عرض مشاركة واحدة
  #678  
قديم 23-06-2008, 09:31 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع ... وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ

والوجه الثالث:أن{ لا } ينفَى بها الجنس على سبيل الاستغراق والشمول؛ سواء كان المنفي اسمًا؛ كقوله تعالى:﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ ﴾(البقرة:2)، أم كان فعلاً؛ كقوله تعالى:﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ ﴾(الأنعام: 103)، وقوله تعالى:﴿ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ(الإسراء: 88)، وقوله تعالى:﴿وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ(الجمعة: 7)، وقوله تعالى:﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (آل عمران: 5).
تأمل كيف جاء النفْيُ في ذلك كله بـ{ لا } نفيًا دائمًا على سبيل الاستغراق والشمول. ومثله في ذلك قوله تعالى:﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ ﴾.
وأما { ما } فيحتمل النفي بها استغراق الجنس كله، ويحتمل نفي فرد واحد منأفراده؛ ولهذا يجوز أن تقول:{ما يوجد في الدار رجل، بل رجلين }، ولا يجوز ذلك في { لا }. فإذا أريد نفي الجنس بـ{ ما } على سبيل الاستغراق والشمول، وجب أن تصحبها { من } الاستغراقيَّة، فتقول:{ ما يوجد من رجل فيالدار }؛ ونحو ذلك قوله تعالى:﴿ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ ﴾(فاطر: 13). ومثله قوله تعالى:﴿وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ ﴾. ومن هنا يخطىء كل من يقول بزيادة { من } في هذه الآية، ونحوها، كما يخطىء كل من يقول: إن قوله تعالى:﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ ﴾،ونحوه لا يفيد معنى الاستغراق.
بقي أن تعلم أن الفرق بين قول الذين كفروا:﴿لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ ﴾(سبأ: 3)،وقولهم:﴿ مَّا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ ﴾ ؟ هو أن الأول قالوه على سبيل القطع والجزم؛ إما جهلاً، وإما تعنُّتًا. وأما الثاني فقالوه على سبيل الظن، بدليل تعقيبهم عليه بقولهم:﴿إِن نَّظُنُّ إِلَّا ظَنّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ(الجاثية: 32).
والوجه الرابع:إذا كان الكلام منفيًّابـ{ ما }، أو بـ{ لا }، وعطف عليه كلام آخر، وجب أن يكون المعطوف منفيًّا بـ{ لا}، إلا إذا كان الفاعل في المعطوف والمعطوف عليه واحدًا، أو كان المعطوف من جنس المعطوف عليه. ومثال الأول ما تقدم من قوله تعالى::﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً ﴾(يونس: 61).
ومثال الثاني قوله تعالى:﴿وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء﴾، وقوله تعالى:﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ﴾.فعطف قوله:﴿ وَلاَ فِي السَّمَاء، وقوله:﴿وَلَا فِي الْأَرْضِ ﴾على ما قبلهما.
وجمهور النحاة والمفسرين على القول بأن { لا}- هذه- جيء بها بعد الواو العاطفة زائدة، توكيدًا للنفي، وهي ليست كذلك؛ لأنه لو قيل:
{ ما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض، والسماء }، بدون { لا }، احتمل أن يكون المراد: نفيُ العزوب عنه سبحانه في كل من الأرض، والسماء على كل حال. أو نفيه عنه سبحانه في أحداهما، دون الأخرى. فلما جيء بـ{ لا } بعد الواو العاطفة، صار الكلام نصًّا في المعنى الأول، ولم يبق للاحتمال الثاني أيُّ جود.
ومثلهما في ذلك قوله تعالى:﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾(الأنعام: 59). وقوله تعالى:﴿لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ (البقرة: 255).
رابعًا- وممَّا يسأل عنه أيضًا في هاتين الآيتين: لمَ قدِّم لفظ { الأرض } على لفظ { السماء } في قوله تعالى:﴿وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء،وأخِّر عن لفظ { السموات } في قوله تعالى:﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ﴾؟
ويجاب عن ذلك بأن حق { السماء } أن تقدم على { الأرض }؛ إلا أنه تعالى لما ذكر في الآية الأولى شهادته على أحوال أهل الأرض، وأعمالهم بقوله:﴿وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ﴾، وأعمالهم إنما تكون في الأرض، ثم وصل بذلك قوله سبحانه:﴿وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ ﴾،ناسب ذلك كله تقديم لفظ ﴿ الْأَرْضِ ﴾ على لفظ ﴿السَّمَاءِ ﴾. وهذا بخلاف الآية الثانية؛ إذ قدِّم فيها لفظ ﴿السَّمَاوَاتِ ﴾ على لفظ ﴿الْأَرْضِ ﴾؛ لأنها تنتظم في سياق علم الغيب.
