عرض مشاركة واحدة
  #616  
قديم 09-05-2008, 05:07 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

كابوس الكفر الجزء الثاني

بقلم الكاتب التركي هارون يحيى
أخلاق الإسلام تحث على الصداقة الحق
في المجتمعات البعيدة عن قيم الدين تسمع الناس يقولون: "عندي أصدقاء كثر لكن ليس بينهم صديق واحد يمكن التعويل عليه" أو تسمعهم يقولون: "إنني لا أثق بأي من أصدقائي". فرغم ما لهؤلاء الناس من صداقات حميمة ظاهريا إلا أنهم يشعرون في قرارة أنفسهم بالحرمان من الأصدقاء. ومن المستبعد جدا أن يعثروا على أصدقاء مخلصين. وهذه الحقيقة هي التي تثنيهم عن السعي لإقامة صداقات أفضل. وما ذاك إلا لأن الصداقة الحق تقتضي من طرفيها اجتهادا وتضحية. فالصديق الحق هو الذي لا يتردد في التضحية من أجل أصدقائه إذا حلت بهم ضائقة أو طرقهم مكروه، فلا يتأخر عن مواساتهم بماله أو بوقته أو بأي شيء آخر من نفيس ما يملك. لكن ليس للناس في المجتمعات الغافلة عن هدى الدين دافع للتضحية والإيثار.
فلو مرض أحدهم فجأة مثلا فالراجح أن يستثقل صديقه نقله إلى المستشفى أو دفع نفقات علاجه أو البقاء بجانبه في المستشفى لرعايته. وأغلب الظن أنه سينتحل المعاذير ويتحجج بضرورة ذهابه للعمل أو للمدرسة أو البقاء مع أسرته بدلا من البقاء إلى جانب صديقه الذي يحتاج إلى العون. والأدهى من ذلك أن الجميع يعتبرون هذا تصرفا عاديا لا يدعو للاستغراب.
إن هذا هو السبب الرئيس في انعدام الصداقة الصدوقة في المجتمعات الشاردة عن مبادئ الدين، فحتى الأزواج لا تقوم علاقاتهم على الأمانة والوفاء، إذ لا يلبث الحب أن يتلاشى في وقت قصير. فالأسباب الاقتصادية والضغوط الاجتماعية هي التي تشدهم إلى بعضهم بعضا لسنوات طويلة. وتدفعهم هذه الظروف إلى التعويل على أبنائهم لتأمين مستقبلهم لكن هذا المسعى يخيب أيضا بسبب تقوقع الأبناء على أنفسهم، إذ يصدهم الطمع الدنيوي والأنانية عن مد يد العون لوالديهم. ولهذا كتب على كل من يتنكب سبيل الإيمان أن يحيا وحيدا محسورا يتجرع كأس العزلة ولا يكاد يسيغه.
التمسك بقيم الدين يبدد كافة المخاوف الدنيوية
تنتاب الأشخاص الذين بعدوا عن الله ولا يتوكلون عليه هموم ومخاوف لا أساس لها. ولهذا فهم في قلق وخوف دائم مما يخبئه لهم المستقبل، ومن احتمالات انتهائهم إلى الوحدة أو أن تذهب عنهم أموالهم. إنهم يوجلون من أن يتعرضوا لحادث، وفوق ذلك، فإنهم يهابون الموت ويجزعون من مجرد التفكير فيه: "قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" (الجمعة: 8).فالموت في تصور الكفار لغز لا يسبر غوره. فحتى لو لم يكونوا يؤمنون بالحياة بعد الموت فإنهم يفكرون كثيرا في مواجهته وترتعد فرائصهم لمجرد التفكير في أنه سيحل بساحتهم يوما ما. إن تكذيبهم للدار الآخرة يضفي على الموت هالة كبيرة من الرهبة في أذهانهم. فهم يظنون أن الموت سيجعلهم نسيا منسيا ولن تتاح لهم أبدا فرصة ثانية للحياة. والحق أن خوفهم من الموت ينبع في الأساس من خوفهم من الحرمان من متع الحياة والفناء لا من حقيقة اليوم الآخر. ولهذا يسعى هؤلاء الناس لمدافعة هذا الخوف من الفناء بابتداع آثار ضخمة تخلد ذكراهم: "وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُون" (الشورى: 129)
إن مجرد التفكير في الموت يطوّح بالكفار في مهاوي البؤس. وحتى لو اجتهدوا في الكف عن التفكير في الموت فإن مشاهده تطل عليهم كل يوم من على صفحات الصحف وشاشات التلفاز. كما تظل حالات الموت التي تتخطف الناس من حولهم وحوادث الأمراض والإصابات التي يتعرض لها أشخاص آخرون في أماكن أخرى، تذكرهم أبدا بنهاية هذه الحياة. ومع هذا فهم يدأبون في تحاشي التفكير في الموت. وإن جاء ذكر الموت على لسان أحد الناس شغبوا عليه وأنسوه النهاية القادمة.
