عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 29-01-2006, 09:56 AM
الصورة الرمزية ابو الفاروق
ابو الفاروق ابو الفاروق غير متصل
قلم مميز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2006
مكان الإقامة: العراق الجريح
الجنس :
المشاركات: 1,847
الدولة : Iraq
السياب عاشق العراق والمطر

في قرية " جيكور " ، وعند ظلال النخيل ، وعلى الجانب الأيمن من شط العرب ، وعلى مقربة من نهر " بويب " ، وُلد بدر شاكر السياب عام 1926 ، وعاش في " منزل الأقنان " منزل العائلة الكبير . في هذا المنزل طالت وقفات بدر في عهد الطفولة . المأساة الأولى التي ذاق مرّها " بدر " في طفولته ، تمثّلت في فقده أمه وزواج ابيه ، فابتعد عن الأب ، وعاشت الأم في ذاكرته : خيالك من أهلي الأقربين أبرّ ، وإن كان لا يُعقلُ أبي منه قد جرّدتني النساء و أمي طواها الردى المعجلُ غير إن الجدة عوضته عن حنان الأم ؛ فشغف بحبها وحنانها ، إلاّ أنها لم تعش طويلاً ، فقد توفيت وهو صغير . وكان لوفاتها تأثير شديد على نفسيته : جدّتي هي كل ما خلّف الدهـر من الحب والمنى والظنون قد فقدتُ الأمَ الحنون فأنستـني مُصاب الأم الرؤوم الحنون لقد عاش بدر حياته الأولى مع المعاناة والمأساة حتى أنهى دراسته الابتدائية والمتوسطة والثانوية في " أبي الخصيب " بمحافظة البصرة . في " جيكور " كانت لبدر ذكريات الحبّ الأول مع " وفيقة " وشُبّاكها ، وكم كان سعيداً باللقاء الأول حينما وجد الحب الذي كان يبحث عنه ، غير أن الأيام أبعدته إلى بغداد للالتحاق بدار المعلمين العالية - قسم اللغة العربية . ثم تحول بعد ذلك إلى قسم اللغة الإنكليزية . وكان فراق القرية والنخيل وملاعب الصبا أثره البالغ في حياة بدر ، فكان لا ينسى قريته ، ولا يستكين لعبودية المدينة واضطهادها ، فظل يعيش على ذكريات الأمس : وتلتف حولي دروب المدينة حبلاً من الطين يمضغني قلبي ويعطينِ من جمرةٍ فيه طينة حبالاً من النار يجلدن عُريَ الحقول الحزينة ويحرقن " جيكور " في قاع روحي ويزرعن فيها رماد الضغينة في دار المعلمين العالية ، تفتحت لبدر آفاق الحبّ ولا سيما بعد أن فقدَ الحبيبة الأولى في جيكور فقد تزوجت ولكنه صار أمام حُبٍ آخر في المدينة ، ثم انتهى هذا الحبّ مثل نهاية الحبّ الأول . وبقيَ بدر في " أزهار ذابلة " يردد أناشيد الحب المضاع . في عام 1948 تخرج السياب في دار المعلمين العالية ، ثم عين مدرساً في ثانوية الرمادي للبنين . تزوج من إحدى قريباته سنة 1956 ، فأنجب منها ثلاثة هم : غيلان ، آلاء ، غيداء . أشتغل مدرساً في إعدادية الأعظمية . بعد ثورة 14 من تموز 1958 ، عمل محرراً في جريدة الجمهورية ثم نقل إلى البصرة للعمل في مديرية الثقافة في مصلحة الموانئ العراقية . دبّ المرض في جسمه النحيل ، فذهب إلى لندن للاستشفاء ، ومن هناك بعث قصيدته إلى الصحف العراقية عام 1963 بعنوان " أغثني يا زعيمي " مخاطباً فيها الزعيم عبد الكريم قاسم ، أملاً في الحصول على مساعدة ومعونة . ولكن عبثاً ! وفي عام 1964 استقرّ أخيراً في المستشفى الأميري بالكويت ، بمساعدة من صديقه الشاعر علي السبتي. والسياب في غربته يصاب بمرض الحنين إلى الوطن .. ولشدة شوقه إلى العراق يود لو كان طفلاً يتضور جوعاً بين أحضان العراق يا ليل ضمّخكَ العراق بعبير تُربتهِ وهدأة مئة بين النخيل ألقت بيَ الأقدار كالحجر الثقيل فوق السرير كأنه التابوت لولا أنّةٌ ودم يُراق يا ليل ، أين هو العراق ؟ أين الأحبة ؟ أين أطفالي ؟ وزوجي والرفاق ؟ أين الهوى مما ألاقي والأسى مما ألاقي يا ليتني طفلٌ يجوعُ ، يئنُّ في ليل العراق قبل وفاته بستة أيام ، وصلت إلى الكاتب الصحفي عبد المنعم الجادر صاحب جريدة " كل شيء " البغدادية رسالة من المستشفى الأميري بالكويت ، يقول فيها : " .. ولا أكتمك يا صديقي أن نوعاً من الودّ بدأ يأخذ طريقه بيني وبين عوالم المرض التي تحيط بي ، نوع من السرور يسري في أعماقي ، وأنا أشاهد صحتي تتحسن .. سنلتقي قريباً ، وسأطالبك بجلسة عند شاطئ دجلة بشارع أبي نؤاس في ليلةٍ نُسامر فيها البدر ، ليلةٍ نسترجع ذكرياتنا فيها ، ليلة نبعد فيها المطر قليلاً لنرتاح من طرقاته اللذيذة على أبوابنا . وكم أود جلسة أخرى في - مقهى الكسرة - نسترجع فيها ذكريات - الجلبية - بالمناسبة ، في نيتي كتابة سلسلة من المقالات بالعنوان السابق في جريدة - كل شيء - على أن تدفع لي ثمنها بُوسة أخوية ..الخ "



