عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 12-09-2019, 02:49 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,617
الدولة : Egypt
افتراضي اغْتِنَامُ الْوَقْتِ

اغْتِنَامُ الْوَقْتِ


الحَمْدُ للهِ الَّذِي أمرَنَا باغْتِنَامِ الأوقاتِ فِي أداءِ الطَّاعاتِ وعملِ الصَّالحاتِ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَه، القائلُ جلَّ جلالُهُ: ﴿ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾[1] وأشهدُ أنَّ سيدَنَا محمَّداً عبْدُ اللهِ ورسولُهُ القائلُ -صلى الله عليه وسلم-:«نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ »[2]اللهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبَارِكْ عَلَى سيدِنَا محمدٍ وَعَلَى آلِهِ وأصحابِهِ أجمعينَ ومَنْ تبعَهُم بإحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.


أمَّا بعدُ: فأُوصِيكُمْ عبادَ اللهِ ونفْسِي بتقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، قالَ تعالَى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾[3].

عبادَ اللهِ: إنَّ الوقتَ هُوَ حياةُ الإنسانِ، وهوَ مِنْ أعظمِ نِعَمِ اللهِ علينَا، ومَا مضَى منْهُ لاَ يعودُ ولاَ يُعَوَّضُ، لذلكَ حثَّنَا دينُنَا العظيمُ علَى اغتنامِهِ والحرصِ علَى الاستفادةِ منْهُ واستثمارِهِ فيمَا يَعْنِينَا وينفعُنَا فِي الدُّنيا والآخرةِ، قالَ النّبيُّ -صلى الله عليه وسلم-:«اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ»[4].


وفِي الأمثالِ: علَى العاقلِ أنْ يكونَ لهُ ثلاثُ ساعاتٍ: ساعةٌ يناجِي فيهَا ربَّهُ، وساعةٌ يُحاسِبُ فيهَا نفسَهُ، وساعةٌ يخلُو فيهَا لحاجتِهِ مِنَ المطعمِ والمشربِ[5]. وقالَ الشاعِرُ[6]:
دَقَّاتُ قَلْبِ الْمَرْءِ قائلةٌ لهُ
إنَّ الحياةَ دقائقٌ وثوانِي


فينبغِي للمسلِمِ أنْ يقضِيَ عمرَهُ فِي إصلاحِ أمورِ معاشِهِ، وإتقانِ عملِهِ، والْتِزَامِ أوامرِ ربِّهِ حتَّى تتحقَّقَ لهُ السعادةُ فِي الدُّنيا والفوزُ فِي الآخرةِ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ رضيَ اللهُ عنهُ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قال -صلى الله عليه وسلم-:«مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ»[7].


وخيرُ مَنْ نتأَسَّى بهِ فِي اغتنامِ الأوقاتِ هوَ سيِّدُنَا محمَّدٌ -صلى الله عليه وسلم- الَّذِي كانَ يعطِي كلَّ وقتٍ حقَّهُ، ويقومُ بواجباتِهِ تجاهَ ربِّهِ وتجاهَ أُسرتِهِ ومجتمعِهِ وأصحابِهِ، ومَا عرفَ الكسلُ أَوِ المللُ طريقاً إليهِ، ففِي ثلاثةٍ وعشرينَ عاماً بلَّغَ رسالةً وبنَى حضارةً للإنسانيَّةِ جمعاءَ لَمْ يشهَدِ التَّاريخُ لَهَا مثيلاً وقَدْ شهدَ القاصِي والدَّانِي بفضلِهَا.


