عرض مشاركة واحدة
  #613  
قديم 09-05-2008, 04:00 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع .... كابوس الكفــــر

إن من يسلك طريق الكفر تبدأ متاعبه ومشكلاته المادية والمعنوية في حال حياته وذلك لأن كل إنسان يستيقن في قرارة نفسه أن به حاجة ماسة للتمسك بأهداب القيم الدينية. ولا شك أنه ما من إنسان إلا وقد وهب ملكة الضمير، لكن في حين نجد هذه الآلية منضبطة لدى المؤمنين فإنها تكون مختلة لدى الأشخاص الذي لا يحيون بقيم الدين. وبعبارة أخرى، يعاني الأشخاص الذين ينأون عن قيم الدين من رهق روحي بسبب تلهيهم عن صوت الضمير. فكل إنسان في حقيقة الأمر يقر بأن له خالقاً يراقبه وأنه مطالب بأن يسمو بنفسه أخلاقياً، لكن هذه الحقائق تتعارض مع رغباته ونزواته الدنيوية، وهذا هو الدافع الذي يجعل الناس ينبذون الدين بالكلية أو ينتحلون معاذير مثل قولهم"إنني رجل أمين وطيب ومخلص" مراوغة وتملصا من العيش وفق هدى القرآن. لكن فيكلا الحالين فإن الناس يحسون بميل باطني إلى العيش وفق منهج القرآن. إن مصدر الانحراف العقلي وغيره من المشكلات النفسية والروحية في المجتمعات التي خبت فيها جذوة الدين هو هذا الضنك والعنت الروحي الذي نسميه "وخز الضمير". الآيتان التاليتان تصفان حال الأشخاص الذين حلت بهم هذه المصيبة وهم على قيد الحياة: "وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِين قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ رَدِفَ لَكُم بَعْضُ الَّذِي تَسْتَعْجِلُون" (النمل: 71-72)
إن وخز الضمير ليس سوى جزء يسير من العذاب الروحي والجسدي الذي سيذوقه الكافر يوم القيامة. ولقد استحق الإنسان هذا العذاب الدنيوي لأن حياته وسلوكه وتصوراته ليست منسجمة ومتلائمة مع الغاية من خلقه. وسيظل يعاني من هذا الألم الروحي طالما أصر على هذه العقلية والسلوك اللاديني. وهذا هو السبب الذي يجعله ينقب عن سبل لكبت صوت ضميره طمعاً في إسكات سياط الألم الروحي.
إن الإنسان بحكم تكوينه العقلي والجسدي ميّال إلى قيم الدين. فالله خلق الإنسان وخلق له طريقة مثلى للعيش. ولهذا فإن تجاوز حدود الله يخلق مشكلات شخصية واجتماعية. وكما ذكرنا في الصفحات السابقة فإن هذه المضاعفات والمشكلات ليست في الحقيقة سوى نكبات وكوارث شخصية واجتماعية كان ولا يزال لها أثر سلبي على الإنسانية على امتداد التاريخ. وليس من سبيل لتجاوز هذه المعضلات إلا بالاستمساك بقيم الدين، وذلك لأن الدين يوجد حلا حقيقيا لكل معضلة من هذه المعضلات.
التمسك بالقيم الدينية يمنع وقوع الجريمة

لا يرجى من أي شخص لا يحيا وفق قيم الدين ولا يتوقع بالتالي أن يحاسب على أفعاله وأن يعاقب في نهاية المطاف، أن يراعي حدود الله أو أن يعمل لخير ومصلحة الآخرين طمعاً في مرضاة الله. فهو حسب معتقده الباطل يرى أن له فرصة واحدة للحياة في الدنيا وبالتالي يتعين عليه أن يجعلها حياة ممتعة إلى أقصى حد وأن يسعى لتحقيق رغباته وأن يفعل جميع ما يشتهي. يصور القرآن هذا المنطق فيقول: "وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّون " (الجاثية:24).
حري بأي شخص تتقمصه هذه الروح المتمردة ويعتد بهذا المذهب الضال أن تصدر عنه كافة ألوان الشرور والانحراف الخلقي، فهو لا يبالي أن يسرق أو يكذب أو ينقض عهوده أو يلجأ إلى العنف أو يزوّر أو يستغل جهود وممتلكات الآخرين متى ما لاحت له الفرصة لعمل ذلك. صفوة القول، ليس ثمة ما يحجز مثل هذا الشخص عن مقارفة الشرور.
