عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 25-03-2024, 02:41 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,680
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية محمد بن سند الزهراني

الدَّرْسُ الثَّانِيَ عَشَرَ: يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم

برهان من البراهين الدالة على توحيد الله

محمد بن سند الزهراني
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ.

وَمِنْ الْبَرَاهِينِ الدَّالَّةِ عَلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ - جَلَّ وَعَلَا - فِي آيَةِ الْكُرْسِيِّ؛ قَوْلُهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -: ﴿ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ﴾[البقرة:255]، وَرَدَّ اسْمُ اللَّهِ الْعَلِيمِ فِي الْقُرْآنِ فِي مِائَةٍ وَسَبْعَةً وَخَمْسِينَ مَوْضِعًا مِنْ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ؛ كَقَوْلِ اللَّهِ - جَلَّ وَعَلَا -: ﴿ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾[المائدة:109]، وقوله سبحانه: ﴿ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ ﴾[الروم:54]، وفي قول الله - جَلَّ وَعَلَا -: ﴿ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيمًا ﴾ [النساء:70]، وورد بلفظ العالم في ثلاثة عشر موضعًا ﴿ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ﴾ [الأنعام:73]، يقول الله - جَلَّ وَعَلَا -: ﴿ عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ ﴾ [سبأ:3]، وورد بلفظ العلام في أربعة مواضع: ﴿ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾ [المائدة:109].

فَاَللَّهُ هُوَ الَّذِي أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا، وَوَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَحِكْمَةً، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ.

قال الله - جَلَّ وَعَلَا -: ﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام:59]، فَاَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِلْمِ الْمُطْلَقِ، فَهُوَ يَعْلَمُ الدَّقَائِقَ وَالتَّفَاصِيلَ وَالظَّوَاهِرَ وَالْبَوَاطِنَ، وَالْكُلِّيَّاتِ وَالْجُزْئِيَّاتِ وَالْمَعَانِيَ وَالْمَادِّيَّاتِ، وَقَدْ كَتَبَ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ فِي كِتَابٍ عِنْدَهُ، ﴿ وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء:85].

وَهُنَا يَسْتَشْعِرُ الْمُوَحِّدُ مَقَامَ التَّوْحِيدِ الْخَالِصِ لِلَّهِ،وَأَنَّ الْعَلِيمَ الْخَبِيرَ هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتُ الْعُلَى، وَبِهَذَا يَحْمِلُ الْمُسْلِمُ هَذِهِ الْعَقِيدَةَ الْخَالِيَةَ مِنْ الدَّعَاوَى الْجَاهِلَةِ وَالْخُرَافَاتِ الْبَاطِلَةِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُهَا الْكَهَنَةُ وَالْمُنَجِّمُونَ وَالْعَرَّافُونَ وَالدَّجَّالُونَ؛ لِتَضْلِيلِ النَّاسِ، وَالزَّعْمِ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ مَا خَفِيَ مِنْ غُيُوبِهِمْ، وَيُخْبِرُونَ السُّذَّجَ مِنْهُمْ بِمَا تُخْفِيهِ أَبْرَاجُهُمْ وَأَيَّامُهُمْ الْمُقْبِلَةُ، فَالْآيَةُ كاسِمَةٌ لِهَذَا الْجَهْلِ الْمُبِينِ.

إِنَّ مَقَامَ التَّوْحِيدِ بِمَا يَحْمِلُهُ أَهْلُ الْإِيمَانِ مِنْ عَقِيدَةٍ صَادِقَةٍ،وَإِيمَانُهُمْ بِأَنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ؛ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، يُورِثُ هَذَا الْعِلْمَ الْخَشْيَةَ مِنْ اللَّهِ، وَيُوجِبُ مُرَاقَبَتَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ بِعِلْمِهِ وَسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَتَحْتَ سُلْطَانِهِ، وَيُوجِبُ مَحَبَّتَهُ؛ لِأَنَّ كَمَالَ الْعِلْمِ مَحْبُوبٌ لِلنُّفُوسِ الشَّرِيفَةِ التَّوَّاقَةِ، وَيُوجِبُ مَحَبَّةَ الْعِلْمِ وَالسَّعْيَ فِيهِ وَتَحْصِيلَهُ، وَالتَّلَذُّذَ بِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعِلْمَ وَالْعُلَمَاءَ، وَيَكْرَهُ الْجَهْلَ وَالْجُهَلَاءَ، فَعِلْمُ الشَّرِيعَةِ وَالْوَحْيَ وَالْآخِرَةِ مَحْبُوبٌ؛ لِأَنَّهُ يُثْمِرُ الْمَعْرِفَةَ بِهِ وَالْقُرْبَ مِنْهُ، وَمَعْرِفَةَ مَا يُرِيدُ، وَمَا يُحِبُّ، وَمَا يَكْرَهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

إِنَّ الْإِيمَانَ بِهَذَا الِاسْمِ الشَّرِيفِ يُولَدُ فِي النَّفْسِ تَسْلِيمًا؛ لِمَا يَفْعَلُهُ اللَّهُ فِي كَوْنِهِ، وَأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ بِعِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ وَحِكْمَتِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾ [التغابن:11].

وَالْعَبْدُ يُبْتَلَى فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَأَهْلِهِ، فَتُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَرْضَى وَيُسْلَمُ، فَالْإِيمَانُ بِالرَّبِّ الْعَلِيمِ يَجْعَلُ الْعَبْدَ أَقْرَبَ إِلَى رَبِّهِ وَأَكْثَرَ اسْتِشْعَارًا بِمَعِيَّتِهِ.
وَهُوَ العليمُ أَحَاطَ عِلْمًا بِالَّذِي
في الكونِ مِنْ سِرٍّ ومنْ إِعْلانِ
وبكلِّ شَيْءٍ عِلْمُهُ سُبْحَانَهُ
قاصي الأمور لديهِ مثل الداني
لا جهل يسبق علمهُ كلا ولا
ينسى كما الإنسان ذو نسيان



وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد.



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 19.22 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 18.59 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.27%)]