عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 23-11-2019, 03:07 AM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,839
الدولة : Egypt
افتراضي رد: مختصر منسك شيخ الإسلام ابن تيمية

الفصل السادس: في مستحبات الإحرام:
1ـ المستحب: أن يحرم عقيب صلاة فرض،أو تطوع إن كان وقت تطوع في أحد القولين، وفي الآخر إن كان يصلي فرضاً أحرم عقيبه وإلا فليس للإحرام صلاة تخصه وهذا أرجح. ويستحب أن يغتسل للإحرام ولو كانت نفساء أو حائضاً [([6])] وإن احتاج إلى التنظيف كتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة، فعل ذلك، وهذا ليس من خصائص الإحرام، لكنه مشروع بحسب الحاجة.
2ـ لباس الحاج: والتجرد من اللباس واجب في الإحرام وليس شرطاً فيه، فلو أحرم وعليه ثياب صح ذلك بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وباتفاق الأئمة،وعليه أن ينزع اللباس المحظور. ويستحب أن يحرم في ثوبين نظيفين، والأبيضين أفضل ويجوز فيغيره من الألوان الجائزة، ويجوز أن يحرم في جميع أجناس الثياب المباحة:من القطن والكتان والصوف.
والسنة أن يحرم في إزار ورداء سواء كانا مخيطين، أو غير مخيطين باتفاق الأئمة، ولو أحرم في غيرهما جاز إذا كان مما يجوز لبسه، والأفضل أن يحرم في نعلين إن تيسر، فان لم يجد، لبس خفين وليس عليه أن يقطعهما دون الكعبين فإن النبي- صلى الله عليه وسلم - أمر بالقطع[([7])] أولاً ثم رخص في لبس الخفين لمن لم يجد نعلين. وكذلك إذا لم يجد إزاراً فإنه يلبس السراويل ولا يفتقه وهذا أصح قولي العلماء، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص في البدل في عرفات. وكذلك يجوز أن يلبس كل ما كان من جنس الإزار والرداء فله أن يلتحف بالقباء والجبة والقميص ونحو ذلك ويتغطى به باتفاق الأئمة عرضاً ويلبسه مقلوباً يجعل أسفله أعلاه ويتغطى باللحاف وغيره. ولكن لا يغطي رأسه إلا لحاجة والنبي- صلى الله عليه وسلم - (نهى المحرم أن يلبس القميص والبرنس والسراويل والخف والعمامة ) أخرجه/ البخاري 1265 ومسلم /1206وفي الصحيحين ( نهاهم أن يغطوا رأس المحرم بعد الموت) (وأمر من أحرم في جبة أن ينزعها عنه).فما كان من هذا الجنس فهو في معنى ما نهى عنه النبي- صلى الله عليه وسلم - فما كان في معنى القميص أو في معنى الخف كالجورب ونحوه، أوفي معنى السراويل كالتبان ونحوه، فهو مثله. وكذلك لا يلبس الجبة ولا القباء الذي يدخل يديه فيه ولا الدرع وأمثال ذلك باتفاق الأئمة. وأما إذا طرح القباء على كتفيه من غير إدخال يديه ففيه نزاع وهذا معنى قول الفقهاء: لا يلبس المخيط، والمخيط ما كان من اللباس على قدر العضو.
3ـ عقد مايحتاج إلى عقده: وله أن يعقد ما يحتاج إلى عقده كالإزار وهميان النفقة، والرداء لا يحتاج إلى عقده فلا يعقده فإن احتاج إلى عقد ففيه نزاع. والأشبه جوازه،وليس على تحريمه دليل إلا ما نقل عن ابن عمر- رضي الله عنه - أنه كره عقد الرداء وقد اختلف المتبعون له بين الكراهة والتحريم.
4ـ الاستظلال: تحت السقف والشجر وفي الخيمة ونحو ذلك جائز باتفاقهم وأما الاستظلال بالمحمل كالمحارة التي لها رأس في حال السير فهذا فيه نزاع والأفضل للمحرم أن يُضْحِى لمن أحرم له كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يحجون وقد رأى ابن عمر رجلاً ظلل عليه فقال: أيها المحرم أضح لمن أحرمت ]([8])[.وهذا في حق الرجل.
