الموضوع: مراث أندلسية
عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 14-11-2019, 10:46 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,928
الدولة : Egypt
افتراضي مراث أندلسية

مراث أندلسية
د. ياسر رشيد حمد البياتي






لم تكن لتروي قصَّتَها ذاتَ يومٍ، ولم يخطر ببالها ذاتَ يومٍ أن يرنَّ صدى حروف اسمها في مسامِعهم ومنهم هو، في جوفها المخفيِّ أسرارٌ بعيدة الوصل، ألحانٌ لم تقع عليها أناملُ العازفين، تلك اللامحدوة الغموض، المتناهية في أبعادها المنسيَّة، كانت لتكون فخرًا ورمزًا عنفوانيًّا عميقًا.

عبقُ الحياة،

ترفُ الهوى،

همساتُ السماء،

رحيقُ القطر،

عطاءُ الأرض،

موسيقا الشجر،

كلُّها كانت تحكي أمجادها دون عناءٍ لتغيير الملامح، وتحكيم تموُّجات غلاف الوجه، واحتساب عدد رفات الأهداب، وميلانات أطراف العيون، ممزوجةً بعباراتٍ ثكلى، موءُودة بأنامل مترفيها، هكذا كانت حكايتها الشهيرة.



(الأندلس)

عروسٌ ما وطِئها عروسٌ، سمكةٌ خارج سرب الهوى، ماؤها النجوى مَمزوج بدموعِ النائحات، سارت خلْفَ قضبان الحكاية، ووقفتْ عند أبواب الرِّواية، لينصب التاريخُ قامتَه الممشوقة على منبرٍ من الخطايا، فيحكي قصةً لم يعتقدْ هو نفسُه أنه سيرويها.



(الأندلس)

أفيقي يا شمسَ الصباح، غرِّدي يا طيورَ الحُبِّ بألحان الهوى، تنفَّسي يا جميلتي كلَّ العطورِ، وتبختري بمشيك فوق الزهور، فهنا تنحسر الأزمان، وتُختصر العصور.



(الأندلس)

يا صرخة أبعد مِن صوت الوريد من الوريد، يا همسة صدِئتْ خلفَ أغلال الحديد، يا غُصَّة شابَ لها حتى الوليد.



(الأندلس)

فيكِ مسافاتُ الحروف، ومنكِ مناراتُ الألوف، يا برقة غطَّت على أحدِّ السيوف... هكذا دون ابتهالات بدأت قصَّتكِ، وحكيت للسامعين حكايتكِ، والصمت يملأ جوف الكلام!

بلا سلام

بلا إشارة

بلا إيماء

كنتِ تتربَّعين على عرش مِن أزهاركِ الذابلة، وتُقلِّبين أنظاركِ حولَ سنينك الغابرة، وتُردِّدين تمتماتِ قول الأميرة الشاعرة:



أنا واللهِ أصلُح للمعالي

وأمشِي مِشيَتي وأتِيهُ تيهَا



وأُمكِنُ عاشِقي من صَحْنِ خَدِّي

وأُعطِي قُبلتي مَنْ يَشْتهيها






غدوتِ وحدَكِ، وانصرفَ عنكِ الحضور...



تصرخين:

يا أهلي، ألستُ جنَّتَكم؟!

ألستُ ماءكم وظِلَّكم وأنهاركم والأشجار؟!

ألستُ أنا لكم الاختيار؟!



وبقيتِ وحدَكِ تندبين عصرَكِ مع العصور، ثكلى بلا عُدَّةٍ، وقد لدغتكِ أيدٍ اعتادت اللدغ من كل الجحور.



أين الزهور؟

أين العطور؟

أين المعالي والقصور؟

أين الضاحكون بين القبور؟

مسلوخةٌ حكايتُكِ من قبوٍ مهجور، مُمزَّقةٌ أوراقُها في كل أركان البلاد، لن تستطيعي لها طلبًا، ولن تتمكَّني مرةً أخرى من الظهور.

__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 17.31 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 16.68 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.63%)]