وبمرور الوقت يستسلم هذا الشخصلأوامر نفسه الأمارة بالسوء بعد أن تكون قد استعبدته. فهو لا يتورع عن إتيان أي قدر أو ضرب من الشرور. فهو يسارع إلى القتل إن ظن أن في القتل مصلحة له. وصفحات الصحف اليومية تطفح بأخبار هذا النوع من الحوادث. إذ تمتلئ صفحاتها بأخبار أشخاص يقتلون جيرانهم ليستولوا على مجوهراتهم،وأخبار عن نساء يدفعهن الغضب إلى قتل أزواجهن وعن آباء يعذبون أطفالهم أو أبناء يقتلون آباءهم ليستولوا على أموالهم. ولا شك أن هناك الكثير من شاكلة هذه الحوادث تحدث كل يوم دون أن يكشف عنها الغطاء. وفي هذا كله برهان ساطع على حقيقة أن الناس قد غدوا عبيدا لأنفسهم الأمارة بالسوء وانتكسوا روحيا حتى صاروا أضل من البهائم. ويصف القرآن كل فرد من هؤلاء بأنه معتد وذلك في قوله تعالى: " وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيم " (المطففين: 12).
في المجتمعات التي يستطيع فيها الناس عمل ما يشاءون متى يشاءون يمكن للشخص الذي يجلس إلى جنبك في الباص أو في مركز التسوق أو في المسرح أن يشكل تهديداً محتملا لك ولسواك. فقد يكون لصا كاسراً أو قاتلاً أو مغتصباً. وفوق ذلك فقد يكون مثل هذا الشخص الخطر جميل المحيا وحائزا على درجات علمية راقية. إن مقابلة أجرتها إحدى المجلات الشهيرة لتؤكد ذلك. سألت المجلة الضيف قائلة له: "أشرت إلى أن حوادث القتل تثير اهتمامك. فهل تفكر في ارتكاب جريمة قتل في يوم ما؟ أجاب الضيف قائلا: "فكرت في القتل مرات كثيرة لكن ليس في بالي شخص معين استهدفه. أحيانا أشعر بدافع لقتل ثمانية أو تسعة أشخاص في اليوم الواحد. إن روحي مسكونة بالرغبة في مثل هذا النوع من العنف. وهي وهذه الرغبة موجودة في أعماق كل إنسان. وعلى الرغم من أن جريمة القتل تبدو منفرة، فهناك الدم والقتيل وسيارات الإسعاف والشرطة وغير ذلك، إلا أن هذا لا يمنعني من الانجذاب إلى حوادث القتل." ثم كان السؤال التالي: "أي نوع من حوادث القتل تود أن ترتكبه؟" فأجاب الضيف: "أنا أفضل استخدام السلاح الناري. وذلك لأن أساليب القتل الأخرى كتسميم الضحية مثلا لا تحدث جو الرعب الذي يصحب حوادث القتل عادة، فهي طريقة للقتل مغرقة في التخفّي"
المدهش أن الشخص الذي وجهت إليه الأسئلة أعلاه، والذي يصفه مجتمعه بأنه شخصية مستنيرة، يحمل مثل هذه المشاعر الإرهابية ولا يستنكف أن يجاهر بها. إن هذا المثال يرسم صورة واضحة المعالم للعقلية للروح التي تسود مجتمعاً لا يقيم وزنا للقيم الدينية، كما يعكس البشاعة التي تنطوي عليها دخائل الأشخاص الذين لا يؤمنون بالله ولا يخافون عقابه. إن حكم القرآن في القتل، الذي يرتكبه الكفار بكل سهولة، هو على النحو التالي: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ(27)لَئِنْ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ(المائدة-28).
إن المثل الذي تتضمنه الآية أعلاه ، والذي يقول فيه الله إن قتل نفس واحدة هو كقتل البشر قاطبة، مهم جدا. وفي آية أخرى يبين الله أن قاتل النفس مصيره الخلود الأبدي في نار جهنم: " وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا " (النساء:93). ولهذا فإن الشخص العامرة دواخله بالخوف من الله يتفادى حتى مجرد التفكير في ارتكاب جريمة القتل. هذا المبدأ تصوره حكاية القرآن عن ابني أدم عليها السلام. لقد دفعت الغيرة أحد ابني آدم إلى العزم على قتل أخيه، لكن الضحية، الذي يخاف الله ربه، أبدى سلوكا وموقفا غاية في الروعة والجلال: "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ" (المائدة:28)وعند هذه النقطة يتجلى الفرق الجوهري بين المؤمن والكافر. فالمؤمن لا تحدث نفسه بالاقتراب من فعل ذمه الله مهما كانت الظروف. كما أن الحديث الشريف الذي جاء فيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار" (سنن ابن ماجة)، يوضح هذا الموقف تماما. أما الكفار فلا شيء يزجرهم عن ارتكاب الشرور.