وفي الحكمة من ذلك قال ابن قيِّم الجوزيَّة:وأما تقديم السماء على الأرض ففيه معنى؛ وهو أن السموات والأرض تذكر غالبًا في سياق آيات الرب الدالة على وحدانيته وربوبيته.. وأما تقديم الأرض عليها في قوله:﴿وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء، وتأخيرها عنها في ( سبأ )، فتأمل كيف وقع هذا الترتيب في ( سبأ ) في ضمن قول الكفار:﴿لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ﴾، كيف قدم السموات هنا؛ لأن الساعة إنما تأتي من قبلها، وهي غيب فيها، ومن جهتها تبتدئ وتنشأ. وأما تقديم الأرض على السماء، في سورة ( يونس ) فإنه لما كان السياق سياق تحذير وتهديد للبشر، وإعلامهم أنه سبحانه عالم بأعمالهم دقيقها وجليلها، وأنه لا يغيب عنه منها شيء، اقتضى ذلك ذكر محلهم، وهو الأرض قبل ذكر السماء.
خامسًا- ولما ذكر تعالى أنه ما يعزب، ولا يعزب عنه أدق الأشياء، التي لا يعرف المخاطبون أصغر منها، وهي الذرة، بدأ سبحانه وتعالى بذكرها أولاً، ثم أبان لهم بالعطف عليها أنه يوجد ما هو أصغر منها. وهنا ينطلق الذهن في المصغرات إلى مقدار، يستحيل عليه تصوره. ثم عطف عليه بعد ذلك ما هو أكبر. وهنا ينطلق الذهن إلى الأشياء الكبيرة العظيمة، التي لا يستطيع التصور الإحاطة بها، فشمل النص كل شيء. ومعلوم أن من علم أدق الأشياء وأخفاها، كان علمه متعلقًا بأكبر الأشياء وأظهرها.
وقرأ الجمهور:﴿وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَإِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ، بفتح الراء في { أصغرَ }، و{ أكبرَ }، عطفًا على ﴿ مِن مِثْقَالِ ذَرَّةٍ ﴾، باعتبار لفظه؛ إلا أن لفظهما غير منصرف، فكان مفتوحًا.
وقرأ حمزة:﴿وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ ﴾، بضم الراء فيهما، عطفًا على ﴿ مِن مِثْقَالِ ذَرَّةٍ ﴾، باعتبار محله؛ لأنه فاعل.ونظيره على القراءتين قولك:{ما أتاني من أحد عاقلٌ، وعاقلٍ }، بضم اللام في عاقل، وكسرها. وكذا قوله تعالى:﴿مَالَكُمْ مّنْ إلهٍ غَيْرُهُ(الأعراف:59)، بضمِّ الراء في غيره، وكسرها.
ويقوي العطفَ على القراءتين أنه لم يقرأ في قوله تعالى:﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ، إلا بالضم.
وقيل: لو صح هذا العطف، لصار تقدير هذه الآية: وما يعزب عنه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا أصغرَ من ذلك وأكبرَ، إلا في كتاب فيعزب، وحينئذ يلزم أن يكون الشيء، الذي في الكتاب، خارجًا عن علم الله تعالى، وهذا مشكل.
ولهذا ذهب الزمخشري تابعًا لاختيار الزجاج إلى أن قوله تعالى:﴿وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَإِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ جملة مستقلة عما قبلها، وليست معطوفة عليه. والوجه النصب على نفي الجنس، والوجه الرفع على الابتداء. والخبر على الوجهين:﴿فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾.
ويرد على ذلك بنحو قوله تعالى:﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴾(الأنعام: 95)؛ إذ لا يمكن أن يحمل ذلك على نفي الجنس.
أما الجرجاني فقد ذهب إلى أن الكلام قد تمَّ وانقطع عند قوله تعالى:﴿ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذلك وَلا أَكْبَرَ ﴾، ثم وقع الابتداء بكلام آخر؛ وهو قوله:﴿إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾. أي: وهو أيضًا في كتاب مبين. قال: والعرب تضع { إلا } موضع { واو النسق } كثيرًا، على معنى الابتداء .
