عرض مشاركة واحدة
  #426  
قديم 20-01-2023, 11:39 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,009
الدولة : Egypt
افتراضي رد: تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى ____ متجدد

تفسير القرآن " زَادُ الْمَسِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ" لابن الجوزى
جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي
الجزء السادس

سُورَةُ الْقَصَصِ
الحلقة (426)
صــ 211 إلى صــ 220






[ ص: 211 ] أحدها : يتشاورون فيك ليقتلوك ، قاله أبو عبيدة . والثاني : يهمون بك ، قاله ابن قتيبة . والثالث : يأمر بعضهم بعضا بقتلك ، قاله الزجاج .
فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين . ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل و لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير . فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين . قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين . قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل

قوله تعالى: فخرج منها أي : من مصر خائفا وقد مضى تفسيره [القصص : 18 ] .

قوله تعالى: نجني من القوم الظالمين يعني المشركين أهل مصر .

ولما توجه تلقاء مدين قال ابن قتيبة : أي : تجاه مدين ونحوها ، وأصله : اللقاء ، وزيدت فيه التاء ، قال الشاعر :

[ ص: 212 ]
[ أملت خيرك هل تأتي مواعده] فاليوم قصر عن تلقائك الأمل
.

أي : عن لقائك .

قال المفسرون : خرج خائفا بغير زاد ولا ظهر ، وكان بين مصر ومدين مسيرة ثمانية أيام ، ولم يكن له بالطريق علم ، ف قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل أي : قصده . قال ابن عباس : لم يكن له علم بالطريق إلا حسن ظنه بربه . وقال السدي : بعث الله له ملكا فدله ، قالوا : ولم يكن له في طريقه طعام إلا ورق الشجر ، فورد ماء مدين وخضرة البقل تتراءى في بطنه من الهزال ; والأمة : الجماعة ، وهم الرعاة ، يسقون مواشيهم ووجد من دونهم أي : من سوى الأمة امرأتين وهما ابنتا شعيب ; قال مقاتل : واسم الكبرى : صبورا والصغرى : عبرا تذودان قال ابن قتيبة : أي : تكفان غنمهما ، فحذف الغنم اختصارا قال المفسرون : وإنما فعلتا ذلك ليفرغ الناس وتخلو لهما البئر ، قال موسى : ما خطبكما أي : ما شأنكما لا تسقيان؟! قالتا لا نسقي وقرأ ابن مسعود ، وأبو الجوزاء ، وابن يعمر ، وابن السميفع : " نسقي " برفع النون حتى يصدر الرعاء وقرأ أبو عمرو ، وابن عامر ، وأبو جعفر : " يصدر " بفتح الياء وضم الدال ، أي : حتى يرجع الرعاء . وقرأ الباقون : " يصدر " بضم الياء وكسر الدال ، أرادوا : حتى يرد الرعاء غنمهم عن الماء . والرعاء : جمع راع ، كما يقال : صاحب وصحاب . وقرأ عكرمة، [ ص: 213 ] وسعيد بن جبير ، وابن يعمر ، وعاصم الجحدري : " الرعاء " بضم الراء ، والمعنى : نحن امرأتان لا نستطيع أن نزاحم الرجال وأبونا شيخ كبير لا يقدر أن يسقي ماشيته من الكبر ; فلذلك احتجنا نحن إلى أن نسقي ، وكان على تلك البئر صخرة عظيمة ، فإذا فرغ الرعاء من سقيهم أعادوا الصخرة ، فتأتي المرأتان إلى فضول حياض الرعاء فتسقيان غنمهما . فسقى لهما موسى .

وفي صفة ما صنع قولان .

أحدهما : أنه ذهب إلى بئر أخرى عليها صخرة لا يقتلعها إلا جماعة من الناس ، فاقتلعها وسقى لهما ، قاله عمر بن الخطاب ، وشريح .

والثاني : أنه زاحم القوم على الماء ، وسقى لهما ، قاله ابن إسحاق ، والمعنى : سقى غنمهما لأجلهما .

ثم تولى أي : انصرف إلى الظل وهو ظل شجرة فقال رب إني لما اللام بمعنى إلى ، فتقديره : إني إلى ما أنزلت إلي من خير فقير وأراد بالخير : الطعام . وحكى ابن جرير أنه أسمع المرأتين [ ص: 214 ] هذا الكلام تعريضا أن تطعماه . فجاءته إحداهما المعنى : فلما شربت غنمهما رجعتا إلى أبيهما فأخبرتاه خبر موسى ، فبعث إحداهما تدعو موسى . وفيها قولان . أحدهما : الصغرى . والثاني : الكبرى . فجاءته تمشي على استحياء قد سترت وجهها بكم درعها .

