عرض مشاركة واحدة
  #676  
قديم 23-06-2008, 09:25 PM
الصورة الرمزية القلب الحزين
القلب الحزين القلب الحزين غير متصل
& كــ الخواطــــر ــلـــم &
 
تاريخ التسجيل: Jul 2007
مكان الإقامة: هناك .. الحزن مدينة لا يسكنها غيري .. أنـــا ...!! كان هنـــا !!^_^ 10
الجنس :
المشاركات: 6,024
الدولة : Yemen
افتراضي

يتبــع موضوع ... وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ
وعنقضية العلم الإلهي الشامل ورد قوله تعالى في مطلع السورة:﴿ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ ﴾(سبأ: 2). وورد قوله تعالى تعقيبًا على التكذيب بمجيء الساعة:﴿عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ.. ﴾(سبأ: 3). وورد قوله قرب ختام السورة:﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَّامُ الْغُيُوبِ ﴾(سبأ: 48).
فكيف يقال بعد هذا: آية سبأ ليس الكلام فيها عن علم الغيب أصالة. الكلام في التعقيب على الساعة.. أما سورة يونس فالكلام أصلًا عن سعة علم الله عز وجل، وبيان مقدار إحاطة هذا العلم بكل شيء.. فسياق إحاطة علم الله بكل شيء هو الذي يقتضي التوكيد، والإتيان بـ( من ) الاستغراقية ؟!
أليس الكلام على الساعة هو من الكلام على الغيب، والعلم بها من العلم بالغيب ؟! ألم يأت نفي العزوب في آية سبأ:﴿لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ ﴾ عقب قوله تعالى:﴿عَالِمِ الْغَيْبِ ﴾(سبأ: 3). ثم ألم تأت هذه الآية عقب قوله تعالى:﴿ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ ﴾(سبأ: 2). ألا يدل ذلك كله على أن السياق في سورة سبأ هو سياق إحاطة علم الله تعالى بكل شيء، على سبيل الاستغراق والشمول ؟!
وأما القول بأن { لا } مطلقة، تكون للاستقبال، وقد تكون للحال، وأن { ما } تكون للحال، فهو قول جمهور النحاة والمفسرين. وكان الزمخشري، ومعظم المتأخرين قد نصّوا على أن { ما }، إذا دخلت على المضارع، أخلصته للحال، وأن { لا }، إذا دخلت عليه، أخلصته للاستقبال، وهو ظاهر قول سيبويه في ( باب نفي الفعل ) من كتابه: إذا قال: هو يفعل. أي: هو في حال فعل، فإنَّ نفيه: ما يفعل.وإذا قال: هو يفعل، ولم يكن الفعل واقعًا، فنفيه: لا يفعل. وإذا قال: ليفعلنَّ، فنفيه: لا يفعل؛ كأنه قال: والَّله ليفعلنَّ، فقلت: والَّله لا يفعل .
وذهب الأخفش، والمبرد، وتبعهما ابن مالك إلى أن ذلك ليس بلازم؛ بل قد يكون المنفي بـ{ لا } للحال؛ كقولهم:{جاء زيد لا يتكلم }. وعلى ذلك حملوا آيات؛ منها قول سليمان عليه السلام:﴿ وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ ﴾(النمل: 20).. وذهب ابن مالك إلى أن المنفي بـ{ ما } قد يكون مستقبلاً على قلة؛ كقوله تعالى آمرًا لنبيه صلى الله عليه وسلم:﴿ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاء نَفْسِي(يونس:15).
وأجيب عن الجمهور بأنهم إنما جعلوا{ ما } مخلصة للحال، و{ لا } مخلصة للاستقبال، إذا لم يوجد قرينة غيرها، تدل على غير ذلك. وأجيب عن سيبويه بأنه إنما نبَّه إلى الأوْلى، في رأيه، والأكثر في الاستعمال.
وتحقيق القول في هذه المسألة أن بناء المضارع لا يدل بصيغته على الحال، أو الاستقبال، إذا لم يوجد معه قرينة تقيده بأحدهما، وتقصره عليه؛ وإلا فإنه يدل على الدوام والاستمرار، بلا انقطاع؛ لأنه موضوع لما هو كائن، لم ينقطع. ويستوي في ذلك المثبت، والمنفي فإذا قلت:{فلان يعطي، ويمنع }، فمعناه: أنه في حالة عطاء، ومنع دائمين مستمرين، غير منقطعين. وإذا قلت في النفي:{ما يعطي، ولا يمنع }، دل على دوام نفي العطاء والمنع واستمرارهما، بلا انقطاع. ولا فرق في ذلك بين المنفيِّ بـ{ ما }، والمنفيِّ بـ{ لا }.
