عرض مشاركة واحدة
  #66  
قديم 19-04-2024, 12:40 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 135,056
الدولة : Egypt
افتراضي رد: الحكمـة ضالـة المؤمن ***متجددة

الحكمة ضالة المؤمن (70)


- من أضر بشخص أصبح خطرا على مائه


يتساهل بعض الناس أحيانا في انتهاك القوانين أو اللوائح ، أو التجاوز على الأملاك العامة أو الأملاك الخاصة، أو إيذاء الآخرين بسلوكه غير المبالي أو تصرفه الأناني الذاتي، ويسوّغ ذلك بأنه لم يضر أحدا، ولا ضير في مثل هذا التصرف اليسير - في ظنه - ويزعم أنه لا داعي للمبالغة أو تضخيم الأمور فالخطب يسير والأمر سهل، ونحو ذلك من عبارات تدل على التساهل في إيذاء الآخر والتعدي عليه، أوالتجاوز على الأملاك والمرافق العامة، فبعض الناس لديه من تبلد الإحساس وسذاجة التفكير وعدم الاهتمام بالآخرين ما يحمله على الإضرار بهم وبالمجتمع من حيث لا يشعر .
وخطورة الأمر تكمن في (طريقة التفكير) وليس عين الحدث، فمن أضر بشخص أصبح خطرا على مائه، وهو مثل إيطالي يدل على أن التساهل في الإيذاء من شخص يصبح ظاهرة تلحق الأذى بالمجتمع، كما أن التساهل في الضرر اليسير ينجم عنه استمرار تلك النقاط الصغيرة لتصبح سيلا جارفا يكتسح ما أمامه كما قيل: «القطرات القليلة تصنع جدولا».
وللإضرار معاني كثيرة واستعمالات عديدة، والمقصود منها هنا معنى الإيذاء وإيصال المفسدة والضرر إلى الآخرين، والشريعة الإسلامية قد وقفت موقفا حازما من الضرر والإضرار تمثل في النصوص الشرعية والقواعد الكلية التي بينت حقيقة الضرر وما يترتب عليه من جزاء مادي ومعنوي في الدنيا والآخرة.
فقال تعالى عن السحرة: {فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله}، فالسحر ضرر يلحقه الساحر بالمسحور بإذن الله.
ومن أوجه الإضرار؛ الإضرار بالزوجة بالطلاق والرجعة على غير الوجه المشروع كما قال تعالى: {ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا}، قال الشيخ ابن عثيمين: «كانوا في الجاهلية يطلق الرجل المرأة فإذا شارفت انقضاء العدة راجعها، ثم طلقها ثانية فإذا شارفت انقضاء العدة راجعها، ثم طلقها ثالثة ورابعة، لقصد الإضرار، فرفع الله تعالى ذلك إلى حد ثلاث طلقات فقط».
ومنها الإضرار في الرضاع، قال تعالى: {‏لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ‏}
قال مجاهد: «لا يمنع أمه أن ترضعه ليحزنها بذلك».