إن تنوع الصور التي يأتي بها الموت يملأهم رعباً. ولذلك تجدهم يتفادون المرور بقرب المقابر مثلا، كما ينفرون من السكنى بجوار المقابر. لكن هيهات، ففوت الموت بعض المستحيل. وهذه الحقيقة الراسخة يحكيها القرآن في قوله تعالى: "أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا" (النساء: 78).
إن الموت والحياة الآخرة حقيقتان يدركهما المؤمنون تمام الإدراك ولا تلهيهم الحياة عن التفكير فيهما والاستعداد لهما. فالموت في نظرهم يأخذهم للقيا بارئهم ويقربهم زلفى من دار الخلود والنعيم المقيم ومن الحياة التي لا موتفيها. فهم يوقنون بأن الموت لا يعني نهاية حياتهم وفنائهم ولهذا خلت قلوبهم من رهبته.
التمسك بهدى الدين يزيل الخوف من المستقبل
إن الناس، كل الناس، ما خلا المؤمنين، يساورهم فضول وتطلع وإشفاق مما يخبئه لهم المستقبل. وتغذي قلقهم هذا الحوادث المؤسفة والقروح التي ربما مستهم في أوقات ما من حياتهم وشعورهم بأنهم قد يمسهم مثلها في قادمات الأيام. وهناك، إلى جانب هذه المخاوف المقيمة، مخاوف يومية تتبدى في صور شتى وفي أطوار مختلفة من حياة المرء. وقد تتمثل هذه المخاوف اليومية الصغيرة مثلا في بحث دراسي يتعين على طالب ما الفراغ منه في حيز زمني ضيّق. ومع تقدم عمر الإنسان تزداد التعقيدات التي يصنعها لنفسه وقد يلازم الخوف من هذا التعقيدات الإنسان ما دام حيا.
وبالنسبة لتلميذ في المرحلة الثانوية فإن شكله وعلاقته بأصدقائه وشهرته وسط مجموعته ونجاحه في الدراسة وعلاقته بأسرته تمثل في نظره أهم المشكلات في العالم. ولهذا فهو يصاب بنوبة من الضغط النفسي لأصغر أزمة تواجهه، وتشتدد معاناته بوجه خاص عندما يكون بصدد اتخاذ قرار فيما يتعلق بحياته المهنية. وغني عن القول أن هذه مشكلات لا ينبغي أن تسبب للمرء ضغطا نفسيا عميقا. فمن الطبيعي أن يرغب المرء في الحصول على الوظيفة التي يعتقد أنها ستجلب له السعادة والنجاح، لكن إن أخفق المرء في الحصول على هذه الوظيفة رغم حرصه عليها فما عليه سوى أن يكل أمره إلى الله سائلا إياه أن يتفضل عليه بنعمة أخرى. ولا شك أن النجاح والفشل كليهما يذهبان أدراج الرياح بعد الموت. ولا يبقى إلا ثقة المرء بربه وإيمانه به.
لكن الغافلين عن قيم الدين ولجهلهم بهذه الحقيقة المهمة يشعرون بخوف أكبر بشأن المستقبل كلما تقدم بهم العمر. وبالإضافة إلى خططهم بشأن المستقبل فإن كثرة المهام والمسئوليات الدنيوية تقلقهم، إذ تتعدد المشكلات التي تحيط بهم وتنتابهم، بمرور الوقت، أفكار شتى منها على سبيل المثال: هل ستتم ترقيتهم في الشركة، هل سيأخذون عطلة في ذلك الصيف أو أين سيقضون العطلة السنوية وهل ستتاح لهم فرصة الانتقال لمنزل أفضل حالا أم هل سيتمكنون من الحضور في الوقت المحدد للاجتماع.
