عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 29-05-2020, 09:12 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي خطبة لعيد الفطر لعام 1430هـ

خطبة لعيد الفطر لعام 1430هـ














أحمد الشاوي



الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض، وله الحمد في الآخرة وهوالحكيم الخبير، أحمده سبحانه وهوللحمد أهل، وهوالحقيق بالمنة والفضل، خلق فسوى، وقدر فهدى، وأخرج المرعى، نعمه تترى، وفضله لا يحصى، لا معطي لما منع، ولا مانع لما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو، ويعلم ما في البر والبحر، وما تسقط من ورقةٍ إلا يعلمها ولا حبةٍ في ظلمات الأرض، ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلا في كتابٍ مبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أخشى الناس لربه وأتقاهم لمولاه وأكثرهم له استغفاراً وذكراً، وأصدقهم شكراً، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه واقتفى، والحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا.





الله أكبر كبيرا..






أمة الإسلام:


وهكذا طويت صفحة من صفحات المكارم، وأفلت شمس من شموس المغانم حينما ودعنا موسماً شهد تصارع الهمم فقوم همتهم في الثرى وآخرون سمت فوق الثريا فأما الذين آمنوا فزادتهم أيام هذا الموسم إيماناً مع إيمانهم وهم يستبشرون، وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وهم لا يشعرون فكان الجزاء إرغام أنوف وإبعاد بتوقيع الروح الأمين وشهادة سيد المرسلين.





مضى شهر رمضان بعدما تميز فيه السعداء والأشقياء، فالسعداء يغدون ليبيعوا أنفسهم فيعتقوها، والأشقياء يغدون ليبيعوا أنفسهم فيوبقوها..





وكلا الفريقين وجد تعباُ ﴿ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ... ﴾ [النساء: 104].





فهنيئاً لكم أيها السعداء..


أدركتم أن كل من في هذه الحياة يغدوويتعب، وكل يسعى ويشقى، وكل يعمل على شاكلته، وإن سعيكم لشتى، والجزاء مختلف، فليس الخير كالشر، وليس الهدى كالضلال، وليس الصلاح كالفساد، وليس من أعطى واتقى كمن بخل واستغنى وليس من صدق وآمن كمن كذب وتولى، وإن لكلٍ طريقاً، ولكل مصيراً ولكل جزاء وفاقاً.





لقد تعبتم في مرضاة ربكم وسخرتم جوارحكم لما ينفعكم يوم تلقوا ربكم..





هنيئاً لكم فإن أياماً صمتموها وليالي قمتموها وآيات تلوتموها وأموالاً أنفقتموها وأذكارا رددتموها وطاعات بذلتموها لن تضيع - ورب السماء والأرض - سدى، وما كان الله ليضيع إيمانكم، فإن ربكم مجازيكم عليها تكفيراً لسيئاتكم ورفعة لدرجاتكم وزيادة في أجوركم ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ... ﴾ [التوبة: 120] (لايصيب المسلم من هم ولا غم ولا وصب ولا نصب حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه) أما غيركم ممن تعب في سبيل الشهوات فأعمالهم تكثير لسيئاتهم وعذاب في دنياهم وأخراهم ﴿ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ [التوبة: 55]





هنيئا لكم أيها السعداء تعبكم مجازون عليه وإن كان مجرد هم (من هم بالحسنة فلم يعملها كتبها الله له حسنة كاملة..) تعبكم مثابون عليه وإن لم تعملوه لعذر إذا مرض إذا مرض الإنسان أوسافر كتب له ماكان يعمل صحيحا مقيما).





هنيئا لكم يا أولي الألباب:


تعبكم يصحبه لذة وسرور في القلب تجدونه في الدنيا قبل الآخرة مما يؤدي إلى زوال هذا التعب وتحوله إلى نعيم وراحة ولذة وسرور أما الأشقياء فيشعرون أن تعبهم في معصية الله فإذا انتهوا من لذاتهم وذهب شعورهم بها بقيت الحسرة في قلوبهم وأورثهم التعب هماً وحزناً.





