عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-11-2020, 11:59 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم غير متصل
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,061
الدولة : Egypt
افتراضي النشء المسلم في الغرب

النشء المسلم في الغرب (1)


جمال المعاند






الحديث عن إعداد النشء للحياة ذو شجون، حيث يتطلب تضافر جهود، وتداخُل عوامل.



ومن الغريب وصْف عامل بالضَّرر بمعزل عن بقيَّة العوامل، فالإنسان بما هيَّأت له القدرة الربَّانيَّة من الإمكانات الذاتيَّة لإعْمار الكون - يصعب تكوينُه تربويًّا والتحكُّم فيه وَفْق آليَّاتٍ مسبقةَ الصنع، إلا أنَّ مسألة التأثير أمرٌ فيه نظر.

ومن المعلوم أنَّ النظم التربوية قامت بدايةً على الاستقراء، ومن ثم تطوَّرت إلى الدراسات الإنسانيَّة التي تتَّسم أيضًا بالجانب النظري؛ لصعوبة إجراء التطبيقات المخبرية على الجنْس البشري، على الأخصِّ الوجدان والسلوك، هذه النظُم التربويَّة تنطلق من قِيم ومثُل هي نتاج خبرةٍ تراكُميَّة لأيِّ أُمَّة، تؤطّر بمناهج تضع صيغًا عمليَّة لتكوين المهارات.

وعند إجْراء نظرة فاحصة على خارطة العالَم التربويَّة يلْحظ أنَّ المشترك من القلَّة بمكان، من حيث المنهجُ والآليَّات، ونزعة حبِّ السيطرة عند بني البشر اتَّخذت طرقًا حديثة بعد تقدُّم الدراسات النفسيَّة والاجتماعيَّة، ومنطق الصراع الحديث يَميل إلى التحكُّم عن طريق البرمجة الذاتيَّة، ومن هُنا يستهدف النشء المسلم عمومًا.


وبعيدًا عن التَّوصيف النَّظري، والتَّعليق على شمَّاعة المؤامرة فحسْب، القضيَّة –نصفها بيسر- هي حراك بشري بثوْبٍ جديد، فالغرب بعد أحْقاب من البؤس انطلق للاستِعْمار ونهب ثروات الشُّعوب، فذاق طعم الرَّفاهيَّة، فهو يعمل على استِمْرارها، ولا يستهدفُنا كأمَّة لأننا مسلمون فحسب، بل ما يصيبُنا جزءٌ ممَّا يخطِّط له على مستوى العالم، وإنْ كنَّا في بؤرة الاستِهْداف، فبما حبانا المولى - سبحانه - من خيرات مادِّية، وقسوة مخطَّطاته التي تطالُنا الآن بسبب عقيدتِنا الإسلاميَّة، فهي أكبر عائقٍ أمامه.





ومراكز البحث الغربية استطاعت غزو العالم بجيش لم يفطن له، هو اللغة الحية بحجة التقدم التقني ومواكبة التطور، وهي حقيقة لا مناص من التسليم بها، فالضعف التقني ولّد حاجة إدخال اللغة الأجنبية إلى كل مناهج الأمم ومنها أمتنا.

فأطفالُنا كلُّهم - وبلا استثناء - أطفال اصطُلِح على تسمِيَتهم تربويًّا أطفال ثنائي اللغة بطيف متباين المستوى، وثنائيَّة اللغة – للإنْصاف - سلاح ذو حدَّين، فمن جهة مفيدة لمواكبة التطوُّر، وأخرى ضرر على مستقبل الأمَّة.

وبؤرة الضَّرر الأطفال المسلمون الذين نشؤوا في الغرب - وهم يقدَّرون الآن بالملايين - فهُم يمثِّلون شريحةً حقيقيّة بكل المقاييس للأطفال ثنائي اللغة، هذه الظَّاهرة لم ترصد بشكل علمي بَحثي دقيق، يقوِّم منافع ومضار تلك الشريحة.