تأمل قوله تعالى:﴿ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ﴾(المدّثر: 3)، كيف نفى سبحانه العلم بجنوده عن مخلوقاته بـ{ ما }، وأثبته لنفسه سبحانه على سبيل الحصر. ثم تأمل قوله تعالى في آية أخرى:﴿ قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ ﴾(النمل: 65)، كيف نفى سبحانه العلم بالغيب عن مخلوقاته بـ{ لا }، وأثبته لنفسه سبحانه على سبيل الحصر. ثم استأنف تعالى قوله:﴿ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ ﴾(النمل: 65)، فنفى سبحانه عن الكافرين، أو معبوداتهم شعورهم بوقت بعثهم بـ{ ما }.
ولما كان بناء الماضي المثبت لا يدل بصيغته على الديمومة والاستمرار، عُدِلَ عن منفيه إلى المضارع المنفي، في نحو قوله تعالى:﴿ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ(الأنفال: 21). أي: لا تكونوا كالذين يدَّعون السماع، وهم لا يسمعون.
قال أبو حيان: وجاءت الجملة النافية على غير لفظ المثبتة؛ إذ لم تأتِ{وهم ما سمعوا }؛ لأن لفظ المضيِّ لا يدل على استمرار الحال، ولا ديمومته، بخلاف نفي المضارع. فكما يدل إثباته على الديمومة في قولهم:{هو يعطي، ويمنع }، كذلك يجيء نفيه .
وأما قوله عقب ذلك: وجاء حرف النفي { لا }؛ لأنها أوسع في نفي المضارع من { ما }، وأدلُّ على انتفاء السماع في المستقبل فليس كما قال؛ لأن { لا }، وإن كانت أوسعَ من { ما } في نفي المضارع، وأدلَّ على انتفاء السماع في المستقبل، فإن المراد من الآية نفي السماع عنهم على الدوام والاستمرار، بلا انقطاع. وإذا كان كذلك، فليس من فرق بين نفي المضارع بـ{ ما }، وبين نفيه بـ{ لا }.
وقد كان من حقِّ النفي في قوله تعالى:﴿ وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَأن يأتي بـ{ ما }، فيقال:{وهم ما يسمعون }؛ لأنه من مواضعها، فهو جواب عن دعوى، وهو قولهم:﴿قَالُواْ سَمِعْنَا. أي: ادَّعوا السماع؛ ولكن عدل عنه إلى{ لا }؛ لأن هذه تدل على شمول النفي، واستغراقه لكل جزء من أجزاء الزمن بدون قرينة تصحبها، خلافًا لـ{ ما }، فإنها لا تدل على الشمول والاستغراق إلا بوجود قرينة؛ كأن يقال مثلاً:{وهم ما يسمعون من شيء }.. فتأمل.
وقد اجتمع النفي، والإثبات في قوله تعالى:﴿يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ(البقرة: 185).فالأول يدل على إثبات الإرادة في الحالة الدائمة المستمرة ، التي لا تتقيَّد بزمن معيَّن، والثاني يدل على نفيها في الحالة نفسها. قال أبو حيان في تعقيبه على هذه الآية: قالوا:{يريد }- هنا- بمعنى:{أراد }، فهو مضارع أريد به المُضيُّ. والأوْلى أن يراد به الحالة الدائمة هنا؛ لأن المضارع هو الموضوع لما هو كائن، لم ينقطع .
وما قيل في:{ يريد }، يقال مثله في:{لا يريد }،وفي:{ ما أريد }،من قولهتعالى:﴿ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ ﴾(الذاريات: 57). أي: ما أريد منهم عطاءً أنتفع به، ولا أن يطعمون فأنتفع بإطعامهم.
وجاء نفي الإرادة الأولى بـ{ ما }؛ لأن الآية مستأنفة. والاستئناف هو ابتداء كلام آخر، مبيِّن لما قبله ومؤكِّد له، فحكمه حكم الابتداء. و{ ما } النافية لها صدر الكلام مطلقًا بإجماع البصريين، بخلاف { لا }؛ فإنها لا تقع في صدر الكلام إلا في جواب القسم. وأما الإرادة الثانية فجاء نفيها بـ{ ما }؛ لأنها معطوفة مع ما بعدها على ما قبلها. وإنما جاز ذلك؛ لأن الفاعل واحد في المعطوف، والمعطوف عليه. ولولا ذلك، لوجب العطف بـ{ لا }؛ كأن يقال:{وما أريد منكم... ولا تريدون مني }. وعلى هذا جاء النفي في قوله تعالى:
﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ.. ﴾(يونس: 61).