وفي سبب استحيائها ثلاثة أقوال .

أحدها : أنه كان من صفتها الحياء ، فهي تمشي مشي من لم يعتد الخروج والدخول .

والثاني : لأنها دعته لتكافئه ، وكان الأجمل عندها أن تدعوه من غير مكافأة .

والثالث : لأنها رسول أبيها .

قوله تعالى: ليجزيك أجر ما سقيت لنا قال المفسرون : لما سمع موسى هذا القول كرهه وأراد أن لا يتبعها ، فلم يجد بدا للجهد الذي به من اتباعها ، فتبعها ، فكانت الريح تضرب ثوبها فيصف بعض جسدها ، فناداها : يا أمة الله ، كوني خلفي ودليني الطريق فلما جاءه أي : جاء موسى شعيبا وقص [ ص: 215 ] عليه القصص أي : أخبره بأمره من حين ولد والسبب الذي أخرجه من أرضه قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين أي : لا سلطان لفرعون بأرضنا ولسنا في مملكته . قالت إحداهما وهي الكبرى : يا أبت استأجره أي : اتخذه أجيرا إن خير من استأجرت القوي الأمين أي : خير من استعملت على عملك من قوي على عملك وأدى الأمانة ; وإنما سمته قويا ، لرفعه الحجر عن رأس البئر ، وقيل : لأنه استقى بدلو لا يقلها إلا العدد الكثير من الرجال ، وسمته أمينا ، لأنه أمرها أن تمشي خلفه . وقال السدي : قال لها شعيب : قد رأيت قوته ، فما يدريك بأمانته؟ فحدثته . قال المفسرون : فرغب فيه شعيب ، فقال له : إني أريد أن أنكحك أي : أزواجك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج قال الفراء : تأجرني وتأجرني ، بضم الجيم وكسرها ، لغتان . قال الزجاج : والمعنى : تكون أجيرا لي ثماني سنين فإن أتممت عشرا فمن عندك أي : فذلك تفضل منك ، وليس بواجب عليك .

قوله تعالى: وما أريد أن أشق عليك أي : في العشر ستجدني إن شاء الله من الصالحين أي : في حسن الصحبة والوفاء بما قلت . قال له موسى ذلك بيني وبينك أي : ذلك الذي وصفت وشرطت علي فلك ، وما شرطت لي من تزويج إحداهما فلي ، فالأمر كذلك بيننا وتم الكلام هاهنا . ثم قال : أيما الأجلين يعني : الثماني والعشر . قال أبو عبيدة : " ما " زائدة .

قوله تعالى: قضيت أي : أتممت فلا عدوان علي أي : لا سبيل علي ; والمعنى : لا تعتد علي بأن تلزمني أكثر منه والله على ما نقول وكيل قال الزجاج : أي : والله شاهدنا على ما عقد بعضنا على بعض .

[ ص: 216 ] واختلف العلماء في هذا الرجل الذي استأجر موسى على أربعة أقوال .

أحدها : أنه شعيب نبي الله صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذا أكثر [أهل] التفسير ، وفيه أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل عليه ، وبه قال وهب ، ومقاتل .

والثاني : أنه صاحب مدين ، واسمه يثرى ، قاله ابن عباس .

والثالث : رجل من قوم شعيب : قاله الحسن .

والرابع : أنه يثرون ابن أخي شعيب ، رواه عمرو بن مرة عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود ، وبه قال ابن السائب .

واختلفوا في التي تزوجها موسى من الإبنتين على قولين .

أحدهما : الصغرى ، روي عن ابن عباس . والثاني : الكبرى ، قاله مقاتل .

[ ص: 217 ] وفي اسم التي تزوجها ثلاثة أقوال .

أحدها : صفوريا ، حكاه أبو عمران الجوني . والثاني : صفورة ، قاله شعيب الجبائي . والثالث : صبورا ، قاله مقاتل . فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون . فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين . اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون وأخي هارون هو أفصح مني لسانا فأرسله معي ردءا يصدقني إني أخاف أن يكذبون قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا فلا يصلون إليكما بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون .

قوله تعالى: فلما قضى موسى الأجل روى ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل : أي الأجلين قضى موسى ، قال : أوفاهما وأطيبهما . قال مجاهد مكث بعد قضاء الأجل عندهم عشرا [ ص: 218 ] أخر . وقال وهب بن منبه : أقام عندهم بعد أن أدخل عليه امرأته سنين ، وقد سبق تفسير هذه الآية [طه : 10] إلى قوله : أو جذوة وقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر ، والكسائي : " جذوة " بكسر الجيم . وقرأ عاصم بفتحها . وقرأ حمزة ، وخلف ، والوليد عن ابن عامر بضمها ، وكلها لغات . قال ابن عباس : الجذوة : قطعة حطب فيها نار ، وقال أبو عبيدة : قطعة غليظة من الحطب ليس فيها لهب ، وهي مثل الجذمة من أصل الشجرة ، قال ابن مقبل :


باتت حواطب ليلى يلتمسن لها جزل الجذا غير خوار ولا دعر


والدعر : الذي قد نخر ، ومنه رجل داعر ، أي : فاسد

قوله تعالى: نودي من شاطئ الواد وهو : جانبه الأيمن وهو الذي عن يمين موسى في البقعة وهي القطعة من الأرض المباركة بتكليم الله موسى فيها من الشجرة أي : من ناحيتها . وفي تلك الشجرة قولان .

أحدهما : [أنها] شجرة العناب ، قاله ابن عباس .

والثاني : عوسجة ، قاله قتادة ، وابن السائب ، ومقاتل .

[ ص: 219 ] وما بعد هذا قد سبق بيانه [النمل : 10] إلى قوله : إنك من الآمنين أي : من أن ينالك مكروه .

قوله تعالى: اسلك يدك أي : أدخلها ، واضمم إليك جناحك قد فسرنا الجناح في (طه : 22) إلا أن بعض المفسرين خالف بين تفسير اللفظين ، فشرحناه . وقال ابن زيد : جناحه : الذراع والعضد والكف . وقال الزجاج : الجناح هاهنا : العضد ، ويقال لليد كلها : جناح . وحكى ابن الأنباري عن الفراء أنه قال : الجناح هاهنا : العصا . قال ابن الأنباري : الجناح للإنسان مشبه بالجناح للطائر ، ففي حال تشبه العرب رجلي الإنسان بجناحي الطائر ، فيقولون : قد مضى فلان طائرا في جناحيه ، يعنون ساعيا على قدميه ، وفي حال يجعلون العضد منه بمنزلة جناحي الطائر ، كقوله : واضمم يدك إلى جناحك ، وفي حال يجعلون العصا بمنزلة الجناح ، لأن الإنسان يدفع بها عن نفسه كدفع الطائر عن نفسه بجناحه ، كقوله : واضمم إليك جناحك من الرهب ، وإنما يوقع الجناح على هذه الأشياء تشبيها واستعارة ، كما يقال : قد قص جناح الإنسان ، وقد قطعت يده ورجله : إذا وقعت به جائحة أبطلت تصرفه ; ويقول الرجل للرجل : أنت يدي ورجلي ، أي : أنت من به أصل إلى محابي ، قال جرير :

سأشكر أن رددت إلي ريشي وأنبت القوادم في جناحي

وقالت امرأة من العرب ترثي زوجها الأغر :


يا عصمتي في النائبات ويا ركني [الأغر] ويا يدي اليمنى
لا صنت وجها كنت صائنه أبدا ووجهك في الثرى يبلى


فأما الرهب ، فقرأ ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو : " من الرهب " بفتح [ ص: 220 ] الراء والهاء . وقرأ حمزة ، والكسائي ، وأبو بكر عن عاصم : " من الرهب " بضم الراء وسكون الهاء . وقرأ حفص [وأبان] عن عاصم : " من الرهب " بفتح الراء وسكون الهاء [وهي قراءة ابن مسعود ، وابن السميفع] . وقرأ أبي بن كعب ، والحسن ، وقتادة : بضم الراء والهاء . قال الزجاج : الرهب ، والرهب بمعنى واحد ، مثل الرشد ، والرشد . وقال أبو عبيدة : الرهب والرهبة بمعنى الخوف والفرق . وقال ابن الأنباري : الرهب ، والرهب ، والرهب ، مثل الشغل ، والشغل ، والشغل والبخل ، والبخل ، والبخل ، وتلك لغات ترجع إلى معنى الخوف والفرق .

وللمفسرين في معنى هذه الآية ثلاثة أقوال .

أحدها : أنه لما هرب من الحية أمره الله أن يضم إليه جناحه ليذهب عنه الفزع . قال ابن عباس : المعنى : اضمم يدك إلى صدرك من الخوف ولا خوف عليك . وقال مجاهد : كل من فزع فضم جناحه إليه ذهب عنه الفزع .

والثاني : أنه لما هاله بياض يده وشعاعها ، أمر أن يدخلها في جيبه ، فعادت إلى حالتها الأولى .

والثالث : أن معنى الكلام : سكن روعك ، وثبت جأشك . قال أبو علي : ليس يراد به الضم بين الشيئين ، إنما أمر بالعزم [على ما أمر به] والجد فيه ، ومثله : اشدد حيازيمك للموت .




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 45.20 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 44.57 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (1.39%)]