إن أهنأ عيشة قضيتها ذهبت لذاتها والإثم حل.





هنيئا لكم أيها العاملون بطاعة ربكم:


تعبكم مؤقت ينتهي بفراق هذه الحياة حين يجد الإنسان عند الموت من التثبيت والبشرى بحياة النعيم الدائم ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا... ﴾ [فصلت: 30] ثم الجزاء الأعظم حيث ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وهناك تنسى المتاعب وتتلاشى المصاعب وينقطع النصب والهم والحزن.





إن السعداء يدركون أن الحياة الدنيا مهما تطل فهي قصيرة وأن عناء السعداء وتعبهم مهما اشتد فهومحتمل في سبيل الله ما دامت نهايته الموت وعاقبته الفوز والنعيم المقيم، ومن هنا فالسعداء يستقلون كل تعب لقوه في الدنيا في ذات الله حينما يجدون ثوابه وجزاءه (لوأن رجلاً يجر على وجهه من يوم ولد إلى أن يموت هرماً في سبيل الله لحقره يوم القيامة).





ياايها السعداء بطاعة ربهم: إن الفرق الأكبر بينكم وبين التائهين في ظلمات المعاصي فهوما تلقونه في قبوركم من النعيم، ثم ماتلقونه في الآخرة من السعادة والسرور وألوان اللذة مما لا يخطر على بال وأعظم ذلك النظر إلى وجه الله عز وجل ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ ﴾ [القيامة: 22].





هذا هوالفرق بين السعداء الذين تعبوا في مرضاة ربهم وطاعته فهم سعيدون في الدنيا بطاعة الله وبلذة المناجاة وبالأنس بقرب الله، سعيدون بما يلقون من الأذى في سيل الله، وبما يجدون من التعب في طاعة الله، سعيدون بكل معاني السعادة، سعيدون عند الموت بالبشرى، سعيدون في قبورهم بما يلقون من النعيم، سعيدون عند البعث، سعداء بعد الحساب، وهذا هوجزاء المؤمنين الذين قرروا أن يقضوا حياتهم على وفق ما يرضي الله عز وجل وإن تعبوا ونصبوا وحرموا أنفسهم من اللذات.





أما الأشقياء فقد شقوا في الدنيا بالتعب في معصية الله، أشقياء في أجسامهم.. في قلوبهم.. أشقياء عند موتهم.. في قبورهم.. عند البعث.. عند الحساب وبعد الحساب ﴿ جَزَاءً وِفَاقًا ﴾ [النبأ: 26] ﴿ وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [فصلت: 46].





﴿ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ﴾ [آل عمران: 195].





الله أكبر الله أكبر..






هكذا هومصير السعداء في ظل دين الحنيفية السمحاء التي جعلها الله رحمة وهداية، شعارها ﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾ [الحج: 78] وعنوانها ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185] وخصيصتها ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾ [البقرة: 143].





إن ديننا دين الوسطية بكل معانيها.





الوسطية سمة لوامتثلناها لانتفت كل المظاهر المؤسفة من غلوفي الدين ولجوء إلى العنف ولتلاشت كل صور التفريط والإخلال، إنها دليل الخيرية الدائمة وعنوان السعادة الأبدية إنها الوسطية والاعتدال والقصد والتوازن.





تبتهج النفس برؤية شاب متحرق متدفق، وينشرح الصدر لحديث الهداية حين ينطلق بقوة وهمة، ويرتاح القلب لحماسة الشباب للدعوة والعلم، ومقابل كل هذا يغيظ القلب ما نرى من مظاهر الدعة والعجز والكسل والضعف والفتور أوالانجراف وراء العواطف والحماسة المتهورة فهل نتفاءل بالانطلاقة المفْرطة أم بالسكينة المفرِّطة.