ومن ذلك الإضرار في الوصية قال تعالى: {مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَآ أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ‏}، ويضرب الشيخ ابن عثيمين مثلا لذلك بقوله: «رجل أوصى بعد موته بنصف ماله لرجل آخر من أجل أن ينقص سهام الورثة، فهذا محرم عليه مع أن للورثة أن يبطلوا ما زاد على الثلث، مثال آخر:رجل له ابن عم بعيد لا يرثه غيره، فأراد أن يضاره وأوصى بثلث ماله مضارة لابن العم البعيد أن لا يأخذ المال، فهذا أيضاً حرام».
ومنه الإضرار في توثيق الحقوق كما قال تعالى:{ولا يضار كاتب ولا شهيد} وذلك بإيذاء الكاتب أو الشاهد على أي وجه كان.
وعن أبي صرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من ضارّ ضارّ الله به، ومن شاقّ شقّ الله عليه» أخرجه أبو داود، قال صاحب عون المعبود: «من ضار» أي: مسلما - كما في رواية - أي: من أدخل على مسلم، جارا كان أو غيره مضرة يعني مفسدة في ماله أو نفسه أو عرضه بغير حق «أضر الله به» أي: جازاه من جنس فعله وأدخل عليه المضرة، قال: والحديث فيه دليل على تحريم الضرار على أي صفة كان، من غير فرق بين الجار وغيره.
وعنْ أَبي سَعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: “«لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَار» أخرجه ابن ماجه.
قال الشيخ ابن عثيمين: وهذا الحديث أصل عظيم في أبواب كثيرة، ولا سيما في المعاملات:كالبيع والشراء والرهن والارتهان، وكذلك في الأنكحة يضار الرجل زوجته أو هي تضار زوجها، وكذلك في الوصايا يوصي الرجل وصية يضر بها الورثة.
فالقاعدة: متى ثبت الضرر وجب رفعه، ومتى ثبت الإضرار وجب رفعه مع عقوبة قاصد الإضرار، ولو سرنا على هذا الحديث لصلحت الأحوال، لكن النفوس مجبولة على الشح والعدوان، فتجد الرجل يضار أخاه، وتجده يحصل منه الضرر ولا يرفع الضرر.
هذا الحديث يعد قاعدة من قواعد الشريعة، وهي أن الشريعة لا تقر الضرر، وتنكر الإضرار أشد وأشد، والله الموفق.
وقد نقل ابن رجب عن العلماء الفرق بين الضرر والضرار ، فذكر أن فمنهم من قال هما بمعنى واحد على وجه التأكيد ، والمشهور أن بينهما فرقا ، ثم ذكر أوجه التفريق بينهما:
فقيل: إن الضرر هو الاسم، والضرار الفعل، فالمعنى أن الضرر نفسه منتف في الشرع وإدخال الضرر بغير حق كذلك .
وقيل: الضرر أن يدخل على غيره ضررا بما ينتفع هو به، والضرار أن يدخل على غيره ضررا بلا منفعة له به كمن منع ما لا يضره ويتضرر به الممنوع .
وقيل:الضرر أن يضر به من لا يضره، والضرار أن يضر بمن قد أضر به على وجه غير جائز.
والفقه الإسلامي بمذاهبه المتعددة أكد هذا الأصل بأمثلة واقعية فيها معاقبة المهمل الذي ترتب على إهماله إلحاق الضرر بالآخرين، فمن تلك الأمثلة أن من فتح الماء في مزرعته واشتغل بأمر آخر فلم يشعر حتى تجاوز الماء الحواجز وأفسد زرع جاره فإنه يضمن.
والراعي الذي ينام في النهار فتضيع الغنم في نومه أويصيبها السبع أو السارق فيضمن لإهماله، ومن أوقد في ملكه نارا كثيرا تسري في العادة لكثرتها فأحرقت دار جاره يضمن.
ومن كانت يده يد أمانة كالمودع لديه والأجير فإنه يضمن التلف الذي حصل بسبب إهماله وتقصيره .
ونحو ذلك من الأمثلة التي تدل على أن التقصير وعدم الاحتياط الواجب عند باشرة الإنسان من يجوز له فعله مما يترتب عليه إلحاق الضرر بالغير فإن ذلك مما يوجب تعويض الضرر الذي أصاب الآخرين؛ لأن واجب الإنسان أن يتثبت ويحترس عند استعمال ملكه الخاص، فإذا قصر تحمل نتيجة فعله حفظا لأنفس الناس وأموالهم وأعراضهم.
ولا علاقة هنا للنية الصالحة والقصد الطيب، بل لابد من أن يوافق العمل الظاهر القصد الباطن، فصلاح الباطن وسلامة القصد لا يكفي لدفع المسؤولية عن الإنسان عندما يثبت تقصيره في الحفاظ على أمن وسلامة الآخرين .
فالمسلم يحرص على مراعاة الآخرين وسلامتهم، وتجنب الإضرار بهم على أي وجه كان، ويعلم أن سلامة المجتمع بالتزام كل فرد فيه بالمطلوب منه دون توقف على فعل الآخرين، فكل إنسان يقوم بواجبه ابتغاء وجه الله، سواء وافقه الآخرون أم تفرد بذلك، فاستقامة كل فرد تعني استقامة المجتمع، من أضر بشخص أصبح خطرا على مئة ، وبالله التوفيق.


اعداد: د.وليد خالد الربيع




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.73 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.11 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.18%)]