5ـ إحرام المرأة: وأما المرأة فإنها عورة فلذلك جاز لها أن تلبس الثياب التي تسترها وتستظل بالمحمل،لكن نهاها النبي - صلى الله عليه وسلم - (أن تنتقب أو تلبس القفازين كما نهى المحرم أن يلبس القميص والخف)رواه البخاري[1838] مع أنه يجوز له أن يستر يديه ورجليه باتفاق الأئمة. والبرقع أقوى من النقاب فلهذا ينهى عنه باتفاقهم. ولو غطت المرأة وجهها بشيء لا يمس الوجه جاز بالاتفاق، وإن كان يمسه فالصحيح أنه يجوز أيضاً، فإن النبي- صلى الله عليه وسلم - سوى بين وجهها ويديها وكلاهما كبدن الرجل لا كرأسه. وأزواجه - صلى الله عليه وسلم - كن يسدلن على وجوههن من غير مراعاة المجافاة ولم ينقل عن النبي- صلى الله عليه وسلم - أنه قال إحرام المرأة في وجهها وإنما هذا قول بعض السلف.
الفصل السابع: في محظورات الإحرام:
1ـ المحظورات: ومما ينهى عنه المحرم أن يتطيب بعد الإحرام في بدنه أو ثيابه أو يتعمد شم الطيب، بعد الإحرام وإن شاء قبل الإحرام أن يتطيب في بدنه فهو حسن، ولا يؤمر بذلك، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله ولم يأمر به الناس. وأما الدهن في رأسه أو بدنه بالزيت والسمن ونحوه إذا لم يكن فيه طيب ففيه نزاع مشهور وتركه أولى. ولا يقلم أظفاره ولا يقطع شعره وله أن يحك بدنه إذا حكه ويحتجم وإن احتاج أن يحلق شعراً لذلك جاز ففي الصحيحين ( أن النبي- صلى الله عليه وسلم - احتجم في وسط رأسه وهو محرم) رواه البخاري برقم 1836 ومسلم 1203] ولا يمكن ذلك إلا مع حلق بعض الشعر
وإذا اغتسل وسقط شيء من شعره بذلك لم يضره. ويفتصد إذا احتاج إلى ذلك،ويغتسل من الجنابة بالاتفاق ولغير الجنابة. ولا ينكح المحرم ولا يُنْكِح ولا يخطب ولا يصطاد صيداً برياً ولا يتملكه بشراء ولا إيهاب ولا غير ذلك ولا يعين على صيد ولا يذبح صيداً. فأما صيد البحر كالسمك ونحوه فله أن يصطاده ويأكله.وأن يقطع الشجر في الحل، لكن الحرم لا يقطع شيئاً من شجره وإن كان غير محرم ولا من نباته المباح إلا الاذخر وأما ما غرسه الناس أو زرعوه فهو لهم، وما يبس من النبات يجوز أخذه ولا يصطاد به صيداً وإن كان من الماء كالسمك على الصحيح بل ولا ينفر صيده مثل أن يقيمه ليقعد مكانه.
2ـ قتل ما يؤذي: وللمحرم قتل ما يؤذى بعادته الناس (كالحية والعقرب والفأرة والغراب،والكلب العقور)[ رواه البخاري 1828ومسلم 1198]وله أن يدفع ما يؤذيه من الآدميين والبهائم،ولو لم يندفع إلا بالقتال قاتله لقول النبي- صلى الله عليه وسلم – ( من قُتلَ دون ماله فهو شهيد ومن قُتلَ دون دمه فهو شهيد ومن قُتلَ دون دينه فهو شهيد،ومن قتل دون أهله فهو شهيد)[([9])]وإذا قرصته البراغيث والقمل فله إلقاؤها عنه وله قتلها ولا شيء عليه،وإلقاؤها أهون، وكذلك ما يتعرض له من الدواب فينهى عن قتله وإن كان في نفسه مُحَرمَاً أكله كالأسد والفهد فإذا قتله فلا جزاء عليه في أظهر قولي العلماء وأما التفلي بدون التأذي فهو من الترفة فلا يفعله ولو فعله فلا شيء عليه.
3ـ الوطء ومقدماته: يحرم على المحرم القبلة ولمس بيد أو نظر بشهوة فإن جامع فسد حجه. وفي الإنزال بغير الجماع نزاع ولا يفسد الحج بشيء من المحظورات إلا الرفث فإن قبل أو أمذى لشهوة فعليه دم.