أيُّهَا المسلمونَ: إنَّ الإسلامَ يدعُونَا إلَى اغتنامِ الوقتِ فيمَا يعودُ علينَا بالفائدةِ مِنْ خيْرَيِ الدُّنيَا والآخرةِ؛ لذلكَ جعلَ لكُلِّ عملٍ وقتاً، ولكلِّ عبادةٍ زمناً، والمسلمُ مسؤولٌ عَنْ كلِّ عملٍ يقومُ بهِ، وعَنْ كلِّ ساعةٍ يقضِيهَا، وعَنْ كلِّ كلمةٍ يتكلَّمُ بِهَا؛ فإذَا اشتغَلَ الْمَرْءُ بِمَا لاَ ينْفعُهُ، وأنفَقَ وقتَهُ فِي غيرِ مَا يُرضِي ربَّهُ، وتدخَّلَ فِي شؤونِ غيرهِ فقَدْ لَغَا وصرَفَهُ ذلكَ عَنْ أداءِ واجباتِهِ، والقيامِ بمسؤولياتِهِ، وعرَّضَهُ للسُّؤالِ يومَ القيامةِ عَنْ ضياعِ عمُرِهِ فيمَا لاَ فائدةَ فيهِ،وقدْ أقسمَ الحقُّ تباركَ وتعالَى بالعصرِ علَى خسارَةِ مَنْ لَمْ يملأْ عمرَهُ بطاعتِهِ جلَّ فِي علاهُ،فقالَ تعالَى: ﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[8]. ولأهميةِ الوقتِ فقَدْ أقسَمَ اللهُ تعالَى بأوقاتٍ كثيرةٍ كالفجرِ والصبحِ والضحَى والليلِ.


أيُّهَا المؤمنونَ: إنَّ واجبَ الإنسانِ تجاهَ وقتِهِ أنْ يحافظَ عليهِ، وأنْ يحرصَ علَى الاستفادةِ منْهُ فيمَا ينفعُهُ فِي سائرِ أحوالِهِ وأمورِهِ، فالمسلمُ يُنفِقُ وقتَهُ فِي فرْضٍ يؤدِّيهِ أَوْ حقٍّ وواجبٍ يقضِيهِ، أَوْ فِي تربيةِ أبنائِهِ ورعايةِ أهلِ بيتِهِ، أَوْ علمٍ يتعلمُهُ، أَوْ خيرٍ يفعلُهُ، أَوْ مريضٍ يعودُهُ، أو رَحِمٍ يصِلُهُ، أَوْ صديقٍ يزورُهُ، متمثِّلاً أخلاقَ الصَّالِحينَ الَّذينَ أَثْنَى اللهُ سبحانَهُ عليهِمْ بقولِهِ: ﴿ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ[9] وأمَّا الطَّالِبُ فيُمضِي وقتَهُ فِي الدِّراسةِ والتحصيلِ العلمِيِّ والتَّحضيرِ الجيِّدِ للامتحاناتِ، وبذلكَ يبلُغُ مرادَهُ، ويحقِّقُ هدفَهُ وغايتَهُ.


وأمَّا العاملُ أوِ الموظَّفُ فإبداعُهُ وتميزُهُ يتحقَّقان باغتنامِهِ لساعاتِ العملِ وإنفاقِهَا فِي إنجازِ مَا كُلِّفَ بِهِ وأداءِ مَا أُسنِدَ إليهِ مِنْ مهمَّاتٍ وظيفيَّةٍ، وبذلكَ يكونُ قَدْ أدَّى الأمانَةَ، ووفَّى بالعهدِ، وقدَّمَ الخيرَ لنفسِهِ وأهلِهِ ومجتمعِهِ.


فاحرصُوا عبادَ اللهِ علَى اغتنامِ أوقاتِكُمْ، واستثمرُوهَا فِي أمورِ دنياكُمْ وآخرَتِكُمْ، وأَعْرِضُوا عَنْ كُلِّ مَا لاَ يعنِيكُمْ، واعملُوا بقولِ نبيِّكُمْ محمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-:«مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ»[10].

اللهمَّ وفِّقْنَا لطاعتِكَ وطاعةِ مَنْ أمرتَنَا بطاعتِهِ امتثالاً لقولِكَ: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ﴾[11].

أقولُ قولِي هذَا وأستغفرُ اللهَ لِي ولكُمْ فاستغفرُوهُ.

المصدر: خطب الجمعة من الإمارات - الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف


[1] الفرقان: 62.

[2] البخاري: 5933، والمعنى نِعْمَتَانِ لا يعرفُ قدرَهُمَا كثيرٌ من الناسِ، مرقاة المفاتيح 9/349.

[3]الأحزاب:72 - 73.

[4] النسائي في السنن الكبرى 10/400 والحاكم في المستدرك: 7957.

[5] تفسير القرطبي 20/25.

[6] الشاعر هو أحمد شوقي.

[7] الترمذي: 2252.

[8] العصر: 1-3.

[9] الأنبياء: 90.

[10]الترمذي: 2317.

[11]النساء: 59.
منقول


__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.61 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.98 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.78%)]