عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 21-04-2019, 04:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي من مشاهير علماء الفيزياء المسلمين.. الخازن

من مشاهير علماء الفيزياء المسلمين.. الخازن


د. عبدالله حجازي





الخازن (ت نحو 550هـ/ نحو 1155م)


عبدالرحمن الخازن، أو الخازني، أبو الفتح، كان غلامًا محبوبًا روميًّا لعلي الخازن المروزي، حصَّل علوم الهندسة والمعقولات، وكمل فيها؛ لما كانت تتوافق مع طبعه، مع جهده في تحصيلها.

قال عنه البيهقي الشهير بابن فندمه: "كان نقيَّ الجيب عن الأطماع الخسيسة، بعث السلطان الأعظم سنجر[1] إليه ألف دينار على يد الإمام شافع الطبيب فرده، وقال: لا أحتاج إليها، وبقي لي عشرة دنانير، ويكفيني كل سنة ثلاثة دنانير، وليس معي في تلك الدار إلا سنور".

وهذا يعني أنه لم يكن للخازن زوجةٌ أو غيرها ليهتمَّ بها.

وكان الخازن متقشفًا، يلبَس لباس الزهاد، وكان يتوقد ذكاءً، وصاحب مواهب عظيمة، وبخاصة في الفيزياء والميكانيك، قام بتعيين الأوزان النوعية لكثير من المعادن والمركبات.

له كتاب في ذلك سماه "ميزان الحكمة"، أورد فيه ميزانَ الماء لأرشميدس لمالانوس، والميزان الطبيعي لمحمد بن زكريا الرازي، وميزان الماء المطلق للإمام عمر الخيامي، ثم فصَّل الأعمال التي أجراها وتجري على "ميزان الحكمة" الذي قام بتركيبه وتصنيعه، فكان ميزانًا توزن عليه الأجسام في الهواء والماء.

هذا، وقد وصف مكوناته وكيفية استعماله، وكيفيه الوزن، وتَعداد وجوه الوزن "بميزان الحكمة"، وكيفية إثبات مراكز الفلزات والجواهر.

والكتاب في ثمان مقالات، خصص المقالة الثامنة منها لميزان الساعات وأزمانها.

ولقد بقي هذا الكتاب مجهولاً حتى عثر قنصل روسيا في تبريز على نسخة منه، وقام بترجمة ونشر جزء منه في:
Journ. Americ. Oriental. Soc. Bd. 6, 1857.



أما الفيزيائي الألماني wiedeman، فأخذ المبادرة، ونقل جزءًا كبيرًا من الكتاب إلى اللغة الألمانية، ونشر ما نقله في مجلات فيزيائية متخصصة، أشاد خلال ذلك بأعمال الخازن في قياس الأوزان النوعية لبعض المعادن والمركبات.

وقد اعتمد الخازن في قياسه هذا على دراسات وكتابات البيروني، وعلى ما أنتجته قريحتُه هو نفسه، وقد خصص Th. Lbel للخازن ترجمةً، وذلك في رسالته التي قدمها لنيل شهادة الدكتوراه بعنوان:
Die wahe im altertum und mittelalter, erlangern 1908.


ويُعَد كتاب "ميزان الحكمة" الأول من نوعه بين الكتب القديمة العلمية القيمة، بل ولعله الكتابُ الوحيد المعروف الذي يحتوي على بحوث مبتكرة أصيلة جليلة في علم السوائل الساكنة.

ومما لا شك فيه أن طُلاَّبنا - بل الطلاب في مدارس الدنيا كلها - يدرسون أن "توريشيللي" هو أول من بحث في وزن الهواء، وكثافته، والضغط الذي يحدثه، ولا يعلم أحدٌ أن في كتاب "ميزان الحكمة" ما يُثبت أن الخازن سبقه في ذلك؛ إذ تناول في هذا الكتاب مادةَ الهواء ووزنه، وأشار إلى أن للهواء وزنًا وقوة دافعةً كالسوائل، وأن وزن الجسم المغمور في الهواء، ينقص عن وزنه الحقيقي، وأن مقدار ما ينقصه من الوزن، يتبع كثافة الهواء، وأن قاعدة أرشميدس تسري على السوائل، وتسري على الهواء كذلك.