فالاندِماج مطلب رسْمي وشعبي في الغرْب لتسهيل التواصُل والمساهمة في بناء المجتمع، يتم التَّركيز الفِعْلي والمدْروس على الأطفال، ولا يقتصر على النَّشء المسلم؛ بل كلّ طفل نشأ في الغرب، ويراد لهذا التوجُّه مدُّ شرايين الغَرْب بدِماء جديدة بعد تفكُّك الأسرة الغربيَّة وقلَّة الإنجاب.

وهجرة المسلمين إلى الغرب اتَّسمت تاريخيًّا بالطَّارئة، فلا تجِد في تراثنا ذكرًا لتربية النشْء في أرض غير إسلامية، كما أنَّ اختلاف الظروف المعاصرة عمَّا قبل يتطلَّب جهودًا كبيرة.

والمسلمون المقيمون في الغرب بدؤوا يتحسَّسون هذه المشكلة؛ لكن يُعْوِزهم العمل المؤسسي، وميزانيات معتَمَدة وتخطيط، والواقع هو اجتِهادات فردية أو جمعيَّة تحاول تلمس الأحلام، فإنشاء مدرسة في بيئة متمدِّنة يكلِّف الكثير، ومع ذلك تم بناء بعض المدارس، وفي فن الممكن جنحوا إلى ما يسمَّى مدارس نهاية الأسبوع، وهي النسبة العظمى من المدارس، تفتح أبوابَها ليوم واحد ولسويعات قليلة أسبوعيًّا، وعليها تعليم لغة القرآن، وتلْقين بعض السور القصار وقليلٍ من المعارف الإسلاميَّة.

ومع كل هذه الصعوبات تتبدَّى مصاعبُ أخرى؛ كبُعْد المدْرسة عن سكن الطلبة، وعمل الوالدين أثناء فتح المدارس أبوابها، وكذلك المناهج التي تلقَّن للتلاميذ.

ويمكن إجمال الملاحظات التي تعيق ذلك بما يلي:




أوَّلاً البيت:



الزَّواج من كتابيَّة أمر شائع، وبغضِّ النظر عن الحكم الشرعي، والذي بات - للأسف - يعامل معاملة القانون، يسمح أو لا يسمح، فلا يُؤخذ بعين الاعتبار علَّة الحكم ومقصد الشَّرع، مع أنَّ الآية الخامسة من سورة المائدة نصَّت على كلِمة التَّحصين، وهي تشرع للزَّواج من الكتابيَّة، فلا يحمل إلا على نوع من التَّحصين في زمانِنا.

فالأم هي التي يقضِي الطفل معها معظم وقته، قبل سنِّ الحضانة، ولجهل كثير من الآباء ببعض القواعد التَّربوية لا يقيِّمون الموقف تقييمًا صحيحًا، وعلماء التربية يعدُّون مرحلة ما قبل الحضانة حاسمة لتكوين الوجْدان والمشاعر، وهب أنَّ هذه الأم أسلمت فهي حديثة عهْد بتعاليم الدين الحنيف، ولم تتمثَّل العقيدة السَّمحة والأحكام والأخْلاق، بما يؤهِّلها لتكونَ قدْوة يتعلَّم منها الطفل بالتَّقليد والمحاكاة.

أمَّا الأطْفال الذين ولِدوا لأبويْن مسلمين أصْلاً ومقيمَين في الغرْب، فإنَّ معضلة التحدُّث بالعامِّية هي من أخطر ما يواجهون، وربَّما يقول قائل: إنَّ جميع بلدانِنا العربيَّة تتحدَّث العامِّية!

والجواب: ثمَّة وسائلُ مسانِدةٌ ترفد الفصحى في بلدانِنا (كالمدرسة - المساحة الزمنيَّة الأكبر - بعض وسائل الإعلام - المسجد) تخفِّف مـن وطأة الضَّرر.

وعادة ما تغلب لغة البلد حتَّى داخل المسجد في الغرب، والعامِّية معضلة حتَّى في العالم العربي، ففي دراساتٍ تربويَّة تَمَّ حصْر أضرار العامِّيَّة بالتَّالي:




1- العامية تشوِّه مخارجَ وصفاتِ الحروف.



2- التشكيل أو الحركات ليستْ ذات بال في العاميَّة، بيْنما نجِد تبدُّل حركة واحدة في الفصحى تقلب المعنى.


