عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 17-02-2019, 09:04 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 133,974
الدولة : Egypt
افتراضي رد: شرح سنن النسائي - للشيخ : ( عبد المحسن العباد ) متجدد إن شاء الله

شرح سنن النسائي
- للشيخ : ( عبد المحسن العباد )
- كتاب الطهارة
(10)

- باب الرخصة في السواك بالعشي للصائم
- باب السواك في كل حين


قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات) قصر وحصر، و(إنما) تأتي لهذا الغرض، وكذلك كون المبتدأ والخبر يأتيان محليان بالألف واللام، فذلك من هذا القبيل، مثل (الدين النصيحة)، ومثل: (الحج عرفة)، ومثل (الأعمال بالنيات)، وقد جاء في بعض الراويات بدون (إنما)، وذلك بلفظ (الأعمال بالنيات)، وكل منهما يفيد الحصر والقصر.والأعمال هنا مطلقة، فقد حليت بالألف واللام للاستغراق، وقيل: إن المقصود من ذلك الأعمال التي هي قربة؛ فإنها لا تعتبر إلا بنياتها، ولا يعول عليها إلا بنياتها، وكل عمل فيها لا بد فيه من نية، وإذا خلا من النية فإنه لا عبرة به، والنية تأتي لتمييز العبادات بعضها عن بعض، ولتميز العبادات عن العادات، ولتمييز العبادات عن العادات.فمنهم من قال: إن المقصود به العموم، ويدخل في ذلك القُرَب وغير القُرَب، فأما القرب فأمرها معلوم، وأما غير القرب من الأمور التي يفعلها الناس -كالأكل والشرب والنوم والجماع وما إلى ذلك- إذا حسن المرء قصده فيها، ونوى بذلك التقوي على طاعة الله عز وجل فإن الله تعالى يأجره، كما جاء في الحديث: (وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: أرأيتم إذا لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟! قالوا: نعم. قال: فكذلك إذا وضعها في حلال كان له أجر)، وقد جاء في ذلك حديث [ نية المؤمن خير من عمله ] ولكنه لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.و(النيات) جمع نية، والمراد بها القصد، والألف واللام في (النيات) بدل من الضمير (الهاء)، ومعنى ذلك أن أصل العبارة هكذا (الأعمال بنياتها)، أي: الأعمال معتبرة بنياتها. فحذف المضاف إليه -وهو الهاء- وأتي بـ(أل) مكانه، فصارت العبارة (الأعمال بالنيات).وهذا الاختصار يأتي كثيراً في الاستعمال، ولا سيما في أسماء الكتب، فيقولون -مثلاً-: البلوغ. ويعنون (بلوغ المرام)، ويقولون: النيل. ويعنون (نيل الأوطار)، وهكذا، فيأتون بالمضاف ويحذفون المضاف إليه، ويجعلون (أل) قائمة مقامه، فالألف واللام هنا عوض عن المضاف إليه، فالمراد: الأعمال بنياتها.فالمقدر الذي يتعلق به الجار والمجرور هو (معتبرة)، أي: الأعمال معتبرة بالنيات. فهي بدون نية غير معتبرة، فالإنسان إذا كان عليه غسل جنابة فاغتسل للتبرد أو للجمعة ولم ينو رفع الحدث فإنه باقٍ على حدثه، ولو صلى لم تصح صلاته، وعليه الغسل للجنابة وإعادة الصلاة ولو كان قد تنظف؛ لأن هذه عبادة، ولا بد في العبادة من نية، وليس المقصود مجرد النظافة فقط، بل هي عبادة تفتقر إلى نية.إذاً: فالجار والمجرور متعلق بمحذوف، والتقدير: (معتبرة)، أو (نافعة)، أو (مقبولة) أو ما إلى ذلك من العبارات المناسبة.
الرخصة في السواك بالعشي للصائم