إن الحديث عن الوسطية والاعتدال بات أمراً مهماً في زمن ساد فيه الغلووالجفاء وأصبح فيه مصطلح الوسطية من المصطلحات المظلومة.





إن فقد التوازن والوسطية في حياة المسلم تنكّب عن الفطرة يؤدي إلى الانقطاع عن الدين كله أوبعضه «إن المنْبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى»، وكم من أناس كانوا متحمسين بل مغالين في جانب من جوانب هذا الدين سواء كان في العبادات المحضة أوبعض الأعمال الدعوية إلى حد التقصير المجحف ببقية الجوانب الأخرى ثم كانت عاقبتهم الانقطاع بل والنكوص على الأعقاب نسأل الله السلامة والعافية.





الحديث عن الوسطية والتوازن بات مطلباً ملحاً لما نشاهده اليوم من مفاسد عظيمة جرت على المسلمين من جراء غلوبعض أبنائها أوتفريطهم وقد قال -صلى الله عليه وسلم- «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين».





قال ابن القيم: فأخبر أن الغالين يحرفون ما جاء به، والمبطلون ينتحلون بباطلهم غير ما كان عليه، والجاهلون يتأولونه على غير تأويله. وفساد الإسلام من هؤلاء الطوائف الثلاث فلولا أن الله يقيم لدينه من ينفي عنه ذلك لجرى عليه ما جرى على أديان الأنبياء قبله من هؤلاء.





أمتنا أمة وسط في التصور والاعتقاد. لا تغلوفي التجرد الروحي ولا في الارتكاس المادي.





وسط بين الملاحدة الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وبين الذين يؤلهون كل شيء حتى عبدوا الحجر والشجر والبقر ديننا ينهى عن الغلوفي الرجاء الذي يجعل الناس يتكلون، وعن الغلوفي الخوف الذي يجعلهم يقنطون.





أمتنا أمة وسط في التفكير والشعور لا تجمد على ما عملت ولا تغلق منافذ التجربة والمعرفة ولا تتبع كل ناعق، وإنما شعارها الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها أخذها في تثبت ويقين.





ديننا دين الوسطية في العبادات فهويرفض الغلوفي الروحية والإسراف في التعلق بالمادية فلا رهبانية كرهبانية النصارى ولا مادية كمادية اليهود وإنما نأخذ من هذه لتلك فالدنيا مزرعة الآخرة.





ومع أهمية التقرب إلى الله عز وجل بالنوافل المستحبة إلا أن المسلم ينبغي أن لا يفرط في المستحبات إفراطاً يجعله يخل بالواجبات فيكون كالذي أقام قصراً وهدم مصراً.





وفي الجانب الآخر فإن التفريط بالسنن والمستحبات مذموم، وربما أدى بصاحبه إلى القعود عن الفرائض والواجبات.





قال ابن حجر: إن الأخذ بالتشدد في العبادات يفضي إلى الملل القاطع لأصلها وملازمة الاقتصار على الفرائض مثلاً وترك النوافل يفضي إلى إيثار البطالة وعدم النشاط في العبادة وخير الأمور الوسط.





ديننا دين الوسطية في النظرة إلى الدنيا والآخرة.





فقد بين لنا ربنا صنفين من الناس، صنف ضيق الأفق مطموس البصيرة، كل همه الدنيا فلا يلتفت إلا إليها ولا يحرص إلا عليها وصنف رحب الأفق، نير البصيرة، وسع قلبه الدنيا والآخرة ﴿ فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [البقرة: 200، 201].





ولم يذكر القرآن القسم الثالث وهم من لا يطلب إلا الآخرة فقط وما له في الدنيا من أرب، وكأنه يعلمنا أن هذا الصنف لا يكاد يوجد في الناس، ويشعرنا أن إهمال الدنيا وإهدار شأنها في حساب طالب الآخرة إنما هوأمر مذموم خارج عن سنة الفطرة ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 77].





