عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 20-09-2020, 02:30 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,900
الدولة : Egypt
افتراضي شرح حديث: يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني

شرح حديث: يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني


عبدالعال بن سعد الرشيدي








عن أنسٍ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله تعالى: يا بن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم استغفرتني غفرت لك، يا بن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا، لأتيتك بقرابها مغفرةً))؛ رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح.



منزلة الحديث:

قال ابن دقيق العيد رحمه الله: هذا الحديث بشارة عظيمة، وحِلْمٌ وكرم عظيم، وما لا يحصى من أنواع الفضل والإحسان، والرأفة والرحمة والامتنان[1].

قال الجرداني رحمه الله: إن هذا الحديث أرجى حديث في السنة، وفيه دلالةٌ على سعة رحمة الله تعالى وكرمه وجوده، لكن لا يجوز لأحد - كما قال بعضهم - أن يغتر به وينهمك في المعاصي، وإنما القصد منه بيان كثرة مغفرته تعالى؛ لئلا ييئس المذنبون منها بكثرة الخطايا[2].

الحديث عظيم الشأن؛ لأنه دل على عِظَم شأن التوحيد، وعظم الأجر الذي أعده الله للموحدين[3].



غريب الحديث:

ما دعوتني: ما دمت تسألني مغفرة ذنوبك.

رجوتني: خِفت عقوبتي، ورجوت مغفرتي.

عنان: هو السحاب، وقيل: ما انتهى إليه البصر.

بقراب الأرض: أي ما يقارب مِلأها، أو مِلْئِها.



شرح الحديث:

((يا بن آدم)) الخطاب لجميع بني آدم، ((إنك ما دعوتني ورجوتني)) ما شرطية بمعنى متى دعوتني ورجوتني، ((غفرت لك على ما كان منك)) من المعاصي، وإن تكررت وكثرت، وهذا مصداق قوله تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53].

((ولا أبالي))؛ أي: لا يعظم عليَّ كثرتها، قال الطيبي في قوله: ((ولا أبالي)): أي لا يسأل عما يفعل.



ولله در القائل:



إذا كنتَ الكريمَ فلا أبالي

ولو بلغَتْ ذُنوبي القَطْر عدَّا



فكم مِن مُذْنبٍ في الناس مثلي

بعفوك مِن لهيب النار عدَّا






((يا بن آدم، لو بلغت))؛ أي: وصلت ((ذنوبك عنان السماء))؛ أي: سحابها، وقيل: ما علا منها؛ أي: ظهر لك منها إذا رفعت رأسك إلى السماء.

((ثم استغفرتني))؛ أي: طلبت مني مغفرتها بصدقٍ وإخلاص وافتقار، ((غفرت لك)) إياها غير مبالٍ بكثرتها؛ وذلك لأن كرم الله تعالى وفضله ورحمته لا تتناهى؛ فهي أكثر وأوسع مما ذكر.

((يا بن آدم، إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا))؛ أي: ما يقارب ملأها، وقيل: يملؤها، وهو أشبه؛ لأن الكلام في سياق المبالغة، ((ثم لقيتني لا تشرك بي شيئًا))؛ أي: معتقدًا توحيدي مصدقًا بما جاءت به رسلي، ((لأتيتك بقرابها مغفرةً))، وهذا يدل على فضيلة الإخلاص، وأنه سبب لمغفرة الذنوب.



الفوائد من الحديث:

1- الحديث أصل في باب التوبة والحث عليها.

2- أن الذنوب وإن عظمت إذا استغفر الإنسان ربه منها غفرها الله له.

3- فضل الدعاء والرجاء في طلب المغفرة.

4- فضل التوحيد، وأنه سبب لمغفرة الذنوب؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ﴾ [النساء: 116].

5- الحديث يبين ضعف الإنسان، وكثرة ذنوبه، وعِظَمَ الله وسَعةَ رحمته.



تم الكلام على ما أردناه من جمع كلام أهل العلم في هذه الأربعين النووية، ولله الحمد، وأسأله تعالى أن يتقبله مني، وأن ينفعني به في الدنيا والآخرة.



وقد تم هذا الجمع بعون الله تعالى في يوم الأحد الخامس عشر من صفر سنة ألف وأربعمائة وثلاث وعشرين للهجرة.




ومن كان عنده علم فليرشدنا إليه، ومن رأى في كلامنا زيغًا أو نقصًا وخطأ، فليُهْدِ إلينا الصواب، نشكر له سعيه، ونقابله بالقبول والإذعان، والانقياد والتسليم، والله أعلم، وهو الموفق[4].





[1] شرح الأربعين النووية لابن دقيق العيد (131)، شرح الأربعين النووية لابن العطار (192).




[2] الجواهر اللؤلؤية شرح الأربعين النووية (377).




[3] قواعد وفوائد من الأربعين النووية (357).




[4] مدارج السالكين (2/ 143).



__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 23.71 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 23.08 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.65%)]