عرض مشاركة واحدة
  #70  
قديم 26-04-2024, 10:12 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,371
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمـة ضالـة المؤمن (74)


{وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} (1-2)



هذه الآية الكريمة دلت على حقيقة كبرى من حقائق الدين الرئيسة، وقواعده الأصيلة، وهي أن غاية خلق الثقلين، والحكمة العليا من الإيجاد هي عبادة الله تعالى وحده والقيام بمقتضى العبودية له سبحانه وتعالى.
فالعبادة هي الغاية المحبوبة لله تعالى المرضية عنده، التي خلق الخلق لأجلها كما قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، قال ابن كثير في بيان معنى الآية: «إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي، لا لاحتياجي إليهم ».
ونقل عن ابن عباس تفسير قوله تعالى: {إلا ليعبدون} أي: «إلا ليقروا بعبادتي طوعا أو كرها» وهذا اختيار ابن جرير، وقال ابن جريج: «إلا ليعرفون».
قال الشيخ الشنقيطي: التحقيق -إن شاء الله - في معنى هذه الآية الكريمة إلا ليعبدون، أي إلا لآمرهم بعبادتي وأبتليهم أي أختبرهم بالتكاليف، ثم أجازيهم على أعمالهم، إن خيرا فخير وإن شرا فشر، وإنما قلنا: إن هذا هو التحقيق في معنى الآية؛ لأنها تدل عليه آيات محكمات من كتاب الله، فقد صرح تعالى في آيات من كتابه أنه خلقهم ليبتليهم أيهم أحسن عملا، وأنه خلقهم ليجزيهم بأعمالهم.
قال تعالى في أول سورة هود: {وهو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء}، ثم بين الحكمة من ذلك فقال: {ليبلوكم أيكم أحسن عملا}، وقال تعالى في أول سورة الملك: {الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا}، فتصريحه -جل وعلا - في هذه الآيات المذكورة بأن حكمة خلقه للخلق، هي ابتلاؤهم أيهم أحسن عملا، يفسر قوله: {ليعبدون}، وخير ما يفسر به القرآن (القرآن).
ومعلوم أن نتيجة العمل المقصودة منه لا تتم إلا بجزاء المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته؛ ولذا صرح تعالى بأن حكمة خلقهم أولا وبعثهم ثانيا، هي جزاء المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، وذلك في قوله تعالى في أول يونس: {إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط}.
ويؤكد شيخ الإسلام ابن تيمية أن العبادة هي الغاية الكريمة التي أرسل لأجلها الرسل وأنزل الكتب كما قال تعالى: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت}، وبها وصف ملائكته وأنبياءه فقال تعالى: {وله من في السموات والأرض ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون}، ونعت بها صفوة خلقه فقال تعالى: {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما}، وقال تعالى: {عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا}.
وقد وصف الله سبحانه بالعبادة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم في أكمل أحواله، فقال عنه في مقام الإسراء: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله}، وقال عنه في مقام الإيحاء: {فأوحى إلى عبده ما أوحى} وقال في مقام الدعوة: {وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا}.
وقد ذمّ الله تعالى المستكبرين عن عبادته فقال سبحانه: {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}.
ويقرر رحمه الله أن الدين كله داخل في العبادة كما دل على ذلك حديث جبريل الطويل، وفيه سأل جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان فأجابه وقال في آخر الحديث: «فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم».
فالدين في حقيقته متضمن معنى الخضوع والذل الذي هو حقيقة العبادة، ومن هنا فإن دين الله تعالى هو عبادته وطاعته والخضوع له.
وللعبادة ركنان تقوم عليهما وهما: (كمال الخضوع مع كمال الحب)، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل ومعنى الحب، فهي تتضمن غاية الذل لله تعالى بغاية المحبة له».
ويقول الشيخ مبينا ترابط هذين العنصرين: «ومن خضع لإنسان مع بغضه له لا يكون عابدا له، ولو أحب شيئا ولم يخضع له لم يكن عابدا له، كما قد يحب الرجل ولده وصديقه؛ ولهذا لا يكفي أحدهما في عبادة الله تعالى، بل يجب أن يكون الله تعالى أحب إلى العبد من كل شيء، وأن يكون الله أعظم عنده من كل شيء، بل لا يستحق المحبة والخضوع التام إلا الله، وكل ما أحب لغير الله فمحبته فاسدة، وما عظم بغير أمر الله فتعظيمه باطل».
ولابد لصحة العبادة من توافر شروط أهمها: (الإخلاص والاتباع)، قال شيخ الإسلام: «جماع الدين أصلان ألا نعبد إلا الله، ولا نعبده إلا بما شرع، لا نعبده بالبدع، وذلك تحقيق الشهادتين، ففي الأولى: ألا نعبد إلا إياه، والثانية: أن محمدا هو رسوله المبلغ عنه، فعلينا أن نصدق خبره وأن نطيع أمره، وقد بين لنا ما نعبد الله به، ونهانا عن محدثات الأمور وأخبر أنها ضلالة، وكما أننا مأمورون ألا نخاف إلا الله ولا نتوكل إلا على الله ولا نرغب إلا إلى الله ولا نستعين إلا بالله وألا تكون عبادتنا إلا لله، فكذلك نحن مأمورون أن نتبع الرسول ونطيعه ونتأسى به، فالحلال ما أحله والحرام ما حرمه والدين ما شرعه».
ويقول ابن القيم: «لا يكون العبد متحققا بالعبودية إلا بأصلين عظيمين، أحدهما: متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم، والثاني: الإخلاص للمعبود».
- فالأصل الأول: وهو: (الإخلاص) دل عليه قوله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء}.والأصل الثاني: وهو: (الاتباع) دل عليه قوله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم} وقوله: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة}.
وإفراد الله تعالى بالعبادة هو حق الله الواجب على عباده كما أمر بذلك في قوله تعالى: {واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا}، وقال تعالى: {يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون}.
وعن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «يا معاذ هل تدري حق الله على عباده وما حق العباد على الله؟»، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: «فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئا».
وجاءت النصوص الكثيرة في النهي عن الشرك في عبادة الله تعالى، والوعيد الشديد لمن أشرك غير الله مع الله سبحانه في العبادة، والتنديد بالمعبودات الباطلة، وتأكيد ضلال من عبدها، كل ذلك لتقرير العبودية لله تعالى وحده؛ لأنه سبحانه المستحق لها وحده لما له من الكمال والجلال والجمال وتمام الملك والتفرد بالخلق والرزق وسائر مظاهر الربوبية، وكل ما سواه فهو مخلوق مربوب ضعيف عاجز فقير، والله هو الغني الحميد.


اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.33 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.15%)]