ديننا دين الوسطية في الأحكام والمعاملات، فإذا أردت أن تمدح فلا تبالغ وإذا هممت أن تقدح فلا تسف، وفي الحديث الحسن: «أحبب حبيبك هوناً ما، عسى أن يكون بغيضك يوماً ما، وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما».





وقال شيخ الإسلام: والغلومجاوزة الحد بأن يزاد من مدح الشيء أوذمه على ما يستحق.





ديننا دين الوسطية في الأخلاق والسلوك، فإذا كان يأمر بالحلم والأناة، ويوصي -صلى الله عليه وسلم- من استوصاه قائلاً: «لا تغضب»، فإنه في الوقت ذاته يشنع على من لا يتمعر وجهه غضباً لله عز وجل.





الوسطية ترفض العنف في معالجة الأخطاء وتغيير المنكرات وهي في الوقت ذاته ترفض السلبية والتبلد في الإحساس وعدم الشعور بالمسؤولية.





لم يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينتقم لنفسه قط، إلا أن تنتهك محارم الله فينتقم لله عز وجل.





كان -صلى الله عليه وسلم- أصبر الناس وأحلمهم وأحبهم للعفووالتسامح وأرقهم قلباً وأكثرهم عطفاً، وهونفسه الذي أمر بقتل فئة من أعداء الدين كانوا شوكة في نحور المسلمين؛ فالتسامح لا يعني الذل والانهزامية.





ديننا دين الوسطية في المباحات، فالمسلم لا يسرف في المباحات إلى حد الإفراط ولا يحرم نفسه مما أحل الله له من الطيبات.





والرجال الذين يغرقون في المباحات لا يصلحون لنشر فكرة ولا تقوم عليهم دعوة.





لقد أعطى الإسلام لأبنائه فرصة للترفيه المباح واللهوالحلال ومنحهم فرصة لإعطاء النفس حقها من الفسحة والاستجمام لكنه لم يسمح بالتفلت والفوضى بحيث يتحول الترفيه إلى استهتار بالأخلاق وانحطاط بالمبادئ واستخفاف بالعقول وينتج عنه ضياع للأوقات وإهدار للأموال وانتهاك للغيرة وذهاب للقوامة والرجولة ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ﴾ [الفرقان: 67].





أمتكم يامسلمون أمة وسط في التعامل مع المخالفين ممن تربطنا بهم عقيدة واحدة وسبيل واحد وفي معالجة الأخطاء، فنحن بأمس الحاجة لهذا الأمر ونحن نعاني من فرقة ومنابذة أفرزهما المنهج الخاطيء في النقد ومعالجة الأخطاء والجور مع المخالف في وقت نحن بأمس الحاجة إلى الائتلاف والوحدة والاجتماع لاإلى الفرقة والاختلاف وفي حاجة إلى أن يرحم بعضنا بعضا وأن نتعاون فيما اتفقنا عليه ويناصح بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه ويعذر بعضنا بعضا فيما يسع الاجتهاد فيه.





أمة الوسطية لم تقع فيما وقع فيه الغالون والمفرطون المضخمون للأخطاء المهدرون للحسنات المتهمون للنيات بل يحفظون لأهل الفضل حقوقهم ولم ينسوا لهم بلاءهم ووضعوا أخطاءهم في حجمها الذي تستحقه ووازنوا بين حسناتهم وسيئاتهم، وفي المقابل لم يذهبوا إلى تقديس الأشخاص وادعاء العصمة لهم بلسان الحال أوالمقال وشعارهم ( نعم للتقدير لاللتقديس ).





أمتكم يامسلمون وسط في أفراحها وأعراسها، فدينكم يسمح باللهوالمباح وإظهار الفرح والسرور لكنه يرفض أن تتحول الأعراس إلى معرض للغناء والمعازف، وإلى مشهد للتعري والإسفاف وقلة الحياء في اللباس، وما أجمل الأفراح عندما تكون محفوفة بالأدب والذوق الرفيع.





