عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-06-2019, 09:24 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,931
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تصورات مغلوطة وسبل علاجها

تصورات مغلوطة وسبل علاجها (2/7)



د. مشعل عبدالعزيز الفلاحي




في الحلقة الأولى من هذه التصورات، كان الحديث عن أول تصوُّر من التصورات المغلوطة، وكان التساؤل المطروح:

هل سرد جميع مفردات الدرس على أذهان الطلاب كافٍ في تحقيق تلك الأمانة المنشودة؟

وخلصنا في النهاية إلى أن هذا أحد التصورات الخاطئة في الميدان التربوي، وأننا في حاجة ماسة اليوم إلى أن نركِّز على الأهداف المهمة، والغايات الكبرى، والمسائل العريضة في أي درس، وتكفي القراءة الفردية من الطالب، والتعليق من المعلم يكمل أي نقص في مفردات الدرس.

وحديثنا اليوم في الحلقة الثانية عن التساؤل الثاني، وهو:
هل البداية الروتينية، والنهاية المعتادة من عشرات السنين كافيةٌ في تحقيق الإخلاص؟


قد لا أكون مبالغًا إذا قلتُ: إن بدايتنا في كل حصة روتينيةٌ ومملة، وأصبحتْ مع تَكرارها جزءًا من شخصية المعلم، ولو أردنا أن نقيس بدقة ممارسةَ هذه البداية، لما اختلفتْ في ظني عند مئات من المعلمين.

إن هذه البداية كوَّنت روح القدم، ومرارة الروتين لدى الأجيال التي نعكف على تربيتها وتعليمها، ومن ثم كان القرار الذي يملكه الطالب للفرار من هذه المشاهد التأخُّرَ والغياب، ورفض القيام بالواجبات، والتأبِّي على كل ما تطرحه المدرسة من وسائل، وأصبحنا نرى أن هذه المظاهرَ التي يمارسها الطالب دليلُ عقوق، ونسينا أنها بعض شخصيات الكبار التي لا تعترف بالروتين في حياتها، وتسعى لفكاك الحياة منه.

ليعذرني كلُّ من يقرأ أسطري هذه في أن هذه البداية ربما هي دليل ضعف انتماء لهذه الرسالة، وعدم شعور بواجب الفرد تجاه رسالته التي يعيش على وجه الأرض من أجل تحقيقها.

إن الشَّغِف برسالته، الكبير بأهدافه لا يمكن أن يرضى أن يكون نسخة مكرورة من آخرين ألِفُوا أن يكونوا عاديين غير مؤثِّرين؛ بل تجده دائمًا يتطلَّع إلى أن يكتب في تاريخ نفسه وأمته شيئًا كبيرًا.

لا أدري إلى تاريخ هذه اللحظة لماذا يأسرنا تنظيمُ الكتاب في كل دروسنا على بدايته التي رُتِّب بها، ولم نجسر على البداية التي نحن نختارها، بعد التأمل في كيفية البداية المشوقة، والنهاية المؤثِّرة؟ لقد أصبح عندي من الضروري أن نقفز عن هذه البداية والخاتمة المعتادة، وأن ندخل للدرس بقصصٍ واقعية، أو مقالاتٍ صحفية، أو مواقفَ مجتمعية، أو مشاهدَ مرئية؛ بل نخلق من الواقع أشياءَ قد تكون يسيرة؛ لكن أثرها أبقى وأدوم، ومثل ذلك تمامًا النهاية وخاتمة الدرس، وولن يتحقق ذلك إلا بعد الاطِّلاع على الدرس مبكرًا، ومعرفة الهدف الكبير الذي يرمي إليه الدرس، وحين يتحقق ذلك في أذهاننا يمكن أن نختار له البداية المشوقة، والنهايةَ المؤثِّرة، وعدمُ العناية بأهداف الدرس هي التي جعلتْ هذه البدايات الميتة تزداد مساحة، وتقوى أثرًا.

سألتُ أحد الطلاب في الثانوية العامة عن المعلم المتميِّز الذي كان له الأثر الكبير على حياته علمًا وسلوكًا، فذكر أحد المعلمين، وكان من جملة تعلقه به أنه معلم متجدِّد في رسالته، وقابلتُ المعلمَ وسألتُه عن بعض ما يقوم به، فذكر لي جملة مشاهد، كان من أبرزها أنه دخل على طلابه في حصة من الحصص، وأمرهم بإنزال العقال الذي يلبسه بعض الطلاب، وأفتاهم بحرمته، واختلف معه الطلاب، وصار لغط في الصف، وذكروا له أن أهل العلم يفتون بجوازه، ثم بعد ذلك تلا عليهم قول الله - تعالى -: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ...} الآيات [النحل: 116]، وكان درسه في التفسير في شرح هذه الآية، ودخل عليهم في حصة أخرى متعجبًا من لباسهم، وسائلاً لهم عن قيمته من الريالات، ومن أين اشترَوْه، وكان عنوان درسه تفسير قول الله - تعالى -: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: 31]، ودخل عليهم في حصة ثالثة ووجَّه لهم مجموعة من الأسئلة، كان من ضمنها: متى آخر مرة بكيتَ في حياتك؟ لو أن امرأة في أحد الأسواق رمتْ لك بورقة فيها رقم جوالها، ماذا تفعل؟ متى تدخل المسجد؟ ومتى تخرج منه؟ وكل ذلك مقدمة لدرسه في الحديث: ((سبعة يظلُّهم الله بظله، يوم لا ظل إلا ظله)).

إلى غير ذلك من العروض التي كان يستخدمها على حاسبه الشخصي، أغريب بعد هذا كله أن يكون المعلم المتميِّز في رسالته؟!

وأخيرًا:
إذا أردتَ أن تعرف قدر ما يعانيه طلابُك من أثر الروتين، فتخيَّل لو أنك جلستَ على مقعده يومًا واحدًا، وتعاقَبَ على تدريسك بطريقة إلقائية سبعةٌ من الزملاء، وزمن الحصة خمسة وأربعون دقيقة، وأجزم في هذه اللحظة أنك ستعذر الطالب حين يتأخَّر، أو يغيب، أو يتمرَّد على معلم أو نظام مدرسة.


وأحد السبل المهمة للخروج من هذه الأزمة هو في تصحيح تصوراتنا عن هذه الرسالة أولاً، ونقد أساليبنا التربوية والتعليمية ثانيًا، ومن أراد أن يكتب لنفسه تاريخها في شخصية من يعلِّم فلا سبيل له سوى صناعة التغيير في رسالته.


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.94 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.31 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.50%)]