وهذا الوجه- على ما قال الرازي- في غاية التعسف. والإنصاف- على ماقال الألوسي- أنه لا ينبغي تخريج كلام الله تعالى العزيز على ذلك، ولو اجتمع الخلق إنسهم وجنهم على مجيء { إلا } بمعنى:{ الواو }.
وأجاب بعضهم بأن الإشكال في الآية الكريمة إنما يكون على تقدير اتصال الاستثناء، وأما على تقدير انقطاعه، فيصير التقدير:{ولا أصغرَ من ذلك ولا أكبر؛لكن هو في كتاب مبين }. وبهذا التقدير يزول الإشكال، وإليه ذهب أبو البقاء العكبري.
وأجاب بعضهم الآخر على تقدير اتصال الاستثناء بأنه على حدِّ قوله تعالى:﴿لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى(الدخان: 56). فالمعنى: لا يبعد عن علمه شيء إلا ما في اللوح، الذي هو محل صور معلوماته، تعالى شأنه، بناء على تفسير الكتاب المبين به. أو: إلا ما في علمه، بناء على تفسير الكتاب المبين بالعلم. فإن عُدَّ ذلك من العزوب، فهو عازب عن علمه. وظاهرٌ أنه ليس من العزوب قطعًا، فلا يعزب عن علمه شيء قطعًا.
ونقل عن بعض المحققين قوله في دفع هذا الإشكال بأن العزوب عبارة عن مطلق البعد، وأن الأشياء المخلوقة على قسمين: قسم أوجده الله تعالى ابتداء من غير وساطة؛ كالملائكة والسموات والأرض. وقسم آخر أوجده الله تعالى بوساطة القسم الأول؛ مثل الحوادث الحادثة في عالم الكون.. ولا شك أن هذا القسم الثاني قد يتباعد في سلسلة العلية والمعلولية عن مرتبة وجود واجب الوجود. فالمعنى: ما يبعد عن مرتبة وجوده من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، إلا وهو في كتاب مبين، وهو كتاب كتبه الله تعالى، وأثبت صور تلك المعلومات فيه. ومتى كان الأمر كذلك، فقد كان عالمًا بها، محيطًا بأحوالها.
وإثبات العزوب بمعنى: البعد عنه تعالى في سلسلة الإيجاد- على ما قال الألوسي- لا محذور فيه، وهو وجه دقيق، إلا أنه أشبه بتدقيقات الحكماء، وإن خالف ما هم عليه في الجملة.. ويؤيده أن سورة ( سبأ ) جاءت مستهلة بالحمد لله تعالى على نعمة الإيجاد الثاني، وهو البعث.
وذكر المفسرون أجوبة أخرى غير التي ذكرتها، لا تخلو من التكلف. ويبدو مما تقدم أن أقل الأقوال تكلفًا على ما قال الألوسي: القول بانقطاع الاستثناء في الآية، وأجلها قدرًا، وأدقها سرًّا القول باتصاله، وإخراج الكلام مخرج قوله تعالى:
﴿ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ (النساء: 23)
ونظائره الكثيرة، نثرًا ونظمًا، ولا عيب فيه، إلا أن الآية عليه أبلغ، فليفهم.
وقال ابن عاشور:وجوز أن يكون استثناء متصلاً من عموم أحوال عزوب مثقال الذرة، وأصغرَ منها وأكبرَ. وتأويله أن يكون من تأكيد الشيء بما يشبه ضده. والمعنى: لا يعزب عنه شيء في الأرض ولا في السماء، إلا في حال كونه في كتاب مبين. أي: إلا معلومًا مكتوبًا. ويعلم السامع أن المكتوب في كتاب مبين، لا يمكن أن يعزب، فيكون انتفاء عزوبه حاصلاً بطريق برهاني .
فتبارك من أودع كلامه من الحكم والأسرار والعلوم ما يشهد أنه كلام الله تعالى، وأن مخلوقًا لا يمكن أن يصدر منه مثل هذه الحكم والأسرار أبدًا !
الأستاذ: محمد إسماعيل عتوك
الباحث
في الإعجاز اللغوي والبياني للقرآن
 
[حجم الصفحة الأصلي: 41.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 41.11 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.45%)]