عرض مشاركة واحدة
  #23  
قديم 15-11-2019, 04:06 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,060
الدولة : Egypt
افتراضي رد: أحكام خطبة الجمعة وآدابها***متجدد

حرفة الوعظ
فيصل يوسف العلي



لقد شاع في البلاد واشتهر فيما بين العِباد والعُبّاد اتخاذ الدعوة إلى الله حرفة ومكسبًا لجمع الدنيا وسبيلًا، يشترون بآيات الله ثمنًا قليلًا، ويستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير، فهم كحاطب ليل، لا يفرقون بين نفع وضر.
تعيب دنيا وناسًا راغبين لها وأنت أكثر منهم رغبة فيها
فالواجب على العاقل ألا يكون مفرطًا في الحرص على الدنيا فيصبح مذمومًا في الدارين، بل يكون قصده إقامة فرائض الله، ويكون لبغيته نهاية يرجع إليها، لأن من لم يكن لقصده منها نهاية آذى نفسه وأتعب بدنه.
لا تخضعن لمخلوقٍ على طمع فإن ذاك مضر منك بالدين
فطوبى لمن كان شعار قلبه الورع، ولم يُعْمِ بصره الطمع، ومن أحب أن يكون حرًّا فلا يهوى ما ليس له، لأن الطمع فقر، كما أن اليأس غنى، ومن طمع ذَلَّ وخضع، كما أن من قنع عف واستغنى.
ولا تطلب عوضًا على عمل لست له فاعلًا، ويكفي من الجزاء لك على العمل أن كان له قابلًا، لأن الذي يسَّرَ لك هذا العمل هو الله «والله خلقكم وما تعملون».
كيف تطلب العوض على عمل هو متصدق به عليك؟ أم كيف تطلب الجزاء على صِدقٍ هو مهديه إليك؟ «وما بكم من نعمة فمن الله».
والذي يدفعني إلى الحوار بهذه المشكاة ما يلقاه الإسلام اليوم من هزائم متتابعة لضعف المتحدثين عنه وكثرة الآكلين به والمرائين، نخاف على ديننا من متحدث جاهل، أو منافق عليم اللسان، أو سياسي يتخذ إلهه هواه!
«من كان يريد حرث الآخرة»، أي كسب الآخرة، والمعنى من كان يريد بعمله الآخرة «نزد له في حرثه» أي بالتضعيف، ونزيد في توفيقه وإعانته وتسهيل سبيل الخيرات والطاعات له،«ومن كان يريد حرث الدنيا» يعني يريد بعمله الدنيا مؤثرًا لها على الآخرة «نؤته منها» أي ما قدر وقسم منها «وما له في الآخرة من نصيب» يعني لأنه لم يعمل لها.
وذلك أن الإحسان إلى الغير تارة يكون لأجل الله تعالى لا يريد به غيره، وهذا هو الإخلاص، وتارة يكون لطلب المكافأة وأخرى لطلب الحمد من الناس، وهذان القسمان مردودان لا يقبلهما الله تعالى، لأن فيهما شركًا ورياءً، فنفوا ذلك عنهم بقولهم «إنما نطعمكم لوجه الله».
أين الصحابة من أصحابنا؟ هيهات ما القوم من أضرابنا، ولا ثوابهم في الأخرى مثل ثوابنا، آثر الصحابة الفقر والمجاعة، واشتغلوا عن الدنيا بالطاعة، أفينا مثل أبي حنيفة ومالك أو كالشافعي الهادي إلى السالك؟ أفينا أعلى من الحسن وأنبل، أو ابن سيرين الذي بالورع تُقبِّل، أو كأحمد الذي بذل نفسه وسبّل؟
يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، أي يريدونه بأعمالهم، كانوا يصبرون على المجاعة، ويخلصون الطاعة، ولا يضيعون ساعة، فيا فخرهم إذا قامت الساعة!
وكان المنصور يعظم عمرو بن عبيد- لنا زهده وإخلاصه- فقال له عظني فوعظه، ثم قال يا أبا عثمان هل من حاجة؟ قال: لا تبعث إلي فقال المنصور يعظمه:
كلكم يمشي رويد
كلكم يطلب صيد
غير عمرو بن عبيد
وقال عبدالله بن المبارك واعظًا ابن عُليَّة:
يا جاعـل الــعلــم لـه بازيـا يصطاد أموال المساكين
احـتلـت لـلـدنيـا ولـذاتـهـا بحيلة تذهـب بـالـديـن
فصرت مجنونًا بها بعدما كـنـت دواء المـجــانـين
وأنت تدرك أن فاقد الشيء لا يعطيه، فإذا لم يكن الداعية والواعظ موصولًا بالله فإن دعوته إلى الله لا تثمر ولا تنفع وليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة، لابد أن يكون فعلًا عاشقًا لدينه ولربه ولنبيه، ومحبًّا لنقل الخير إلى الناس بعشق ورغبة شديدة، وأما الصناعة فإنها قد تصلح في كل شيء إلا في الدعوة إلى الله.
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.56 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.93 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.38%)]