4ـ فدية المحظورات: وليس للمحرم أن يلبس شيئاً مما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه إلا لحاجة، مثل البرد الذي يخاف أن يمرضه إذا لم يغط رأسه، فيلبس قدر الحاجة فإذا استغنى عنه نزع، وعليه أن يفتدي إما بصيام ثلاثة أيام وإما بنسك شاة أو بإطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من تمر أو شعير أو مد من بر وإن أطعمه خبزاً جاز، وينبغي أن يكون مأدوماً وإن أطعمه مما يأكل جاز وهو أفضل من أن يعطيه قمحاً أو شعيراً، وكذلك في سائر الكفارات. وذلك لقوله تعالى:{إِطعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِن أَوسَطِ مَا تُطعِمُونَ أَهلِيكُم أَو كِسوَتُهُم..}[ المائدة/ 89] فأمر الله تعالى بإطعام المساكين من أوسط ما يطعم الناس أهليهم.لكن هل ذلك مقدر بالشرع أم بالعرف؟والراجح أنه يرجع فيه إلى العرف فيطعم كل قوم مما يطعمون أهليهم، ولما كان كعب بن عجرة ونحوه يقتاتون التمر أمره النبي- صلى الله عليه وسلم - أن يطعم فرقاً من التمر بين ستة مساكين [ البخاري1814 ومسلم1201].
5ـ وقت إخراج الفدية: والفدية يجوز أن يخرجها إذا احتاج إلى فعل المحظور قبله أو بعده ويجوز أن يذبح النسك قبل أن يصل إلى مكة ويصوم الأيام الثلاثة متتابعة إن شاء أو متفرقة فإن كان له عذر أخّر فعلها وإلا عجل فعلها. وإذا لبس ثم لبس مراراً ولم يكن أدى الفدية أجزأته فدية واحدة في أظهر قولي العلماء.
الفصل الثامن: في دخول مكة والمسجد الحرام وأحكام الطواف والسعي:
1ـ دخول مكة والمسجد: إذا أتى مكة جاز أن يدخلها والمسجد من جميع الجوانب والأفضل أن يأتي من وجه الكعبة اقتداء بالنبي- صلى الله عليه وسلم - فقد دخل من الناحية العليا التي فيها باب المعلاة.ودخل مكة من الثنية العليا ثنية كداء - بالفتح والمد - المشرفة على المقبرة (الحجون)،ودخل المسجد من باب بني شيبة (كان مقابلاً لباب الكعبة محاذياً للمقام) ثم ذهب إلى الحجر الأسود. وفي الصحيحين كان- صلى الله عليه وسلم - (يغتسل لدخول مكة ويبيت بذي طوى) (البخاري1573 ومسلم 1259) وهو عند آبار الزاهر فمن تيسر له المبيت بها والاغتسال ودخول مكة نهاراً وإلا فليس عليه شيء من ذلك، وروي أن النبي- صلى الله عليه وسلم - كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال اللهم زد هذا البيت تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابةً وبراً وزد من شرَّفَه وكرَّمه ممن حجه أو اعتمره تشريفاً وتعظيما)[([10])] فمن رأى البيت فعل ذلك..
2ـ الطواف: والنبي- صلى الله عليه وسلم - ابتدأ بالطواف، ففي الصحيحين (أن أول شيء بدأ به توضأ ثم طاف...)ولم يُصل قبله بل الطواف بالبيت هو تحية المسجد الحرام، يبتدىء من الحجر الأسود يستقبله استقبالاً ويقبله إن أمكن ويقول (بسم الله والله أكبر)[([11])] وإن شاء قال(اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاءً بعهدك واتباعاً لسنة نبيك محمد - صلى الله عليه وسلم -) ولا يؤذي أحداً بالمزاحمة عليه فإن لم يمكن استلمه بيده وقبلها، وإلا أشار إليه ثم ينتقل للطواف ويجعل البيت عن يساره. وليس عليه أن يذهب إلى ما بين الركنين ولا يمشي عرضاً، فيطوف سبعاً. ولا يخترق الحِجْر في طوافه لما كان أكثر الحجر من البيت والله أمر بالطواف به لا بالطواف فيه. ويجوز أن يطوف من وراء قبة زمزم وما وراءها من السقائف (المصابيح) المتصلة بحيطان المسجد. ولا يستلم من الأركان إلا الركنين اليمانيين دون الشاميين فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما استلمها خاصة لأنهما على قواعد إبراهيم والآخران هما في داخل البيت. فالركن الأسود يستلم ويقبل، واليماني يستلم ولا يقبل والآخران لا يستلمان ولا يقبلان والاستلام هو مسحه باليد. وأما سائر جوانب البيت ومقام إبراهيم وسائر ما في الأرض من المساجد وحيطانها ومقابر الأنبياء والصالحين كحجرة نبينا - صلى الله عليه وسلم - ومغارة إبراهيم ومقام نبينا - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يصلي فيه فلا تستلم ولا تقبل باتفاق الأئمة. والطواف بذلك من أعظم البدع المحرمة ومن اتخذه ديناً يستتاب فإن تاب وإلا قتل. ولو وضع يده على الشاذروان الذي يُربَط فيه أستار الكعبة لم يضره في أصح قولي العلماء وليس الشاذروان من البيت بل جُعِلَ عماداً للبيت.