3- النحْت الصرفي عاميًّا لا يخضع لضوابط علمية.


4- ويمكن القول: إنَّ عاميَّة أي بلد عربي تَحوي كلِماتٍ دخيلةً، إمَّا من بلدٍ مُجاور، أو من بقايا لغة الاستِعْمار.

والسؤال الذي يفرِض نفسَه: لماذا التَّركيز على الفُصحى؟ وما علاقة ذلك بالنَّشء المسلم؟
اعتاد النَّاس اعتبار اللغة وسيلة للتخاطُب والتواصل، وهي نظرة سطحيَّة لمنافع اللُّغة، إنَّ أيَّ لغة هي وعاء للثَّقافة فلا يتحدَّث متحدِّث إلا عن تصوُّر ذهني، وأقرَّ علماء النفس: "أنَّه لا يمكن إغفال البناء النَّفسي وعملية التفكير في الجانب اللغوي، الذي يلعب الدور الرَّئيس في عمـلية التَّمثيل الذهني"، وهذا ما جعل علماء النفس ومنذ ثلاثين عامًا يفردون علمًا مستقلاًّ دُعِي: "علم النفس الإدراكي"، فاللغة كلِمات تعبِّر عن تصوُّرات تنبع من آراء، قد تتولد مـن أفكار ومنها الأفكار العَقَدِيَّة.

وإذا كنَّا نحن الكبار ومن سبق لهم التكوين في البلاد العربية نواجه صعوبات، فما بالُك بأطفال ذاكرتُهم في طور التَّنشِئة وخزن المعلومات؟! فإضعاف اللغة عند النشْء المسلم المقيم في الغرْب - داخل البيت - ينشئُ طفلاً جاهلاً بلغة القُرآن؛ مما يتعسَّر عليه مستقبلاً فَهْمُه وتدبر معانيه، ويكون بِهذا الفهم وسيلة تخريب في معتقدات أمَّته، أو يبتعد سلوكُه عن تعاليم الدين الحنيف.


ثانيًا المناهج:




وهي بلا ريبٍ مُحاولات رياديَّة يشكر القائمون عليْها، بيْد أنَّ شأنَها شأن أي أمر ريادي، فإنَّ عوائق الإنشاء والتكوين تدفعُ اتِّجاه الإنجاز على حساب الجودة، ويسجل لها بداية محاولاتها لسدِّ الثغرات مع فقرها للإمكانات، ويمكن إجمال الملاحظات التكميليَّة على النحو التالي:

- أغلب واضعي المناهج من المتخصِّصين في البلدان العربية، وهو أمر جيّد، غير أنَّ المؤلف يضع ما يراه مناسبًا حسب اطِّلاعه، وعلى حد علمي: لا تنظَّم زيارات ميدانيَّة للمؤلفين، ممَّا يكسبها الطابع النظري.
- ضعف أو انعدام التواصُل مع الكادر التدريسي.
- المفردات الموضوعة لا تنتمي في معظمها لبيئة الطفل الغربيَّة، فهي كلمات وحشيَّة بالنسبة له.


ثالثًا الكادر التعليمي:




إداريًّا تنوء به كواهل المراكز الإسلاميَّة، والتي يكون التَّعليم أحد مهامها، والملاحظ كونه ثانويًّا بالنسبة لبقية المهام.


- والمدرسون: في الغالب هم من المتطوِّعين، رمزيًّا أو مجَّانًا، وهم غير متفرِّغين ولا رقابة عليهم، وغير مؤهَّلين تربويًّا.


- الزمن: إنَّ عمليَّة التعليم تحتاج لسنوات، وإلى تكرار، فما يحصل عليه الطفل المسلم في الغرْب أسبوعيًّا، لا يعادل حصَّة نشاط أسبوعيَّة في البلاد العربية.


- إنَّ من مهارات تعلُّم اللغة الأربع مهارةَ السَّماع، فلا البيت ولا مدرسة نِهاية الأسبوع تُعطي الحد الأدنى المطلوب.

هذه نظرة أوَّليَّة حاولت تلمُّس المشكلة، وفي الجزء الثاني الاصطلاحات التربوية وتطبيقاتها تربويًّا في الغرب.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.68 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.05 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.54%)]