إن أخلاق الإسلام تطهر المجتمع من آفات السرقة والرشوة والكذب والقتل. والمستمسكون بأخلاق الإسلام يراقبون حدود الله ولا يصغون للوساوس الشريرة التي تنفثها في جنانهم أنفسهم الأمارة بالسوء. أما من لا يأبه لقيم الدين فهو دوما يتصرف وفق ما تمليه مصلحته. وهذه هي السبيل المفضية إلى الشر بمختلف ألوانه. فالسرقة مثلا قد تجلب للمرء نفعا ماديا إلا أن المؤمن يعرض عنها لأن الدين حرمها. والسرقة في واقع الأمر تؤذي السارق والمسروق منه. فربما سرقت كل مدخرات المرء في ليلة واحدة لكن سارقها قد يصبح نهبا لتأنيب الضمير. ولهذه الأسباب حرم الإسلام مثل هذه الشرور وفتح الطريق نحو بيئة عالمية رائعة يسودها السلام.
وهنا قد ينبري كافر ليقول: "أنا لا أؤمن بالله لكنني رغم ذلك أعف عن الغش". من الوارد جداً أن يمتنع هذا الشخص عن الغش طوال حياته بدافع من مبادئه، لكنه قد يستسلم في ظل ظروف معينة لإغراء الغش فيغش الآخرين. فقد تمر به مثلا ضائقة مالية أو ربما كان في وسط لا يرى في السرقة بأسا. وثمة دواع أخرى مختلفة قد تجر المرء إلى ممارسة الغش والتورط في مستنقع الإثم. لكن الدين يحرم بشكل قاطع الاستيلاء على ممتلكات الآخرين دون وجه حق. والشخص الذي يجعل قيم الدين هاديا له في حياته لا يحاول البتة أن يغش الآخرين. فالغش ضرب من ضروب الظلم التي ذمها القرآن ونفر منها في آيات كثيرة منها قوله تعالى: "وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُون" (البقرة:188)
القرآن يأمر بإسناد الأمور إلى أهلها

إن أكبر سبب لاستعصاء كثير من المشكلات على الحل في عالم اليوم هو أن من يتصدون لهذه المشكلات تنقصهم الموهبة والمؤهلات للنهوض بأعباء هذه المهمة. ففي المجتمعات التي تغيب عنها أخلاق الإسلام تجد أناسي كثيرا تنقصهم المهارات الأساسية التي يتطلبها أداء المهام التي يتولونها. وحتى لو توفرت فيهم هذه المهارات فإنهم قد يعوزهم الالتزام بمبدأ فعل الخير للآخرين أو خدمة الإنسانية. وفي أغلب الأحوال لا تكون المهارات والخبرات هي المعيار الذي يحكم عملية توزيع المهام على الأشخاص، بل تحدد ذلك المصلحة الذاتية المتبادلة والامتيازات. فعندما يموت أحد ملاك المصانع مثلا فإن ابنه هو الذي يتولى مسئولية إدارة المصنع، ولا يهم بعد ذلك إن كان الابن يتمتع بالمهارات والمعرفة التي تمكنه من إدارة المصنع أم لا، بل ربما كان في قرارة نفسه كارها لهذا المنصب لكنه يقبل به على مضض لأنه هذا المنصب الموروث يضمن له النجاح والأمان الوظيفي والمالي والهيبة والاعتبار. ولذلك يفشل الابن في تذليل المشكلات التي تظهر في مكان العمل ولو كانت تافهة ويعجز عن اتخاذ إجراء مناسب لتصحيح الأوضاع، الأمر الذي يفضي إلى مزيد من المعضلات الأكثر تعقيدا مع مرور الوقت.
لكن مثل هذه المشكلات لا وجود لها في البيئات التي تسود فيها مبادئ القرآن وذلك لأن القرآن يأمر المؤمنين بإسناد الأمور إلى أهلها الذين تتوفر فيهم المهارات والمعرفة التي تقتضيها هذه المهام: "إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا " (النساء:58)
إن الشخص الذي يؤمن بالله ويهتدي بمبادئ الدين وقاف عند حدود الله. ولهذا فالمجتمع الذي يتكون من أشخاص مؤمنين هو في الحقيقة يشتمل على: "وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُون وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُون" (المعارج:32-33)حيث يؤدي كل فرد فيه مسئولياته بأحسن وجه.