. في الرابع والعشرين من كانون الأول عام 1964 ، توفي السياب بالكويت ، ولم يمش في جنازته سوى ستة رجال ، كان المطر بينهم ، الصديق الذي احبه بدر ، فقد عانق جثمانه حتى مثواه الأخير .. ومثلما أوفى السياب للمطرِ ، أوفى له المطرُ بالمقابل .. السماء كانت تبكي على الشاعر ساعة الرحيل .. قال " ادونيس " عن السياب : " إن بدر شاكر السياب جذر ضارب في أعماق شعرنا المعاصر " . وقال الشاعر احمد عبد المعطي حجازي : " لقد كان السياب أعظم شاعر بين شعراء المدرسة الجديدة في الشعر ، ترك لنا تراثاً من قصائد يفوق من ناحيتي ، الكمّ والنوع ما أنتجه أي شاعر آخر . والسياب الشاعر الوحيد الذي ظل إلى آخر يوم في حياته مخلصاً للكلمة رغم قساوة الظروف التي عاشها خلال الأعوام الخمسة الأخيرة " . وقال الشاعر صلاح عبد الصبور في مقاله الموسوم " ثم جف المطر " : " بدر شاكر السياب حين ينجلي تراب المعاصرة ويتنافس الأحياء على المجد الذائع ، سيشرق أسمه في حقل الشعر العربي الحديث ، فهو أحقنا نحن الشعراء العرب المحدثين بريادة الشعر " . وقال عنه جبرا إبراهيم جبرا : " لقد أضاف السياب امتداداً صاعداً للخط البياني الشعري ووصله بطاقة عنيفة فاعلة . لقد أعطى الشعر العربيَ حساً درامياً لم يكن مألوفاً من قبل ، فعن طريق السياب اكتسب الشعر شباباً وعنفواناً جديدين ، وسنبقى لفترة طويلة نتمعن في ما حققه من تعميق واتساع لقضية الشعر كلها . لقد اخرج السياب الشعر العربي من طريق كاد يكون في نهاية الأربعينات مسدوداً إلى آفاق عريضة من التجربة الإنسانية المعاصرة " . وقال الشاعر خليل حاوي في مقاله الموسوم " عند سرير السياب " : " لقد كان تحديه للبلاء فناً آخر لا يقلّ عن عظمة فنه الشعري ، ورغم إدراكه بفوات الوقت فقد ظلّ مطلق الشعر وهو في صحبة الموت ويغترف من داخله كل ما أختزن ، قبل أن ينطوي ؛ فأثرى العربية وكأنه أحس باختصار العمر . توهجت عبقريته وأخصبت و أعطت مياسمها دفعةً واحدةً في فصل واحد " . وقال الأستاذ عبد الجبار داود البصري عن السياب : " تجريد السياب من نياشينه لم يعد ممكناً لأنها سُجلت في سجل التاريخ وفي طليعة هذه النياشين كونه أول من أثرى موسيقى الشعر الحر ونوّعها ولم يجعله مقصوراً على بحرٍ واحد أو بحرين " . وقال عنه أيضاً الأستاذ الناقد ماجد صالح السامرائي في مقالته الموسومة " ماذا يبقى من السياب : " وإذا كان قد أعطى التجديد طاقته كلها ، فإنه ، في الوقت ذاته ، قد جعل لقصيدته - تقاليدها الجديدة - والمتمثلة في تطويع - اللغة - لرؤياه الجديدة ، مستوعبة إياها في إطار من الأداء الجديد وتطويع العروض الشعري العربي لأشكاله الجديدة " . وقال عنه اللغوي الكبير الدكتور إبراهيم السامرائي في كتابه " لغة الشعر بين جيلين " : " ولعل أهم ما يتسم به شعر السياب توفره على إدراك الصوت وضبطه ، وحشره في مادة لغوية تحفز فيه الإيمائية ، وهو يستشعر الأصوات المختلفة بعناصر الطبيعة ، فيفرغها بتشكيلات من الحروف الموحية بنرجسيتها واجتماعها في هيئة مخصوصة ولا يعبأ أن تكون تلك الكلمة مما لا تعرفه كتب اللغة ، وربما اخذ الكلمة التي دلت على صوت مخصوص في المألوف المعروف في العربية ، وأطلقها على صوت آخر اهتدى إليه بما يحسّ من دقائق الصوت "
__________________
يا وطني... يامجموعة ذكريات وطفولة تضيع تفاصيلها في واقع يحكمه النسيان ستبقى وحدك ياعراق... ذاكرة لاتنام
رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 18.51 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 17.88 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (3.40%)]