3ـ الرمل والاضطباع: ويستحب له في الطواف الأول(القدوم) أن يرمل من الحجَر إلى الحجَر في الأشواط الثلاثة ففي الصحيحين أمر النبي- صلى الله عليه وسلم - (أن يرملوا الأشواط الثلاثة..). والرمل مثل الهرولة وهو مسارعة المشي مع تقارب الخطى فإن لم يمكن الرمل للزحمة كان خروجه إلى حاشية المطاف والرمل أفضل من قربه إلى البيت بدون الرمل وأما إذا أمكن القرب من البيت مع إكمال السُنة فهو أولى.
وكذلك يستحب أن (يضطبع )[([12])] في هذا الطواف والاضطباع: هو أن يبدي ضبعه الأيمن فيضع وسط الرداء تحت إبطه الأيمن وطرفيه على عاتقه الأيسر وإن ترك الرمل والاضطباع فلا شيء عليه.
4ـ دعاء الطواف والصلاة بعده وشرب زمزم:
ويستحب له في الطواف أن يذكر الله تعالى ويدعوه بما شرع وإن قرأ القرآن سراً فلا بأس، وليس فيه ذكر محدود عن النبي- صلى الله عليه وسلم - بل يدعو فيه بسائر الأدعية الشرعية. وما يذكره كثير من الناس من دعاء معين تحت الميزاب ونحو ذلك فلا أصل له. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يختم طوافه بين الركنين بقوله: {ربنا آتِنَا في الدُّنيَا حَسَنَةً وفي الآخرة حَسَنَةً وقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[البقرة/ 201] كما كان يختم سائر دعائه بذلك[([13])].والطواف بالبيت كالصلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام فلا يتكلم فيه إلا بخير. ويؤمر الطائف أن يكون متطهراً الطهارتين الصغرى والكبرى مستور العورة مجتنب النجاسة التي يجتنبها المصلى.
فإذا قضى الطواف صلى ركعتين للطواف وإن صلاهما عند مقام إبراهيم فهو أحسن ويستحب أن يقرأ فيهما بسورتي الإخلاص وقل يا أيها الكافرون ولو صلى المصلي في المسجد والناس يطوفون أمامه لم يكره سواء مرَّ أمامه رجل أو امرأة وهذا من خصائص البيت.[([14])]ثم إذا صلاهما استحب له أن يستلم الحجر وأن يشرب من ماء زمزم ويتضلع منه ويدعو عند شربه بما شاء من الأدعية الشرعية ولا يستحب الاغتسال منها.ومن حمل شيئا من ماء زمزم جاز فقد كان السلف يحملونه.
5ـ الطهارة في الطواف:
والمطاف طاهر لكن في وجوب الطهارة في الطواف نزاع، فلم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أمر بالطهارة للطواف ولا نهى المحدث أن يطوف. ولكنه طاف طاهراً، ونهى الحائض عن الطواف وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (مفتاح الصلاة الطهور وتحريمها التكبير وتحليلها التسليم)[([15])]فالطهارة للصلاة تفتتح بالتكبير وتختتم بالتسليم وفيها ركوع وسجود، وصلاة الجنازة وسجدتي السهو، وأما الطواف وسجود التلاوة فليسا من هذا.. وقد اختلفت الرواية عن أحمد في اشتراط الطهارة فيه ووجوبها وهو أحد القولين في مذهب أبي حنيفة لكنها ليست بشرط. وكما يجوز أن يصلي في نعليه فكذلك يجوز أن يطوف في نعليه. ومن طاف في جوارب ونحوه لئلا يطأ ذرق الحمام أو غطى يديه لئلا يمس امرأة ونحو ذلك فقد خالف السنة فإن النبي- صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والتابعين ما زالوا يطوفون بالبيت وما زال الحمام بمكة والاحتياط حسن فإذا خالف السنة المعلومة كان خطأ.