وأكثر ما يقض مضاجع هؤلاء هو خوفهم من تردي أوضاعهم المالية، إذ ينتابهم قلق شديد بشأن قدرتهم على إعالة أسرهم في المستقبل. إن لهم طموحات دنيوية عريضة لكن مواردهم محدودة ولا تتيح لهم تحقيق هذه الطموحات. ثم لا يلبث هذا الأمر أن يغدو مصدرا كبيرا لمخاوفهم، ولأجل هذا السبب يحجمون عن إسداء المعروف للآخرين رغم ما بحوزتهم من ثروات تكفل لهم عيشا هنيئا. إنهم قلقون بشأن المستقبل ويتصرفون بلؤم سواء الغني منهم أم الفقير. لكن الله هو الذي يتكفل برزقهم في الحياة الدنيا وهو الذي يرفع عنهم البلاء إن توكلوا عليه حق توكله، إلا أنهم حرموا هذا النعيم بسبب ضعف ثقتهم في الله. إن الإنسان مبتلى بالنعم التي يتفضل بها عليه خالقه ومأمور بأن يسخر هذه النعم في طاعة الله، لكن خوف هؤلاء الناس بشأن المستقبل يجعلهم محصورين في نطاق مصالحهم الشخصية الضيقة وهذا الوضع تشير إليه الآية التي يقول الله فيها: "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيم ٌ" (البقرة: 268)
وهناك خوف مقيم آخر ينتاب الإنسان بشأن المستقبل،، ألا وهو تقدم السن. فعندما تكبر سن الإنسان تحدث تغييرات في جسده، فتغطي جبينه التعرجات ويأخذ شعره في التساقط ثم يبيّض لونه وتضعف حواسه تدريجيا. وتثير كل واحدة من هذه الآثار الفزع والهلع في نفوس الذين يجهلون أخلاق الدين. فيتساءلون مثلا: هل سيعتني بهم أبناؤهم إن أصابهم مرض؟ ويفكرون كذلك في كيفية مواجهتهم للموت الذي سيلاقيهم يوما ما. ومن دواعي قلقهم الكبيرة هو ما ستؤول إليه حياتهم بعد موت أزواجهم.
هذه ببساطة هي المشكلات والمخاوف التي تصيب أصحاب القلوب الخالية من الإيمان. لكن الأمر جد مختلف عند المؤمنين، فقلوبهم خلو من هذه المخاوف ولا تحزنهم البلوى تصيبهم لأنهم يقطعون بأن كل ما يجري لهم لا يعدو كونه تقديرا إلهيا وراءه من الحكم ما وراءه. ولذلك فهم لا يرجون غير هدى الله لأنهم يؤمنون أنه هو وحده ملتحدهم الذي إليه يأوون. هذا بالإضافة إلى عدم خوفهم من أي شيء أو وضع في هذه الحياة الدنيا. فهم يكلون أمرهم إلى الله وينشدون رضاه. وهذا الموقف الإيماني تحكيه الآية التالية: "قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللّهُ لَنَا هُوَ مَوْلاَنَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُون" (التوبة: 51). ويحكي صلابة إيمان المؤمنين بربهم وتوكلهم عليه الحديث المروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والذي يقول فيه: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك. وإذا سألت فأسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشي لا ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وأنهم لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لا يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف" (الترمذي)
إن المرء إذا اعتصم بمبادئ الإسلام مقيما لها وجهه تلاشت من طريقه كثير من المشكلات والمعاناة، وعاش حياة ملؤها الأمن والهناء. إن عند الدين حل لكل أزمة ومخرج من كل ضيق. والمتدينون يشعرون بالراحة والتحلل من الأعباء، وما ذاك إلا لقناعتهم الراسخة بأن كل ضر يصيبهم إنما هو ابتلاء من رب العالمين. ففي غمرة الشدائد تجدهم يحتسبون الأجر بالثقة في الله. وبالمثل تراهم شاكرين لأنعم الله عليهم في الحياة الدنيا ويتطلعون إلى ما في الدار الآخرة من حسنات. إن هذه القناعة هي بلا شك امتياز تحقق للمؤمنين بسبب تمسكهم بأخلاق الإسلام. لكن لا سبيل إلى تحصيل هذا الامتياز إلا بقوة الإيمان والثقة بالله والتسليم لأمره. فالذين تجتمع فيهم هذه الخصال هم وحدهم الذين لا ترى عليهم وعناء القلق. أما الآخرون الذين تكتنفهم الهموم والمخاوف وتحيط بهم من كل جانب، فيذوقون نصيبهم من العذاب وهم على قيد الحياة وحين تقوم الساعة يردون إلى أشد العذاب.
