرداته لنصرة الحق.
وأما أحوال المكذبين، كعاد وثمود وما جرى عليهم، فليكن فهمه منه استشعار الخوف من سطوته ونقمته، وليكن حظه منه
الاعتبار في نفسه، وأنه إن غفل وأساء الأدب واغتر بما أمهل فربما تدركه النقمة وتنفذ فيه القضية، وكذلك إذا سمع وصف الجنة والنار وسائر ما في القرآن، فلا يمكن استقصاء ما يفهم منه لأن ذلك لا نهاية له، وإنما لكل عبد من القرآن بقدر رزقه:{قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الكهف: 109].
فالغرض مما ذكرناه التنبيه على طريق التفهيم لينفتح بابه، فأما الاستقصاء فلا مطمع فيه، ومن لم يكن له فَهْمٌ في القرآن
ولو في أدنى الدرجات دخل في قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [محمد: 16]، والطابع هي الموانع التي سنذكرها في موانع الفهم.
(1) أخرجه ابن ماجه، وصححه الألباني (1860) في "صحيح الجامع".





__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.03 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.40 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.85%)]