أخلاق الإسلام تعصم البشرية من الغدر والخيانة

يوجه الدين الإنسان إلى مفاهيم الوفاء والالتزام. ومن الخطأ الظن بأن هذه المفاهيم تبقى في المجتمعات التي لا تهتدي بقيم القرآن، وذلك لأن الفرد في المجتمعات المؤمنة يظل وفياً للآخرين في كل الأحوال حلوها ومرها لا لشيء سوى الفوز برضا الله، أما الذي لا يرجو لله وقارا ولا يظن أنه سيعاقب على ما يرتكب من شرور فإن مصلحته هي التي تحركه ثم لا يلبث أن يغدو إنسانا مفرط الأنانية.
والمجتمعات الكافرة تموج بالأمثلة التي تثبت هذه الحقيقة. فالناس هناك يتنكرون لمن زل عن مكانة كان يتسنمها أو عن منصب كان يشغله، ويزهدون في الشخصيات الهامة التي لم تعد تثير اهتمام الناس، وينفضون من حول الغني إذا افتقر. كما يشعر من يصاب بمرض عضال بمرارة هجر الخلان ورغبتهم عنه. وهكذا يمكنك الاطلاع على نماذج من الخيانة في صفحات الصحف كل يوم. ففي مجال الأعمال والشركات يبغي الخلطاء على بعضهم على بعضهم الآخر ويتخادعون. ففي مثل هذه العلاقات التي تفوح منها رائحة المصلحة يشاهد المرء كل أشكال السلوك غير الأخلاقيوذلك لما للمال من تأثير كبير على مجريات الحياة اليومية.
أما الصداقة فهي ظاهرة اجتماعية أخرى تتبدى فيها ملامح الخيانة والغدر. إذ لا يتورع الناس عن هجر أعز أصدقائهم إذا أحسوا أنهم يجنون منفعة أكبر من صداقة أخرى. فقد غُبن كثير من الناس من قبل أصدقائهم لأسباب مماثلة. وينسحب هذا الحكم على الزواج. إذ يترك الزوج زوجه أو يخونها لأتفه الأسباب. فهم يظلون على هذا الضلال لأن فعالهم المنكرة ستظل، حسب منطقهم المعوج، طي الكتمان طالما لم يطلع عليها أحد. لهذا فإنهم لا ينتهون عن غيهم. وباختصار هناك عنصر غدر وخيانة في معظم العلاقات في المجتمعات الكافرة مما يجعل تعامل الناس فيما بينهم مشوبا بالتردد والريبة.
ولا يقتصر انحراف منطق المجتمعات الكافرة على هذه النماذج وحدها. فكم من مشاهير بسبب المال أو الجمال يعشقهم ملايين المعجبين يفقدون هذا الحب وهذا الاهتمام ويقضون بقية أيامهم في عزلة كاملة وفاقة وعوز، يرقبون الموت بعد أن تتقدم بهم السن ويذهب عنهم ما كانوا يتمتعون به من سحر وجاذبية. فقد فقدوا فجأة المعجبين والأصدقاء وأضواء كاميرات الصحافة.
أن الاعتقاد السائد بين اللادينين هوعلى أن الإنسان بهيئته الحالية قد تطور من مخلوقات شبيهة بالقرد عن طريق عمليةمصادفات. وهذا هو السر في أن الإنسان يقم تقيمه على أساس مظهره ووضعه الماليوبهما يتميز المرء في مجتمعه. ومتى ما تلاشت هذه القيم المادية تلاشت مكانة المرء في أعين الآخرين. ولا جرم أن هذه الفلسفة لا تجعل أي قيمة لكائن أصله قرد، إذ ينصرف كل الاهتمام إلى المال والشهرة التي يحوزها المرء. وعليه يحل الأشخاص الأصغر سنا والأكثر جمالا محل المسنين ويزيح المجتمع كبار السن جانبا لأنه لم يعد بحاجة إليهم. كما يفترض بقية أفراد هذا المجتمع أنهم قد انحدروا من قرود وسيطويهم الفناء في نهاية الأمر. ولأن فلسفتهم لا تعرف قيمة الوفاء، فهم لا يتورعون عن التخلي عن آبائهم المسنين وتركهم يقضون بقية أيامهم في دور الرعاية متناسين أن هؤلاء الأباء المسنين هم الذين تطوعوا بتربيتهم ورعايتهم حتى بلغوا مبلغ الرشد. وأسوأ من ذلك أن هؤلاء الآباء والأمهات المسنين يلقون معاملة سيئة في كثير من دور الرعاية.
