عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 19-03-2024, 01:02 PM
الصورة الرمزية ابوالوليد المسلم
ابوالوليد المسلم ابوالوليد المسلم متصل الآن
قلم ذهبي مميز
 
تاريخ التسجيل: Feb 2019
مكان الإقامة: مصر
الجنس :
المشاركات: 134,788
الدولة : Egypt
افتراضي رد: دروس رمضانية السيد مراد سلامة

الدرس الثامن: تابع ثمرات الاتباع

السيد مراد سلامة

الحمد لله الذي لا يُسأل عما يفعل، فلا تيئَس من رحمته ولا تعجَل، فسبحانه من أقبل بجوده وبرِّه على من رجع إليه وأقبَل، ورأى زلة المسيء وجنح الظلام مُسبل، فعامله برأفته وتجاوَز عنه برحمته وأمهَل، وجعل للقبول والفضل أوقاتًا ليتدارك المقصر ما ضيَّع وأهمَل، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو علي كل شيء قدير، شهادة عبد خضَع لهيبته وتذلَّل، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبد الله ورسوله وصفيُّه من خلقه وحبيبه، أما بعد:
فحيَّاكم الله تعالى وبيَّاكم، تقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام وخالص الأعمال، أما بعد، فقال الشاطبي رحمه الله تعالى: «إن الصحابة كانوا مقتدين بنبيِّهم صلى الله عليه وسلم، مهتدين بهديه، وقد جاء مدحهم في القرآن الكريم، وأثنى على متبوعهم محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما كان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن، فقال تعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4]، فالقرآن إنما هو المتبوع على الحقيقة، وجاءت السنة مبينة له، فالمتبع للسنة متَّبع للقرآن، والصحابة كانوا أولى النّاس بذلك، فكلُّ من اقتدى بهم فهو من الفرقة النّاجية الدّاخلة للجنّة بفضل الله، وهو معنى قوله عليه الصّلاة والسّلام: «ما أنا عليه وأصحابي»، فالكتاب والسّنّة هو الطّريق المستقيم، وما سواهما من الإجماع وغيره فناشئ عنهما»)[1].

سابعًا: دخول الجنة:
أخي المسلم، من ثمرات الاتباع دخول الجنة؛ عَنْ أَبي هريرةَ - رضي الله عنه - أنَّ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: «‌كُلُّ ‌أُمَّتِي ‌يَدخُلُونَ الجَنَّةَ إلَاّ مَنْ أبَى، قيلَ: وَمَنْ يَأبَى يَا رَسُول الله؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أبَى»[2].

وقال الطيبي: ومن أبى عطف على محذوف؛ أي: عرفنا الذين يدخلون الجنة، والذي أبى لا نعرفه، وكان من حق الجواب أن يقال من عصاني، فعدل إلى ما ذكره تنبيهًا به على أنهم ما عرَفوا ذاك ولا هذا، إذ التقدير من أطاعني وتمسك بالكتاب والسنة، دخل الجنة، ومن اتبع هواه وزل عن الصواب، وتخلى عن الطريق المستقيم، دخل النار، فوضع أبى موضعه وضعًا للسبب موضع المسبب (3).

ثامنًا: العزة في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم والذل والصغار على من خالف أمره:
معاشر المحبين، إن من ثمرات الاتباع العزة والرفعة في الدنيا والآخرة، ومن أثار الابتداع الذل والصغار، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بُعِثْتُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ بِالسَّيْفِ حَتَّى يُعْبَدَ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا يُشْرَكَ بِهِ شَيْءٌ وَجُعِلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي ‌وَجُعِلَ ‌الذِّلَّةُ ‌وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي، وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ[3].

هذا يدل على أن العزة والرفعة في الدنيا والآخرة بمتابعة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم، لامتثال متابعة أمر الله؛ قال تعالى: ﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ﴾ [سورة النساء: 80].

وقال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [سورة المنافقون: 8]، وقال تعالى: ﴿ مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾ [سورة فاطر: 10].

تاسعًا: الحياة الإيمانية:
فالاتباع للرسول صلى الله عليه وسلم دليلُ حبِّه؛ كما أن ثمرته غفران الذنوب، وفي اتباعه صلى الله عليه وسلم فلاح العبد ونجاحه؛ كما قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [الأنفال: 24].

فأمر الله المؤمنين بأن يستجيبوا للرسول، فيما أمرهم ونهاهم، وذلك الحياة الطيبة؛ كما قال ابن القيم رحمه الله: إذ الحياة الحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب لله ولرسوله ظاهرًا وباطنًا، فهؤلاء هم الأحياء وإن ماتوا، وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء الأبدان، ولهذا كان أكمل الناس حياة أكملهم استجابة لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإن كل ما دعا إليه بقية الحياة، فمن فاته جزء منه فاته جزءٌ من الحياة، وفيه من الحياة بحسب ما استجاب للرسول[4].

عاشرًا: شرط قبل الأعمال:
وهو موافقةُ العمل لسنَّةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ [الأحزاب: 36]، وقال اللهُ تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الحشر: 7]، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "‌مَنْ ‌أَحْدَثَ ‌فِي ‌أَمْرِنَا ‌هَذَا ‌مَا ‌لَيْسَ مِنْهُ[5]؛ أي: مَن خالَف سنَّةَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في العبادةِ، فعملُه غيرُ مقبول.