6ـ طواف أهل الأعذار: وإن لم يمكنه الطواف ماشياً فطاف راكباً أو محمولاً أجزأه بالاتفاق، وكذلك ما يعجز عنه من واجبات الطواف مثل من كان به نجاسة لا يمكنه إزالتها كالمستحاضة ومن به سلس البول فإنه يطوف ولا شيء عليه باتفاق الأئمة وكذلك لو لم يمكنه الطواف إلا عريان فطاف بالليل كما لو لم يمكنه الصلاة إلا عريان.
7ـ طواف الحائض: وقد اتفق العلماء على أنه لا يجب للطواف ما يجب للصلاة من تحريم وتحليل وقراءة وغير ذلك, ولا يبطله ما يبطلها من الأكل والشرب والكلام وغير ذلك ولهذا كان مقتضى تعليل منْ مَنَعَ الحائض لحرمة المسجد أنهُ لا يرى الطهارة شرطاً بل مقتضى قوله أنهُ يجوز لها ذلك عند الحاجة كما يجوز لها دخول المسجد عند الحاجة.وقد يُعلل بأنه يشبه الصلاة وقد يُعلل بأنها ممنوعة من المسجد كما تمنع منه في الاعتكاف. وقد أمر الله تعالى بقولهأن طَهِرَا بَيتِي لِلطَّآئِفِينَ وَالعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) البقرة/ 125] بتطهيره لهذه العبادات فمنعت الحائض من دخوله. والعاكف فيه لا يشترط له الطهارة من الحدث الأصغر باتفاق المسلمين ولو اضطرت العاكفة الحائض إلى لبثها فيه للحاجة جاز ذلك.وأما الركع السجود فهم المصلون والطهارة شرط للصلاة باتفاق المسلمين،والحائض لا تصلي لا قضاء ولا أداء. يبقى الطائف هل يلحق بالعاكف أو بالمصلى أو يكون قسماً ثالثاً بينهما؟ هذا محل اجتهاد./ وقوله (الطواف بالبيت صلاة) لم يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكن هو ثابت عن ابن عباس وقد روي مرفوعاً.ولا ريب أن المراد بذلك أنه يشبه الصلاة من بعض الوجوه ليس المراد أنه نوع من الصلاة التي يشترط لها الطهارة وهكذا قوله (إذا صلى أحدكم في المسجد فلا يشبكن بين أصابعه فإن أحدكم لا يزال في صلاة مادام في المسجد)[المسند3/54] ونحو ذلك. فالمرأة الحائض إذا لم يمكنها طواف الفرض إلا حائضاً بحيث لا يمكنها التأخر بمكة في أحد قولي العلماء الذين يوجبون الطهارة على الطائف، فإذا طافت الحائض أو الجنب أو المحدث أو حامل النجاسة مطلقاً أجزأه الطواف وعليه دم بدنة مع الحيض والجنابة وشاة مع الحدث الأصغر. فقد نقل عن ابن عباس أنه قال:إذا طاف بالبيت وهو جنب عليه دم. فلا يجوز لحائض أن تطوف إلا طاهرة إذا أمكنها ذلك باتفاق العلماء ولو قدمت المرأة حائضاً لم تطف بالبيت، لكن تقف بعرفة وتفعل المناسك كلها مع الحيض إلا الطواف فإنها تنتظر حتى تطهر إن أمكنها ذلك ثم تطوف وإن اضطرت إلى الطواف فطافت أجزأها ذلك على الصحيح من قولي العلماء.[[16]]
8 ـ السعي بين الصفا والمروة: ثم يخرج إلى السعي بين الصفا والمروة ولو أخر ذلك إلى بعد طواف الإفاضة جاز فإن الحج فيه ثلاثة أطواف: طواف عند الدخول/ وهو طواف القدوم والدخول والورود. والثاني بعد عرفة /ويقال له طواف الإفاضة والزيارة وهو طواف الفرض لابد منه لقوله تعالى:{ ثُمَّ ليَقضُوا تَفَثَهُم وَليُوفُواْ نُذُورَهُم وَليَطَّوَّفُواْ بِالبَيتِ العَتِيقِ}[ الحج /29].