دينكم يامسلمون يحث على الغيرة ويعدها من سمات الرجولة والقوامة والعزة والأصالة، ولا تفقد إلا عند أهل الخسة واللؤم والذلة والمهانة والدياثة، وقد قال رسولكم -صلى الله عليه وسلم- (أتعجبون من غيرة سعد؟ لأنا أغير منه، والله أغير مني).





لكنها غيرة وسطية بين من غلوا فتحولت غيرتهم إلى وساوس وشكوك وخواطر رديئة فأتعبوا أنفسهم وأتعبوا محارمهم عبر الظن السيء والتجسس والتحسس، وبين من فرطوا في الأمانة والقوامة فلم يبالوا بما تفعله نساؤهم مما يخدش الحياء ويعرضهن لسهام المفسدين ويجريء أهل الشهوات والقلوب المريضة عليهن من ذهاب للأسواق بلا حشمة، وخلوة بأصحاب المحلات والسائقين، وظهورهن في الأعراس والمناسبات بلباس فاضح يغضب الله، وجلب قنوات العهر والخنا إلى البيوت دون رقابة ولا متابعة ولا محاسبة متجاهلين قول رسولهم (والرجل راع في أهل بيته ومسؤول عن رعيته).





دينكم ياأمة الوسطية وسط في الموقف من الأحزان والمصائب فإن الله لايعذب بدمع العين ولا بحزن لقلب لكنه يمنع صور التسخط والجزع من لطم للخدود وشق للجيوب ونعي ونياحة.. ودينكم يعترف بوجود الأمراض المعدية ويأمر بالحيطة والحذر وتجنب أماكن العدوى (فر من المجذوم فررك من الأسد) (إذا سمعتم بوباء في بلد فلاتدخلوها، وإذا دخلتم فلا تخرجوا منها) لكنه يرفض أن يتحول الحذر إلى فزع وتشاؤم وتعلق بالأسباب وقلق من الواقع (لاعدوى ولا طيرة).





دينكم يامسلمون وسط في الأخذ بالرخص بين قوم يتمادون بالأخذ بها والاسترسال معها حتى خرجوا بها عن المقصود الشرعي وبين قوم تشددوا في الورع حتى تركوا الرخص الشرعية وشددوا على أنفسهم، والوسط هومن يعظم أمر الله عز وجل فلا يعارضه بترخص جافي ولا يعرضه لتشديد غالي ويزهد في رخص الله عز وجل كما قال ابن القيم: فحقيقة التعظيم للأمر والنهي أن لايعارضا بترخص جاف ولا يعرضا لتشديد غال فإن المقصود هوالصراط المستقيم الموصل على الله عز وجل، وقال: ومن علامات تعظيم الأمر والنهي أن لايسترسل مع الرخصة إلى حد أن يكون صاحبه جافيا غير مستقيم على المنهج الوسط.





دينكم يامسلمون وسط في التعامل مع الزوجة والأولاد بين قوم انجرفوا وراء عواطفهم وسيطرت عليهم مشاعر الحب فتساهلوا في تقويم أهليهم، وتهاونوا في متابعتهم وإنكار أخطائهم وتجاوزاتهم في حق الله وآخرين غلوا في التأديب والمتابعة فاستخدموا العنف والقسوة ولجأوا إلى التقريع وهدر الحقوق وتجردوا من كل عاطفة.. ومنهج الإسلام يعلن (إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ ذلك أم ضيع) ويقرر (أن الرفق ماكان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه) ويسطر نبينا -صلى الله عليه وسلم- بسلوكه المنهج الرائع في تعامله هوالقائل (أحب الناس إليّ عائشة) وهوالذي قال لها حينما اغتابت صفية ( لقد قلت كلمة لومزجت بماء البحر لمزجته.
يتبع






__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.77 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 32.14 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.92%)]