لا ريب أن أي قلب يخلو من قيم الدين يمكن أن يدفع صاحبه إلى أن يتصرف بعنف أو بعدم اهتمام حتى تجاه والديه. وفي ظل هذا الجدب الروحي تتسرب قيم التنكر والخيانة والغدر إلى كافة أشكال العلاقات الإنسانية. وليس من حل لهذه المشكلة الاجتماعية التي تشيع الألم والاضطراب الروحي إلا بمراعاة قيم الدين. فحين يتمسك الناس بمبادئ الإسلامفسينظر بعضهم إلى بعض باحترام وتقدير. فلا يغدو المال ولا جمال الخلقة ولا المكانة الاجتماعية معيارا للتفاضل بينهم، بل تكون قيمة الواحد منهم بقدر ما عنده من خشية الله وبحسب نصيبه من الكمال الأخلاقي. فالجسد ليس سوى نعمة مؤقتة وهبها الله للإنسان. وقد خلق الله الإنسان واستعمره في الأرض ومنحه الحياة اختبارا له. ومقامه في هذه الدنيا قصير إلى أجلمعين ثم ينتقل إلى مقامه الأبدي في الدار الآخرة. وحين يوافي الآخرة فإنه يحاسب على قدر ما تحقق له من سمو خلقي ولهذا كان سمو الأخلاق، لا غيره، هو الأهم. إن الله يأمر عباده بالوفاء لبعضهم البعض وهذا هو مصدر سعادة المؤمنين.
حيثما سادت أخلاق الإسلام فثمة قيم الوفاء والإخلاص المحض. الأطفال يجلون والديهم. والآباء والفنانون والعلماء والأشخاص الذين خدموا أممهم ينالون التقدير اللازم بغض النظر عن تقدم سنهم. والشباب لا يتخلون عن كبار السن من أفراد أسرهم ولا يدعونهم يقاسون مرارة الوحدة في نهاية حياتهم. فهم يزورونهم بانتظام ويجهدون في خدمتهم. ففي مثل هذه المجتمعات تعمّر الصداقات وتتطاول آجالها، لا بل يصبح الناس كأنهم اخوة أو أخوات، لا أصدقاء فحسب. وأكثر من ذلك يرى الناس في مثل هذه المجتمعات في عوادي المرض وغوائل المصائب والصعاب مواسم لنيل رضا الله. والرجل والمرأة المقبلان على الزواج يحافظان على بقاء علاقتهما ويقويانها بالإكثار من ذكر الله. كما يدفعهما إيمانهما بالحياة الآخرة السرمدية إلى الإخلاص التام لبعضهما الآخر. إخلاص لا يغيّره تبدل الظروف، كأن يصاب أحدهما بالمرض أو العجز أو الكبر. فإخلاص الرجل وحبه واحترامه لزوجته مثلا يبقى على مر الأيام، لا ينضب معينه حتى لو فقدت الزوجة جمالها الأول بسبب تقدم السن أو الإصابة بمرض. وليس هذا إلا لأن المؤمنين يعلون من شأن الروح فقط. بل يتحول الصبر الذي يبدونه في أيام البلاء هذه إلى متعة روحية عظيمة. والحديث التالي يوضح ولاء المؤمنين لبعضهم بعضا بشكل جيّد: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في عون أخيه كان الله في عونه ومن فرج عن أخيه كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. " (البخاري ومسلم).
وينطبق هذا الفهم للإخلاص والوفاء على الشراكات التجارية وغير ذلك من ضروب العلاقات التي تربط بين المؤمنين. فالوفاء بالعهود والعقود من أبرز وأهم سمات المؤمن. إلا أنه من سفه الرأي أن نتوقع من الناس في المجتمعات المحرومة من قيم القرآن أن يراعوا قيم الوفاء والإخلاص.
وهناك مسألة تتعين الإشارة إليها هنا وهي: أنه ربما زعم شخص ما أنه لا يخلف وعوده ولا يغدر رغم أنه لا يدين بدين معين. ونحن نقول إنه من الوارد أن يوجد شخص غير متدين لكنه مستقيم في تعامله، متنزها عن الخيانة والغدر طوال حياته. لكن، وكما سبق أن أشرنا، قد تتبدل الظروف بشكل يجعله يظن أن بإمكانه خدمة مصالحه. وفي هذه الحالة لا يملك إلا أن يستجيب لإغراء الظروف الجديدة. لكن المؤمنين لا يجرؤن على انتهاك حرمات الله مهما دعت الظروف.

يتبـــــــــــــــــع
 
[حجم الصفحة الأصلي: 30.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 30.36 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.95%)]