قصص من حرص السلف على الاتباع:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه رأى في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمًا من ورق يومًا واحدًا، ثم إن الناس اصطنعوا الخواتيم من ورق ولبسوها، فطرح رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمه، فطرح الناس خواتيمهم"[6].

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه، فوضعها عن يساره فخلع الناس نعالهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، قال: ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟ قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، قال: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرًا"[7].

وفي رواية عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره، فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، قال: "ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟"، قالوا: رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرًا إذا جاء أحدكم إلى المسجد، فلينظر فإن رأى في نعليه قذرًا أو أذى، فليمسحه وليصلِّ فيهما"[8].

وعن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان (أي سواران) غليظتان من ذهب، فقال لها: أتعطين زكاة هذا؟ قالت: لا قال: أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار؟ قال: فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت: هما لله عز ولرسوله[9]، عن عائشة رضي الله عنه، قالت: يرحم الله نساء المهاجرات الأول لَما أنزل الله ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ [النور: 31]، شَققنَ مُروطهنَّ فاختمرنَ بها، وقال أيضًا: حدثنا أبو نعيم، حدثنا إبراهيم بن نافع، عن الحسن بن مسلم، عن صفية بنت شيبة أن عائشة رضي الله عنه، كانت تقول: لَما نزلت هذه الآية ﴿ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾، أخذن أزرهنَّ، فشققنَها من قِبَل الحواشي فاختمرنَ بها.

أبو بكر الصديقرضي الله عنه يرسم منهجه في الحكم اتباع واقتداء طاعة لا معصية:
لما تولى الخلافة رضي الله عنه تكلم فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أيها الناس، فإني وُليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أساءت فقوِّموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح[10] عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه إن شاء الله، لا يدع قوم الجهاد في سبيل الله إلا ضربهم الله بالذل، ولا تشيع الفاحشة في قوم قط إلا عمَّهم الله بالبلاء، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم، قوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله[11].

حرص عمر رضي الله عنه على اتباع النبي صلى الله عليه وسلم:
ومن صور حرصه رضي الله عنه على الاتباع والاقتداء أنه كان يحج بيت الله الحرام ويطوف به، حتى إذا وقف على الحجر الأسود فقال: كما عند البخاري عن زيد بن أسلم عن أبيه قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبَّل الحجر الأسود وقال: لو لا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم - يقبلك ما قبَّلتك[12]، وفي رواية أخرى قال: أما والله أني لأعلم أنك حجرٌ لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم استلمك ما استلمتُك.

قال الحافظ بن حجر: قال الطبري: إنما قال ذلك عمر؛ لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام، فخَشِيَ عمر أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب تعظيم بعض الأحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية، فأراد عمر أن يعلِّم الناس أن استلامه اتباع لفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا لأن الحجر ينفع ويضر بذاته كما كان الجاهلية تعتقده بالأوثان.

[1] الاعتصام للشاطبي (2/ 252).

[2] أخرجه: البخاري في الصحيح 13/ 249، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة (96)، باب الاقتداء بسنن رسول اللَّه - صلى اللَّه عليه وسلم- (2)، الحديث (7280).

[3] أخرجه ابن أبي شيبة 5/313، والبيهقي في "الشعب" (1199).

[4] الفوائد لابن القيم (ص88) بتصرف.

[5] أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718).

[6] أخرجه البخاري برقم (5530)، وأخرجه مسلم في اللباس والزينة باب في طرح الخواتم رقم (2093).

[7] رواه أبو داود؛ السلسلة الصحيحة برقم (284).

[8] رواه أبو داود والدارمي، مشكاة المصابيح برقم (766).

[9] أخرجه أبو داود (1/ 244) والنسائي (1/ 343) وأبو عبيد في الأموال رقم (1260) وإسناده حسن، وصححه ابن الملقن (65/ 1)، وتضعيف ابن الجوزي له في [التحقيق] (6/ 197/1) مردود عليه؛ آداب الزفاف (1/ 184).

[10] أريح: أراحه: أرجعه حقه.

[11] السيرة النبوية لابن هشام وقال ابن كثير في البداية: إسناده صحيح، ومصنف عبد الرزاق - (ح 20702)، الثقات لابن حبان - (2 / 157) الكامل في التاريخ - (1 / 361) وتاريخ الطبري - (2 / 238).

[12] أخرجه البخاري في: 25 كتاب الحج: 50 باب ما ذكر في الحجر الأسود.




__________________
سُئل الإمام الداراني رحمه الله
ما أعظم عمل يتقرّب به العبد إلى الله؟
فبكى رحمه الله ثم قال :
أن ينظر الله إلى قلبك فيرى أنك لا تريد من الدنيا والآخرة إلا هو
سبحـــــــــــــــانه و تعـــــــــــالى.

رد مع اقتباس
 
[حجم الصفحة الأصلي: 24.96 كيلو بايت... الحجم بعد الضغط 24.33 كيلو بايت... تم توفير 0.63 كيلو بايت...بمعدل (2.52%)]