فقوله تعالى:﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ كلام مستأنف، وهو عبارة عن خطابين للرسول صلى اللهعليه وسلم: الأول منهما عام بجميع شؤونه عليه الصلاة والسلام. والثاني منهما خاص؛ لكنه مندرج تحت عموم الأول. وإنما خُصَّ من العموم؛ لأن القرآن الكريم هو أعظم شؤونه عليه الصلاة والسلام. والغرض منهما بيان الحالة الدائمة المستمرة، التي كان- عليه الصلاة والسلام- عليها في الماضي، والحاضر، والتي يكون عليها في المستقبل؛ ولهذا عطف الثاني على الأول بـ{ ما }.
ومثلهما في ذلك قوله تعالى:﴿وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ﴾إلا أن الخطاب به عام، يشمل أهل الأرض جميعهم، ويدخل فيه النبي صلى الله عليه وسلم، والمؤمنون دخولاً أوليًّا. والغرض منه بيان الحالة الدائمة المستمرة، التي كان أهل الأرض عليها في الماضي والحاضر، والتي يكونون عليها في المستقبل.
ولأجل ما تقدَّم من نفي الديمومة والاستمرار في الأفعال الثلاثة السابقة، على سبيل الاستغراق والشمول، صيغت تلك الأفعال بصيغ المضارع المنفي، فعمَّ النفي فيها كل جزء من أجزاء الزمن، دون قيد يقيِّده بزمن معيَّن. ويدلك على ذلك الاستثناء في قوله تعالى:﴿إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ﴾ فهو استثناء مفرغ من عموم الأحوال، التي اقتضاها عموم الشأن، وعموم التلاوة، وعموم العمل. والمراد: أنه تعالى شاهد- أي: رقيب- على أهل الأرض جميعهم بما كان منهم، وبما يكون ولم يقع، وما هو كائن لم ينقطع، يحصي عليهم أعمالهم؛ وكأنه قيل:{وما كنت وتكون في شأن، وما تلوت، وما تتلو فيه من قرآن، وما عملتم، وما تعملون من عمل؛ إذ أفضتم وتفيضون فيه، إلا كنا عليكم شهودًا }.
ويعلم من قرينة العموم في الأفعال الثلاثة بواسطة النكرات الثلاث، المتعلقة بتلك الأفعال، والواقعة في سياق النفي، أن ما حصل في الماضي، وما يحصل في الحال، والمستقبل من تلك الأفعال سواء، وهذا من بديع الإيجاز والإعجاز.
ولما كان قوله تعالى:﴿إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً ﴾فيه تحذير وتنبيه، عدل عن خطاب الخصوص في قوله:﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ إلى خطاب العموم بقوله:﴿وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ ﴾، وقد روعي في كل من المقامين ما يليق به، فعبَّر في مقام الخصوص في الأول بالشأن؛ لأن عمل العظيم عظيم، وعبَّر في مقام العموم في الثاني بالعمل العام للعظيم والحقير.
ثم واجه تعالى نبيه عليه الصلاة والسلام بالخطاب وحده بقوله:﴿وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ.. ﴾، تشريفًا له وتعظيمًا. وجاء به منفيًّا بـ{ما } على سبيل الاستغراق والشمول؛ لأنه استئناف مبيِّن لما قبله ومؤكِّد له.
وقد كان من آثار اختلاف هذا الخطاب خصوصًا وعمومًا، ثم خصوصًا، اختلاف النفي بـ{ ما } في الفعلين:{ ما تكون، وما تتلو }، وبـ{ لا } في الفعل:{ولا تعملون }، وبـ{ ما } في فعل العزوب:{ وما يعزب }.
وجاء الخطاب في قوله تعالى:{ولا تعملون } منفيًّا بـ{ لا } بعد الواو العاطفة، دون{ ما }؛ ليدخل فيه الخطابان الأولان. ولو نفي بـ{ ما }، فقيل:{ ما تكون، وما تتلو، وما تعملون }، لكان خطابًا مستأنفًا غير معطوف على ما قبله، وحينئذ لا يصح دخول الخطابين الأولين فيه.




يتبـــــــــــــــــــــع
 
[حجم الصفحة الأصلي: 40.27 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 39.67 كيلو بايت... تم توفير 0.60 كيلو بايت...بمعدل (1.50%)]