عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 27-09-2020, 05:48 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي رد: رثاء الشعراء لأنفسهم

هذا الشاعر المِغْوَار، الذي خلص من الأسر ونجا من القتل على أيدي الروم وقَع قتيلاً بسيوف بني أبيه بعد معركةٍ بينه وبين ابن أخته ابن سيف الدولة.



وأثخنَتْه الجراح، وعندما أيْقَن بأن قدَر الله آتٍ وأن أجله قد انتهى، توجَّه إلى ابنته برثاء نفسه، فقال:



أَبُنَيَّتِي لاَ تَجْزَعِي

كُلُّ الأَنَامِ إِلَى ذَهَابْ




أَبُنَيَّتِي صَبْرًا جَمِي

لاً لِلْجَلِيلِ مِنَ المُصَابْ




قُولِي إِذَا نَادَيْتِنِي

وَعَيِيتِ عَنْ رَدِّ الْجَوَابْ




زَيْنُ الشَّبَابِ أَبُو فِرَا

سٍ لَمْ يُمَتَّعْ بِالشَّبَابْ








فهو إذًا يبكي نفسه على لسان ابنته وبدموعها، فيُقَوِّلها ما يريد أن يقوله هو، إنه يُعَبِّر عن عواطفه وأحزانه بالحديث عن انفعالات ابنته عندما تتأكَّد من موته، وها هو يتحسَّر لأنه لم يتمتَّع بشبابه، فقد أمضى قسمًا منه أسيرًا عند الروم يتجرَّع غُصَص الآلام والغربة، وها هو ذا يهوي مثخَنًا بجراحة القاتلة، ليموت في عزِّ شبابه.



وأمَّا حديثًا فقد كَثُر حديث الشعراء عن معاناتهم من الأمراض القاتلة، ولعلَّ المرض الطويل الميئوس من الشفاء منه هو الذي يُحَفِّز بعض الشعراء إلى استشراف ما بعد الموت، وسكب العواطف الحزينة مع آهات المرض.



فها هو الدكتور مصطفى السباعي، العالِم المسلِم والقائد الفذُّ، قد أقعده مرض الشلل سنوات وتضافَرَتْ عليه أمراض أخرى، فنظَم وهو على فراش المرض قصيدةً يستعرض فيها آلامَه وأحزانه على الآخرين؛ من أولادٍ صغار، وأم تنهار لمصاب ولدها، وزوجة وجِيران؛ فيقول:



أَهَاجَكِ الْوَجْدُ أَمْ شَاقَتْكِ آثَارُ

كَانَتْ مَغَانِيَ، نِعْمَ الأَهْلُ وَالدَّارُ




وَمَا لِعَيْنِكِ تَبْكِي حُرْقَةً وَأَسًى؟

وَمَا لِقَلْبِكِ قَدْ ضَجَّتْ بِهِ النَّارُ؟




عَلَى الأَحِبَّةِ تَبْكِي أَمْ عَلَى طَلَلٍ؟

لَمْ يَبْقَ فِيهِ أَحِبَّاءٌ وَسُمَّارُ








فهو إذًا يبكي ولكن على مَن سيفارقهم، كما أنهم سيبكون عليه:



وَإِنَّمَا حَزَنِي فِي صِبْيَةٍ دَرَجُوا

غُفْلٌ عَنِ الشَّرِّ لَمْ تُوقَدْ لَهُمْ نَارُ




بِاللهِ يَا صِبْيَتِي لاَ تَهْلِكُوا جَزَعًا

عَلَى أَبِيكُمْ طَرِيقُ الْمَوْتِ أَقْدَارُ
يتبع









__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.50 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.88 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.39%)]