ولا يخفى ما ترتب على هذه البحوث - فيما بعد - فقد كانت أساسًا عوَّل عليها الأوربيون، فاخترعوا البارومتر، ومفرغات الهواء، والمضخات المستعملة لرفع المياه.

ومن الحقائق العلمية التي وردت في كتاب "ميزان الحكمة" حقيقةُ أن الأجسام تتجه في سقوطها إلى الأرض في اتجاه مركزِها.

وقد علل الخازنُ ذلك على أساس الجاذبية، فهو يقول عن سقوط الأجسام: "إن ذلك ناتجٌ عن قوة تجذب هذه الأجسامَ في اتجاه مركز الأرض".

ويذكر قدري حافظ طوقان نقلاً عن المقدمة التي وضعها فؤاد جميعان لمخطوط ميزان الحكمة للخازن، الذي نقله مع شيء من الشرح، ونشره سنه 1947م في كتاب تحت اسم "ميزان الحكمة": "أن الخازن أجاد في بحوث مراكزِ الأثقال، وفي شرح بعض الآلات البسيطة، وكيفية الانتفاع بها، وقد أحاط بدقائق المبادئ التي عليها يقوم اتِّزان الميزان والقبَّان، واستقرار الاتزان - إحاطةً مكَّنتْه من اختراع ميزان من نوع غريب لوزنِ الأجسام في الهواء والماء".

هذا، وقد ذكر البيهقي - كذلك - أن الخازن صنَّف فيما صنف، الزيج المعنون بـ"المعتبر السنجي"، بحَث جميعَ ما فيه من الأوساط (الحركات اليسيرة) والتعديلات (القوانين) في تقويم عطارد، خصوصًا في حال رجوعه.

إننا لم نعرف من كتب الخازن إلا كتاب "ميزان الحكمة"، ولا شك أنه صنَّف غيره؛ لأنه كان منقطعًا للعلم، منصرفًا للاشتغال بفروعه.

فإذا كان العثور على كتاب ميزان الحكمة قد بيَّن حقائقَ ومعالم في مجال الفيزياء كنا نحسبها من مبتكرات الأوربيين، وإذا كان هذا الكتاب بمفرده وما ضم من معارف وعلوم دفَع شيخ مؤرخي العلوم سارطون أن يصرح: "إنه من أجلِّ ما أنتجتْه القريحةُ في القرون الوسطى" - فماذا ترانا نتوقع لو عُثِر على كتب لا تحصى لعلماء مسلمين آخرين، ذكرها ابن النديم والقفطي وابن أبي أصيبعة، التي أفنى العلماءُ أعمارَهم في كتابتِها وتصنيفها؟


أفلا تأخذنا الدهشةُ و يتلبسنا الذهول إذا تبين أن كثيرًا من الأوربيين قد استفاد منها، ونسبها إلى كبلر وغاليلو ونيوتن وغيرهم؟

والعجب كل العجب أن يسلخ مثل فيدمان wiedeman اثنتين وخمسين عامًا من عمره، ينقل من المخطوطات العربية إلى اللغة الألمانية، وينشر ما ينقل في مجلات علمية متخصصة، وهو الفيزيائي المتبحِّر في علمه في وقته، بينما لا يكلِّف أحدٌ نفسَه من المسلمين العاملين في حقول العلوم في نشر أو تحقيق مخطوطة من هذه المخطوطات الوفيرة هنا وهناك، وقد علاها الغبارُ وتغيَّر لون أوراقها، وأتت الأَرَضَةُ على بعضها؛ أتراه - فيدمان - يسلخ في ذلك ثلاثة أخماس عمره لو لم يجد في ذلك علمًا نافعًا، ومصدرًا خصبًا؟


[1] هو السلطان معز الدين أبو الحارث سنجر، الذي حكم ما بين عامي 511هـ - 552هـ (1117م - 1156م).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 20.43 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 19.80 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.07%)]