أخلاق الإسلام تحث المؤمنين على التواضع
يأمر الله الناس في كثير من آي القرآن بأن يتواضعوا ويذكرهم مرارا بسخطه على كل جبار متعجرف. ولهذا ليس أمام المؤمن خيار سوى التواضع. إلا أن الكافرين لا يمكن أن يتواضعوا وذلك بسبب بعدهم عن الهدى الرباني. إذ تصبح عندهم المزايا الشخصية كالذكاء والغنى والجمال والشهرة دواعي للإعجاب بالذات وتصعير الخدود واحتقار الآخرين. إنهم دوما يسعون إلى التفوق على الآخرين في مجالات الجاذبية الشخصية والتميز والذكاء، لكنهم يذهلون، في عماهة سكرتهم هذه، عن حقيقة أنهم سيلاقون الموت يوما ما وأنهم سيفارقون كل شيء مما تشتهيه نفوسهم وأن ما يدلون به من جمال ورشاقة قوام سيتحلل متلاشيا في الثرى. إنهم في حقيقة الأمر يبالغون في الاعتداد بالنفس وهو في فهمهم علامة على سلامة الشخصية.
إن الغرور هو الذي يمنعهم من معاملة الناس بحب واحترام خالصين. فهم يتوقعون أن يعاملهم الآخرون بكل محبة واحترام لكنهم يظنون أن مقابلة هذا الحب وهذا الاحترام بمثله أو بأحسن منه، غباء لا يليق بهم. إن الناس الذين يجهلون مبادئ الإسلام مصابون بالنرجسية وتضخم الأنا. كما يدفعهم ظنهم أنهم قد أحاطوا علما بكل شيء،، إلى محاولة السيطرة على الآخرين واغتنام كل سانحة لإذلالهم. والشيء المهم هنا هو أن هؤلاء الناس ليسوا حالة نادرة أو استثناء، إذ ينطبق هذا الوصف على كثير من الناس في المجتمعات الغافلة عن قيم الدين: "وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُول" (الإسراء: 37)وفي آية أخرى: "وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور" (لقمان: 18)ولقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمنين من الكبر وذلك في الحديث: "بئس الرجل المتكبر الذي ينفخ أوداجه وينسى العلي العظيم" (مسلم)
قد يخدع بعض الناس أنفسهم بقولهم "أنا متواضع"، لكن التواضع كخلق إسلامي له تأثيره على كل لحظة في حياة الإنسان وعلى كل ما يصدر عنه من سلوك وما يتخذ من مواقف. إن دافع المؤمن إلى التواضع الحق هو إيمانه بأن الله بيده ملكوت كل شيء بما في ذلك نفس الإنسان وما ملكت يداه وأنه خالق كل شيء. فهو يعلم أن علم الله محيط بكل ما يقع في الكون. وهؤلاء الناس لا يسعهم إلا أن يكونوا مؤمنين. وليس يرجى من الشخص الذي ينقصه العلم الديني أن يتواضع وذلك لأنه يفتقر إلى البعد الخلقي الذي لا يكون إلا للمؤمن. فكل ما يبدي من تواضع، إن لم يتقيد بهدي القرآن، لا يعدو أن يكون نفاقا أو سلوكا ناشئا عن شعور بالنقص.
إن أي مجتمع يفشو فيه الكبر هو مجتمع لا يطاق ولا ينضح إلا بالقلاقل والعذاب. وثمة بون شاسع بين مجتمع لا يعرف أفراده حدودا للتكبر والقسوة والنرجسية وآخر سيماء أفراده التواضع. وهذا الفرق سببه الأول إعراض البعض عن هدى الدين.