شرح حديث: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [الرخصة في السواك بالعشي للصائم.أخبرنا قتيبة بن سعيد عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) ].أورد النسائي رحمة الله عليه هذه الترجمة وهي: باب الرخصة في السواك بالعشي للصائم، يعني: آخر النهار، بعد الزوال؛ لأن بعد الزوال اختلف فيه العلماء؛ منهم من قال: بأنه لا يستاك بعد الزوال، ومنهم من قال: بأنه يستاك، والذين قالوا: بأنه لا يستاك, استدلوا بأحاديث ضعيفة، واستدلوا أيضاً بالفهم من حديث صحيح؛ وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) والخلوف هو: الرائحة التي تنبعث من الفم بعد طول المكث بدون أكل, فينبعث من معدته روائح وأبخرة تكون غير حسنة، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (لخلوف فم الصائم أطيب عند الله) قالوا: وهذا يذهب الخلوف، إذاً: لا يستاك.وبعض العلماء يقول: إنه يستاك، ويستدل على هذا بالحديث الذي معنا, وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة).والنسائي رحمه الله عقد هذه الترجمة وليس في الحديث ذكر الصيام, وإنما فيه ذكر الصلاة؛ لكن لما كان السواك مرغباً فيه عند كل صلاة, ومن الصلوات صلاة العصر التي تقع في العشي وبعد الزوال, فهي داخلة تحت هذا الحديث، فبعمومه يدل على أن الصائم يستاك في المساء، وأنه لا بأس به، وأنه لا مانع منه؛ مع عموم قوله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة).إذاً: هذا يدل على مشروعية الاستياك للصائم في العشي؛ أي: في آخر النهار، وأنه لا مانع منه، والدلالة واضحة.وهذا من الاستدلال والفهم الدقيق؛ لأن الحديث ما جاء فيه ذكر صيام، وإنما فيه الحث على السواك عند كل صلاة، (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) ومن بين الصلوات: صلاة العصر، فهي داخلة تحت هذا الحديث، ومن المعلوم أن الإنسان يكون في بعض الأيام صائماً, فهذه الحالة داخلة تحت هذا العموم، فلا بأس ولا مانع من الاستياك للصائم في العشي.وهذه الترجمة هي استنباط من الحديث دقيق، وهو يدل على فقه هذا الرجل, وعلى دقة فهمه, وحسن استنباطه، وقد أشار إلى هذا السندي في حاشيته، وأن هذا فيه دقة فهم, وحسن استنباط.وقوله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) يدل على قاعدة من قواعد أصول الفقه وهي: الأصل في الأوامر أن تكون للوجوب، ولا تكون لغير الوجوب إلا لقرينة ولصارف يصرفها عن الوجوب؛ فالأمر عند الإطلاق يقتضي الوجوب، ويصار إلى غير الوجوب لقرينة, أو صارف يصرفه عن ذلك، ووجه الاستدلال على هذه القاعدة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) وقد أمرهم بالسواك ورغبهم في السواك، إذاً: المقصود من ذلك أمر الإيجاب، وهذا الذي لم يحصل، أما أمر الاستحباب فهو موجود، ولو كان المقصود به الاستحباب ما أنيط الامتناع منه بالمشقة وقد جاء فعله، والمستحب ليس فيه مشقة؛ لأنه جائز الترك، والإنسان إذا تركه فليس عليه شيء؛ لكن الذي فيه مشقة هو الوجوب.والرسول صلى الله عليه وسلم فعله -وهو القدوة والأسوة- وأرشد إليه، بل وقد جاء الحث عليه في قوله: (السواك مطهرة للفم مرضاة للرب)، وجاء: (قد أكثرت عليكم في السواك)، وجاءت أحاديث كثيرة تدل على الترغيب في السواك.وهذا الحديث يدل على شفقة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم على أمته، وكونه يعز عليه أي شيء فيه عنتها -أي: مشقتها- كما قال الله عز وجل عنه: (( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِين َ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ))[التوبة:128] فمن رحمته وشفقته على أمته صلوات الله وسلامه وبركاته عليه أنه لم يأمرها بالسواك أمر إيجاب عند كل صلاة خشية المشقة التي تحصل لها بذلك، وهو من أدلة شفقته على أمته، وكونه يشق عليه كل ما فيه عنت لها, ومشقة عليها، فصلوات الله وسلامه وبركاته عليه. وقد جاء ذلك في أحاديث كثيرة، ومن ذلك: صلاة الليل؛ لما صلى بالناس في رمضان وخرج من حجرته، وصلى الناس بصلاته, وفي الليلة الثانية تتابعوا وزادوا، فلما رآهم كثروا لم يخرج من منزله, فجعلوا ينتظرونه، فأخبرهم بأنه قد علم مكانهم؛ ولكنه خشي أن يفرض عليهم، فلم يفعل ذلك؛ وكل ذلك من حرصه وشفقته على أمته.وكذلك نهيهم عن الوصال، فقالوا: ( إنك تواصل، قال: إني لست كهيئتكم ) كل هذا من حرصه على أمته وشفقته عليها، والأحاديث الدالة على هذا الخلق الكريم من النبي الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه كثيرة جداً.قوله: ( لولا أن أشق على أمتي ). الأمة أمتان: أمة إجابة، وأمة دعوة. فأمة الدعوة: كل الثقلين الجن والإنس من حين بعثوا إلى قيام الساعة، فالدعوة موجهة إلى كل إنسي وجني من حيث بعث رسول الله عليه الصلاة والسلام إلى قيام الساعة، هذه أمة دعوة.أما أمة الإجابة: فهم الذين وفقهم الله تعالى لإجابة هذه الدعوة, والدخول في الدين الحنيف، والدخول في طاعة الله وطاعة رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.ومن المعلوم أن الذين يقومون بفعل الأوامر وامتثالها إنما هم المسلمون -وهم أمة الإجابة الذين أجابوا الدعوة- لكن لا يعني هذا أن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة، فهم مخاطبون بالفروع والأصول، وهي مسألة أصولية: هل الكفار مخاطبون بأصول الشريعة فقط, أو أنهم مخاطبون بأصولها وفروعها؟ وأصح الأقوال: أنهم مخاطبون بالأصول والفروع؛ لكن الفروع لا تصح منهم إلا إذا سبقتها الأصول، وهم مؤاخذون على ترك الفروع والأصول، ومعاقبون على ترك الفروع والأصول، ولو أتوا بالفروع دون الأصول لكانت مردودة عليهم، كما قال الله عز وجل: ((وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ))[الفرقان:23].و(عائشة رضي الله عنها وأرضاها لما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ابن جدعان وكان يقري الضيف, ويكثر الإحسان, هل ذلك نافعه؟ قال: لا، إنه لم يقل يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين).ومن المعلوم أن الأعمال الحسنة لا تفيد الكافر يوم القيامة؛ لكن يستفيد منها في الدنيا؛ بأن تعجل له طيباته في الحياة الدنيا, وينال نصيبه منها، وإذا انتهى من هذه الحياة فلا يجد إلا النار، ولهذا جاء في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه: (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) فالدنيا هي جنة الكافر؛ لأنه لا يعرف اللذة ولا يعرف المتعة إلا في الحياة الدنيا، وإذا مات ليس عنده إلا النار, والعياذ بالله.
يتبع
__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 22.06 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 21.43 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.85%)]