والطواف الثالث /هو لمن أراد الخروج من مكة وهو طواف الوداع وإذا سعى عقيب واحد منها أجزأه وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يرقى على الصفا والمروة وهما في جانب جبلي مكة فيكبر ويهلل ويدعو الله تعالى. وقد بُنى فوقهما دكتان فمن وصل إلى أسفل البناء أجزأه السعي، فيطوف بالصفا والمروة سبعاً يبتدئ بالصفا ويختم بالمروة. ويستحب أن يرمل ثلاثا في بطن الوادي من العَلَم إلى العَلَم وهما مَعْلَمان (أخضران) هناك وإن مشى على هيئته وجمع ما بين الصفا والمروة أجزأه باتفاق العلماء ولا شيء عليه. ولا صلاة عقيب الطواف بالصفا والمروة بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.فإذا طاف بين الصفا والمروة حل من إحرامه كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه إلا من كان معه هدي فلا يحل حتى ينحره. والمفرد والقارن لا يحلان إلا يوم النحر ويستحب له أن يقصر من شعره ليدع الحِلاق للحج وكذلك أمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - وإذا أحل، حل له ما حَرُمَ عليه بالإحرام. الفصل التاسع: ما يفعله الحاج يوم التروية ويوم عرفة:
1ـ يوم التروية: فإذا كان يوم التروية أحرم وأهل بالحج كما فعل عند الميقات. والسنة أن يحرم من الموضع الذي هو نازل فيه لقوله - صلى الله عليه وسلم: ( من كان منزله دون مكة فمهله من أهله حتى أهل مكة يهلون من مكة) متفق عليه. والصحابة أحرموا من منزلهم بالبطحاء بأمره- صلى الله عليه وسلم - والسنة أن يبيت الحاج بمنى فيصلون بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ولا يخرجون منها حتى تطلع الشمس كما فعل النبي- صلى الله عليه وسلم -.
2ـ يوم عرفة: يسير الحاج من منى إلى نمرة على طريق ضب [([17])] من يمين الطريق ونمرة كانت قرية خارج عرفات من جهة اليمين ببطن الوادي في حدود عرفة ببطن عُرنة، وهناك مسجد نمرة فيقيمون بها إلى الزوال. ويخطب بهم الإمام ثم إذا قضى الخطبة أذّن المؤذن وأقام لكل صلاة فيصلي الظهر والعصر جمعاً وقصراً كما فعل النبي- صلى الله عليه وسلم -، ويصلي خلفه جميع الحجاج من أهل مكة وغيرهم، ثم بعد ذلك يذهب إلى عرفات، فهذه السنة. ولا يكاد الآن يذهب كثير من الحجاج إلى نمرة ولا إلى مصلى النبي- صلى الله عليه وسلم - بل يدخلون عرفات قبل الزوال ومنهم من يدخلها ليلاً ويبيتون بها قبل التعريف وهذا يجزئ معه الحج لكن فيه نقص عن السنة فعليه فعل ما يمكن من السنة مثل الجمع بين الصلاتين، والوقوف بعرفات ولا يخرجون منها حتى تغرب الشمس. ويجتهد في الذكر والدعاء هذه العشيِّة فإنه (ما رؤي إبليس في يوم هو فيه أصغر ولا أحقر ولا أغيظ ولا أدحض من عشيِّة عرفة لما يرى من تنزيل الرحمة وتجاوز الله سبحانه عن الذنوب العظام إلا ما رؤي يوم بدر فإنه رأى جبريل يزع الملائكة) أي يصفهم [ويصح وقوف الحائض وغيرها.ويجوز الوقوف ماشياً وراكباً. وأما الأفضل فيختلف باختلاف الناس فإن كان ركوبه لحاجة الناس أو كان يشق عليه ترك الركوب وقف راكباً فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف راكباً.ولم يعين النبي - صلى الله عليه وسلم - لعرفة دعاء ولا ذكراً بل يدعو الرجل بما شاء من الأدعية الشرعية و يُكبر ويهلل ويذكر الله تعالى حتى تغرب الشمس.
وقال النبي- صلى الله عليه وسلم –(عرفة كلها موقف وارفعوا عن بطن عرنة ومزدلفة كلها موقف وارفعوا عن بطن محسر) (ومنى كلها منحر وفجاج مكة كلها طريق) [([18])].
3ـ الاغتسال في الحج: والاغتسال لعرفة روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - [(2)] وروي عن ابن عمر وغيره. ولم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه في الحج إلا ثلاثة أغسال/غسل للإحرام، وعند دخول مكة، ويوم عرفة. وما سوى ذلك كالغسل لرمي الجمار وللطواف وللمبيت بمزدلفة فلا أصل له عن النبي- صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه، بل هو بدعة إلا أن يكون هناك سبب يقتضي الا ستحباب مثل أن يكون عليه رائحة يؤذي الناس فيغتسل لإزالتها.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 32.59 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 31.96 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.93%)]