أخلاق الإسلام تطهر المجتمع من القسوة والشحناء
إن الرحمة، إلى جانب كونها صفة للرحمن، خلق يحب الله من عباده أن يتخلقوا به. إذ يرشد الله المؤمنين في كثير من الآيات إلى أن يعمروا قلوبهم بالرحمة. ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم يحث المؤمنين على التراحم وذلك في الحديث: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" (الترمذي وأبو داوود)
إن العيش بغير أخلاق الإسلام والزهد في رضا الله يقعدان بالمرء عن ابتغاء الكمال الأخلاقي. وإن مظاهر انعدام الرحمة في المجتمعات البعيدة عن الإيمان لتتبدى في كل مناحي الحياة وفي كافة العلاقات الاجتماعية فيها. فالشخص غير المؤمن قد يعامل حتى أمس الناس به رحما كأبيه وأمه وأخواته واخوته وغيرهم بقسوة. كما أنه قد يغضب بسرعة من أخطاء أو تقصير الآخرين فيؤذيهم، وذلك لأنهم لا ينظرون إلى الحوادث من زاوية الرحمة.
تقل في المجتمعات الكافرة مظاهر الرأفة بالبؤساء وأصحاب العاهات وذلك لأن المصالح المباشرة لأفرادها أهم عندهم من كل شيء آخر. وهذا الاشتغال بالمصالح الشخصية هو الذي يحول بينهم وبين التفكير في الآخرين. والحق أن لكل واحد من هؤلاء الناس تفسيره الخاص للرحمة، لكنه تفسير ممسوخ. فهو مثلا يترفق بالشحاذين ويرى ذلك غاية الرحمة لكنه يتلهى وينكفئ على ذاته حين تبرز ظروف تستدعي تصرفا نابعا من أصل الضمير، أو تتطلب تضحية. فإن شهد حادث سير مثلا فإنه لا يتوقف ليساعد المصابين، وتراه يصطنع معاذير شتى يسوغ بها هذا التصرف. إذ إن تطوعه بأخذ المصابين إلى المستشفى سيفسد عليه يومه أو قد يكلفه شيئا من المال أو الوقت. وفوق ذلك، لا يجد مثل هذا الشخص دافعا للتضحية من أجل شخص لا يعرفه، فهو في النهاية لن يحصل على شيء.
إن هذه الأحداث تكثر في المجتمعات النافرة عن هدي الدين. ولا سبيل إلى اختفاء هذه اللامبالاة غير الإنسانية إلا إذا تشبث الناس بأخلاق القرآن. فليس سوى الدين ضامنا لقيام مجتمع طيب يتواصى أهله بالمرحمة ويتنافسون في فعل الخيرات. ومع هذا ينبغي التنبيه إلى أنه لا يكفي أن تتوفر هذه السمات الخلقية في فئة محدودة من الناس، بل إن التمسك بهدي القرآن في بعض الأوضاع والتنكر له في أوقات أخرى، أو اجتناب منكرات معينة ثم الوقوع في غيرها لا يضمن قيام هذا المجتمع المنشود. إذ لا سبيل إلى إقامة حياة اجتماعية آمنة إلا إذا خضع كل أفراد المجتمع لإرادة الله الشرعية واتسم سلوكهم بالتضحية والإيثار.

الوحشية والسلوك غير الإنساني لا يظهر في المجتمعات التي يلتزم أهلها بقيم القرآن بل يهنأ فيها
المسنون والأطفال والفقراء والمحتاجون بالحماية والرعاية. والصور أعلاه نتاج لحياة بعيدة عن أخلاق القرآن.
أخلاق الإسلام تهب الجميع مفاتيح للخير
إن الشخص المستمسك بهدي القرآن يأتي بالحلول للمشكلات ويتصرف بحكمة في كل الظروف، ولهذا لا يعرف الإحباط طريقا إلى قلبه العامر بمبادئ القرآن بالغا ما بلغ تعقيد الوضع الذي يواجهه.

يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــع
 
[حجم الصفحة الأصلي: 29.48 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 28.89 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (2.03%)]